فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

( بابٌُ إذَا صامَ أيَّاما مِنْ رمَضَانَ ثُمَّ سافَرَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا صَامَ شخص أيامر من رَمَضَان ثمَّ سَافر هَل يُبَاح لَهُ الْفطر أم لَا؟ وَلم يذكر جَوَاب إِذا اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبابُُ، تَقْدِيره: يُبَاح لَهُ الْفطر.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيف مَا روى عَن عَليّ بِإِسْنَاد ضَعِيف أَن: من اسْتهلّ عَلَيْهِ رَمَضَان فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر بعد ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يفْطر لقَوْله تَعَالَى: { فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} ( الْبَقَرَة: 581) .
انْتهى.
قلت: قد مر مثل هَذَا الْكَلَام من هَذَا الْقَائِل غير مرّة، وأجبنا عَن هَذَا بِأَن الْإِشَارَة لَا تكون إلاَّ للحاضر، فَمن أَيْن علم أَنه اطلع على هَذَا الحَدِيث حَتَّى أَشَارَ إِلَيْهِ؟ وَلَئِن سلمنَا اطِّلَاعه على هَذَا، فَكيف وَجه الْإِشَارَة إِلَيْهِ؟


[ قــ :1861 ... غــ :1944 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي رمَضَانَ فصامَ حَتَّى بلَغَ الكَدِيدَ أفْطَرَ فَأفْطر النَّاسُ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى مَكَّة فصَام أَيَّامًا ثمَّ أفطر.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعبيد الله بن عبد الله بِالتَّصْغِيرِ فِي الابْن وَالتَّكْبِير فِي الْأَب ابْن عتبَة بن مَسْعُود، أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الْمَغَازِي عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن يحيى بن يحيى وَابْن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَمْرو النَّاقِد، أربعتهم عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق، وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث عَنهُ بِهِ، وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خرج إِلَى مَكَّة) ، كَانَ ذَلِك فِي غَزْوَة الْفَتْح، خرج يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد الْعَصْر لعشر مضين من رَمَضَان، فَلَمَّا كَانَ بالصلصل، جبل عِنْد ذِي الحليفة، نَادَى مناديه: من أحب أَن يفْطر فليفطر، وَمن أحب أَن يَصُوم فليصم.
فَلَمَّا بلغ الكديد أفطر بعد صَلَاة الْعَصْر على رَاحِلَته ليراه النَّاس.
قَوْله: ( لعشر مضين من رَمَضَان) رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ، وَوَقع فِي مُسلم من حَدِيث أبي سعيد اخْتِلَاف من الروَاة فِي ضبط ذَلِك، وَالَّذِي اتّفق عَلَيْهِ أهل السّير أَنه خرج فِي عَاشر رَمَضَان وَدخل مَكَّة لتسْع عشرَة خلت مِنْهُ.
قَوْله: ( حَتَّى بلغ الكديد) وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، ستأتي قَرِيبا، من وَجه آخر: ( حَتَّى بلغ عسفان) ، بدل الكديد، وَوَقع عِنْد مُسلم: ( فَلَمَّا بلغ كرَاع الغميم) ، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من رِوَايَة الحكم عَن مقسم، ( عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى أَتَى قديدا، ثمَّ أَتَى بقدح من لبن فشربه فَأفْطر هُوَ وَأَصْحَابه) .
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: اخْتلفت الرِّوَايَات فِي الْموضع الَّذِي أفطر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ، وَالْكل فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، وَكلهَا مُتَقَارِبَة، والجميع من عمل عسفان.
انْتهى.
قلت: الكديد، بِفَتْح الْكَاف وبدالين مهملتين أولاهما مَكْسُورَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة: وَهُوَ مَوضِع بَينه وَبَين الْمَدِينَة سبع مراحل أَو نَحْوهَا، وَبَينه وَبَين مَكَّة نَحْو مرحلَتَيْنِ، وَهُوَ أقرب إِلَى الْمَدِينَة من عسفان.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: بَينه وَبَين عسفان سِتَّة أَمْيَال، وَعُسْفَان على أَرْبَعَة برد من مَكَّة، وبالكاديد عين جَارِيَة بهَا نخل كثير، وَذكر ابْن قرقول: أَن بَين الكديد وَمَكَّة اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ميلًا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: وَعُسْفَان قَرْيَة جَامِعَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وكراع الغميم أَيْضا مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، والكراع جَانب مستطيل من الْحرَّة مشتبها بِالْكُرَاعِ، والغميم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وادٍ بالحجاز.
أما عسفان فبثمانية أَمْيَال يُضَاف إِلَيْهَا هَذَا الكراع، قيل: جبل أسود مُتَّصِل بِهِ، والكراع: كل أنف سَالَ من جبل أَو حرَّة، وقديد، بِضَم الْقَاف: مَوضِع قريب من مَكَّة فَكَأَنَّهُ فِي الأَصْل تَصْغِير: قد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان صَرِيح أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَامَ فِي السّفر.
وَفِيه: رد على من لم يجوز الصَّوْم فِي السّفر.
وَفِيه: بَيَان إِبَاحَة الْإِفْطَار فِي السّفر.
وَفِيه: دَلِيل على أَن للصَّائِم فِي السّفر الْفطر بعد مُضِيّ بعض النَّهَار.
وَفِيه: رد لقَوْل من زعم أَن فطره بالكديد كَانَ فِي الْيَوْم الَّذِي خرج فِيهِ من الْمَدِينَة، وَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنه لَا يجوز الْفطر فِي ذَلِك الْيَوْم، وَإِنَّمَا يجوز لمن طلع عَلَيْهِ الْفجْر فِي السّفر، قَالَ أَبُو عمر: اخْتلفُوا فِي الَّذِي يخرج فِي سَفَره.
وَقد بَيت الصَّوْم، فَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة فِيهِ، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد والطبري وَالْأَوْزَاعِيّ، وَللشَّافِعِيّ قَول آخر: أَنه يكفر إِن جَامع.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله والْكَدِيدُ ماءٌ بيْنَ عُسْفَانَ وقُدِيدٍ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَنسبَة هَذَا التَّفْسِير للْبُخَارِيّ وَقعت فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَوْصُولا من وَجه آخر فِي نفس الحَدِيث.





[ قــ :186 ... غــ :1945 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ بنِ جابِرٍ أنَّ إسْمَاعِيلَ بنَ عُبَيْدِ الله حَدَّثَهُ عنْ أمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعْضَ أسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ مَا كَانَ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وابنِ رَوَاحَةَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي أَن الصَّوْم والإفطار فِي السّفر لَو لم يَكُونَا مباحين لما صَامَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَابْن رَوَاحَة، وَأفْطر الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد وَقع على رَأس هَذَا الحَدِيث لفظ: بابُُ كَذَا، مُجَردا عَن تَرْجَمَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَسقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي: يحيى بن حَمْزَة الدِّمَشْقِي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر الشَّامي، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة.
الرَّابِع: إِسْمَاعِيل بن عبيد الله مُصَغرًا، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
الْخَامِس: أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى، وَاسْمهَا: هجيمة، وَهِي تابعية، وَأم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى اسْمهَا: خيرة، وَهِي صحابية، وكلتاهما زوجتا أبي الدَّرْدَاء،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: قد جعل ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم كلتيهما وَاحِدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك،.

     وَقَالَ  أَبُو مسْهر أَيْضا: هما وَاحِدَة، وَهُوَ وهمٌ مِنْهُ، وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ.
السَّادِس: أَبُو الدَّرْدَاء، واسْمه عُوَيْمِر بن مَالك الْأنْصَارِيّ الخزرجي.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم شَامِيُّونَ سوى شيخ البُخَارِيّ، وَقد دخل الشَّام.
وَفِيه: رِوَايَة التابعية عَن الصَّحَابِيّ وَالزَّوْجَة عَن زَوجهَا، وَفِيه: عَن أم الدَّرْدَاء، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله: حَدَّثتنِي أم الدَّرْدَاء.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن دَاوُد بن رشيد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُؤَمل بن الْفضل الْحَرَّانِي.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق سعيد بن عبد الْعَزِيز: ( خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَمَضَان فِي حر شَدِيد.
.
)
الحَدِيث، وَفِي هَذِه الزِّيَادَة فَائِدَتَانِ: أولاهما: أَن المُرَاد يتم بِهِ من الِاسْتِدْلَال، وَالْأُخْرَى: يرد بهَا على ابْن حزم فِي قَوْله: لَا حجَّة فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك الصَّوْم تَطَوّعا، لَا يظنّ أَن هَذِه السفرة سفرة الْفَتْح، لِأَن فِي هَذِه السفرة كَانَ عبد الله بن رَوَاحَة مَعَه، وَقد اسْتشْهد هُوَ بمؤتة قبل غَزْوَة الْفَتْح.
قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَيحْتَمل أَن تكون هَذِه السفرة سفرة بدر لِأَن التِّرْمِذِيّ روى عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، غزونا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رَمَضَان يَوْم بدر، وَالْفَتْح، قَالَ: وأفطرنا فيهمَا، وَالتِّرْمِذِيّ بوب بابَُُيْنِ: أَحدهمَا: فِي كَرَاهِيَة الصَّوْم فِي السّفر، وَالْآخر: مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَة فِي الصَّوْم فِي السّفر.
وَأخرج فِي الْبابُُ الأول حَدِيث جَابر بن عبد الله: ( أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خرج إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح فصَام حَتَّى بلغ كرَاع الغميم، وَصَامَ النَّاس مَعَه، فَقيل لَهُ: إِن النَّاس قد شقّ عَلَيْهِم الصّيام، وَإِن النَّاس ينظرُونَ فِيمَا فعلت، فَدَعَا بقدح من مَاء بعد الْعَصْر، فَشرب وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فَأفْطر بَعضهم وَصَامَ بَعضهم، فَبَلغهُ أَن نَاسا صَامُوا، فَقَالَ أُولَئِكَ العصاة) .
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
وَأخرج فِي الْبابُُ الثَّانِي حَدِيث عَائِشَة عَن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ، وَقد مر فِيمَا مضى عَن قريب،.

     وَقَالَ  فِي الْبابُُ الأول: وَقَوله: ( حِين بلغ، بلغه أَن نَاسا صَامُوا: أُولَئِكَ العصاة) .
فَوجه هَذَا إِذا لم يحْتَمل قلبه قبُول رخصَة الله تَعَالَى، فَأَما من رأى الْفطر مُبَاحا وَصَامَ وَقَوي على ذَلِك فَهُوَ أعجب إِلَيّ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هُوَ مَحْمُول على أَن من تضرر بِالصَّوْمِ، أَو أَنهم أمروا بِالْفطرِ أمرا جَازِمًا لمصْلحَة بَيَان جَوَازه، فخالفوا الْوَاجِب.
قَالَ: وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يكون الصَّائِم الْيَوْم فِي السّفر عَاصِيا إِذا لم يتَضَرَّر بِهِ.
فَإِن قلت: كَيفَ صَامَ بعض الصَّحَابَة؟ بل أفضلهم وَهُوَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، على مَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَنهُ، قَالَ: ( أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِطَعَام بمر الظهْرَان، فَقَالَ لأبي بكر وَعمر: أدنيا فكلا، فَقَالَا: إِنَّا صائمان.
قَالَ: أرحِلُوا لصاحبيكم، إعملوا لصاحبيكم)
.
انْتهى.
بعد أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم بالإفطار.
قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث جَابر أَنه أَمرهم بالإفطار، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد من خرج من الْأَئِمَّة السِّتَّة وَأَنَّهُمْ صَامُوا بعد إفطار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما صَوْم أبي بكر وَعمر بمر الظهْرَان فَهُوَ بعد عسفان وكراع الغميم، فَلَيْسَ فِيهِ أَن هَذَا كَانَ فِي غَزْوَة الْفَتْح، هَذِه، وَإِن كَانَ الظَّاهِر أَنه فِيهَا، فَإِنَّهُمَا فهما أَن فطره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ترخصا ورفقا بهم، وظنا أَن بهما قُوَّة على الصّيام، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله أعلم، حسم ذَلِك لِئَلَّا يَقْتَدِي بهما أحد، فَأَمرهمَا بالإفطار.