فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا جامع في رمضان

( بابٌُ إذَا جامَعَ فِي رَمَضَانَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا جَامع الصَّائِم فِي نَهَار رَمَضَان عَامِدًا وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف كَمَا قدرناه.

ويُذْكَرُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ منْ أفْطرَ يَوْما مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ولاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيامُ الدهْرِ وإنْ صامَهُ
أَشَارَ بقوله: يذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول الَّتِي هِيَ صِيغَة التمريض إِلَى أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لَيْسَ على شَرطه، ونبينه الْآن.
قَوْله: ( رَفعه) أَي: رفع أَبُو هُرَيْرَة حَدِيث: من أفطر يَوْمًا، وَمرَاده أَنه لَيْسَ بموقوف عَلَيْهِ، بل هُوَ مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت: كَيفَ يرجع الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي رَفعه إِلَى شَيْء مُتَأَخّر عَنهُ؟ قلت: رَفعه، جملَة حَالية مُتَأَخِّرَة رُتْبَة عَن مفعول مَا لم يسم فَاعله لقَوْله: يذكر، وَهُوَ قَوْله: من أفطر.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة: رَفعه، بِلَفْظ الإسم مَرْفُوعا بِأَنَّهُ مفعول: يذكر، وَحِينَئِذٍ يكون الحَدِيث يَعْنِي قَوْله: ( من أفطر يَوْمًا) بَدَلا عَن الضَّمِير، يَعْنِي: الضَّمِير الَّذِي أضيف إِلَيْهِ لفظ الرّفْع كَمَا فِي قَوْله: ( مَا متعت بِهِ سَمْعِي وبصري إلاَّ بِدُعَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَإِن السّمع بدل عَن الضَّمِير جوز النُّحَاة مثله.
قَوْله: ( وَإِن صَامَهُ) أَي: وَإِن صَامَ الدَّهْر، وَهُوَ مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره: إِن لم يصمه وَإِن صَامَهُ.

ثمَّ هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن ابْن مطوس عَن أَبِيه، قَالَ ابْن كثير: عَن أبي المطوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا فِي رَمَضَان فِي غير رخصَة رخصها الله لَهُ لم يقْض عَنهُ صِيَام الدَّهْر) .
.

     وَقَالَ : حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان، قَالَ: حَدثنَا حبيب عَن عمَارَة عَن ابْن المطوس، قَالَ: فَلَقِيت ابْن المطوس فَحَدثني عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر مثل حَدِيث ابْن كثير، وَسليمَان، قَالَ أَبُو دَاوُد: اخْتلف على سُفْيَان وَشعْبَة عَنْهُمَا ابْن المطوس، وَأَبُو المطوس،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا بنْدَار حَدثنَا يحيى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان عَن حبيب بن أبي ثَابت حَدثنَا أَبُو المطوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير رخصَة وَلَا مرض لم يقْض عَنهُ صَوْم الدَّهْر كُله، وَإِن صَامَهُ) ،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم.
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن أبي المطوس عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير مرض وَلَا رخصَة لم يقضه صِيَام الدَّهْر كُله، وَإِن صَامَهُ) .
.

     وَقَالَ : أخبرنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا يحيى وَعبد الرَّحْمَن، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان ثمَّ ذكر كلمة مَعْنَاهَا عَن حبيب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو المطوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير رخصَة وَلَا مرض لم يقْض عَنهُ صِيَام الدَّهْر وَإِن صَامَهُ) ، ثمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طرق كَثِيرَة.
.

     وَقَالَ  ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد قَالَا: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن ابْن المطوس عَن أَبِيه المطوس عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير رخصَة لم يجزه صِيَام الدَّهْر) .
ذكر بَيَان حَال هَذَا الحَدِيث قَالَ أَبُو دَاوُد: اخْتلف على سُفْيَان وَشعْبَة بن المطوس وَأَبُو المطوس، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا: يُرِيد الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَمَعَ هَذَا فقد رُوِيَ مَرْفُوعا من غير طَرِيق أبي المطوس، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن أَحْمد بن سعيد الرهاوي حَدثنَا الْعَبَّاس بن عبيد الله حَدثنَا عمار بن مطر حَدثنَا قيس عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن عبد الله ابْن مَالك عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير مرض وَلَا رخصَة لم يقْض عَنهُ صِيَام وَإِن صَامَ الدَّهْر كُله) .
قلت: عمار بن مطر هَالك، قَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ يكذب،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: أَحَادِيثه بَوَاطِيلُ.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة من غير طَرِيق أبي المطوس، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن الْحسن عَن أَبِيه عَن شريك عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان لم يقضه يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا) ، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن هِلَال ابْن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن عبيد الله بن عَمْرو عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن عَليّ بن حُسَيْن.
( عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رجلا أفطر فِي رَمَضَان، فَأتى أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ: لَا يقبل مِنْك صَوْم سنة) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: أَبُو المطوس اسْمه: يزِيد بن المطوس، لَا أعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ) : تفرد أَبُو المطوس بِهَذَا الحَدِيث وَلَا أَدْرِي سمع أَبوهُ من أبي هُرَيْرَة أم لَا؟ قلت: أَبُو المطوس، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة وَآخره سين مُهْملَة: من أَفْرَاد الكنى، وَكَذَلِكَ أَبوهُ المطوس من أَفْرَاد الْأَسْمَاء.
وَقد اخْتلف فِي اسْم أبي المطوس، فَقَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْن حبَان: اسْمه يزِيد.
.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: اسْمه عبد الله، وَأَبُو دَاوُد قَالَ: لَا يُسمى، وَقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: يروي عَن أَبِيه مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بأفراده.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمِيزَان) : ضَعِيف، قَالَ: وَلَا يعرف هُوَ وَلَا أَبوهُ.
قلت: وَمَعَ هَذَا صحّح ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث وَرَوَاهُ من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة، كِلَاهُمَا عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن أبي المطوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة.
.
الحَدِيث،.

     وَقَالَ  مهنا: سَأَلت أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: يَقُولُونَ: عَن ابْن المطوس وَعَن أبي المطوس، وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن حبيب عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن أبي المطوس، قَالَ: لَا أعرف المطوس وَلَا ابْن المطوس.
قلت: أتعرف الحَدِيث من غير هَذَا الْوَجْه؟ قَالَ: لَا، وَكَذَا قَالَه أَبُو عَليّ الطوسي،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: يحمل أَن يكون لَو صَحَّ على التَّغْلِيظ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.

ذكر مَا رُوِيَ عَن غير أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْبابُُ: فَروِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان مُتَعَمدا فِي غير سَبِيل خرج من الْحَسَنَات كَيَوْم وَلدته أمه) .
وَأخرجه ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) وَفِي سَنَده مُحَمَّد بن الْحَارِث، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ هُوَ بِشَيْء،.

     وَقَالَ  مرّة: لَيْسَ بِثِقَة، وَعَن الفلاس: إِنَّه مَتْرُوك الحَدِيث، وَفِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَرُوِيَ عَن مصاد بن عقبَة عَن مقَاتل بن حبَان عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الْوَارِث الْأنْصَارِيّ، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك، يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان من غير رخصَة وَلَا عذر كَانَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَمن أفطر يَوْمَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم سِتِّينَ يَوْمًا، وَمن أفطر ثَلَاثَة أَيَّام كَانَ عَلَيْهِ تسعين يَوْمًا) .
أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ،.

     وَقَالَ : لَا يثبت هَذَا الْإِسْنَاد، وَلَا يَصح عَن عَمْرو بن مرّة، وَأعله ابْن الْقطَّان بِعَبْد الْوَارِث.
وَعَن ابْن معِين إِنَّه مَجْهُول.
وَرُوِيَ عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة الْحَارِث بن عُبَيْدَة الكلَاعِي عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي،، قَالَ: ( من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان فِي الْحَضَر فليهد بَدَنَة، فَإِن لم يجد فليطعم ثَلَاثِينَ صَاعا) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحَارِث بن عُبَيْدَة وَمُقَاتِل ضعيفان.

قَوْله: ( من غير عذر وَلَا مرض) من ذكر الْخَاص بعد الْعَام، لِأَن الْمَرَض دَاخل فِي الْعذر، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ( من غير رخصَة وَلَا مرض) ، وَهُوَ أَيْضا من هَذَا الْقَبِيل، لِأَن الْمَرَض دَاخل فِي الرُّخْصَة، ثمَّ إِنَّه أطلق الْإِفْطَار، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بجماع أَو غَيره نَاسِيا أَو عَامِدًا، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ الْإِفْطَار فِي الْأكل أَو الشّرْب عَامِدًا، وَإِمَّا نَاسِيا فقد ذكره فِيمَا مضى، وَأما بِالْجِمَاعِ فَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وبِهِ قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَي: وَبِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَقد وَصله الْبَيْهَقِيّ رَاوِيا من طَرِيقين: أَحدهمَا: من رِوَايَة الْمُغيرَة بن عبد الله الْيَشْكُرِي، قَالَ: حدثت أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير عِلّة لم يجزه صِيَام الدَّهْر حَتَّى يلقى الله عز وَجل، فَإِن شَاءَ غفر لَهُ، وَإِن شَاءَ عذبه) ، والمغيرة هَذَا من ثِقَات التَّابِعين، أخرج لَهُ مُسلم وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وَلكنه مُنْقَطع فَإِنَّهُ قَالَ: حدثت عَنهُ.
وَالطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة أبي أُسَامَة عَن عبد الْملك، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة الثَّقَفِيّ عَن عرْفجَة، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: ( من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان مُتَعَمدا من غير عِلّة، ثمَّ قضى طول الدَّهْر لم يقبل مِنْهُ) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: عبد الْملك هَذَا أَظُنهُ ابْن حُسَيْن النَّخعِيّ، لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: وَبِه قَالَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة رَفعه، وَابْن مَسْعُود وَقفه، فَكيف يكون ابْن مَسْعُود قَائِلا بِمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة؟ قلت: لم يثبت رَفعه عِنْد البُخَارِيّ، فَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض، وروى عَن أبي هُرَيْرَة بطرق مَوْقُوفا، وَقيل: فِيهِ ثَلَاث علل الإضطراب لِأَنَّهُ اخْتلف على حبيب بن أبي ثَابت اخْتِلَافا كثير.
والجهالة بِحَال أبي المطوس وَالشَّكّ فِي سَماع أَبِيه من أبي هُرَيْرَة، وَهَذِه الثَّالِثَة تخْتَص بطريقة البُخَارِيّ فِي اشْتِرَاط اللِّقَاء.

وَقَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ والشَّعْبِيُّ وابنُ جُبَيْرٍ وإبْرَاهِيمُ وقَتَادَةُ وحَمَّادٌ يَقْضِي يوْما مَكَانَهُ
أَي: قَالَ هَؤُلَاءِ فِيمَن أفطر فِي نَهَار رَمَضَان عَامِدًا أَن عَلَيْهِ الْقَضَاء فَقَط بِغَيْر كَفَّارَة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: نظرت أَقْوَال التَّابِعين الَّذين ذكرهم البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ فِي المصنفات فَلم أر قَوْلهم بِسُقُوط الْكَفَّارَة إلاَّ فِي الْفطر بِالْأَكْلِ لَا المجامعة، فَيحْتَمل أَن يكون عِنْدهم الْأكل وَالْجِمَاع سَوَاء فِي سُقُوط الْكَفَّارَة، إِذْ كل مَا أفسد الصّيام من أكل أَو شرب أَو جماع فاسم الْفطر يَقع عَلَيْهِ، وفاعله مفطر بذلك من صِيَامه، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( يدع طَعَامه وَشَرَابه وشهوته من أَجلي) ، فَدخل أعظم الشَّهَوَات وَهِي شَهْوَة الْجِمَاع فِي ذَلِك.
انْتهى.
قلت: حُكيَ عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ وَابْن سِيرِين أَنه: لَا كَفَّارَة على الواطىء فِي نَهَار رَمَضَان، واعتبروه بِقَضَائِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيّ: هُوَ خَاص بذلك الرجل، يَعْنِي فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة: ( جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: هَلَكت.
.
)
الحَدِيث على مَا يَأْتِي،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: لم يحضر عَلَيْهِ برهَان.
.

     وَقَالَ  قوم: هُوَ مَنْسُوخ وَلم يقم دَلِيل نسخه، وَعند الْجُمْهُور: يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لحَدِيث أبي هُرَيْرَة على مَا نبينه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَالَّذين ذكرهم البُخَارِيّ سِتَّة من التَّابِعين، الأول: سعيد بن الْمسيب، فوصل أَثَره مُسَدّد وَغَيره فِي قصَّة المجامع قَالَ يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ ويستغفر الله تَعَالَى.
الثَّانِي: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ، فوصل أَثَره ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا شريك عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَا: ( يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ) .
الثَّالِث: سعيد بن جُبَير، فوصل أَثَره ابْن أبي شيبَة أَيْضا: حَدثنَا عَبدة عَن سعيد عَن يعلى بن حَكِيم ( عَن سعيد بن جُبَير فِي رجل أفطر يَوْمًا مُتَعَمدا، قَالَ: يسْتَغْفر الله من ذَلِك وَيَتُوب وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ) .
الرَّابِع: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، فوصل أَثَره ابْن أبي شيبَة، وَقد مر الْآن مَعَ الشّعبِيّ.
الْخَامِس: قَتَادَة فوصل أثر عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن، وَقَتَادَة فِي قصَّة المجامع فِي رَمَضَان.
السَّادِس: حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، أحد من أَخذ عَنهُ الإِمَام أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فوصله عبد الرَّزَّاق عَن أبي حنيفَة عَنهُ.



[ قــ :1852 ... غــ :1935 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ قَالَ سَمِعَ يَزيدَ بنَ هَرُونَ قَالَ حدَّثنا يحْيَى هُوَ ابنُ سَعِيدٍ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الْقَاسِمِ أخبرَهُ عنْ محَمَّدِ بنِ جَعْفَرَ بنِ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدٍ عنْ عَبَّادِ ابنِ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيرِ قَالَ أخبرَهُ أنَّهُ سَمِعَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ إنَّ رَجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّهُ احْتَرَقَ قَالَ مالَكَ قَالَ أصبْتُ أهْلِي فِي رَمَضَانَ فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ أيْنَ الْمُحُتَرِقُ قَالَ أنَا قَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا.
( الحَدِيث 5391 طرفه فِي: 2286) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أصبت أَهلِي فِي رَمَضَان) ، أَرَادَ أَنه جَامع فِي نَهَار رَمَضَان.

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون: الزَّاهِد أَبُو عبد الرَّحْمَن.
الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون أَبُو خَالِد.
الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن جَعْفَر.
السَّادِس: عباد، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْأَخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي وَأَنه من أَفْرَاده وَأَن يزِيد بن هَارُون واسطي والبقية مدنيون.
وَفِيه: أَرْبَعَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد.
وَيحيى وَعبد الرَّحْمَن تابعيان صغيران من طبقَة وَاحِدَة وفوقهما قَلِيلا مُحَمَّد بن جَعْفَر.
وَأما ابْن عَمه عباد فَمن أوساط التَّابِعين.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن رمح وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن أبي الطَّاهِر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَعَن مُحَمَّد بن عَوْف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين وَعَن عِيسَى بن حَمَّاد وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن يحيى بن حبيب.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( إِن رجلا) ، زعم ابْن بشكوال أَن هَذَا الرجل هُوَ سَلمَة صَخْر البياضي فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة فِي ( مُسْنده) ، وَعند ابْن الْجَارُود: سلمَان بن صَخْر، وَفِي ( جَامع التِّرْمِذِيّ) : سَلمَة بن صَخْر، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عَليّ بن الْمُبَارك حَدثنَا يحيى بن أبي كثير ( حَدثنَا أَبُو سَلمَة: أَن سَلمَة بن صَخْر البياضي جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كَظهر أمه حَتَّى يمْضِي رَمَضَان، فَلَمَّا مضى نصف رَمَضَان وَقع عَلَيْهَا لَيْلًا، فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: أعتق رَقَبَة { قَالَ: لَا أَجدهَا.
قَالَ: فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ لَا أَسْتَطِيع.
قَالَ: أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا، قَالَ: لَا.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفروة بن عَمْرو: أعْطه ذَلِك الْعرق، وَهُوَ مكتل يَأْخُذ خَمْسَة عشر أَو سِتَّة عشر صَاعا)
.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) فَهَذَا غير مَا ذكره ابْن بشكوال فَينْظر، وَالله أعلم.
قلت: لَا شكّ أَنه غير لِأَن ابْن بشكوال اسْتندَ إِلَى مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة وَغَيره من طَرِيق سلمَان بن يسَار عَن سَلمَة بن صَخْر أَنه ظَاهر من امْرَأَته فِي رَمَضَان، وَأَنه وَطأهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرر رَقَبَة.
قلت: لَا أملك رَقَبَة غَيرهَا، وَضرب صفحة رقبته، قَالَ: فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ: وَهل أصبت الَّذِي أصبت إلاَّ من الصّيام؟ قَالَ: فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا.
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا لنا طَعَام}
قَالَ: فَانْطَلق إِلَى صَاحب صَدَقَة بني زُرَيْق فليدفعها إِلَيْك.
انْتهى.
وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، فَإِن فِي قصَّة المجامع فِي حَدِيث الْبابُُ أَنه كَانَ صَائِما.
وَفِي قصَّة سَلمَة بن صَخْر أَن ذَلِك كَانَ لَيْلًا، كَمَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ الْمَذْكُورَة آنِفا فَافْتَرقَا، واجتماعهما فِي كَونهمَا من بني بياضة، وَفِي صفة الْكَفَّارَة وَكَونهَا مرتبَة، وَفِي كَون كل مِنْهُمَا كَانَ لَا يقدر على شَيْء من خصالها لَا يسْتَلْزم اتِّحَاد الْقصَّتَيْنِ.
وَالله أعلم.
قَوْله: ( إِنَّه احْتَرَقَ) ، وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَنه عبر بقوله: ( هَلَكت) ، وَرِوَايَة الاحتراق تفسر رِوَايَة الْهَلَاك، وَكَأَنَّهُ لما اعْتقد أَن مرتكب الْإِثْم يعذب بالنَّار أطلق على نَفسه أَنه احْتَرَقَ لذَلِك، أَو مُرَاده أَنه يَحْتَرِق بالنَّار يَوْم الْقِيَامَة، فَجعل المتوقع كالواقع، وَاسْتعْمل بدله لفظ الْمَاضِي أَو شبه مَا وَقع فِيهِ من الْجِمَاع فِي الصَّوْم بالاحتراق، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: ( جَاءَهُ رجل وَهُوَ ينتف شعره، ويدق صَدره، وَيَقُول: هلك الْأَبْعَد وأهلكت) وَفِي رِوَايَة ( وَهُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ) ، وَفِي رِوَايَة: ( يلطم وَجهه) ، وَفِي رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَأَة: ( يَدْعُو ويله) ، وَفِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: ( ويحثي على رَأسه التُّرَاب) .
قَوْله: ( قَالَ: مَالك؟) أَي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا شَأْنك وَمَا جرى عَلَيْك؟ قَوْله: ( أصبت أَهلِي فِي رَمَضَان) كِنَايَة عَن وَطئهَا، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: ( وَقعت على امْرَأَتي فِي رَمَضَان) .
قَوْله: ( فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِضَم الْهمزَة وَكسر التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بمكتل) ، بِكَسْر الْمِيم: الزنبيل الْكَبِير، قيل: إِنَّه يسع خَمْسَة عشر صَاعا، كَانَ فِيهِ كتلاً من التَّمْر أَي: قطعا مجتمعة، وَيجمع على: مكاتل.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: المكتل والقفة والزبيل سَوَاء، وَسمي الزبيل لحمل الزبل فِيهِ، قَالَه ابْن دُرَيْد، والزبيل، بِكَسْر الزَّاي وَيُقَال بِفَتْحِهَا، وَكِلَاهُمَا لُغَتَانِ وَفِي ( الْمُحكم) الزبيل: الجراب، وَقيل: الْوِعَاء يحمل فِيهِ، والزبيل القفة، وَالْجمع: زبل وزبلان.
وَفِي ( الصِّحَاح) : الزبيل مَعْرُوف فَإِذا كَسرته شددته، فَقلت: زبيل، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب: فعليل، بِالْفَتْح وَجَاء فِيهِ لُغَة أُخْرَى وَهِي: زنبيل، بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون النُّون، قَالَ بَعضهم: وَقد تُدْغَم النُّون فتشدد الْيَاء مَعَ بَقَاء وَزنه، وَجمعه على اللُّغَات الثَّلَاث: زنابيل.
قلت: لَيْسَ جمعه على اللغتين الْأَوليين إلاَّ مَا نقلنا عَن ( الْمُحكم) : وَأما: زنابيل، فَلَيْسَ إلاَّ جمع المشدد فَقَط.
قَوْله: ( يدعى الْعرق) ، ذكر أَبُو عمر أَنه بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ الصَّوَاب عِنْد أهل اللُّغَة، قَالَ: وَأَكْثَرهم يَرْوُونَهُ بِسُكُون الرَّاء، وَفِي ( شرح الْمُوَطَّأ) لِابْنِ حبيب: رَوَاهُ مطرف عَن مَالك بتحريك الرَّاء،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين فِي رِوَايَة أبي الْحسن بِسُكُون الرَّاء، وَرِوَايَة أبي ذَر بِفَتْحِهَا، وَأنكر بعض الْعلمَاء إسكان الرَّاء، وَفِي كتاب ( الْعين) : الْعرق مِثَال شجر، والعرقات كل مضفور أَو مصطف، والعرق أَيْضا السَّقِيفَة من الخوص قبل أَن يَجْعَل مِنْهَا زنبيلاً، وَسمي: الزنبيل: عرقا لذَلِك، وَيُقَال: العرقة أَيْضا، وَعَن أبي عمر: والعرق أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من القفة، والعرقة زنبيل من قد بلغه كلب ذكره فِي ( الموعب) ، وَفِي ( الْمُحكم) : الْعرق واحدته: عرقة، قَالَ أَحْمد بن عمرَان: الْعرق المكتل الْعَظِيم.
قَوْله: ( أَيْن المحترق؟) يدل على أَنه كَانَ عَامِدًا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْبتْ لَهُ حكم الْعمد، وَأثبت لَهُ هَذَا الْوَصْف إِشَارَة إِلَى أَنه لَو أصر غير ذَلِك لَاسْتَحَقَّ ذَلِك.
قَوْله: ( تصدق بِهَذَا) ، مُطلق، وَالْمرَاد تصدق على سِتِّينَ مِسْكينا، هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصرا، وَرَوَاهُ مُسلم،.

     وَقَالَ : حَدثنَا مُحَمَّد بن رمح بن المُهَاجر، قَالَ: أخبرنَا اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عباد بن عبد الله بن الزبير ( عَن عَائِشَة، قَالَت: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: احترقت { قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِمَ قَالَ: وطِئت امْرَأَتي فِي رَمَضَان نَهَارا.
قَالَ: تصدق.
قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْء، فَأمره أَن يجلس، فَجَاءَهُ عرقان فيهمَا طَعَام، فَأمره أَن يتَصَدَّق بهما)
.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ( أَتَى رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد فِي رَمَضَان، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} احترقت احترقت؟ فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا شَأْنك؟ فَقَالَ: أصبت أَهلِي { فَقَالَ: تصدق، فَقَالَ: وَالله يَا نَبِي الله مَا لي شَيْء، وَمَا أقدر عَلَيْهِ.
قَالَ: إجلس، فَجَلَسَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك أقبل رجل يَسُوق حمارا عَلَيْهِ طَعَام، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن المحترق آنِفا؟ فَقَامَ الرجل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تصدق بِهَذَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله}
أغيرنا؟ فوَاللَّه إِنَّا لجياع مَا لنا شَيْء.
قَالَ: كلوه)
.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَمن الْحَدِيثين اللَّذين يأتيان بعده، وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث الَّتِي فِي هَذَا الْبابُُ، وَهُوَ على أَنْوَاع: النَّوْع الأول: أَن قوما استدلوا بقوله: ( تصدق بِهَذَا) على أَن الَّذِي يجب على من جَامع فِي نَهَار رَمَضَان عَامِدًا الصَّدَقَة لَا غير.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم هَكَذَا، وَلم يبين من هم.
قلت: هم عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ، وَمَالك فِي رِوَايَة وَعبد الله بن رهم فَإِنَّهُم قَالُوا فِي هَذَا: تجب عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَلَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِظَاهِر حَدِيث المحترق، وَأجِيب: بِأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي فِي الْكتاب زَاد فِيهِ: الْعتْق وَالصِّيَام، وَالْأَخْذ بِهِ أولى، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة حفظ ذَلِك وَلم تحفظه عَائِشَة، وَيُقَال: إِنَّهَا لم تجب عَلَيْهِ فِي الْحَال لعَجزه عَن الْكل.
وأخرت إِلَى زمن الميسرة.
وَفِي ( الْمَبْسُوط) : وَمَا أمره بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ تَطَوّعا لِأَنَّهَا لم تكن وَاجِبَة عَلَيْهِ فِي الْحَال لعَجزه، وَلِهَذَا أجَاز صرفهَا إِلَى نَفسه وَعِيَاله، وَعَن أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ: أَن قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَأبي ثَوْر: إِن الْكَفَّارَة دين عَلَيْهِ لَا تسْقط عَنهُ لعسرته، وَعَلِيهِ أَن يَأْتِي بهَا إِذا أيسر، كَسَائِر الْكَفَّارَات، وَعند الشَّافِعِيَّة: فِيهِ وَجْهَان، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن إِبَاحَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك الرجل أكل الْكَفَّارَة لعسرته رخصَة لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْن شهَاب: وَلَو أَن رجلا فعل ذَلِك الْيَوْم لم يكن لَهُ بُد من التَّكْفِير، وَقيل: هُوَ مَنْسُوخ، وَقيل: هُوَ خَاص بذلك الرجل،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: خص هَذَا الرجل بِأَحْكَام ثَلَاثَة: بِجَوَاز الْإِطْعَام مَعَ الْقُدْرَة على الصّيام وَصَرفه على نَفسه، والاكتفاء بِخَمْسَة عشر صَاعا.

النَّوْع الثَّانِي: لَو أَنهم اخْتلفُوا فِي كمية هَذِه الصَّدَقَة، فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: إِن الْوَاجِب فِيهَا مد، وَهُوَ ربع صَاع لكل مِسْكين، وَهُوَ خَمْسَة عشر صَاعا، لما روى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة هِشَام بن سعد عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: ( فَأتي بعرق قدر خَمْسَة عشر صَاعا) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: ( فَأتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمكتل فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا من تمر) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، قَالَ فِيهِ: ( بمكتل فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا من تمر) ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة روح عَن مُحَمَّد ابْن أبي حَفْصَة عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد قَالَ وَفِيه: بزبيل وَهُوَ المكتل فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا أَحْسبهُ تَمرا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ هِقْل بن زِيَاد، والوليد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَظَاهره يدل على أَن قدر خَمْسَة عشر صَاعا يَكْفِي لِلْكَفَّارَةِ عَن شخص وَاحِد لكل مِسْكين مد، قَالَ: وَقد جعله الشَّافِعِي أصلا لمذهبه فِي أَكثر الْمَوَاضِع الَّتِي يجب فِيهَا الْإِطْعَام، وَعِنْدنَا: الْوَاجِب لكل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاع من تمر، كَمَا فِي كَفَّارَة الظِّهَار، لما روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس: ( يطعم كل يَوْم مِسْكينا نصف صَاع من بر) وَعَن عَائِشَة فِي هَذِه الْقِصَّة: ( أُتِي بعرق فِيهِ عشرُون صَاعا) ذكره السفاقسي فِي ( شرح البُخَارِيّ) ويروى: ( مَا بَين خَمْسَة عشر صَاعا إِلَى عشْرين) ، وَفِي ( صَحِيح مُسلم) : فَأمره أَن يجلس، فجَاء عرقان فيهمَا طَعَام فَأمره أَن يتَصَدَّق بِهِ، فَإِذا كَانَ الْعرق خَمْسَة عشر صَاعا، فالعرقان ثَلَاثُونَ صَاعا على سِتِّينَ مِسْكينا لكل مِسْكين نصف صَاع.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي بعض طرق عَائِشَة عِنْد مُسلم: فَجَاءَهُ عرقان، وَالْمَشْهُور فِي غَيرهَا: عرق، وَرجحه الْبَيْهَقِيّ، وَجمع غَيره بَينهمَا بِتَعَدُّد الْوَاقِعَة.
.

     وَقَالَ : الَّذِي يظْهر أَن التَّمْر كَانَ قدر عرق، لكنه كَانَ فِي عرقين فِي حَال التحميل على الدَّابَّة ليَكُون أسهل فِي الْحمل، فَيحْتَمل أَن الْآتِي بِهِ لما وصل أفرغ أَحدهمَا فِي الآخر، فَمن قَالَ: عرقان، أَرَادَ ابْتِدَاء الْحَال، وَمن قَالَ: عرق، أَرَادَ مَا آل إِلَيْهِ.
قلت: كَون الْمَشْهُور فِي غير طرق عَائِشَة عرقا لَا يسْتَلْزم رد مَا رُوِيَ فِي بعض طرق عَائِشَة: أَنه عرقان، وَمن أَيْن تَرْجِيح رِوَايَة غير مُسلم على رِوَايَة مُسلم؟ فَهَذَا مُجَرّد دَعْوَى لتمشية مذْهبه.
وَقَول من يَدعِي تعدد الْوَاقِعَة غير صَحِيح، لِأَن مخرج الحَدِيث وَاحِد، وَالْأَصْل عدم التَّعَدُّد.
وَقَول هَذَا الْقَائِل: وَالَّذِي يظْهر ... إِلَى آخِره، سَاقِط جدا وَتَأْويل فَاسد، فَمن أَيْن هَذَا الظُّهُور الَّذِي يذكرهُ بِغَيْر أصل وَلَا دَلِيل من نفس الْكَلَام وَلَا قرينَة من الْخَارِج؟ وَإِنَّمَا هُوَ من آثَار أريحية التعصب نصْرَة لما ذهب إِلَيْهِ، وَالْحق أَحَق أَن يتبع، وَالله ولي الْعِصْمَة.

النَّوْع الثَّالِث: احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَدَاوُد وَأهل الظَّاهِر على أَنه: لَا يلْزم فِي الْجِمَاع على الرجل وَالْمَرْأَة إلاَّ كَفَّارَة وَاحِدَة، إِذْ لم يذكر لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم الْمَرْأَة، وَهُوَ مَوضِع الْبَيَان،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأَبُو ثَوْر: تجب الْكَفَّارَة على الْمَرْأَة أَيْضا إِن طاوعته،.

     وَقَالَ  القَاضِي: وَسوى الْأَوْزَاعِيّ بَين المكرهة والطائعة على مذْهبه،.

     وَقَالَ  مَالك، فِي الْمَشْهُور من مذْهبه فِي المكرهة: يكفر عَنْهَا بِغَيْر الصَّوْم.
.

     وَقَالَ  سَحْنُون: لَا شَيْء عَلَيْهَا، وَلَا عَلَيْهِ لَهَا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر، وَلم يخْتَلف مَذْهَبنَا فِي قَضَاء المركهة والنائمة إلاَّ مَا ذكره ابْن الْقصار عَن القَاضِي إِسْمَاعِيل عَن مَالك أَنه لَا غسل على الْمَوْطُوءَة نَائِمَة وَلَا مُكْرَهَة إلاَّ أَن تلتذ قَالَ ابْن قصار: فَتبين من هَذَا أَنَّهَا غير مفطرة،.

     وَقَالَ  القَاضِي: وظاهرة أَنه لَا قَضَاء على المكرهة إِلَّا أَن تلتذ، وَلَا على النائمة لِأَنَّهَا كالمحتلمة، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر فِي النائمة والمكرهة.

وَاخْتلف فِي وجوب الْكَفَّارَة على الْمُكْره على الوطىء لغيره.
على هَذَا، وَحكى ابْن الْقصار عَن أبي حنيفَة: لَا يلْزم الْمُكْره عَن نَفسه وَلَا على من أكرهه،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْبَدَائِع) : وَأما على الْمَرْأَة فَتجب عَلَيْهَا أَيْضا الْكَفَّارَة إِذا كَانَت مطاوعة، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: فِي قَول: لَا يجب عَلَيْهَا أصلا، وَفِي قَول: يجب عَلَيْهَا ويتحملها الزَّوْج.
وَأما الْجَواب عَن قَوْلهم: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر حكم الْمَرْأَة وَهُوَ مَوضِع الْبَيَان، أَن الْمَرْأَة لَعَلَّهَا كَانَت مُكْرَهَة أَو ناسية لصومها، أَو من يُبَاح لَهَا الْفطر ذَلِك الْيَوْم لعذر الْمَرَض أَو السّفر أَو الصغر أَو الْجُنُون أَو الْكفْر أَو الْحيض أَو طَهَارَتهَا من حَيْضهَا فِي أثْنَاء النَّهَار.

النَّوْع الرَّابِع: فِي أَن الْوَاجِب إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا خلافًا لما رُوِيَ عَن الْحسن أَنه رأى أَن يطعم أَرْبَعِينَ مِسْكينا عشْرين صَاعا، حَكَاهُ ابْن التِّين عَنهُ، وحكوا عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: يجْزِيه أَن يدْفع طَعَام سِتِّينَ مِسْكينا إِلَى مِسْكين وَاحِد.
قَالُوا: والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
قلت: الَّذِي حكى مَذْهَب أبي حنيفَة لم يعرف مذْهبه فِيهِ، وَحكي من غير معرفَة، ومذهبه أَنه إِذا دفع إِلَى مِسْكين وَاحِد فِي شَهْرَيْن يجوز، فَلَا يكون الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، لِأَن الْمَقْصُود سد خلة الْمُحْتَاج، وَالْحَاجة تتجدد بتجدد الْأَيَّام فَكَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي كمسكين آخر حَتَّى لَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا كُله فِي يَوْم وَاحِد لَا يَصح إلاَّ عَن يَوْمه، ذَلِك، لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ التَّفْرِيق وَلم يُوجد، ثمَّ الشَّرْط فِي الْإِطْعَام غداآن إِن وعشاآن، أَو غداء وعشاء فِي يَوْم وَاحِد.

النَّوْع الْخَامِس: فِي أَن التَّرْتِيب فِي الْكَفَّارَة وَاجِب، فَتَحْرِير رَقَبَة أَولا فَإِن لم يُوجد فَصِيَام شَهْرَيْن وَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا، بِدَلِيل عطف بعض الْجمل على الْبَعْض بِالْفَاءِ الْمرتبَة المعقبة كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة، وَذهب مَالك وَأَصْحَابه إِلَى التَّخْيِير لقَوْله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( صم شَهْرَيْن أَو أطْعم) ، فخيره: بِأَو، الَّتِي موضوعها التَّخْيِير، وَعَن ابْن الْقَاسِم: لَا يعرف مَالك غير الْإِطْعَام، وَذكر مقلدوه حجَجًا لذَلِك كَثِيرَة لَا تقاوم مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث من وجوب التَّرْتِيب واستحبابُه، وَزعم بَعضهم أَن الْكَفَّارَة تخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات قَالَ ابْن التِّين: وَإِلَيْهِ ذهب الْمُتَأَخّرُونَ من أَصْحَابنَا، فوقت المجاعة الْإِطْعَام أولى، وَإِن كَانَ خصبا فالعتق أولى، وَأمر بعض الْمُفْتِينَ أهل الْغنى الْوَاسِع بِالصَّوْمِ لمشقته عَلَيْهِ، وَعَن أبي ليلى هُوَ مُخَيّر فِي الْعتْق وَالصِّيَام، فَإِن لم يقدر عَلَيْهِمَا أطْعم، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جرير، قَالَا: وَلَا سَبِيل إِلَى الْإِطْعَام إلاَّ عِنْد الْعَجز عَن الْعتْق أَو الصّيام.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك أَحْمد أَن كَفَّارَة الْوَطْء فِي رَمَضَان ككفارة الظِّهَار فِي التَّرْتِيب: الْعتْق إِن أمكن، فَإِن عجز انْتقل إِلَى الصّيام، فَإِن عجز انْتقل إِلَى الْإِطْعَام، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنَّهَا على التَّخْيِير بَين الْعتْق وَالصِّيَام وَالْإِطْعَام، وبأيها كفر أَجزَأَهُ، وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك، فَإِن عجز عَن هَذِه الْأَشْيَاء سَقَطت الْكَفَّارَة عَنهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، لِأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما رأى عجز الْأَعرَابِي عَنْهَا قَالَ: ( أطْعمهُ أهلك) وَلم يَأْمُرهُ بكفارة أُخْرَى، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَعَن الزُّهْرِيّ: لَا بُد من التَّكْفِير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْأَنْوَاع.

النَّوْع السَّادِس فِي أَن إِطْلَاق الرَّقَبَة فِي الحَدِيث يدل على جَوَاز الْمسلمَة والكافرة، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَجعلُوا هَذَا كالظهار مستدلين بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُجَاهِد ( عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الَّذِي أفطر فِي رَمَضَان يَوْمًا بكفارة الظِّهَار) ، وَإِطْلَاق الحَدِيث أَيْضا يَقْتَضِي جَوَاز الرَّقَبَة المعيبة، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ شرطُوا الْإِيمَان فِي إِجْزَاء الرَّقَبَة، بِدَلِيل تقييدها فِي كَفَّارَة الْقَتْل، وَهِي مَسْأَلَة حمل الْمُطلق على الْمُقَيد،.

     وَقَالَ  عَطاء: إِن لم يجد رقبه أهْدى بَدَنَة، فَإِن لم يجد فبقرة،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: وَنَحْوه عَن الْحسن.

النَّوْع السَّابِع: فِي أَن التَّتَابُع فِي صَوْم الشَّهْرَيْنِ شَرط بِالنَّصِّ بِشَرْط أَن لَا يكون فيهمَا رَمَضَان، وَأَيَّام منهية، وَهِي: يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء إلاَّ ابْن أبي ليلى، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب التَّتَابُع فِي الصّيام، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.

النَّوْع الثَّامِن: اخْتلف الْفُقَهَاء فِي قَضَاء ذَلِك الْيَوْم مَعَ الْكَفَّارَة، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَأَبُو ثَوْر وَأحمد وَإِسْحَاق: عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِن كفر بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَام صَامَ يَوْمًا مَكَان ذَلِك الْيَوْم الَّذِي أفطر، وَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين دخل فيهمَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم،.

     وَقَالَ  قوم: لَيْسَ فِي الْكَفَّارَة صِيَام ذَلِك الْيَوْم، قَالَ أَبُو عمر: لِأَنَّهُ لم يرد فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي نقل الْحفاظ للْأَخْبَار الَّتِي لَا عِلّة فِيهَا ذكر الْقَضَاء، وَإِنَّمَا فِيهَا الْكَفَّارَة.
قلت: جَاءَ فِي خبر أبي هُرَيْرَة وَغَيره: الْقَضَاء، وروى ابْن مَاجَه عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن عبد الله بن وهب عَن عبد الْجَبَّار بن عمر عَن يحيى بن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، أَي: بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: هَلَكت، وَقد تقدم قبله، ثمَّ قَالَ: ( ويصوم يَوْمًا مَا مَكَانَهُ) .

النَّوْع التَّاسِع: أَجمعُوا على أَن من وطىء فِي رَمَضَان فِي يَوْم آخر أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة أُخْرَى، وَأَجْمعُوا أَنه لَيْسَ على من وطىء مرَارًا فِي يَوْم وَاحِد إلاَّ كَفَّارَة وَاحِدَة، فَإِن وطىء فِي يَوْم من رَمَضَان وَلم يكفر حَتَّى وطىء فِي يَوْم آخر، فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن عَلَيْهِ لكل يَوْم كَفَّارَة، كفر أم لَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة إِذا وطىء قبل أَن يكفر.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: أحب إِلَيّ أَن يكفر عَن كل يَوْم، وَأَرْجُو أَن يجْزِيه كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر.

النَّوْع الْعَاشِر: فِي حَدِيث الْبابُُ دلَالَة على التَّمْلِيك الضمني من قَوْله: ( تصدق بِهَذَا) ، قَالَ صَاحب الْمُفْهم: يلْزم مِنْهُ أَن يكون قد ملكه إِيَّاه ليتصدق بِهِ عَن كَفَّارَته، قَالَ: وَيكون هَذَا كَقَوْل الْقَائِل: أعتقت عَبدِي عَن فلَان، فَإِنَّهُ يتَضَمَّن سبقية الْملك عِنْد قوم، قَالَ: وأباه أَصْحَابنَا مَعَ الِاتِّفَاق على أَن الْوَلَاء للْمُعْتق فِيهِ، وَأَن الْكَفَّارَة تسْقط بذلك.
<"