فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحجامة والقيء للصائم

(بابُُ الحِجَامَةِ والْقَيءِ لِلْصَّائِمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَحْكَام الْحجامَة والقيء هَل يرخصان للصَّائِم أَو لَا؟ وَإِنَّمَا أطلق وَلم يذكر الحكم لمَكَان الْخلاف فِيهِ، وَلَكِن الْآثَار الَّتِي أوردهَا فِي هَذَا الْبابُُ تشعر بِأَنَّهُ عدم الْإِفْطَار بهما.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: بابُُ الْحجامَة والقيء للصَّائِم، أَي: هَل يفسدان هما أَو أَحدهمَا الصَّوْم؟ قلت: اللَّام فِي قَوْله: (للصَّائِم) ، تمنع هَذَا التَّقْدِير الَّذِي قدره، وَلَا يخفى ذَلِك على من لَهُ أدنى ذوق من أَحْوَال التَّرْكِيب، قيل: جمع بَين الْقَيْء والحجامة مَعَ تغايرهما، وعادته تَفْرِيق التراجم إِذا نظمهما خبر وَاحِد فضلا عَن خبرين، وَإِنَّمَا صنع ذَلِك لِاتِّحَاد مأخذهما، لِأَنَّهُمَا إِخْرَاج، والإخراج لَا يَقْتَضِي الْإِفْطَار.

وَقَالَ لِي يَحْيَى بنُ صَالِحٍ حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّم قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمَ بن ثَوْبانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ إذَا قاءَ فَلاَ يُفْطِرُ إنَّمَا يُخْرجُ ولاَ يُولِجُ عَادَة البُخَارِيّ إِذا أسْند شَيْئا من الْمَوْقُوفَات يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَة، وَيحيى بن صَالح أَبُو زَكَرِيَّا الوحاظي الْحِمصِي وَمُعَاوِيَة ابْن سَلام، بتَشْديد اللَّام، مر فِي كتاب الْكُسُوف، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَعمر بن الحكم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف المفتوحتين: ابْن ثَوْبَان، بالثاء الْمُثَلَّثَة: الْحِجَازِي أَبُو حَفْص الْمدنِي.

قَوْله: (إِذا قاء) أَي الصَّائِم: قَوْله: (وَإِنَّمَا يخرج) ، من الْخُرُوج.
قَوْله: (وَلَا يولج) ، من الْإِيلَاج، أَي: لَا يدْخل، الْمَعْنى: أَن الصَّوْم لَا ينْقض إِلَّا بِشَيْء يدْخل، وَلَا ينْقض بِشَيْء يخرج.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني أَنه يخرج وَلَا يولج، أَي: أَن الْقَيْء يخرج وَلَا يدْخل، وَهَذَا الْحصْر منقوض بالمني، فَإِنَّهُ مِمَّا يخرج وَهُوَ مُوجب للْقَضَاء وَالْكَفَّارَة.

وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة مَرْفُوعا من حَدِيث هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من ذرعه الْقَيْء فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء، وَمن استقاء عمدا فليقض) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إلاَّ من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس، قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غَيره وَجهه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يَصح إِسْنَاده.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: لم يَصح، وَإِنَّمَا يرْوى عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله ضَعِيف، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق عِيسَى ابْن يُونُس، وَنقل عَن عِيسَى أَنه قَالَ: زعم أهل الْبَصْرَة أَن هشاما وهم فِيهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمد يَقُول: لَيْسَ من ذَا شَيْء.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يُرِيد أَنه غير مَحْفُوظ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: تفرد بِهِ عِيسَى وَهُوَ ثِقَة إلاَّ أَن أهل الحَدِيث أنكروه عَلَيْهِ، وَوهم عِنْدهم فِيهِ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الطوسي: هُوَ حَدِيث غَرِيب، وَالصَّحِيح رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء وثوبان وفضالة بن عبيد: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَأفْطر) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أصح شَيْء فِي الْقَيْء والرعاف.

قلت: حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَوَاهُ الْأَرْبَعَة وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن حُسَيْن الْمعلم عَن يحيى بن أبي كثير عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن يعِيش بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن معدان بن طَلْحَة (عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَأفْطر، قَالَ: فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق، قلت: إِن أَبَا الدَّرْدَاء أَخْبرنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَأفْطر، فَقَالَ: صدق، أَنا صببت لَهُ وضوءه) .
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الصَّائِم إِذا قاء أفطر، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث.
قلت: أَرَادَ بالقوم: عَطاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبا ثَوْر.
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَقَالُوا: إِن استقاء أفطر، وَإِن ذرعه الْقَيْء أَي: سبقه وَغلب عَلَيْهِ وَلم يفْطر، وَأَرَادَ بالآخرين: الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وعلقمة وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة وَأَصْحَابه ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، ويروى ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن من ذرعه الْقَيْء لَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على أَن الاستقاء مفطر، وَنقل الْعَبدَرِي عَن أَحْمد أَنه قَالَ: من تقيأ فَاحِشا أفطر،.

     وَقَالَ  اللَّيْث وَالثَّوْري وَالْأَرْبَعَة بِالْقضَاءِ، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَعَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس: أَنه لَا يفْطر، وَلَكِن فِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه إِذا تقيأ أفطر، وَنقل ابْن التِّين عَن طَاوُوس عدم الْقَضَاء، قَالَ: وَبِه قَالَ ابْن بكير،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: لَا قَضَاء عَلَيْهِ فِي التَّطَوُّع دون الْفَرْض،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مثل كَفَّارَة الْأكل عَامِدًا فِي رَمَضَان، وَهُوَ قَول عَطاء، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء الْمَذْكُور الَّذِي أخرجه ابْن حبَان وَالْحَاكِم أَيْضا فِي (صَحِيحَيْهِمَا) وَأجَاب أَبُو عمر: أَنه لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: قد يجوز أَن يكون قَوْله: (فَأفْطر) أَي: ضعف فَأفْطر، وَيجوز هَذَا فِي اللُّغَة يَعْنِي: يجوز هَذَا التَّقْدِير فِي اللُّغَة، لتضمن مثل ذَلِك لعلم السَّامع بِهِ كَمَا فِي حَدِيث فضَالة، وَلَكِنِّي قئت فضعفت عَن الصّيام فأفطرت، وَلَيْسَ فِيهِ أَن الْقَيْء كَانَ مُفطرا.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث أَن انبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح صَائِما مُتَطَوعا فقاء فضعف فَأفْطر لذَلِك، هَكَذَا رُوِيَ فِي بعض الحَدِيث مُفَسرًا، وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ بِأَن هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده فَإِن صَحَّ فَمَحْمُول على الْعَامِد، وَكَأَنَّهُ كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُتَطَوعا بصومه.

وَحَدِيث فضَالة رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا ربيع الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا أَسد قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مَرْزُوق عَن حَنش عَن فضَالة بن عبيد، قَالَ: دعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشراب فَقَالَ لَهُ: ألم تصبح صَائِما يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن قئت) .
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَأَبُو مَرْزُوق اسْمه: حبيب بن الشَّهِيد، وَقيل: زَمعَة بن سليم، قَالَ الْعجلِيّ: مصري تَابِعِيّ ثِقَة، وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، وحنش هُوَ ابْن عبد الله الصَّنْعَانِيّ، صنعاء دمشق، روى لَهُ الْجَمَاعَة غير البُخَارِيّ فَإِن قلت: ابْن لَهِيعَة فِيهِ مقَال؟ قلت: الطَّحَاوِيّ أخرجه من أَربع طرق: الأول: مَا ذَكرْنَاهُ الَّذِي فِيهِ ابْن لَهِيعَة والبقية عَن أبي بكرَة عَن روح وَعَن مُحَمَّد بن خُزَيْمَة عَن حجاج وَعَن حُسَيْن بن نصر عَن يحيى بن حسان، قَالُوا: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي مَرْزُوق عَن حَنش عَن فضَالة.
.
إِلَى آخِره،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عِنْد أهل الْعلم على حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الصَّائِم إِذا ذرعه الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِذا استقاء عمدا فليقض، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَهُوَ قَول كل من يحفظ عَنهُ الْعلم، قَالَ: وَبِه أَقْوَال.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيَسْتَوِي فِيهِ ملْء الْفَم وَمَا دونه لإِطْلَاق حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع، فَإِن عَاد وَكَانَ ملْء الْفَم لَا يفْسد صَوْمه عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد، قَالَ فِي (الْمُحِيط) : وَهُوَ الصَّحِيح، وَذكر فَتى (قاضيخان) عَن مُحَمَّد وجده، وَعند أبي يُوسُف يفْسد وَإِن أَعَادَهُ، وَكَانَ أقل من ملْء الْفَم يفْسد عِنْد مُحَمَّد وَزفر، وَهَذَا إِذا تقيأ مرّة أَو طَعَاما أَو مَاء، فَإِن تقيأ ملْء فِيهِ بلغما لَا يفْسد عِنْدهمَا، خلافًا لأبي يُوسُف.

ويُذْكَرُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ يُفْطِرُ
يذكر على صِيغَة الْمَجْهُول عَلامَة التمريض، يَعْنِي: إِذا قاء الصَّائِم يفْطر، يَعْنِي: ينْتَقض صَوْمه، ذكره الْحَازِمِي عَنهُ رِوَايَة عَن بَعضهم، وَيُمكن الْجمع بَين قوليه بِأَن قَوْله: لَا يفْطر، يحمل على مَا فصل فِي حَدِيثه الْمَرْفُوع، وَيحمل قَوْله: أَنه يفْطر، على مَا إِذا تعمد الْقَيْء.

والأوَّلُ أصَحُّ أَي: عدم الْإِفْطَار أصح.
قَالَ: الْكرْمَانِي أَو الإيناد الأول؟ قلت: هُوَ قَوْله:.

     وَقَالَ  لي يحيى بن صَالح: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن سَلام ... إِلَى آخِره.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعِكْرِمَةُ الْفِطْرُ مِمَّا دخَلَ ولَيْسَ مِمَّا خَرَجَ
هَذَانِ التعليقان رَوَاهُمَا ابْن أبي شيبَة.
فَالْأول: قَالَ: حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس فِي الْحجامَة للصَّائِم، فَقَالَ: الْفطر مِمَّا يدْخل وَلَيْسَ مِمَّا يخرج.
وَالثَّانِي: رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن حُصَيْن عَن عِكْرِمَة مثله.

وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا يَحْتَجِمُ وهْوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه احْتجم وَهُوَ صَائِم، ثمَّ ترك ذَلِك فَكَانَ إِذا صَامَ لم يحتجم حَتَّى يفْطر،.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا ابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ ... فَذكره، وَحدثنَا وَكِيع عَن هِشَام بن الْغَاز، وَحدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن يزِيد عَن عبد الله عَن نَافِع بِزِيَادَة، فَلَا أَدْرِي لأي شَيْء تَركه كرهه أَو للضعف؟ وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه: وَكَانَ ابْن عمر كثير الِاحْتِيَاط، فَكَأَنَّهُ ترك الْحجامَة نَهَارا لذَلِك.

واحْتَجَمَ أبُو مُوسَى لَيْلاً
أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، اسْمه: عبد الله بن قيس، هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن أبي عدي عَن حميد عَن بكير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أبي الْعَالِيَة، قَالَ: دخلت على أبي مُوسَى وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة ممسيا فَوَجَدته يَأْكُل تَمرا وكامخا وَقد احْتجم، فَقلت لَهُ: أَلا تحتجم بنهار؟ قَالَ: أتأمرني أَن أهريق دمي وَأَنا صَائِم؟
ويُذْكَرُ عنْ سَعْدٍ وزَيْدِ بنِ أرْقَمَ وأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِياما
سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة، وَزيد بن أَرقم بن زيد الْأنْصَارِيّ الخزرجي، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
قَوْله: (صياما) أَي: صَائِمين، نصب على الْحَال، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا بِصِيغَة التمريض لسَبَب يظْهر بالتخريح.
أما أثر سعد فوصله مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن ابْن شهَاب: أَن سعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن عمر كَانَا يحتجمان وهما صائمان، وَهَذَا مُنْقَطع عَن سعد، لَكِن ذكره أَبُو عمر من وَجه آخر عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه.
وَأما أثر زيد بن أَرقم فوصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن يُونُس بن عبد الله الْجرْمِي عَن دِينَار، حجمت زيد بن أَرقم، ودينار هُوَ الْحجام مولى جرم، بِفَتْح الْجِيم: لَا يعرف إلاَّ فِي هَذَا الْأَثر.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: لَا يَصح حَدِيثه.
وَأما أثر أم سَلمَة فوصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ أَيْضا عَن فرات عَن مولى أم سَلمَة: أَنه رأى أم سَلمَة تحتجم وَهِي صَائِمَة، وفرات هُوَ ابْن أبي عبد الرَّحْمَن ثِقَة، وَلَكِن مولى أم سَلمَة مَجْهُول الْحَال.

وَقَالَ بُكيرٌ عنْ أُمَّ عَلقَمَةَ كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عائِشَةَ فَلا تَنْهَى
بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الأشح، وَاسم أم عَلْقَمَة مرْجَانَة سَمَّاهَا البُخَارِيّ، وَذكرهَا ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي تَارِيخه من طَرِيق مخرمَة بن بكير عَن أم عَلْقَمَة قَالَ: كُنَّا نحتجم عِنْد عَائِشَة وَنحن صِيَام، وَبَنُو أخي عَائِشَة فَلَا تنهاهم.
قَوْله: (فَلَا تنْهى) ، بِفَتْح التَّاء المثناء من فَوق، وَسُكُون النُّون أَي: فَلَا تنْهى عَائِشَة عَن الاحتجام.
ويروى: (فَلَا تُنْهَى) ، بِضَم النُّون الأولى الَّتِي للمتكلم مَعَ الْغَيْر، وَسُكُون الثَّانِيَة على صِيغَة الْمَجْهُول.

ويُرْوَى عنِ الحَسَنِ عنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعا فَقَالَ أفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ
أَي: ويروى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (فَقَالَ) بِالْفَاءِ، ويروى: قَالَ، بِدُونِ الْفَاء، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه روى عَن الْحسن عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وهم أَبُو هُرَيْرَة وثوبان وَمَعْقِل بن يسَار وَعلي بن أبي طَالب وَأُسَامَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب عَن يُونُس عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ،.
ثمَّ قَالَ: النَّسَائِيّ، ذكر اخْتِلَاف الناقلين لخَبر أبي هُرَيْرَة فِيهِ، ثمَّ روى من حَدِيث أبي عَمْرو عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، ثمَّ قَالَ: وَقفه إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، ثمَّ روى من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر من حَدِيث شَقِيق بن ثَوْر عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: يُقَال: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، أما أَنا فَلَو احتجمت مَا باليت، أَبُو هُرَيْرَة يَقُول هَذَا) .
ثمَّ روى من حَدِيث عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَفِي لفظ عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة، وَلم يسمعهُ مِنْهُ، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَفِي لفظ عَن عَطاء عَن رجل عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .

وَأما حَدِيث: ثَوْبَان فَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: روى حَدِيث (أفطر الحاجم والمحجوم) ، قَتَادَة عَن الْحسن عَن ثَوْبَان، وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي قلَابَة أَن أَبَا أَسمَاء الرحي حَدثهُ: أَن ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبرهُ أَنه سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
وَأخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك).

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.

وَأما حَدِيث معقل بن يسَار فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن معَاذ، (عَن عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: شهد عِنْدِي نفر من أهل الْبَصْرَة مِنْهُم الْحسن عَن معقل بن يسَار، أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رأى رجلا يحتجم وَهُوَ صَائِم، فَقَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .

وَأما حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة سعد بن أبي عرُوبَة عَن مطر عَن الْحسن عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .

وَأما حَدِيث أُسَامَة بن زيد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن عَن أُسَامَة بن زيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، قَالَ النَّسَائِيّ: وَلم يُتَابع أشعثَ أحدٌ علمناه على رِوَايَته.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: قد تَابعه عَلَيْهِ يُونُس بن عبيد، إلاَّ أَنه من رِوَايَة عبيد الله بن تَمام عَن يُونُس، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (زيادات الْمسند).

     وَقَالَ : وَعبيد الله هَذَا فَغير حَافظ.
انْتهى.

وَقد اخْتلف فِيهِ على الْحسن، فَقيل عَنهُ هَكَذَا، وَقيل: عَنهُ عَن ثَوْبَان، وَقيل: عَنهُ عَن عَليّ، وَقيل: عَنهُ عَن معقل بن يسَار، وَقيل: عَن معقل بن سِنَان، وَقيل: عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة، وَقيل: عَنهُ عَن سَمُرَة.
قَالَ شَيخنَا: وَيُمكن أَن يكون لَيْسَ باخْتلَاف، فقد رُوِيَ عَن الْحسن عَن رجال ذَوي عدد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أَن بعض من سمي من الصَّحَابَة لم يسمع مِنْهُ الْحسن، مِنْهُم: عَليّ وثوبان وَأَبُو هُرَيْرَة على مَا قيل،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: حَدِيث أُسَامَة وَمَعْقِل بن سِنَان وَأبي هُرَيْرَة معلولة كلهَا، لَا يثبت مِنْهَا شَيْء من جِهَة النَّقْل.

وَاعْلَم أَنه قد رُوِيَ فِي هَذَا الْبابُُ عَن رَافع بن خديج عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَتفرد بِهِ، وَأخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) وروى عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ: لَا أعلم فِي الحاجم والمحجوم حَدِيثا أصح من هَذَا.
وَأخرجه الْبَزَّار فِي (زيادات الْمسند) من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن معمر،.

     وَقَالَ : لَا نعلم يرْوى عَن رَافع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
.

     وَقَالَ  أَحْمد: تفرد بِهِ معمر، وَرُوِيَ أَيْضا عَن شَدَّاد بن أَوْس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَن أبي الْأَشْعَث (عَن شَدَّاد بن أَوْس، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، أَتَى عليَّ رجل بِالبَقِيعِ وَهُوَ آخذ بيَدي لثماني عشر خلت من رَمَضَان، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة لَيْث عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَلَيْث هُوَ ابْن سليم مُخْتَلف فِيهِ، وَعَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة قبيصَة بن عقبَة، حَدثنَا مطر عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، قَالَ: وَرَوَاهُ غير وَاحِد عَن مطر عَن عَطاء مُرْسلا، وَعَن أبي مُوسَى رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي رَافع، قَالَ: دخلت على أبي مُوسَى.
.
الحَدِيث، وَفِيه: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَعَن بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة شهر عَن بِلَال عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَعَن ابْن عمر رَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة نَافِع عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
وَعَن ابْن مَسْعُود رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي (الضُّعَفَاء) من رِوَايَة الْأسود عَنهُ، قَالَ: (مر بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجلَيْنِ يحجم أَحدهمَا الآخر، فاغتاب أَحدهمَا وَلم يُنكر عَلَيْهِ الآخر، فَقَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
وَعَن جَابر رَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة عَطاء عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
وَعَن سَمُرَة أَيْضا من رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) .
وَعَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي قلَابَة عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَعَن أبي الدَّرْدَاء ذكره النَّسَائِيّ عِنْد ذكر طرق حَدِيث عَائِشَة فِي الِاخْتِلَاف على لَيْث، وَلما روى الطَّحَاوِيّ حَدِيث أبي رَافع وَعَائِشَة وثوبان وَشَدَّاد بن أَوْس وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الْحجامَة تفطر الصَّائِم حاجما كَانَ أَو محجوما، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذِهِ الْآثَار أَي: أَحَادِيث هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين.
قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْأَوْزَاعِيّ ومسروقا وَمُحَمّد بن سِيرِين وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق، فَإِنَّهُم قَالُوا: الْحجامَة لَا تفطر مُطلقًا.
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَا تفطر الْحجامَة حاجما أَو محجوما.
قلت: أَرَادَ بهم: عَطاء بن يسَار وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعِكْرِمَة وَزيد بن أسلم وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبا الْعَالِيَة وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمدا ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه إلاَّ ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُم قَالُوا: الْحجامَة لَا تفطر، ثمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ ذَلِك من الصَّحَابَة سعد بن أبي وَقاص وَالْحُسَيْن بن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَابْن زيد وَابْن عَبَّاس وَزيد بن أَرقم وَعبد الله بن عمر وَأنس بن مَالك وَعَائِشَة وَأم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ثمَّ أجَاب الطَّحَاوِيّ عَن الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة بِأَنَّهُ: لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على أَن الْفطر الْمَذْكُور فِيهَا كَانَ لأجل الْحجامَة، بل إِنَّمَا ذَلِك كَانَ لِمَعْنى آخر، وَهُوَ: أَن الحاجم والمحجوم كَانَا يغتابان رجلا، فَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي، رَحمَه الله، فَحمل: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، بالغيبة على سُقُوط أجر الصَّوْم، وَجعل نَظِير ذَلِك أَن بعض الصَّحَابَة قَالَ للمتكلم يَوْم الْجُمُعَة: لَا جُمُعَة لَك، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق، وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِعَادَةِ، فَدلَّ على أَن ذَلِك مَحْمُول على إِسْقَاط الْأجر.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَيْسَ إفطارهما ذَلِك كالإفطار بِالْأَكْلِ وَالشرب وَالْجِمَاع، وَلَكِن حَبط أجرهما باغتيابهما، فصارا بذلك كالمفطرين، لَا أَنه إفطار يُوجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء، وَهَذَا كَمَا قيل: الْكَذِب يفْطر الصَّائِم، لَيْسَ يُرَاد بِهِ الْفطر الَّذِي يُوجب الْقَضَاء، إِنَّمَا هُوَ على حبوط الْأجر.
قَالَ: وَهَذَا كَمَا يَقُول: فسق الْقَائِم، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه فسق لأجل قِيَامه، وَلكنه فسق لِمَعْنى آخر غير الْقيام، ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: إِنَّا كرهنا الْحجامَة للصَّائِم من أحل الضعْف، وروى أَيْضا عَن حميد قَالَ سَأَلَ ثَابتا الْبنانِيّ أنس بن مَالك هَل كُنْتُم تَكْرَهُونَ الْحجامَة للصَّائِم؟ قَالَ: لَا إِلَّا من أجل الضعْف وَرُوِيَ أَيْضا عَن جَابر بن أبي جَعْفَر وَسَالم عَن سعيد ومغيرة عَن إِبْرَاهِيم وَلَيْث عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِنَّمَا كرهت الْحجامَة للصَّائِم مَخَافَة الضعْف.
انْتهى.

وَقد ذكرت وُجُوه أُخْرَى.
مِنْهَا مَا قيل: إِن فِيهَا التَّعَرُّض للإفطار، أما المحجوم فللضعف وَأما الحاجم فَلِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يصل إِلَى جَوْفه من طعم الدَّم، وَهَذَا كَمَا يُقَال للرجل يتَعَرَّض للهلاك: قد هلك فلَان، وَإِن كَانَ سالما، وَكَقَوْلِه: من جعل قَاضِيا فقد ذبح بِغَيْر سكين، يُرِيد أَنه قد تعرض للذبح لَا أَنه ذبح حَقِيقَة.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بهما مسَاء، فَقَالَ: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، فَكَأَنَّهُ عُذْرهمَا بِهَذَا، أَو كَانَا أمسيا ودخلا فِي وَقت الْإِفْطَار، قَالَه الْخطابِيّ.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن هَذَا على التَّغْلِيظ لَهما، كَقَوْلِه: (من صَامَ الدَّهْر لَا صَامَ وَلَا أفطر) .
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن مَعْنَاهُ: جَازَ لَهما أَن يفطرا كَقَوْلِه: أحصد الزَّرْع، إِذا حَان أَن يحصد.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن أَحَادِيث الحاجم والمحجوم مَنْسُوخَة بِحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَالَ لِي عَيَّاش قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى قَالَ حدَّثنا يُونُس عنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ قِيلَ لَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ الله أعلم
عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْقطَّان، أَبُو الْوَلِيد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْأَعْلَى ابْن عبد الْأَعْلَى الشَّامي الْقرشِي الْبَصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ بن عبيد بن دِينَار الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ، يروي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ والإسناد كُله بصريون.

قَوْله: (مثله) ، أَي: مثل مَا ذكر من (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه، قَالَ: حَدثنِي عَيَّاش ... فَذكره.
قَوْله: (قيل لَهُ) أَي: الْحسن (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الَّذِي تحدث بِهِ من أفطر الحاجم والمحجوم؟ ، قَالَ: نعم من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بقوله: (الله أعلم) إِلَى أَنه ترددا فِي ذَلِك وَلم يجْزم بِالرَّفْع.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: (وَالله أعلم) ، يسْتَعْمل فِي مقَام التَّرَدُّد، وَلَفظ: نعم، حَيْثُ قَالَ أَولا يدل على الْجَزْم.
ثمَّ قَالَ: قلت: جزم حَيْثُ سَمعه مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَيْثُ كَانَ خبر الْوَاحِد غير مُفِيد لليقين أظهر التَّرَدُّد فِيهِ، أَو حصل لَهُ بعد الْجَزْم تردد، أَو لَا يلْزم أَن يكون اسْتِعْمَاله للتردد.
وَالله أعلم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَحمل الْكرْمَانِي مَا جزمه على وثوقه بِخَبَر من أخبر بِهِ، وتردده لكَونه خبر وَاحِد فَلَا يُفِيد الْيَقِين، وَهُوَ حمل فِي غَايَة الْبعد.
انْتهى.
قلت: استبعاده فِي غَايَة الْبعد، لِأَن من سمع خَبرا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من رُوَاة ثِقَات يجْزم بِصِحَّتِهِ، ثمَّ إِنَّه إِذا نظر إِلَى كَونه أَنه خبر وَاحِد وَأَنه لَا يُفِيد الْيَقِين يحصل لَهُ التَّرَدُّد بِلَا شكّ، وَقد أجَاب الْكرْمَانِي بِثَلَاثَة أجوبة، فجَاء هَذَا الْقَائِل واستبعد أحد الْأَجْوِبَة من غير بَيَان وَجه الْبعد، وَسكت عَن الآخرين.



[ قــ :1855 ... غــ :1938 ]
- حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجَمَ وهْوَ مُحرِمٌ واحْتَجَمَ وهْوَ صَائِمٌ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا، فمعلى، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة، مر فِي الْحيض، ووهيب تَصْغِير وهب مر غير مرّة، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ كَذَلِك.

والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة عبد الْوَارِث وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد مُتَّصِلا، ومرسلاً من غير ذكر ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ مُرْسلا من رِوَايَة إِسْمَاعِيل ابْن علية وَمعمر عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، وَمن رِوَايَة جَعْفَر بن ربيعَة عَن عِكْرِمَة مُرْسلا، وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة مقسم (عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتجم فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَهُوَ محرم صَائِم) .
وَرَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن حبيب بن الشَّهِيد عَن مَيْمُون بن مهْرَان (عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتجم وَهُوَ صَائِم) .
.

     وَقَالَ : هدا حَدِيث حسن غَرِيب، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد التِّرْمِذِيّ وَزَاد: وَهُوَ محرم،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أعلم أحدا رَوَاهُ عَن حبيب غير الْأنْصَارِيّ، وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزوج مَيْمُونَة.

وَقَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن أبي سعيد وَجَابِر وَأنس قلت: وَعَن ابْن عمر أَيْضا وَعَائِشَة ومعاذ وَأبي مُوسَى.
أما حَدِيث أبي سعيد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي المتَوَكل (عَن أبي سعيد، قَالَ: رخص رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْقبْلَة للصَّائِم والحجامة) .
وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة أبي الزبير عَنهُ: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتجم وَهُوَ صَائِم) .
وَأما حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة ثَابت عَنهُ وَفِيه: (ثمَّ رخص النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد فِي الْحجامَة للصَّائِم) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة نَافِع عَنهُ قَالَ: (احْتجم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ صَائِم محرم، وَأعْطى الْحجام أجره) .
وَأما حَدِيث عَائِشَة فَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي (الْعِلَل) من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَنْهَا: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز ضَعِيف.
وَأما حَدِيث معَاذ فَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (الضُّعَفَاء) من حَدِيث جُبَير بن نفير عَنهُ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم) .
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي (الْعِلَل) عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول وَهُوَ مُحَمَّد بن سَلمَة فِي الحَدِيث الَّذِي يرويهِ عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم أَنه دخل على أبي مُوسَى وَهُوَ يحتجم وَهُوَ صَائِم، وَقد مر حَدِيث أبي مُوسَى فِي هَذَا الْبابُُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة.
وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن أَحَادِيث: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، مَنْسُوخَة.

قَالَ الْمُنْذِرِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس نَاسخ، لِأَن فِي حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي عَام الْفَتْح فِي رَمَضَان لرجل كَانَ يحتجم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَالْفَتْح كَانَ فِي سنة ثَمَان.
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع فِي سنة عشر فَهُوَ مُتَأَخّر ينْسَخ الْمُتَقَدّم، فَإِن ابْن عَبَّاس لم يصحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرم إلاَّ فِي حجَّة الْإِسْلَام، وَفِي حجَّة الْفَتْح لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محرما، وَقد أَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى هَذَا.
وَمِمَّا يُصَرح فِيهِ بالنسخ حَدِيث أنس بن مَالك، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عمر بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم النَّيْسَابُورِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد بن زيد الرَّاسِبِي حَدثنَا مَسْعُود بن جويرة: حَدثنَا الْمعَافي بن عمرَان عَن ياسين الزيات عَن يزِيد الرقاشِي (عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم بَعْدَمَا قَالَ: أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَهَذَا صَرِيح بانتساخ حَدِيث: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وَاعْترض ابْن خُزَيْمَة بِأَن فِي هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث الْبابُُ أَنه كَانَ صَائِما محرما.
قَالَ: وَلم يكن قطّ محرما مُقيما بِبَلَدِهِ، إِنَّمَا كَانَ محرما وَهُوَ مُسَافر، وللمسافر إِن كَانَ نَاوِيا للصَّوْم فَمضى عَلَيْهِ بعض النَّهَار وَهُوَ صَائِم، الْأكل وَالشرب على الصَّحِيح، فَإِذا جَازَ لَهُ ذَلِك جَازَ لَهُ أَن يحتجم وَهُوَ مُسَافر.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي خبر ابْن عَبَّاس مَا يدل على إفطار المحجوم، فضلا عَن الحاجم.
وَأجِيب: بِأَن الحَدِيث مَا ورد هَكَذَا إلاَّ لفائدة، فَالظَّاهِر أَنه وجدت مِنْهُ الْحجامَة وَهُوَ صَائِم لم يتَحَلَّل من صَوْمه، وَاسْتمرّ.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: صَحَّ حَدِيث (أفطر الحاجم والمحجوم) ، بِلَا ريب فِيهِ، لَكِن وجدنَا من حَدِيث أبي سعيد (أرخص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محرما فِي الْحجامَة للصَّائِم) ، وَإِسْنَاده صَحِيح، فَوَجَبَ الْأَخْذ بِهِ لِأَن الرُّخْصَة إِنَّمَا تكون بعد الْعَزِيمَة، فَدلَّ على نسخ الْفطر بالحجامة سَوَاء كَانَ حاجما أَو محجوما، وَقد مر حَدِيث أبي سعيد عَن قريب.





[ قــ :1856 ... غــ :1939 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ صَائِمٌ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث ابْن سعيد التَّمِيمِي الْعَنْبَري مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَهَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من عشر طرق، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث ... إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا الْحسن حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، فَلم يذكر ابْن عَبَّاس.
وَاخْتلف على حَمَّاد بن زيد فِي وَصله وإرساله، وَقد بَين ذَلِك النَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ  مهنا: سَأَلت أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ صَائِم، إِنَّمَا هُوَ: وَهُوَ محرم، ثمَّ سَاق من طرق ابْن عَبَّاس، لَكِن لَيْسَ فِيهَا طَرِيق أَيُّوب هَذِه، والْحَدِيث صَحِيح لَا شكّ فِيهِ، وروى ابْن سعد فِي كِتَابه: عَن هَاشم بن الْقَاسِم عَن شُعْبَة عَن الْحَاكِم ( عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتجم بالقاحة وَهُوَ صَائِم) .
قلت: القاحة، بِالْقَافِ والحاء الْمُهْملَة: على ثَلَاثَة مراحل من الْمَدِينَة قبل السقيا بِنَحْوِ ميل.





[ قــ :1857 ... غــ :1940 ]
- حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ ثَابتا الْبُنَانيَّ يَسْألُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ قَالَ لاَ إلاَّ مِنْ أجْلِ الضَّعْفِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد مروا غير مرّة.

قَوْله: ( الْبنانِيّ) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنونين الأولى مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة مَكْسُورَة، نِسْبَة إِلَى بنانة وهم ولد سعد بن لؤَي.
قَوْله: ( يسْأَل) على صُورَة الْمُضَارع الْمَبْنِيّ للْفَاعِل، وَهُوَ رِوَايَة أبي الْوَقْت وَهَذَا غلط، لِأَن شُعْبَة مَا حضر سُؤال ثَابت عَن أنس، وَقد سقط مِنْهُ: رجل، بَين شُعْبَة وثابت، فَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد القلانسي وَأبي قرصافة مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَإِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن بن يزِيد، كلهم عَن آدم ابْن أبي إِيَاس شيخ البُخَارِيّ فِيهِ مقَال عَن شُعْبَة عَن حميد، قَالَ: سَمِعت ثَابتا وَهُوَ يسْأَل أنس بن مَالك، فَذكر الحَدِيث، وَأَشَارَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقعت للْبُخَارِيّ خطأ، وَأَنه سقط مِنْهُ: حميد قلت: الْخَطَأ من غير البُخَارِيّ لِأَنَّهُ كَانَ يعلم أَن شُعْبَة لم يحضر سُؤال ثَابت عَن أنس وَلَا أدْرك أنسا، وَأكْثر أصُول البُخَارِيّ سَمِعت ثَابتا الْبنانِيّ قَالَ: سَأَلَ أنس بن مَالك.

وزَادَ شَبابَُةُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَبابَُة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وبالباءين الموحدتين أولاهما خَفِيفَة: وَهُوَ ابْن سوار الْفَزارِيّ مَوْلَاهُم أَبُو عَمْرو الْمَدَائِنِي، أَصله من خُرَاسَان.
وَيُقَال: اسْمه مَرْوَان، وَإِنَّمَا غلب عَلَيْهِ شَبابَُة، وَهَذِه الزِّيَادَة أخرجهَا ابْن مَنْدَه فِي ( غرائب شُعْبَة) فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَاتِم حَدثنَا عبد الله بن روح حَدثنَا شَبابَُة حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي المتَوَكل عَن أبي سعيد، وَبِه: عَن شَبابَُة عَن شُعْبَة عَن حميد عَن أنس نَحوه، وَهَذَا يُؤَكد صِحَة اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ وَمن تبعه، ويشعر بِأَن الْخلَل لَيْسَ من البُخَارِيّ، إِذْ لَو كَانَ إِسْنَاد شَبابَُة عِنْده مُخَالفا لإسناد آدم لِبَنِيهِ، وَالله أعلم.