فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب العمل في العشر الأواخر من رمضان

(بابُُ الْعَمَلِ فِي العَشرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان وَفِيه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فِي رَمَضَان.



[ قــ :1941 ... غــ :2024 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ أبِي يَعْفُورٍ عنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وأحْيا لَيْلَهُ وأيْقَظَ أهْلَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن شدّ المئزر وإحياء اللَّيْل وإيقاظ الْأَهْل كلهَا من الْعَمَل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: أَبُو يَعْفُور، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْفَاء وبالراء، منصرفا، اسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبيد البكائي العامري.
الرَّابِع: أَبُو الضُّحَى، مُسلم بن صبيح مصغر الصُّبْح.
الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، ثَلَاثَة فِي نسق وَاحِد عَن الصحابية، وَذَلِكَ لِأَن أَبَا يَعْفُور تَابِعِيّ صَغِير، وَلَهُم أَبُو يَعْفُور آخر اسْمه: وقدان، تَابِعِيّ كَبِير، ومسروق تَابِعِيّ كَبِير.
وَفِيه: عَن سُفْيَان عَن أبي يَعْفُور، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن عبيد بن نسطاس، وَهُوَ أَبُو يَعْفُور، لِأَنَّهُ عبد الرَّحْمَن بن عبيد كَمَا ذكرنَا وَعبيد بن نسطاس.
وَفِيه: اثْنَان مذكوران باسمهما من غير نِسْبَة وَاثْنَانِ مذكوران بالكنى أَحدهمَا: بيعفور، وَهُوَ الظبي، وَقيل: الخشف.
وَالْآخر: بالضحى، وَهُوَ فَوق الضحوة، وَهُوَ ارْتِفَاع أول النَّهَار.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وسُفْيَان مكي والبقية كوفيون.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن إبي عمر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن نصر بن عَليّ وَدَاوُد بن أُميَّة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الِاعْتِكَاف عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد المقرىء.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم عَن عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا دخل الْعشْر) ، أَي: الْعشْر الآخر، وَصرح بِهِ فِي حَدِيث عَليّ عِنْد ابْن أبي شيبَة.
قَوْله: (شدّ مِئْزَره) أَي: إزَاره، كَقَوْلِهِم: ملحفة ولحاف، وَهُوَ كِنَايَة إِمَّا عَن ترك الْجِمَاع، وَإِمَّا عَن الاستعداد لِلْعِبَادَةِ، وَالِاجْتِهَاد لَهَا زَائِدا على مَا هُوَ عَادَته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما عَنْهُمَا كليهمَا مَعًا، وَلَا يُنَافِي إِرَادَة الْحَقِيقَة أَيْضا بِأَن شدّ مِئْزَره ظَاهرا أَيْضا وَجزم عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ أَن المُرَاد بِهِ الاعتزال من النِّسَاء، وَاسْتشْهدَ بقول الشَّاعِر:
(قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... عَن النساءِ وَلَو باتت بأطهار)

وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن عَيَّاش نَحوه، وَفِي (التَّلْوِيح) : المئزر والإزار مَا يأتزر بِهِ الرجل من أَسْفَله، وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث، وَهُوَ كِنَايَة عَن الْجد والتشمير فِي الْعِبَادَة، وَعَن الثَّوْريّ أَنه من ألطف الْكِنَايَات عَن اعتزال النِّسَاء،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَقد ذهب بعض أَئِمَّتنَا إِلَى أَنه عبارَة عَن الِاعْتِكَاف.
قَالَ: وَفِيه بعد.
لقَوْله: (أيقظ أَهله) ، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ مَعَهم فِي الْبَيْت، وَهُوَ كَانَ فِي حَال اعْتِكَافه فِي الْمَسْجِد، وَمَا كَانَ يخرج مِنْهُ إلاَّ لحَاجَة الْإِنْسَان، على أَنه يَصح أَن يوقظهن من مَوْضِعه من بابُُ الخوخة الَّتِي كَانَت لَهُ إِلَى بَيته فِي الْمَسْجِد.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : يحْتَمل أَيْضا أَن يكون قَوْله: (يوقظ أَهله) ، أَي: المعتكفة مَعَه فِي الْمَسْجِد، وَيحْتَمل أَن يوقظهن إِذا دخل الْبَيْت لِحَاجَتِهِ.
قَوْله: (وَأَحْيَا ليله) ، يَعْنِي بِاجْتِهَادِهِ فِي الْعشْر الآخر من رَمَضَان، لاحْتِمَال أَن يكون الشَّهْر إِمَّا تَاما وَإِمَّا نَاقِصا فَإِذا أحيى ليَالِي الْعشْر كلهَا لم يفته مِنْهَا شفع وَلَا وتر، وَقيل: لِأَن الْعشْر آخر الْعَمَل فَيَنْبَغِي أَن يحرص على تجويد الخاتمة، وَنسبَة الْإِحْيَاء إِلَى اللَّيْل مجَاز، فَإِذا سهر فِيهِ للطاعة فَكَأَنَّهُ أَحيَاء، لِأَن النّوم أَخُو الْمَوْت.
وَمِنْه قَوْله: (لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبورا) ، أَي: لَا تناموا فتكونوا كالأموات، فَتكون بُيُوتكُمْ كالقبور.
قَالَ شَيخنَا: وَفِي حَدِيث عَائِشَة فِي (الصَّحِيح) إحْيَاء اللَّيْل كُله، وَالظَّاهِر وَالله أعلم مُعظم اللَّيْل، بِدَلِيل قَوْلهَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (مَا عَلمته قَامَ لَيْلَة حَتَّى الصَّباح) .
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَقَوْلها: (أَحْيَا اللَّيْل) أَي: استغرقه بالسهر فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، قَالَ: وَفِيه اسْتِحْبابُُ إحْيَاء لياليه بالعبادات.
قَالَ: وَأما قَول أَصْحَابنَا: يكره قيام اللَّيْل، فَمَعْنَاه الدَّوَام عَلَيْهِ، وَلم يَقُولُوا بِكَرَاهَة لَيْلَة وليلتين وَالْعشر، وَلِهَذَا، اتَّفقُوا على اسْتِحْبابُُ إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيد وَغير ذَلِك.
قَوْله: (وَأَيْقَظَ أَهله) أَي: للصَّلَاة وَالْعِبَادَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يوقظ أَهله فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وروى أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يجْتَهد فِي الْعشْر الْأَوَاخِر مَا لَا يجْتَهد فِي غَيرهَا).

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وروى مُحَمَّد بن نصر من حَدِيث زَيْنَب بنت سَلمَة: (لم يكن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا بَقِي من رَمَضَان عشرَة أَيَّام يدع أحدا من أَهله يُطيق الْقيام إلاَّ أَقَامَهُ.