فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذكر العلم والفتيا في المسجد

( بابُُ ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذكر الْعلم فِي الْمَسْجِد وَبَيَان ذكر الْفتيا فِي الْمَسْجِد وَقد مر أَن الْفتيا وَالْفَتْوَى جَوَاب الْحَادِثَة وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على السُّؤَال أما فِي الأول فَلِأَنَّهُ فِيهِ سُؤال الْمِقْدَاد عَن حكم الْمَذْي وَفِي هَذَا الْبابُُ سُؤال ذَاك الرجل فِي الْمَسْجِد عَن حكم الإهلال لِلْحَجِّ وكل مِنْهُمَا سُؤال عَن أَمر ديني

[ قــ :132 ... غــ :133 ]
- ( حَدثنِي قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث بن سعد قَالَ حَدثنَا نَافِع مولى عبد الله بن عمر بن الْخطاب عَن عبد الله بن عمر أَن رجلا قَامَ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ يَا رَسُول الله من أَيْن تَأْمُرنَا أَن نهل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة ويهل أهل الشَّام من الْجحْفَة ويهل أهل نجد من قرن.

     وَقَالَ  ابْن عمر ويزعمون أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ويهل أهل الْيمن من يَلَمْلَم وَكَانَ ابْن عمر يَقُول لم أفقه هَذِه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ أَنه مُشْتَمل على ذكر الْعلم أَعنِي علم إهلال الْحَج فِي الْمَسْجِد واستفتاء ذَلِك الرجل عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وفتواه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل ذَلِك فِي الْمَسْجِد.
( بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول قُتَيْبَة بن سعيد الثَّانِي اللَّيْث بن سعد الثَّالِث نَافِع بن سرجس بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره سين أُخْرَى أَصله من الْمغرب وَقيل من نيسابور وَقيل من سبي كابل وَقيل من جبال الطلقان أَصَابَهُ عبد الله بن عمر فِي بعض غَزَوَاته وَبَعثه عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى مصر يعلمهُمْ السّنَن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سبع عشرَة وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة الرَّابِع عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة قَوْله حَدثنِي قُتَيْبَة وَفِي بعض النّسخ حَدثنَا وَمِنْهَا أَن رُوَاته أَئِمَّة أجلاء وَمِنْهَا أَنهم مَا بَين بلخي ومصري ومدني ( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْعلم وَفِي الْحَج جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة عَنهُ بِهِ وَثَبت هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَعَن جَابر أَيْضا أخرجه مُسلم وأكمل الْأَحَادِيث حَدِيث ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ الْمَوَاقِيت الْأَرْبَعَة وَحَدِيث ابْن عمر لم يحفظ فِيهِ مِيقَات أهل الْيمن وَحَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ لم يجْزم بِرَفْعِهِ ( بَيَان اللُّغَات) قَوْله أَن نهل من الإهلال والإهلال بِالْحَجِّ رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ وَمِنْه قيل للصَّبِيّ إِذا فَارق أمه أهل واستهل لرفعه صَوته قَوْله من ذِي الحليفة بِضَم الْحَاء وَفتح اللَّام تَصْغِير الحلفة بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة كالقصبة وَهِي تنْبت فِي المَاء وَجَمعهَا حلفاء كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي.

     وَقَالَ  الصغاني الحلفاء نبت قَالَ الدينَوَرِي قَالَ أَبُو زِيَاد من الأغلاث الحلفاء وَقيل مَا ينْبت إِلَّا قَرِيبا من مَاء أَو بطن وَاد وَهِي سلسلة غَلِيظَة الْمس لَا يكَاد أحد يقبض عَلَيْهَا مَخَافَة أَن تقطع يَده وَقد تَأْكُل مِنْهَا الْغنم وَالْإِبِل أكلا قَلِيلا وَهِي أحب شَجَرَة إِلَى الْبَقر والواحدة مِنْهَا حلفاة.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي حلفة بِكَسْر اللَّام.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش وَأَبُو زيد حلفة بِفَتْح اللَّام وَقيل يُقَال حلفة وحلفاء وَحلف مِثَال قَصَبَة وقصباء وقصب وطرفة وطرفاء وطرف وشجرة وشجراء وَشَجر.

     وَقَالَ  أَبُو عمر الحلفاء وَاحِدَة وَجمع وَقد يجمع على حلافي على وزن بَخَاتِي وَقَالَ الْكرْمَانِي وَذُو الحليفة مَوضِع على عشر مراحل من مَكَّة.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ على ميل من الْمَدِينَة.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ سِتَّة أَمْيَال.

     وَقَالَ  عِيَاض سَبْعَة أَمْيَال.

     وَقَالَ  ابْن حزم من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال وَمن مَكَّة على مِائَتي ميل غير ميلين.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الْحَنَفِيّ فِي مَنَاسِكه بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ميل أَو ميلان والميل ثَلَاث فراسخ وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع وَمِنْهَا إِلَى مَكَّة عشر مراحل وَهِي الشَّجَرَة وَفِي مَوضِع آخر مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة خَمْسَة أَمْيَال وَنصف مَكْتُوب على الْميل الَّذِي وَرَاءَهَا قريب من سِتَّة أَمْيَال من الْبَرِيد وَمن هَذَا الْبَرِيد أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبذي الحليفة عدَّة آبار ومسجدان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الْكَبِير الَّذِي يحرم مِنْهُ النَّاس وَالْمَسْجِد الآخر مَسْجِد المعرس.

     وَقَالَ  ابْن التِّين هِيَ أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة تَعْظِيمًا لإحرام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله من الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة من الْجَانِب الشَّامي يُحَاذِي ذَا الحليفة وَكَانَ اسْمهَا مهيعة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف فأجحف السَّيْل بِأَهْلِهَا أَي أذهب فسميت جحفة وَهِي على سِتّ أَو سبع مراحل من مَكَّة قَالَ النَّوَوِيّ على ثَلَاث مراحل مِنْهَا وَهِي قريبَة من الْبَحْر وَكَانَت قَرْيَة كَبِيرَة.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد هِيَ قَرْيَة جَامِعَة بهَا مِنْبَر بَينهَا وَبَين الْبَحْر سِتَّة أَمْيَال وغدير خم على ثَلَاثَة أَمْيَال مِنْهَا وَهِي مِيقَات المتوجهين من الشَّام ومصر وَالْمغْرب وَهِي على ثَلَاثَة مراحل من مَكَّة أَو أَكثر وعَلى ثَمَانِيَة مراحل من الْمَدِينَة.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ أخرجت العماليق بني عيل وهم إخْوَة عَاد من يثرب فنزلوا الْجحْفَة وَكَانَ اسْمهَا مهيعة فَجَاءَهُمْ السَّيْل فأجحفهم فسميت الْجحْفَة وَفِي كتاب أَسمَاء الْبلدَانِ لِأَن سيل الجحاف نزل بهَا فَذهب بِكَثِير من الْحَاج وبأمتعة النَّاس ورحالهم فَمن ذَلِك سميت الْجحْفَة.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد رَحمَه الله وَقد سَمَّاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهيعة قَالَ الْقُرْطُبِيّ قيل بِكَسْر الْحَاء.

     وَقَالَ  ابْن حزم الْجحْفَة مَا بَين الْمغرب وَالشمَال من مَكَّة وَمِنْهَا إِلَى مَكَّة اثْنَان وَثَمَانُونَ ميلًا قَوْله أهل نجد النجد فِي اللُّغَة مَا أشرف من الأَرْض واستوى وَيجمع على أنجد وأنجاد ونجود ونجد بِضَمَّتَيْنِ.

     وَقَالَ  الْقَزاز سمي نجدا لعلوه وَقيل سمي بذلك لصلابة أرضه وَكَثْرَة حجارته وصعوبته من قَوْلهم رجل نجد إِذا كَانَ قَوِيا شَدِيدا وَقيل سمي نجدا لفزع من يدْخلهُ لاستيحاشه واتصال فزع السالكين من قَوْلهم رجل نجد إِذا كَانَ فَزعًا ونجد مُذَكّر قَالَ الشَّاعِر
( ألم تَرَ أَن اللَّيْل يقصر طوله ... بِنَجْد ويزداد النطاف بِهِ نجدا)
وَلَو أنثه أحد ورده على الْبَلَد لجَاز لَهُ ذَلِك وَالْعرب تَقول نجد ونجد بِفَتْح النُّون وَضمّهَا لُغَتَانِ.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ فِي أَسمَاء الْبلدَانِ النجد مَا بَين الْحجاز إِلَى الشَّام إِلَى العذيب إِلَى الطَّائِف فالطائف من نجد وَالْمَدينَة من نجد وَأَرْض الْيَمَامَة والبحرين إِلَى عمان.

     وَقَالَ  أَبُو عمر نجد مَا بَين جرش إِلَى سَواد الْكُوفَة وَحده مِمَّا يَلِي الْمغرب الْحجاز وَعَن يسَاره الْكَعْبَة الْيمن ونجد كلهَا من عمل الْيَمَامَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير نجد مَا بَين العذيب إِلَى ذَات عرق وَإِلَى الْيَمَامَة وَإِلَى جبل طي وَإِلَى وجرة وَإِلَى الْيمن وَالْمَدينَة لَا تهامية وَلَا نجدية فَإِنَّهَا فَوق الْغَوْر وَدون نجد.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي نجد اسْم للْأَرْض العريضة الَّتِي أَعْلَاهَا تهَامَة واليمن وَالْعراق وَالشَّام.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ حد نجد ذَات عرق من نَاحيَة الْحجاز كَمَا يَدُور الْجبَال مَعهَا إِلَى جبال الْمَدِينَة وَمَا وَرَاء ذَلِك ذَات عرق إِلَى تهَامَة.

     وَقَالَ  القتبي حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ الْعَرَب تَقول إِذا عَلَوْت نجدا مصعدا فقد أنجدت وَلَا تزَال منجدا حَتَّى تنحدر فِي ثنايا ذَات عرق فَإِذا فعلت ذَلِك فقد انْتَهَيْت إِلَى الْبَحْر فَإِذا عرض لَك الْحرار وَأَنت تنجد فَتلك الْحجاز.

     وَقَالَ  ياقوت نجد تِسْعَة مَوَاضِع ونجد الْمَشْهُورَة فِيهَا اخْتِلَاف كثير وَالْأَكْثَر أَنَّهَا اسْم للْأَرْض الَّتِي أَعْلَاهَا تهَامَة وأسفلها الْعرَاق وَالشَّام.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ نجد نَاحيَة الْمشرق وَمن كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نجده بادية الْعرَاق ونواحيها وَهِي مشرق أَهلهَا وَذكر فِي الْمُنْتَهى نجد من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر أَعنِي تهَامَة وكل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد الْبكْرِيّ عَن الْكَلْبِيّ نجد مَا بَين الْحجاز إِلَى الشَّام إِلَى العذيب والطائف من نجد وَالْمَدينَة من نجد.

     وَقَالَ  فِي مَوضِع آخر ونجد كلهَا من عمل الْيَمَامَة.

     وَقَالَ  عمَارَة بن عقيل مَا سَالَ من ذَات عرق مُقبلا فَهُوَ نجد وحد نجد أسافل الْحجاز قَالَ سَمِعت الْبَاهِلِيّ يَقُول كل مَا رَوَاهُ الخَنْدَق خَنْدَق كسْرَى الَّذِي خندقه على سَواد الْعرَاق فَهُوَ نجد إِلَى أَن تميل إِلَى الْحرَّة فَإِذا ملت إِلَى الْحرَّة فَأَنت فِي الْحجاز حَتَّى تغور وَعَن الْأَصْمَعِي مَا ارْتَفع من بطن الرمة فَهُوَ نجد إِلَى ثنايا ذَات عرق والسرف كبد نجد وَكَانَت منَازِل الْمُلُوك من بني آكل المرار وَفِيه الْيَوْم حمى خربة وَفِيه الربذَة وَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَى الشرق فَهُوَ نجد قَوْله من قرن هُوَ بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ جبل مدور أملس كَأَنَّهُ هضبة مطل على عَرَفَات.

     وَقَالَ  ابْن حزم أَن من جَاءَ على طَرِيق نجد من جَمِيع الْبِلَاد فميقاته قرن الْمنَازل وَهُوَ شَرق مَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَمِنْه إِلَى مَكَّة اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ميلًا.

     وَقَالَ  ابْن قرقول هُوَ قرن الْمنَازل وَقرن الثعالب وَقرن غير مُضَاف وَهُوَ على يَوْم وَلَيْلَة من مَكَّة.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ من قَالَ قرن بالإسكان أَرَادَ الْجَبَل المشرف على الْموضع وَمن قَالَ بِالْفَتْح أَرَادَ الطَّرِيق الَّذِي يفرق مِنْهُ فَإِنَّهُ مَوضِع فِيهِ طرق مُتَفَرِّقَة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي شرح الْمسند وَكَثِيرًا مَا يَجِيء فِي أَلْفَاظ الْفُقَهَاء وَغَيرهم بِفَتْحِهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح قلت غلط الْجَوْهَرِي فِي صحاحه غلطين أَحدهمَا أَنه بِفَتْح الرَّاء وَالْآخر زعم أَن أويسا الْقَرنِي مَنْسُوب إِلَيْهِ وَالصَّوَاب سُكُون الرَّاء وأويس مَنْسُوب إِلَى قَبيلَة يُقَال لَهُم بنوا قرن وَلَيْسَ هُوَ بمنسوب إِلَى مَكَان فَافْهَم.
قَوْله من يَلَمْلَم بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللامين وَهُوَ جبل من جبال تهَامَة على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة.

     وَقَالَ  ابْن حزم هُوَ جنوب مَكَّة وَمِنْه إِلَى مَكَّة ثَلَاثُونَ ميلًا وَفِي شرح الْمُهَذّب يصرف وَلَا يصرف قلت إِن أُرِيد الْجَبَل فمنصرف وَإِن أُرِيد الْبقْعَة فَغير منصرف الْبَتَّةَ بِخِلَاف قرن فَإِنَّهُ على تَقْدِير إِرَادَة الْبقْعَة يجوز صرفه لأجل سُكُون وَسطه.

     وَقَالَ  عِيَاض وَيُقَال الملم يَعْنِي بقلب الْيَاء همزَة وَفِي الْمُحكم يَلَمْلَم والملم جبل.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ أَهله كنَانَة وتنحدر أوديته إِلَى الْبَحْر وَهُوَ فِي طَرِيق الْيمن وَهُوَ من كبار جبال تهَامَة.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ هُوَ وَاد بِهِ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه عسكرت هوَازن يَوْم حنين فَإِن قلت مَا وَزنه قلت فعنعل كصمحمح وَلَيْسَ هُوَ من لملمت لِأَن ذَوَات الْأَرْبَعَة لَا يلْحقهَا الزِّيَادَة فِي أَولهَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاء الْجَارِيَة على أفعالها نَحْو مدحرج قلت فلأجل هَذَا حكمنَا بِأَن الْمِيم الأولى وَاللَّام الثَّانِيَة زائدتان وَلِهَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي فِي بابُُ الْمِيم وَفصل الْيَاء يلم ثمَّ قَالَ يَلَمْلَم لُغَة فِي الملم وَهُوَ مِيقَات أهل الْيمن ( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله قَامَ فِي الْمَسْجِد فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر أَن قَوْله فَقَالَ عطف على قَوْله قَامَ قَوْله من أَيْن يتَعَلَّق بقوله تَأْمُرنَا وَكلمَة أَيْن اسْتِفْهَام عَن الْمَكَان قَوْله أَن نهل أَصله بِأَن نهل وَأَن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير بالإهلال قَوْله يهل أهل الْمَدِينَة جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَقعت مقول القَوْل قَوْله من ذِي الحليفة يتَعَلَّق بيهل وَكلمَة من ابتدائية أَي ابْتِدَاء إهلالهم من ذِي الحليفة قَوْله ويهل أهل الشَّام عطف على قَوْله يهل أهل الْمَدِينَة وَكَذَا قَوْله ويهل أهل نجد عطف عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير فِي الْكل ليهل لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر على صُورَة الْخَبَر وَلكنه فِي الْمَعْنى على صُورَة الْأَمر قَوْله.

     وَقَالَ  ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عطف على لفظ عَن عبد الله بن عمر عطفا من جِهَة الْمَعْنى على صُورَة الْأَمر كَأَنَّهُ قَالَ قَالَ نَافِع قَالَ ابْن عمر.

     وَقَالَ  ويزعمون وَالْوَاو فِي ويزعمون عطف على مُقَدّر وَهُوَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَلَا بُد من هَذَا التَّقْدِير لِأَن الْوَاو لَا تدخل بَين القَوْل وَالْمقول وَالْمرَاد من الزَّعْم إِمَّا القَوْل الْمُحَقق أَو الْمَعْنى الْمَشْهُور قَوْله أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِفَتْح همزَة أَن لِأَن أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها سدت مسد مفعولي زعم قَوْله يَقُول جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا خبر كَانَ ( بَيَان الْمعَانِي) قَوْله فِي الْمَسْجِد أَي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله أَن نهل أَي نحرم والإهلال فِي الأَصْل رفع الصَّوْت وَلَكِن المُرَاد هُنَا الْإِحْرَام مَعَ التَّلْبِيَة قَوْله قَالَ ابْن عمر ويزعمون قَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل احْتِمَالا بَعيدا أَن يكون هَذَا تَعْلِيقا من البُخَارِيّ وَهَكَذَا حكم وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قلت هَذَا مثل مَا قَالَه احْتِمَال بعيد لِأَنَّهُ قَالَ ويزعمون وَلَا يُرِيد من هَؤُلَاءِ الزاعمين إِلَّا أهل الْحجَّة وَالْعلم بِالسنةِ ومحال أَن يَقُولُوا ذَلِك بآرائهم لِأَن هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُقَال من جِهَة الرَّأْي وَلَكنهُمْ زَعَمُوا بِمَا وقفهم عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة مَالك قَالَ وَبَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ويهل أهل الْيمن من يَلَمْلَم قَوْله لم أفقه أَي لم أفهم وَلم أعرف هَذِه أَي هَذِه الْمقَالة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي ويهل أهل الْيمن من يَلَمْلَم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ فِي الْحَج لم أسمع هَذِه من رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ( بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ بَيَان الْمَوَاقِيت الثَّلَاثَة بِالْقطعِ وَهِي مِيقَات أهل الْمَدِينَة وميقات أهل الشَّام وميقات أهل نجد وَالرَّابِع شكّ فِيهِ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ مِيقَات أهل الْيمن وَقد ثَبت هَذَا أَيْضا بِالْقطعِ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه الشَّيْخَانِ وَآخَرُونَ وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر وَزَاد مُسلم فِيهِ ومهل الْعرَاق ذَات عرق وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل الْمشرق العقيق قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقرشِي أجمع الْعلمَاء على الْمَوَاقِيت الْأَرْبَعَة وَاخْتلفُوا فِي ذَات عرق لأهل الْعرَاق وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا مِيقَات وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي لأهل الْعرَاق أَن يحرموا من العقيق مُعْتَمدًا على حَدِيث أبي دَاوُد الْمَذْكُور وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا.

     وَقَالَ  حَدِيث حسن قلت وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف وَإِنَّمَا استحبه الشَّافِعِي لِأَنَّهُ أحوط عملا بِالْحَدِيثين على تَقْدِير الصِّحَّة فَإِن العقيق فَوق ذَات عرق.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ اخْتلف الْعلمَاء هَل صَارَت ذَات عرق ميقاتا لأهل الْعرَاق بِالنَّصِّ أَو الِاجْتِهَاد من عمر رَضِي الله عَنهُ وَفِيه وَجْهَان لأَصْحَاب الشَّافِعِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأُم أَنه بتوقيت عمر واجتهاده لحَدِيث البُخَارِيّ الْمَذْكُور وَدَلِيل الثَّانِي حَدِيث جَابر لكنه لم يجْزم الرَّاوِي بِرَفْعِهِ قلت قد أخرج هَذِه الزِّيَادَة أَبُو دَاوُد بِالْجَزْمِ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْعرَاق ذَات عرق وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا لَكِن فِي حَدِيث أبي دَاوُد أَفْلح بن حميد وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يُنكر عَلَيْهِ قَوْله هَذَا وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق قَالَ ابْن عدي تفرد بِهِ عَنهُ الْمعَافي ابْن عمرَان قلت قد أخرج لأفلح مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَوَثَّقَهُ يحيى وَأَبُو حَاتِم.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين وَأحمد بن عبد الله وَغَيرهمَا الْمعَافي بن عمرَان ثِقَة وروى للمعافي البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.

     وَقَالَ  بَعضهم هَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث عَائِشَة وَجَابِر رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيرهمَا بأسانيد ضَعِيفَة لَكِن يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا لما تقرر من أَن الضعْف إِذا كَانَ بِغَيْر فسق الرَّاوِي فَإِن الحَدِيث ينْتَقل إِلَى دَرَجَة الْحسن ويحتج بِهِ وَأما تَعْلِيل الدَّارَقُطْنِيّ للْحَدِيث بقوله إِنَّه لم يكن عراق يَوْمئِذٍ فقد ضعفه الْعلمَاء وَقَالُوا مثل هَذَا لَا يُعلل بِهِ الحَدِيث فقد أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا لم يكن فِي زَمَانه مِمَّا كَانَ وَيكون وَهَذَا كَانَ من معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مَا أخبر بِهِ أَنه سَيكون لَهُم مهل ويسلمون ويحجون فَكَانَ ذَلِك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الشَّام الْجحْفَة وَلم يكن فتح وَقد أقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلد الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لتميم الدَّارِيّ وَكتب لَهُ بذلك وَلم يكن الشَّام إِذْ ذَاك قلت قَالَ الطَّحَاوِيّ ذهب قوم إِلَى أَن أهل الْعرَاق لَا وَقت لَهُم كوقت سَائِر أهل الْبِلَاد وَأَرَادَ بهم طَاوس بن كيسَان وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن زيد وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ الْعرَاق وَقَالُوا أهل الْعرَاق يهلون من الْمِيقَات الَّذِي يأْتونَ عَلَيْهِ من هَذِه الْمَوَاقِيت الْمَذْكُورَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر أجمع عوام أهل الْعلم على القَوْل بِظَاهِر حَدِيث ابْن عمر وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل من مر بِذَات عرق فَثَبت أَن عمر رَضِي الله عَنهُ وقته لأهل الْعرَاق وَلَا يثبت فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة انْتهى قلت الصَّحِيح هُوَ الَّذِي وقته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا ذكره فِي مطامح الأفهام ثمَّ قَالَ ابْن الْمُنْذر اخْتلفُوا فِي الْمَكَان الَّذِي يحرم من أَتَى من الْعرَاق على ذَات عرق فَقَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ يحرم من العقيق وَاسْتحبَّ ذَلِك الشَّافِعِي وَكَانَ مَالك وَأحمد وَإِسْحَق وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ الْإِحْرَام من ذَات عرق قَالَ أَبُو بكر الْإِحْرَام من ذَات عرق يجزىء وَهُوَ من العقيق أحوط وَقد كَانَ الْحسن بن صَالح يحرم من الربذَة وروى ذَلِك عَن خصيف وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قلت أخرج الطَّحَاوِيّ فِي كَون الْمِيقَات لأهل الْعرَاق ذَات عرق أَحَادِيث أَرْبَعَة من الصَّحَابَة وهم عبد الله بن عمر وَأنس وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَفِي الْبابُُ عَن ابْن عَبَّاس عِنْد التِّرْمِذِيّ والْحَارث بن عَمْرو السَّهْمِي عِنْد أبي دَاوُد وَعَمْرو بن الْعَاصِ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ الثَّانِي فِيهِ أَن هَذِه الْمَوَاقِيت لَا تجوز مجاوزتها بِغَيْر إِحْرَام سَوَاء أَرَادَ حجا أَو عمْرَة فَإِن جاوزها بِغَيْر إِحْرَام يلْزمه دم وَيصِح حجه الثَّالِث فِيهِ معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أخبر فِي زَمَانه عَن أَمر سَيكون بعده وَقد كَانَ