فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحياء في العلم

( بابُُ الْحيَاء فِي الْعلم)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْحيَاء فِي الْعلم وَالْحيَاء مَمْدُود وَهُوَ تغير وانكسار يعتري الْإِنْسَان عِنْد خوف مَا يعاب أَو يذم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي فَإِن قلت مَا مُرَاده بِالْحَيَاءِ فِي الْعلم اسْتِعْمَاله فِيهِ أَو تَركه قلت مُرَاده كِلَاهُمَا وَلَكِن بِحَسب الْموضع فاستعماله مَطْلُوب فِي مَوضِع وَتَركه مَطْلُوب فِي مَوضِع فَالْأول هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا وَحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بالأثر الْمَرْوِيّ عَن مُجَاهِد وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا فالحياء فِي الْقسم الأول ممدوح وَفِي الثَّانِي مَذْمُوم وَلَكِن إِطْلَاق الْحيَاء على هَذَا الْقسم بطرِيق الْمجَاز لِأَنَّهُ لَيْسَ بحياء حَقِيقَة وَإِنَّمَا هُوَ عجز وكسل وَسمي حَيَاء لشبهه بِالْحَيَاءِ الْحَقِيقِيّ فِي التّرْك فَافْهَم فَإِن قلت مَا الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ قلت من حَيْثُ أَنه لما كَانَ الْمَذْكُور فِي الْبابُُ السَّابِق تَخْصِيص قوم دون قوم بِالْعلمِ لِمَعْنى ذكر فِيهِ ذكر هَذَا الْبابُُ عَقِيبه تَنْبِيها على أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يستحي من السُّؤَال مِمَّا لَهُ فِيهِ حَاجَة زاعما أَن الْعلم مَخْصُوص بِقوم دون قوم بل عَلَيْهِ أَن يسْأَل عَن كل مَا لَا يُعلمهُ من أَمر دينه ودنياه ( وَقَالَ مُجَاهِد لَا يتَعَلَّم الْعلم مستحي وَلَا مستكبر) مُطَابقَة هَذَا الْأَثر الَّذِي أخرجه مُعَلّقا على مُجَاهِد بن جبر التَّابِعِيّ الْكَبِير لترجمة الْبابُُ فِي الْوَجْه الثَّانِي من الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرناهما فِي الْحيَاء وَهُوَ الْوَجْه الَّذِي فِيهِ ترك الْحيَاء مَطْلُوب وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ قَوْله مستحي بِإِسْكَان الْحَاء وباليائين ثَانِيهمَا سَاكِنة من اسْتَحى يستحي فَهُوَ مستحي على وزن مستفعل وَيجوز فِيهِ مستحي بياء وَاحِدَة من اسْتَحى يستحي فَهُوَ مستحي على وزن مستفع وَيجوز مستح أَيْضا بِدُونِ الْيَاء على وزن مستف وَيكون الذَّاهِب فِيهِ عين الْفِعْل ولامه وفاؤه بَاقٍ وَكَذَلِكَ يُقَال فِي استحييت استحيت بياء وَاحِدَة فأعلوا الْيَاء الأولى وألقوا حركتها على الْحَاء قبلهَا استثقالا لما دخلت عَلَيْهِ الزَّوَائِد قَالَ سِيبَوَيْهٍ حذفت لالتقاء الساكنين لِأَن الْيَاء الأولى تقلب ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا قَالَ وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك حَيْثُ كثر فِي كَلَامهم.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ لم تحذف لالتقاء الساكنين لِأَنَّهَا لَو حذفت لذَلِك لردوها إِذا قَالُوا هُوَ يستحي ولقالوا يستحيي كَمَا قَالُوا يستبيع.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش اسْتَحى بياء وَاحِدَة لُغَة تَمِيم وبيائين لُغَة أهل الْحجاز وَهُوَ الأَصْل لِأَن مَا كَانَ مَوضِع لامه مُعْتَلًّا لم يعلوا عينه أَلا ترى أَنهم قَالُوا أَحييت وحويت وَيَقُولُونَ قلت وبعت فيعلون الْعين لما لم تعتل اللَّام وَإِنَّمَا حذفوا الْيَاء لِكَثْرَة استعمالهم لهَذِهِ الْكَلِمَة كَمَا قَالُوا لَا أدر فِي لَا أَدْرِي قَوْله وَلَا مستكبر أَي مستعظم فِي نَفسه وَهُوَ الَّذِي يتعاظم ويستنكف أَن يتَعَلَّم الْعلم والاستكبار والتكبر هُوَ التعظم وللعلم آفَات فأعظمها الاستنكاف وثمرته الْجَهْل والذلة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَسُئِلَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِمَ حصلت الْعلم الْعَظِيم فَقَالَ مَا بخلت بالإفادة وَلَا استنكفت عَن الاستفادة ( وَقَالَت عَائِشَة نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار لم يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدّين) مُطَابقَة هَذَا الْأَثر الْمُعَلق أَيْضا مثل مُطَابقَة الْأَثر الْمَرْوِيّ عَن مُجَاهِد.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي.

     وَقَالَ ت عطف على.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَيحْتَمل أَن يكون عطفا على لَا يتَعَلَّم فَيكون من مقول مُجَاهِد أَيْضا وَالأَصَح أَن مُجَاهدًا سمع من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قلت هَذَا تعسف وَالصَّوَاب مَا قَالَه أَولا من أَنه عطف على قَالَ مُجَاهِد فَهَذَا من كَلَام مُجَاهِد وَهَذَا من كَلَام عَائِشَة وَلَيْسَ لأَحَدهمَا تعلق بِالْآخرِ وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبيد الله بن معَاذ حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يسألن عَن الدّين ويتفقهن فِيهِ قَوْله نعم النِّسَاء كلمة نعم من أَفعَال الْمَدْح كَمَا أَن بئس من أَفعَال الذَّم وَهِي مَا وضع لإنشاء مدح أَو ذمّ وَشَرطهَا أَن يكون الْفَاعِل مُعَرفا بِاللَّامِ أَو مُضَافا إِلَى الْمُعَرّف بهَا وهما فعلان بِدَلِيل جَوَاز اتِّصَال تَاء التَّأْنِيث الساكنة بهما فِي كل اللُّغَات وَيجوز حذفهَا وَإِن كَانَ الْفَاعِل مؤنثا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهُ غير متصرف فَأشبه الْحَرْف وَمِنْه قَول عَائِشَة حَيْثُ قَالَت نعم النِّسَاء وَلم تقل نعمت النِّسَاء فارتفاع النِّسَاء على الفاعلية وارتفاع النِّسَاء الثَّانِيَة على أَنَّهَا مَخْصُوصَة بالمدح كَمَا فِي قَوْلك نعم الرجل زيد فَهُوَ مُبْتَدأ وَمَا قبله من الْجُمْلَة خَبره قَوْله الْحيَاء فَاعل لم يمنعهن قَوْله أَن يتفقهن تَقْدِيره عَن أَن يتفقهن وَأَن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير عَن التفقه فِي أُمُور الدّين وَالْمرَاد من نسَاء الْأَنْصَار نسَاء أهل الْمَدِينَة

[ قــ :129 ... غــ :130 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا أَبُو مُعَاوِيَة قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن زَيْنَب ابْنة أم سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن الله لَا يستحي من الْحق فَهَل على الْمَرْأَة من غسل إِذا احْتَلَمت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَتْ المَاء فغطت أم سَلمَة تَعْنِي وَجههَا.

     وَقَالَ ت يَا رَسُول الله وتحتلم الْمَرْأَة قَالَ نعم تربت يَمِينك فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا)
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْوَجْه الأول من وَجْهي الْحيَاء اللَّذين ذكرناهما فِي أول الْبابُُ.
( بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول مُحَمَّد بن سَلام بتَخْفِيف اللَّام على الْأَكْثَر البيكندي الثَّانِي أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين الضَّرِير التَّيْمِيّ الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة الرَّابِع أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْخَامِس زَيْنَب بنت أم سَلمَة وَهِي زَيْنَب بنت عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي أبي سَلمَة ونسبت إِلَى الْأُم الَّتِي هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بَيَانا لشرفها لِأَنَّهَا ربيبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإشعارا بِأَن رِوَايَتهَا عَن أمهَا وَاسْمهَا كَانَ برة فَغَيره النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى زَيْنَب وَكَانَت من أفقه نسَاء زمانها ولدتها أمهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وقدمت بهَا وَهِي أُخْت عمر وَسَلَمَة ودرة روى لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا وَمُسلم آخر مَاتَت سنة ثَلَاث وَسبعين وروى لَهَا الْجَمَاعَة السَّادِس أم سَلمَة زوج النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة وَقد تقدم ذكرهَا فِي بابُُ الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ.
( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة الصحابية عَن الصحابية وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة الْبِنْت عَن الْأُم.
( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الْأَدَب عَن إِسْمَعِيل كِلَاهُمَا عَن مَالك وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى وَفِي خلق آدم عَن زُهَيْر ثَلَاثَتهمْ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن وَكِيع وَعَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان كِلَاهُمَا عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الطَّهَارَة عَن ابْن أبي عمر بِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْعلم عَن شُعَيْب بن يُوسُف عَن يحيى بن سعيد بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد كِلَاهُمَا عَن وَكِيع بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة من حَدِيث عَائِشَة عَن أَحْمد بن صَالح عَن عَنْبَسَة عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن أم سليم الْأَنْصَارِيَّة وَهِي أم أنس بن مَالك قَالَت قَالَ يَا رَسُول الله إِن الله لَا يستحي من الْحق الحَدِيث ( بَيَان اللُّغَات) قَوْله لَا يستحي فِيهِ لُغَتَانِ أفصحهما بالياءين وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب مُسْتَوْفِي قَوْله من الْحق وَهُوَ ضد الْبَاطِل قَوْله من غسل بِضَم الْغَيْن وَهُوَ اسْم للْفِعْل الْمَشْهُور وبفتح الْغَيْن الْمصدر وَأما الْغسْل بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْم مَا يغسل بِهِ كالسدر وَنَحْوه وَفِي الْمُحكم غسل الشَّيْء يغسلهُ غسلا وغسلا وَقيل الْغسْل الْمصدر وَالْغسْل الِاسْم قلت الْحَاصِل أَن الْغسْل بِالْفَتْح وَالضَّم مصدران عِنْد أَكثر أهل اللُّغَة وَبَعْضهمْ فرق بَينهمَا فَقَالُوا بِالْفَتْح الْمصدر وبالضم الِاسْم قَوْله إِذا احْتَلَمت مُشْتَقّ من الْحلم بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم تَقول مِنْهُ حلم بِالْفَتْح واحتلم تَقول حلمت بِكَذَا وحلمته أَيْضا والحلم بِالْكَسْرِ الأناة تَقول مِنْهُ حلم الرجل بِالضَّمِّ وتحلم تكلّف الْحلم بِالْكَسْرِ وتحلم إِذا ادّعى الرُّؤْيَا كَاذِبًا قَوْله تربت يَمِينك بِكَسْر الرَّاء من ترب الرجل إِذا افْتقر أَي لصق بِالتُّرَابِ وأترب إِذا اسْتغنى وَهَذِه الْكَلِمَة جَارِيَة على أَلْسِنَة الْعَرَب لَا يُرِيدُونَ بهَا الدُّعَاء على الْمُخَاطب وَلَا وُقُوع الْأَمر بهَا كَمَا يَقُولُونَ قَاتله الله وَقيل مَعْنَاهُ لله دَرك وَقيل أَرَادَ بهَا الْمثل ليرى الْمَأْمُور بذلك الْجد وَأَنه إِن خَالفه فقد أَسَاءَ.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ دُعَاء على الْحَقِيقَة وَلَيْسَ بِصَحِيح وَكَثِيرًا مَا يرد للْعَرَب أَلْفَاظ ظَاهرهَا الذَّم وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بهَا الْمَدْح كَقَوْلِهِم لَا أَب لَك وَلَا أم لَك وهوت أمه وَلَا أَرض لَك وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْهَرَوِيّ وَمِنْه قَوْله فِي حَدِيث خُزَيْمَة أنعم صباحا تربت يداك فَأَرَادَ الدُّعَاء لَهُ وَلم يرد الدُّعَاء عَلَيْهِ وَالْعرب تَقول لَا أم لَك وَلَا أَب لَك يُرِيدُونَ لله دَرك.

     وَقَالَ  عِيَاض هَذَا خطاب على عَادَة الْعَرَب فِي اسْتِعْمَال هَذِه الْأَلْفَاظ عِنْد الْإِنْكَار للشَّيْء والتأنيس أَو الْإِعْجَاب أَو الاستعظام لَا يُرِيدُونَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ قلت ولذوي الْأَلْبابُُ فِي هَذَا الْبابُُ أَن ينْظرُوا إِلَى اللَّفْظ وقائله فَإِن كَانَ وليا فَهُوَ الْوَلَاء وَإِن خشن وَإِن كَانَ عدوا فَهُوَ الْبلَاء وَإِن حسن ( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله لَا يستحي جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر إِن قَوْله فَهَل للاستفهام وَكلمَة من فِي من غسل زَائِدَة أَي هَل غسل يجب على الْمَرْأَة قَوْله إِذا رَأَتْ المَاء كلمة إِذا ظرفية تَقْدِيره عَلَيْهَا غسل حِين رَأَتْ الْمَنِيّ إِذا انْتَبَهت وَيجوز أَن تكون شَرْطِيَّة تَقْدِيره إِذا رَأَتْ وَجب عَلَيْهَا غسل وَالْمَاء مَنْصُوب بقوله رَأَتْ من رُؤْيَة الْعين قَوْله فغطت فعل وَأم سَلمَة فَاعله ووجهها مَفْعُوله قَوْله وتحتلم الْمَرْأَة عطف على مُقَدّر يَقْتَضِيهِ السِّيَاق أَي أَتَقول ذَلِك أَو أَتَرَى الْمَرْأَة المَاء وتحتلم وَنَحْوه وروى أَو تحتلم الْمَرْأَة بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام قَوْله تربت فعل ويمينك كَلَام إضافي فَاعله وَالْجُمْلَة خبرية فِي الأَصْل وَلكنهَا دُعَاء فِي الِاسْتِعْمَال وَقيل على حَالهَا خبر لِأَنَّهُ لَا يُرَاد حَقِيقَتهَا قَوْله فَبِمَ أَصله فبمَا فحذفت الْألف قَوْله يشبهها فعل ومفعول وَالضَّمِير يرجع إِلَى الْمَرْأَة قَوْله وَلَدهَا بِالرَّفْع فَاعل ( بَيَان الْمعَانِي) قَوْله إِن الله لَا يستحي أَي لَا يمْتَنع من بَيَان الْحق فَكَذَا أَنا لَا أمتنع من سُؤَالِي عَمَّا أَنا محتاجة إِلَيْهِ مِمَّا تَسْتَحي النِّسَاء فِي الْعَادة من السُّؤَال عَنهُ لِأَن نزُول الْمَنِيّ مِنْهُنَّ يدل على شدَّة شهوتهن للرِّجَال وَإِنَّمَا فسرناه هَكَذَا لِأَن الْحيَاء تغير وانكسار يعتري الْإِنْسَان من تخوف مَا يعاب بِهِ أَو يذم وَهَذَا محَال على الله تَعَالَى فَيكون هَذَا جَارِيا على سَبِيل الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة التمثيلية كَمَا فِي حَدِيث سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حَيّ كريم يستحي إِذا رفع العَبْد يَدَيْهِ أَن يردهما صفرا حَتَّى يضع فيهمَا خيرا شبه ترك الله إِجَابَة العَبْد ورد يَدَيْهِ إِلَيْهِ صفرا بترك الْكَرِيم ورده الْمُحْتَاج حَيَاء فَقيل ترك الله الرَّد حَيَاء كَمَا قيل ترك الْكَرِيم رد الْمُحْتَاج حَيَاء فَأطلق الْحيَاء ثمَّة كَمَا أطلق الْحيَاء هَهُنَا فَلذَلِك استعير ترك الله المستحيي لترك الْحق ثمَّ نفى عَنهُ قَوْله فغطت أم سَلمَة الظَّاهِر أَن هَذَا من كَلَام زَيْنَب فَالْحَدِيث ملفق من رِوَايَة صحابيتين وَيحْتَمل أَن يكون من أم سَلمَة على سَبِيل الِالْتِفَات كَأَنَّهَا جردت من نَفسهَا شخصا فأسندت إِلَيْهِ التغطية إِذْ أصل الْكَلَام فغطيت وَجْهي وَقلت يَا رَسُول الله قَوْله يَعْنِي وَجههَا هَذَا الإدراج من عُرْوَة ظَاهرا وَيحْتَمل أَن يكون من راو آخر وَهَذَا إدراج فِي إدراج قَوْله فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا وَفِي الصَّحِيح من حَدِيث أنس فَمن أَيْن يكون الشّبَه مَاء الرجل غليظ أَبيض وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر فمني أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه وَفِي حَدِيث عَائِشَة وَهل يكون الشّبَه إِلَّا من قبل ذَلِك إِذا علا مَاؤُهَا مَاء الرجل أشبه الْوَلَد أَخْوَاله وَإِذا علا مَاء الرجل ماءها أشبه أَعْمَامه.

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ رد على من يَقُول أَن مَاء الرجل يخالط دم الْمَرْأَة وَأَن مَاء الرجل كالأنفحة ودمها كاللبن الحليب ( فَائِدَة) جَاءَ عَن جمَاعَة من الصحابيات أَنَّهُنَّ سألن كسؤال أم سليم مِنْهُنَّ خَوْلَة بنت حَكِيم أخرجه ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده عَليّ بن زيد بن جدعَان وبسرة ذكره ابْن أبي شيبَة وسهلة بنت سُهَيْل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وَالْأَحَادِيث فِيهِ عَن أم سَلمَة وَعَائِشَة وَأنس رَضِي الله عَنْهُم وَلم يخرج البُخَارِيّ غير حَدِيث أم سَلمَة وَأخرج مُسلم أَحَادِيث الثَّلَاثَة وَحَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ وَعَائِشَة عِنْده يَا رَسُول الله الْمَرْأَة ترى مَا يرى الرجل فِي الْمَنَام وَترى من نَفسهَا مَا يرى الرجل من نَفسه فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فضحت النِّسَاء تربت يَمِينك وَحَدِيث عَائِشَة رَوَاهُ عُرْوَة عَنْهَا أَنَّهَا أخْبرته أَن أم سليم دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الحَدِيث وَفِيه قَالَت عَائِشَة فَقلت لَهَا أُفٍّ لَك أَتَرَى الْمَرْأَة ذَلِك قلت أم سليم بِضَم السِّين وَفتح اللَّام بنت ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبالنون النجارية الْأَنْصَارِيَّة اسْمهَا سهلة أَو رميلة أَو رميثة بالراء فيهمَا وبالمثلثة فِي الثَّانِي أَو مليكَة أَو الغميصاء أَو الرميصاء بالصَّاد الْمُهْملَة فيهمَا والخمسة الْأَخِيرَة بِصِيغَة التصغير تزَوجهَا مَالك بن النَّضر بالضاد الْمُعْجَمَة أَبُو أنس بن مَالك فَولدت لَهُ أنسا ثمَّ قتل عَنْهَا مُشْركًا فَأسْلمت فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَة وَهُوَ مُشْرك فَأَبت ودعته إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم فَقَالَت إِنَّنِي أتزوجك وَلَا آخذ مِنْك صَدَاقا لإسلامك فَتَزَوجهَا أَبُو طَلْحَة رُوِيَ لَهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر حَدِيثا أخرج البُخَارِيّ مِنْهَا ثَلَاثَة وَأخرج مُسلم حديثين واتفقا على وَاحِد روى لَهَا الْجَمَاعَة سوى ابْن مَاجَه ( بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ ترك الاستحياء لمن عرضت لَهُ مَسْأَلَة الثَّانِي فِيهِ وجوب الْغسْل على الْمَرْأَة إِذا وجدت المَاء وَكَذَا على الرجل لِأَن حكمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على وَاحِد حكمه على الْجَمَاعَة إِلَّا إِذا دلّ دَلِيل على تَخْصِيصه بِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّافِعِي حكم الْمَرْأَة فِي ثُبُوت الْغسْل بِخُرُوج منيها كَالرّجلِ وَالرجل لمنيه خَواص ثَلَاث إِحْدَاهَا الرَّائِحَة المشبهة برائحة الطّلع أَو الْعَجِين إِذا كَانَ رطبا وَإِذا جف أشبه رَائِحَة الْبيض الثَّانِيَة التدفق بدفقات الثَّالِثَة اللَّذَّة بِخُرُوجِهِ ويعقبه فتور.

     وَقَالَ  الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي وَالْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط لَا يعرف فِي حَقّهَا إِلَّا بالشهوة.

     وَقَالَ  فِي كِتَابه الْوَجِيز إِذا تلذذت بِخُرُوج مَائِهَا لَزِمَهَا الْغسْل وَهَذَا إِشْعَار مِنْهُمَا أَن طَريقَة معرفَة الْمَنِيّ فِي حَقّهَا الشَّهْوَة والتلذذ لَا غير.

     وَقَالَ  الْأَكْثَرُونَ بالتسوية بَين مني الرجل ومني الْمَرْأَة فِي طرد الْخَواص الثَّلَاث قَالَ الْبَغَوِيّ إِذا خرج مني الْمَرْأَة بِشَهْوَة أَو غير شَهْوَة وَجب الْغسْل كمني الرجل.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ وَإِذا وَجب مَعَ انْتِفَاء الشَّهْوَة كَانَ الِاعْتِمَاد على بَقِيَّة الْخَواص.

     وَقَالَ  الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح مُعْتَرضًا على الْقزْوِينِي فِي قَوْله أَن قَول الْأَكْثَرين التَّسْوِيَة بَين مني الرجل وَالْمَرْأَة فِي الْخَواص الثَّلَاث وَأنكر أَنه قَول الْأَكْثَرين قَالَ وَإِنَّمَا لَهُ خاصيتان الرَّائِحَة والشهوة فالشهوة ذكرهَا الإِمَام وَالْغَزالِيّ والرائحة ذكرهَا الرَّوْيَانِيّ وَأنكر الثَّالِثَة وَهِي التدفق بدفقات للْمَرْأَة.

     وَقَالَ  الشَّيْخ مُحي الدّين وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ إِلَّا أَنَّهَا إِن كَانَ الْمَنِيّ ينزل إِلَى فرجهَا وَوصل إِلَى الْموضع الَّذِي يجب عَلَيْهَا غسله فِي الْجَنَابَة والاستنجاء وَهُوَ الَّذِي يظْهر حَال قعودها لقَضَاء الْحَاجة يجب عَلَيْهَا الْغسْل لِأَنَّهُ فِي حكم الظَّاهِر وَإِن كَانَت بكرا لم يلْزمهَا مَا لم يخرج من فرجهَا لِأَن دَاخل فرجهَا كداخل احليل الرجل قلت لَا خلاف فِي مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه لَا يجب عَلَيْهَا الْغسْل إِلَّا بِرُؤْيَة المَاء وَمُرَاد الْغَزالِيّ وَغَيره بقوله لَا يعرف من جِهَتهَا إِلَّا بالشهوة والتلذذ يُرِيد بِهِ تعْيين هَذِه الْخَاصَّة فِي حَقّهَا دون الخاصيتين الموجودتين فِي مني الرجل على اخْتِيَاره لَا غير ذَلِك وَقد ذكر الْغَزالِيّ فِي الْوَجِيز إِذا تلذذت الْمَرْأَة بِخُرُوج منيها فَأثْبت خُرُوجه قلت هَذَا تَحْرِير مَذْهَب الشَّافِعِي فِي هَذَا الْموضع وَطول الْكَلَام فِيهِ لغلط جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة فِيهِ الثَّالِث فِيهِ إِثْبَات أَن الْمَرْأَة لَهَا مَاء الرَّابِع فِيهِ إِثْبَات الْقيَاس وإلحاق حكم النظير بالنظير



[ قــ :130 ... غــ :131 ]
- ( حَدثنَا عمر بن حَفْص حَدثنَا أبي حَدثنَا الْأَعْمَش قَالَ حَدثنِي شَقِيق قَالَ عبد الله كَأَنِّي أنظر إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء ضربه قومه فأدموه وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله نَبيا من الْأَنْبِيَاء وَالظَّاهِر أَنه من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ هَذَا النَّبِي الَّذِي حكى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا جرى لَهُ من الْمُتَقَدِّمين.

     وَقَالَ  بَعضهم يحْتَمل أَن يكون هُوَ نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن قومه كَانُوا يبطشون بِهِ فيخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا أَفَاق قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ ( قلت) على قَوْله لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة فَإِن التَّرْجَمَة فِي بني إِسْرَائِيل ونوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل بني إِسْرَائِيل بِمدَّة متطاولة.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الحاكي والمحكي ( قلت) هَذَا أَيْضا نَحوه وَعمر بن حَفْص شيخ البُخَارِيّ يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها وَهُوَ يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن نمير وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن ابْن نمير بِهِ -



[ قــ :130 ... غــ :131 ]
- ( حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من الشّجر شَجَرَة لَا يسْقط وَرقهَا وَهِي مثل الْمُسلم حَدثُونِي مَا هِيَ فَوَقع النَّاس فِي شجر الْبَادِيَة وَوَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة قَالَ عبد الله فَاسْتَحْيَيْت فَقَالُوا يَا رَسُول الله أخبرنَا بهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ النَّخْلَة قَالَ عبد الله فَحدثت أبي بِمَا وَقع فِي نَفسِي فَقَالَ لِأَن تكون قلتهَا أحب إِلَيّ من أَن يكون لي كَذَا وَكَذَا) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة كمطابقة الحَدِيث السَّابِق وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ قَول الْمُحدث حَدثنَا وَأخْبرنَا وَذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع تعلقاته وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس بن أُخْت الإِمَام مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَوْله فَحدثت أبي أَي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله لِأَن تكون بِفَتْح اللَّام وَإِنَّمَا قَالَ قلتهَا بالماضي مَعَ قَوْله تكون وَهُوَ مضارع لِأَن الْغَرَض مِنْهُ لِأَن تكون فِي الْحَال مَوْصُوفا بِهَذَا القَوْل الصَّادِر فِي الْمَاضِي قَوْله أحب إِلَيّ من أَن يكون لي كَذَا وَكَذَا أَي من حمر النعم وَغَيرهَا وَلَفظ كَذَا مَوْضُوع للعدد الْمُبْهم وَهُوَ من الْكِنَايَات قَالَ ابْن بطال وَفِي تمني عمر رَضِي الله عَنهُ أَن يُجَاوب ابْنه النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم بِمَا وَقع فِي نَفسه فِيهِ من الْفِقْه أَن الرجل يباخ لَهُ الْحِرْص على ظُهُور ابْنه فِي الْعلم على الشُّيُوخ وسروره بذلك.
وَقيل إِنَّمَا تمنى ذَلِك رَجَاء أَن يسر النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم بإصابته فيدعو لَهُ وَفِيه أَن الابْن الْمُوفق الْعَالم أفضل مكاسب الدُّنْيَا لقَوْله لِأَن تكون قلتهَا أحب إِلَيّ من أَن يكون لي كَذَا وَكَذَا