فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التناوب في العلم

( بابُُ التَّناوُبِ فِي العِلْمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التناوب فِي الْعلم، والتناوب: تفَاعل من نَاب لي يَنُوب نوباً ومناباً، أَي: قَامَ مقَامي.
وَمَعْنَاهُ: أَن تتناوب جمَاعَة لوقت مَعْرُوف يأْتونَ بالنوبة.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول: الرحلة فِي طلب الْعلم.
وَهِي لَا تكون إلاَّ من شدَّة الْحِرْص فِي طلب الْعلم، وَفِي التناوب أَيْضا هَذَا الْمَعْنى، لأَنهم لَا يتناوبون إلاَّ لطلب الْعلم والباعث عَلَيْهِ شدَّة حرصهم.



[ قــ :89 ... غــ :89 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيّ.

( ح) قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ:.

     وَقَالَ  ابنُ وهْبٍ: أخْبرنا يُونُسُ عَن ابنِ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أبي ثَوْرٍ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسِ عنْ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَنا وجارٌ لِي مِنَ الأنْصارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بنِ زَيْدٍ، وهْيَ مِنْ عَوالِي المَدِينَةِ، وكُنَّا نَتَناوَبُ النُّزُولَ عَلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَنْزِلُ يَوْماً وأنْزِلُ يَوْماً، فَإذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْي وغَيِرهِ، وإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذلِكَ، فَنَزَلَ صاحِبِي الأَنْصاريُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَضَربَ بابُُي ضَرْباً شدِيداً فقالَ: أثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقالَ: قَدْ حَدثَ أمْرٌ عَظِيمٌ! قالَ: فَدَخلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإذَا هيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ طَلَّقَكُنَّ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَتْ: لَا أدْرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتْ وأنَا قائِمٌ: أطلَّقْتَ نِساءَكَ؟ قَالَ: ( لَا) ، فَقُلْتُ: الله أكْبَرُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: ( كُنَّا نتناوب النُّزُول) .

بَيَان رِجَاله: وهم تِسْعَة، لِأَنَّهُ أخرجهم من طَرِيقين: الأولى: عَن أبي الْيَمَان: الحكم ابْن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي جَمْرَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي ثَوْر، بِالْمُثَلثَةِ، الْقرشِي النَّوْفَلِي التَّابِعِيّ الثِّقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَقد اشْترك مَعَه فِي اسْمه وَاسم أَبِيه فِي الرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْهُمَا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابْن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ الْمدنِي، لَكِن رِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس كَثِيرَة فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) ، وَلَيْسَ لِابْنِ أبي ثَوْر عَن ابْن عَبَّاس غير هَذَا الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّانِيَة: من التعليقات حَيْثُ قَالَ: قَالَ أَبُو عبد اللَّه، أَرَادَ بِهِ البُخَارِيّ نَفسه.
قَالَ ابْن وهب، أَي: عبد اللَّه بن وهب الْمصْرِيّ، أخبرنَا يُونُس، وَهُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب، وَهُوَ الزُّهْرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) عَن ابْن قُتَيْبَة، عَن حَرْمَلَة عَن عبد اللَّه بن وهب بِسَنَدِهِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَته قَول عمر، رَضِي الله عَنهُ: كنت أَنا وجار لي من الْأَنْصَار نتناوب النُّزُول، وَهُوَ الْمَقْصُود من هَذَا الْبابُُ، وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك فِي رِوَايَة شُعَيْب وَحده عَن الزُّهْرِيّ، نَص على ذَلِك الذهلي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَآخَرُونَ.
فَإِن قلت: لم ذكر هَهُنَا رِوَايَة يُونُس؟ قلت: لينبه أَن الحَدِيث كُله من أَفْرَاد شُعَيْب.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَمِنْهَا: أَنه ذكر فِي الْمَوْصُول: الزُّهْرِيّ، وَفِي التَّعْلِيق: ابْن شهَاب، تَنْبِيها على قُوَّة مُحَافظَة مَا سَمعه من الشُّيُوخ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ كلمة ( ح) مُهْملَة، إِشَارَة إِلَى تَحْويل الْإِسْنَاد.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي الْيَمَان، كَمَا أخرجه هَهُنَا عَن عَنهُ، وَفِي الْمَظَالِم عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن عمر كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق بِطُولِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن الحكم بن نَافِع بِهِ، وَعَن عبيد اللَّه بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن عَمه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن مُحَمَّد بن ثَوْر عَن معمر بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( من الْأَنْصَار) جمع نَاصِر أَو نصير، وهم عبارَة عَن الصَّحَابَة الَّذين آووا ونصروا رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، من أهل الْمَدِينَة، رَضِي الله عَنْهُم، وَهُوَ اسْم إسلامي سمى الله تَعَالَى بِهِ الْأَوْس والخزرج.
وَلم يَكُونُوا يدعونَ الْأَنْصَار قبل نصرتهم رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا قبل نزُول الْقُرْآن بذلك.
قَوْله: ( فِي بني أُميَّة بن زيد) أَي: فِي هَذِه الْقَبِيلَة، ومواضعهم يَعْنِي: فِي نَاحيَة بني أُميَّة.
سميت الْبقْعَة باسم من نزلها.
قَوْله: ( من عوالي الْمَدِينَة) هُوَ جمع: عالية، وعوالي الْمَدِينَة عبارَة عَن قرى بِقرب مَدِينَة رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من فَوْقهَا من جِهَة الشرق، وَأقرب العوالي إِلَى الْمَدِينَة على ميلين أَو ثَلَاثَة أَمْيَال وَأَرْبَعَة، وأبعدها ثَمَانِيَة.
وَفِي ( الصِّحَاح) : الْعَالِيَة مَا فَوق نجد إِلَى أَرض تهَامَة، وَإِلَى أَرض مَكَّة وَهِي الْحجاز وَمَا والاها، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: عالي، وَيُقَال أَيْضا: علوي، على غير قِيَاس، وَيُقَال: عالى الرجل، وَأَعْلَى: إِذا أَتَى عالية نجد.
قَوْله: ( فَفَزِعت) ، بِكَسْر الزَّاي: أَي خفت، لِأَن الضَّرْب الشَّديد كَانَ على خلاف الْعَادة.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( وجار) ، بِالرَّفْع: لِأَنَّهُ عطف على الضَّمِير الْمُنْفَصِل الْمَرْفُوع.
أَعنِي قَوْله: أَنا، وَإِنَّمَا أظهر أَنا لصِحَّة الْعَطف حَتَّى لَا يلْزم عطف الِاسْم على الْفِعْل، هَذَا قَول البصرية.
وَعند الكوفية: يجوز من غير إِعَادَة الضَّمِير، وَيجوز فِيهِ النصب على معنى الْمَعِيَّة.
قَوْله: ( لي) : جَار ومجرور فِي مَحل الرّفْع، أَو النصب على الوصفية لِجَار.
قَوْله: ( من الْأَنْصَار) كلمة: من، بَيَانِيَّة.
قَوْله: ( فِي بني أُميَّة) فِي مَحل نصب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ، أَي: مستقرين فِيهَا، أَو نازلين أَو كائنين، وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( وَهُوَ) مُبْتَدأ، وَخَبره قَوْله: ( من عوالي الْمَدِينَة) .
قَوْله: ( نتناوب) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: كَانَ، و: النُّزُول، بِالنّصب على أَنه مفعول: نتناوب.
قَوْله: ( ينزل) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: جاري ينزل يَوْمًا، وَهُوَ نصب على الظَّرْفِيَّة.
قَوْله: ( وَأنزل) عطف على: ينزل.
قَوْله: ( فَإِذا) للظرفية، لكنه تضمن معنى الشَّرْط.
وَقَوله: ( جِئْته) جَوَابه.
قَوْله: ( من الْوَحْي) بَيَان للْخَبَر.
قَوْله: ( وَإِذا نزل) أَي: جاري.
قَوْله: ( الْأنْصَارِيّ) بِالرَّفْع صفة لقَوْله: ( صَاحِبي) ، وَهُوَ مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: نزل.
فَإِن قلت: الْجمع إِذا أُرِيد النِّسْبَة إِلَيْهِ يرد إِلَى الْمُفْرد، ثمَّ ينْسب إِلَيْهِ.
قلت: الْأنْصَارِيّ هَهُنَا صَار علما لَهُم، فَهُوَ كالمفرد، فَلهَذَا نسب إِلَيْهِ بِدُونِ الرَّد.
قَوْله: ( فَضرب بابُُي) عطف على مُقَدّر أَي: فَسمع اعتزال الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن زَوْجَاته، فَرجع إِلَى العوالي، فجَاء إِلَى بابُُي فَضرب.
.
وَمثل هَذِه الْفَاء تسمى بِالْفَاءِ الفصيحة، وَقد ذَكرنَاهَا غير مرّة.
قَوْله: ( أَثم؟) هُوَ: بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، وَهُوَ اسْم يشار بِهِ إِلَى الْمَكَان الْبعيد، نَحْو قَوْله: {وازلفنا ثمَّ الآخرين} ( الشُّعَرَاء: 64) وَهُوَ ظرف لَا يتَصَرَّف، فَلذَلِك غلط من أعربه مَفْعُولا: لرأيت، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيما} ( الْإِنْسَان: 20) وَلَا يتقدمه حرف التَّنْبِيه وَلَا يتَأَخَّر عَنهُ كَاف الْخطاب.
قَوْله: ( فَفَزِعت) : الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل، أَي لأجل الضَّرْب الشَّديد فزعت، وَالْفَاء فِي فَخرجت: للْعَطْف، وَيحْتَمل السَّبَبِيَّة، لِأَن فزعه كَانَ سَببا لِخُرُوجِهِ.
وَالْفَاء فِي: فَقَالَ، للْعَطْف.
قَوْله: ( قد حدث أَمر عَظِيم) ، جملَة وَقعت مقول القَوْل.
قَوْله: ( فَدخلت) أَي: قَالَ عمر، رَضِي الله عَنهُ: دخلت.
وَيفهم من ظَاهر الْكَلَام أَن: دخلت، من كَلَام الْأنْصَارِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الدَّاخِل هُوَ عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا من الِاخْتِصَار وإلاَّ فَفِي أصل الحَدِيث بعد قَوْله: ( امْر عَظِيم طلق رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام نِسَاءَهُ) .
قلت: قد كنت أَظن أَن هَذَا كَائِن حَتَّى إِذا صليت الصُّبْح شددت عَليّ ثِيَابِي، ثمَّ نزلت.
فَدخلت على حَفْصَة، أَرَادَ أم الْمُؤمنِينَ بنته، رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( قد حدث أَمر عَظِيم فَدخلت) بِالْفَاءِ.
فَإِن قلت: مَا هَذِه الْفَاء؟ قلت: الْفَاء الفصيحة، تفصح عَن الْمُقدر.
لِأَن التَّقْدِير نزلت من العوالي فَجئْت إِلَى الْمَدِينَة فَدخلت.
قَوْله: ( فَإِذا) للمفاجأة، وَهِي متبدأ: وتبكي، خَبره.
قَوْله: ( طَلَّقَكُن؟) وَفِي رِوَايَة: ( أطلقكن؟) ، بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: ( قَالَت) أَي: حَفْصَة: ( لَا أَدْرِي) أَي: لَا أعلم، ومفعوله مَحْذُوف.
قَوْله: ( وَأَنا قَائِم) : جملَة اسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: ( طلقت) أَي: أطلقت، والهمزة محذوفة مِنْهُ.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( وجار لي من الْأَنْصَار) : هَذَا الْجَار هُوَ عتْبَان بن مَالك بن عَمْرو ابْن العجلان الْأنْصَارِيّ الخزرجي، رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: ( ينزل يَوْمًا) أَي: ينزل صَاحِبي يَوْمًا من العوالي إِلَى الْمَدِينَة وَإِلَى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتعلم الْعلم من الشَّرَائِع وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( يَوْم نوبَته) أَي: يَوْمًا من أَيَّام نوبَته.
قَوْله: ( فَفَزِعت) إِنَّمَا كَانَ فزع عمر، رَضِي الله عَنهُ، بِسَبَب مَا يَجِيء فِي كتاب التَّفْسِير مَبْسُوطا، قَالَ عمر، رَضِي الله عَنهُ: ( كُنَّا نتخوف ملكا من مُلُوك غَسَّان ذكر لنا أَنه يُرِيد أَن يسير إِلَيْنَا وَقد امْتَلَأت صدورنا مِنْهُ، فتوهمت لَعَلَّه جَاءَ إِلَى الْمَدِينَة، فَخفت لذَلِك) .
قَوْله: ( أَمر عَظِيم) أَرَادَ بِهِ اعتزال الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،، عَن أَزوَاجه الطاهرات، رَضِي الله عَنْهُن.
فَإِن قلت: مَا العظمة فِيهِ؟ قلت: كَونه مَظَنَّة الطَّلَاق، وَهُوَ عَظِيم لاسيما بِالنِّسْبَةِ إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن بنته إِحْدَى زَوْجَاته.
قَوْله: ( الله أكبر {) وَقع فِي موقع التَّعَجُّب.
فَإِن قلت: مَا ذَاك التَّعَجُّب؟ قلت: كَأَن الْأنْصَارِيّ ظن اعتزاله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن نِسَائِهِ طَلَاقا أَو ناشئاً عَن الطَّلَاق، فَالْخَبَر لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالطَّلَاق بِحَسب ظَنّه، وَلِهَذَا سَأَلَ عمر، رَضِي الله عَنهُ، عَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن الطَّلَاق.
فَلَمَّا رأى عمر أَن صَاحبه لم يصب فِي ظَنّه تعجب مِنْهُ لفظ: الله أكبر.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ الْحِرْص على طلب الْعلم.
الثَّانِي: فِيهِ أَن لطَالب الْعلم أَن ينظر فِي معيشته وَمَا يَسْتَعِين بِهِ على طلب الْعلم.
الثَّالِث: فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد وَالْعَمَل بمراسيل الصَّحَابَة.
الرَّابِع: فِيهِ أَن الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، كَانَ يخبر بَعضهم بَعْضًا بِمَا يسمع من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيَقُولُونَ: قَالَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
ويجعلون ذَلِك كالمسند، إِذْ لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يكذب وَلَا غير ثِقَة.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز ضرب الْبابُُ ودقه.
السَّادِس: فِيهِ جَوَاز دُخُول الْآبَاء على الْبَنَات بِغَيْر إِذن أَزوَاجهنَّ، والتفتيش عَن الْأَحْوَال، سِيمَا عَمَّا يتَعَلَّق بالمزاوجة.
السَّابِع: فِيهِ السُّؤَال قَائِما.
الثَّامِن: فِيهِ التناوب فِي الْعلم والاشتغال بِهِ.