فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب كسب الرجل وعمله بيده

(بابُُ كَسْبِ الرَّجُلِ وعَمَلِهِ بِيَدِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل كسب الرجل وَعَمله بِيَدِهِ.
قَوْله: (وَعَمله بِيَدِهِ) ، من عطف الْخَاص على الْعَام، لِأَن الْكسْب أَعم من أَن يكون بِعَمَل الْيَد أَو بغَيْرهَا.



[ قــ :1986 ... غــ :2070 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْب عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ حدَّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَن حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عنْ مَؤنَةِ أهْلِي وشُغِلْتُ بِأمْرِ المُسْلِمِينَ فسَيَأكُلُ آلُ أبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ ويَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِنَ فِيهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مَا يدل على أَن كسب الرجل بِيَدِهِ أفضل، وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يحترف أَي يكْتَسب مَا يَكْفِي عِيَاله، ثمَّ لما شغل بِأَمْر الْمُسلمين حِين اسْتخْلف لم يكن يتفرغ للاحتراف بِيَدِهِ، فَصَارَ يحترف للْمُسلمين.
وَأَنه يعْتَذر عَن تَركه الاحتراف لأَهله، فلولا أَن الْكسْب بِيَدِهِ لأَهله كَانَ أفضل لم يكن يتأسف بقوله: {فسيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال) ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين.

وَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف، وَهُوَ مِمَّا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.
وَإِسْمَاعِيل ابْن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَقد تكَرر ذكره، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن زيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الْمدنِي.

قَوْله: (إِن حرفتي) الحرفة والاحتراف: الْكسْب وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يتجر قبل استخلافه وَقد روى ابْن مَاجَه وَغَيره من حَدِيث أم سَلمَة أَن أَبَا بكر خرج تَاجِرًا إِلَى بصرى فِي عهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وشغلت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (بِأَمْر الْمُسلمين) ، أَي: بِالنّظرِ فِي أُمُورهم لكَونه خَليفَة.
قَوْله: (فسيأكل آل أبي بكر) يَعْنِي: نَفسه وَمن تلْزمهُ نَفَقَته، لِأَنَّهُ لما اشْتغل بِأَمْر الْمُسلمين احْتَاجَ إِلَى أَن يَأْكُل هُوَ وَأَهله من بَيت المَال.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يُقَال: إِن أَبَا بكر ارتزق كل يَوْم شَاة، وَكَانَ شَأْن الْخَلِيفَة أَن يطعم من حَضَره قصعتين كل يَوْم غدْوَة وعشيا.
وروى ابْن سعد بِإِسْنَاد مُرْسل بِرِجَال ثِقَات، قَالَ: (لما اسْتخْلف أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أصبح غاديا إِلَى السُّوق على رَأسه أَثوَاب يتجر بهَا، فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَا: كَيفَ تصنع هَذَا وَقد وليت أَمر الْمُسلمين؟ قَالَ: فَمن أَيْن أطْعم عيالي؟ قَالَا: نفرض لَك، ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة) .

وَفِي الطَّبَقَات: عَن حميد بن هِلَال: لما ولي أَبُو بكر، قَالَت الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: افرضوا للخليفة مَا يُغْنِيه.
قَالُوا: نعم! برْدَاهُ إِذا أخلقهما وضعهما وَأخذ مثلهمَا، وظهره إِذا سَافر، وَنَفَقَته على أَهله كَمَا كَانَ ينْفق قبل أَن يسْتَخْلف.
فَقَالَ أَبُو بكر: رضيت.
وَعَن مَيْمُون قَالَ: لما اسْتخْلف أَبُو بكر جعلُوا لَهُ أَلفَيْنِ فَقَالَ: زيدوني فَإِن لي عيالا فزاروه خمس مائَة فَقَالَ أما أَن يكون أَلفَيْنِ فزادوه خمس مائَة أَو كَانَت أَلفَيْنِ وَخمْس مائَة فزاده خَمْسمِائَة، وَلما حضرت أَبَا بكر الْوَفَاة حسب مَا أنْفق من بَيت المَال فوجدوه سَبْعَة آلَاف دِرْهَم، فَأمر بِمَالِه غير الرباع، فَأدْخل فِي بَيت المَال، فَكَانَ أَكثر مِمَّا أنْفق.
قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: فربح الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَمَا ربحوا على غَيره.
وروى ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مَسْرُوق (عَن عَائِشَة، قَالَت: لما مرض أَبُو بكر مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: انْظُرُوا مَا زَاد فِي مَالِي مُنْذُ دخلت الْإِمَارَة فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَة بعدِي.
قَالَت: فَلَمَّا مَاتَ نَظرنَا فَإِذا عبد نوبي كَانَ يحمل صبيانه، وناضح كَانَ يسْقِي بستانا لَهُ، فَبَعَثنَا بهما إى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: رَحمَه الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده) .
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة نَحوه، وَزَاد: أَن الْخَادِم كَانَ صيقلاً يعْمل سيوف الْمُسلمين ويخدم آل بكر وَمن طَرِيق ثَابت عَن أنس نَحوه.
وَفِيه: وَقد كنت حَرِيصًا على أَن أوفر مَال الْمُسلمين، وَقد كنت أصبت من اللَّحْم وَاللَّبن.
وَفِيه: وَمَا كَانَ عِنْده دِينَار وَلَا دِرْهَم.
مَا كَانَ إلاَّ خَادِم ولقحة ومحلب.

قَوْله: (ويحترف للْمُسلمين) أَي: يتجر لَهُم حَتَّى يعود عَلَيْهِم من ربحه بِقدر مَا أكل، أَو أَكثر، وَلَيْسَ بِوَاجِب على الإِمَام أَن يتجر فِي مَال الْمُسلمين بِقدر مؤونته إلاَّ أَن يتَطَوَّع بذلك، كَمَا تطوع أَبُو بكر.
قَوْله: (ويحترف) على صِيغَة الْمُضَارع الْغَائِب.
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (وأحترف) ، على صِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن أفضل الْكسْب مَا يكسبه الرجل بِيَدِهِ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْمِقْدَام عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا يدل على ذَلِك.
وروى الْحَاكِم عَن أبي بردة يَعْنِي ابْن نيار: (سُئِلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي الْكسْب أطيب وَأفضل؟ قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ، أَو كل عمل مبرور) .
وَعَن الْبَراء بن عَازِب نَحوه.
.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد، وَعَن رَافع بن خديج مثله، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة: (أَن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: (إِن أطيب مَا أكلْتُم من كسبكم) .
.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: أصُول المكاسب الزِّرَاعَة وَالتِّجَارَة والصناعة، وأيها أطيب؟ فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب للنَّاس، وأشبهها مَذْهَب الشَّافِعِي أَن التِّجَارَة أطيب، وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن الزِّرَاعَة أطيب لِأَنَّهَا أقرب إِلَى التَّوَكُّل.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَحَدِيث البُخَارِيّ صَرِيح فِي تَرْجِيح الزِّرَاعَة والصنعة لِكَوْنِهِمَا عمل يَده.
لَكِن الزِّرَاعَة أفضلهما لعُمُوم النَّفْع بهَا للآدمي وَغَيره.
وَعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهَا.
وَفِيه: فَضِيلَة أبي بكر وزهده وورعه غَايَة الْوَرع.
وَفِيه: أَن لِلْعَامِلِ أَن يَأْخُذ من عرض المَال الَّذِي يعْمل فِيهِ قدر عمالته إِذا لم يكن فَوْقه إِمَام يقطع لَهُ أُجْرَة مَعْلُومَة، وكل من يتَوَلَّى عملا من أَعمال الْمُسلمين يُعْطي لَهُ شَيْء من بَيت المَال لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى كِفَايَته وكفاية عِيَاله، لِأَنَّهُ إِن لم يُعْط لَهُ شَيْء لَا يرضى أَن يعْمل شَيْئا فتضيع أَحْوَال الْمُسلمين.
وَعَن ذَلِك قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا بَأْس برزق القَاضِي، وَكَانَ شُرَيْح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَأْخُذ على الْقَضَاء.
ذكره البُخَارِيّ فِي: بابُُ رزق الْحُكَّام والعاملين عَلَيْهَا، ثمَّ القَاضِي إِن كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل بل الْوَاجِب أَخذ كِفَايَته من بَيت المَال، وَإِن كَانَ غَنِيا فَالْأَفْضَل الِامْتِنَاع، رفقا بِبَيْت المَال.
وَقيل: الْأَخْذ هُوَ الْأَصَح صِيَانة للْقَضَاء عَن الهوان، لِأَنَّهُ إِذا لم يَأْخُذ لم يلْتَفت إِلَى أُمُور الْقَضَاء كَمَا يَنْبَغِي لاعتماده على غناهُ، فَإِذا أَخذ يلْزمه حِينَئِذٍ إِقَامَة أُمُور الْقَضَاء.





[ قــ :1987 ... غــ :071 ]
- حدَّثني محَمَّدٌ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ قَالَ حَدثنَا سَعِيدٌ قَالَ حدَّثني أبُو الأسْوَدِ عنْ عُرْوَةَ قَالَ قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُمَّال أنْفُسِهِمْ وكانَ يَكونُ لَهُمْ أرْوَاحٌ فَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ.
( انْظُر الحَدِيث 309) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عُمَّال أنفسهم) أَي: كَانُوا يكتسبون بِأَيْدِيهِم أَو بِالتِّجَارَة أَو بالزراعة، وأصل هَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بابُُ وَقت الْجُمُعَة إِذا زَالَت الشَّمْس، فَلْينْظر فِيهِ.
وَأعلم أَن فِي جَمِيع الرِّوَايَات: كَذَا حَدثنِي أَو حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا عبد الله بن يزِيد، إلاَّ فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن شبويه عَن الْفربرِي عَن البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يزِيد، فعلى هَذَا قَوْله: حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ البُخَارِيّ، وَعبد الله بن يزِيد هُوَ المقرىء، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ.
وَقد روى عَنهُ كثيرا.
وَقد روى عَنهُ كثيرا، وَرُبمَا روى عَنهُ بِوَاسِطَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: مُحَمَّد، قَالَ الغساني: لَعَلَّه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي.
قلت: وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم وَجزم بِهِ، فعلى هَذَا روى البُخَارِيّ عَنهُ عَن عبد الله بن يزِيد الَّذِي هُوَ شَيْخه بِوَاسِطَة مُحَمَّد الذهلي، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي أَيُّوب الْمصْرِيّ، وَقد مر فِي التَّهَجُّد، وَأَبُو الْأسود هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن يَتِيم عُرْوَة بن الزبير، وَقد مر فِي الْغسْل.

قَوْله: ( عُمَّال أنفسهم) ، بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم: جمع عَامل.
قَوْله: ( وَكَانَ يكون لَهُم أَرْوَاح) وَجه هَذَا التَّرْكِيب أَن فِي: كَانَ، ضمير الشان، وَالْمرَاد، ماضٍ، وَذكر: يكون، بِلَفْظ الْمُضَارع استحضارا وَإِرَادَة الِاسْتِمْرَار، والأرواح جمع ريح، وَأَصله: روح، قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وأراح اللَّحْم أَي: أنتن، وَكَانُوا يعْملُونَ فيعرقون ويحضرون الْجُمُعَة، تفوح تِلْكَ الروايح عَنْهُم ( فَقيل لَهُم: لَو اغتسلتم) وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف يَعْنِي: لَو اغتسلتم لذهبت عَنْكُم تِلْكَ الروائح الكريهة.

وَفِيه: مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من اختيارهم الْكسْب بِأَيْدِيهِم، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ من التَّوَاضُع.

رَوَاهُ هَمَّامٌ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور همام بن يحيى بن دِينَار الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَفِي بعض النّسخ:.

     وَقَالَ  همام، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق هدبة عَنهُ بِلَفْظ: ( كَانَ الْقَوْم خدام أنفسهم، فَكَانُوا يروحون إِلَى الْجُمُعَة فَأمروا أَن يغتسلوا) .
وَبِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ قُرَيْش بن أنس عَن هِشَام عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَالْبَزَّار.





[ قــ :1988 ... غــ :07 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا عِيسَى بنُ يُونُس عنْ ثَوْر عنْ خالِدِ بنِ مَعْدَانَ عنِ المِقْدَامِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَن رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا أكلَ أحَدٌ طعَاما قَطُّ خَيْرا مِنْ أنْ يأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وإنَّ نَبِيَّ ا لله دَاوُدَ عليْهِ السَّلامُ كانَ يأكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ، يعرف بالصغير.
الثَّانِي: عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله الْهَمدَانِي.
الثَّالِث: ثَوْر، بالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الكلَاعِي، بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالعين الْمُهْملَة: الشَّامي الْحِمصِي الْحَافِظ، كَانَ قدريا فَأخْرج من حمص وأحرقوا دَاره بهَا.
فارتحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَات بِهِ سنة خمسين وَمِائَة.
الرَّابِع: خَالِد بن معدان، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا دَال مُهْملَة وَبعد الْألف نون: الكلَاعِي أَبُو عبد الله، كَانَ يسبِّح فِي الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيحَة.
.

     وَقَالَ : لقِيت من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبعين رجلا، مَاتَ بطرسوس سنة ثَلَاث أَو أَربع وَمِائَة.
الْخَامِس: الْمِقْدَام، بِكَسْر الْمِيم ابْن معدي كرب الْكِنْدِيّ، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ بحمص.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِيه: أَن شَيْخه رازي والبقية الثَّلَاثَة شَامِيُّونَ وحمصيون.
وَفِيه: ادّعى الْإِسْمَاعِيلِيّ انْقِطَاعًا بَين خَالِد والمقدام، وَبَينهمَا جُبَير ابْن نفير يحْتَاج إِلَى تَحْرِير.
وَفِيه: أَن الْمِقْدَام لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْأَطْعِمَة.
وَفِيه: أَن ثَوْر بن يزِيد الْمَذْكُور من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث أَيْضا من أَفْرَاده.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مَا أكل أحد) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( مَا أكل أحد من بني آدم) .
قَوْله: ( خيرا) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة لقَوْله: طَعَاما، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
أَي: هُوَ خير.
فَإِن قلت: مَا الْخَيْرِيَّة فِيهِ؟ قلت: لِأَن فِيهِ إِيصَال النَّفْع إِلَى الكاسب وَإِلَى غَيره، والسلامة عَن البطالة المؤدية إِلَى الفضول وَكسر النَّفس وَالتَّعَفُّف عَن ذل السُّؤَال.
قَوْله: ( من أَن يُؤْكَل) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: من أكله.
قَوْله: ( من عمل يَده) ، بِالْإِفْرَادِ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( من عمل يَدَيْهِ) ، بالتثنية.
قَوْله: ( فَإِن نَبِي الله) الْفَاء تصلح أَن تكون للتَّعْلِيل، ويروى: ( وَإِن دَاوُد) ، بِالْوَاو وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( إِن نَبِي الله دَاوُد) بِلَا وَاو وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: من حَدِيث خَالِد بن معدان عَن الْمِقْدَام ( مَا من كسب الرجل أطيب من عمل يَدَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُنْذر من هَذَا الْوَجْه: ( مَا أكل رجل طَعَاما قطّ أحل من عمل يَدَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة: ( إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه) .

فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَعْلِيله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( مَا أكل أحد طَعَاما قطّ خيرا من أَن يَأْكُل من عمل يَدَيْهِ؟) قلت: لِأَن ذكر الشَّيْء بدليله أوقع فِي نفس سامعه.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص دَاوُد بِالذكر؟ قلت: لِأَن اقْتِصَاره فِي أكله على مَا يعمله بِيَدِهِ لم يكن من الْحَاجة، لِأَنَّهُ كَانَ خَليفَة فِي الأَرْض، كَمَا ذكر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، وَإِنَّمَا قصد الْأكل من طَرِيق الْأَفْضَل، وَلِهَذَا أورد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قصَّته فِي مقَام الِاحْتِجَاج بهَا على مَا قدمه من أَن خير الْكسْب عمل الْيَد.
.

     وَقَالَ  أَبُو الزَّاهِرِيَّة: كَانَ دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يعْمل القفاف وَيَأْكُل مِنْهَا.
قلت: كَانَ يعْمل الدروع من الْحَدِيد بِنَصّ الْقُرْآن، وَكَانَ نَبينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْكُل من سَعْيه الَّذِي بَعثه الله عَلَيْهِ فِي الْقِتَال، وَكَانَ يعْمل طَعَامه بِيَدِهِ ليَأْكُل من عمل يَده، قيل لعَائِشَة: كَيفَ كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعْمل فِي أَهله؟ قَالَت: كَانَ فِي مهنة أَهله، فَإِذا أُقِيمَت الصَّلَاة خرج إِلَيْهَا.





[ قــ :1989 ... غــ :073 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعمرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ حدَّثنا أبُو هُرَيْرَةَ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ لاَ يأكلُ إلاَّ مِنْ عَمَلِ يِدِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه أَبُو زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الحدائي الْبَلْخِي، يُقَال لَهُ: خت، وَكلهمْ قد ذكرُوا غير مرّة.

والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهُوَ طرف من حَدِيث سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِخِلَاف الَّذِي قبله، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ زِيَادَة وَهِي: خفف على دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْقِرَاءَة فَكَانَ يَأْمر بدوابه لتسرج، فَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن قبل أَن تسرج، وَأَنه كَانَ لَا يَأْكُل إلاَّ من عمل يَده.





[ قــ :1990 ... غــ :074 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهِ يقُولُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِه خَيْرٌ مِنْ أنْ يَسْألَ أحدا فَيُعْطِيَهُ أوْ يَمْنَعَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الإحتطاب من كسب الرجل بِيَدِهِ وَمن عمله، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عبيد مصغر العَبْد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: مولى ابْن أَزْهَر، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ قَول الله: { لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا} ( الْبَقَرَة: 37) .
وَلَكِن أخرجه هُنَاكَ: من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.