فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب شراء الدواب والحمر، وإذا اشترى دابة أو جملا وهو عليه، هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل وقال ابن عمر رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «بعنيه» يعني جملا صعبا

( بابُُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ والحَمِيرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم شِرَاء الدَّوَابّ، وَهُوَ جمع دَابَّة، وَقد عرف أَن الدَّابَّة فِي أصل الْوَضع لكل مَا يدب على وَجه الأَرْض ثمَّ اسْتعْملت فِي الْعرف لكل حَيَوَان يمشي على أَربع، وَهِي تتَنَاوَل الْحمير، وَذكر الْحمير لَا فَائِدَة فِيهِ، حَتَّى أَن حَدِيثي الْبابُُ لَيْسَ فيهمَا ذكر حمير،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَيْسَ فِي حَدِيثي الْبابُُ ذكر الْحمير، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إلحاقها فِي الحكم بِالْإِبِلِ، لِأَن فِي الْبابُُ: إِنَّمَا فيهمَا ذكر بعير وجمل، وَلَا اخْتِصَاص فِي حكم الْمَذْكُور بِدَابَّة دون دَابَّة، فَهَذَا وَجه التَّرْجَمَة.
انْتهى.
قلت: ذكر كلَاما ثمَّ نقضه بِنَفسِهِ، لِأَنَّهُ ذكر أَولا بطرِيق المساعدة للْبُخَارِيّ بقوله: فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إلحاقها، أَي: إِلْحَاق الْحمير فِي الحكم بِالْإِبِلِ، ثمَّ قَالَ: والاختصاص فِي الحكم الْمَذْكُور بِدَابَّة دون دَابَّة، فَهَذَا ينْقض كَلَامه الأول على مَا لَا يخفى، على أَن لقَائِل أَن يَقُول: مَا وَجه تَخْصِيص إِلْحَاق الْحمير فِي الحكم بِالْإِبِلِ؟ فَإِن الحكم فِي الْبَقر وَالْغنم كَذَلِك؟ وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: والحمر بِضَمَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: الْحمير، وَكِلَاهُمَا جمع، لِأَن الْحمار يجمع على: حمير وحمر وأحمرة، وَيجمع الْحمر على: حمرات، جمع صِحَة.

وإذَا اشْتَرَى دَابَّةً أوْ جَمَلاً وهْوَ عَلَيْهِ هَلْ يَكونُ ذَلِكَ قَبْضا قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ
هَذَا أَيْضا من جملَة التَّرْجَمَة.
قَوْله: ( أَو جملا) لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَنَّهُ يدْخل فِي قَوْله: ( دَابَّة) أللهم إلاَّ أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكر الْجمل على الْخُصُوص لكَونه مَذْكُورا فِي حَدِيث الْبابُُ، لِأَن الشِّرَاء وَقع عَلَيْهِ.
فِيهِ: قَوْله: ( وَهُوَ عَلَيْهِ) أَي: وَالْحَال أَن البَائِع عَلَيْهِ، أَي على الْجمل،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي البَائِع عَلَيْهِ لَا المُشْتَرِي.
قلت: لاجاجة إِلَى قَوْله: لَا المُشْتَرِي، لِأَن قَوْله: اشْترى، قرينَة على أَن البَائِع هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَهَذِه الْقَرِينَة تجوزعود الضَّمِير إِلَى البَائِع، وَإِن كَانَ غير مَذْكُور ظَاهرا.
قَوْله: ( هَل يكون ذَلِك؟) أَي: الشِّرَاء الْمَذْكُور قبضا قبل أَن ينزل البَائِع من دَابَّته الَّتِي بَاعهَا وَهُوَ عَلَيْهَا، وَفِيه خلاف، فَلذَلِك لم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام.

وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعُمَرَ يَعْنِيهِ يَعْنِي جَمَلاً صَعْبا
هَذَا التَّعْلِيق سَيَأْتِي فِي كتاب الْهِبَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :2013 ... غــ :2097 ]
- حدَّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأعْيَا فأتَى عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ جابرٌ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا شَأنُكَ.

قُلْتُ أبْطأ عَلَيَّ جَمَلِي وأعْيَا فَتَخَلَّفْتُ فَنَزَلَ يَحْجِنُهُ بِمِحْجَنِهِ ثُمَّ قَالَ ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَلَقَدْ رأيْتُهُ أكُفُّهُ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَزَوَّجْتَ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِكْرا أم ثِيبا قلْتُ بَلْ ثَيبا قَالَ أفَلاَ جَارِيةً وتُلاَعِبُهَا تُلاَعِبُكَ.

قُلْتُ إنَّ لِي أخَوَاتٍ فأحْبَبْتُ أنْ أتَزَوَّجَ امْرَأةً تَجْمَعُهُنَّ وتَمْشُطُهُنَّ وتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ أما إنَّكَ قَادِمٌ فإذَا قَدِمْتَ فالْكَيْسَ الْكَيْسَ ثُمَّ قَالَ أتَبِيعُ جَمَلَكَ.

قُلْتُ نَعَمْ فاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأوقِيَّةٍ ثُمَّ قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلِي وقَدِمْتُ بالغَدَاة فجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ علَى بابُِ الْمَسْجِدِ قَالَ آلآنَ قَدِمْتَ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ فادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ فأمَرَ بِلالاً أنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً فَوَزَنَ لِي بِلالٌ فأرْجَحَ فِي المِيزَانِ فانْطَلَقْتُ حَتَّى ولَّيْتُ فَقَالَ ادْعُ لِي جابِرا قُلْتُ الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِنْهُ قَالَ خُذْ جَمَلَكَ ولَكَ ثَمَنُهُ الْكَيِّسَ الوَلَدُ كِنَأ عنِ الْعَقْلِ.
( انْظُر الحَدِيث 344 أَطْرَافه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ الْجمل، فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ مكررا، والجمل من الدَّوَابّ.
وَعبد الْوَهَّاب: ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ وَعبيد الله: ابْن عمر، ووهب بن كيسَان، بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة فِي آخِره نون: أَبُو نعيم الْأَسدي.

وَهَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي نَحْو عشْرين موضعا.
وسنقف على كلهَا فِي موَاضعهَا.
إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأخرجه فِي الشُّرُوط مطولا جدا.
.

     وَقَالَ  الْمزي: حَدِيث الْبَعِير مطول، وَمِنْهُم من اخْتَصَرَهُ.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيق وهب بن كيسَان عَن جَابر، وَمن طَرِيق الشّعبِيّ عَنهُ.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وأسانيد مُتَغَايِرَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِي غزَاة)
قَوْله: ( فَأَبْطَأَ بِي جملي) قَالَ الْفراء: الْجمل زوج النَّاقة، وَالْجمع جمال وأجمال وجمالات وجمائل، وَيُطلق عَلَيْهِ الْبَعِير، لِأَن جَابِرا قَالَ فِي الحَدِيث، فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: بِعته، يَعْنِي: بعيره، من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واشترطت حملانه إِلَى أَهله.
.

     وَقَالَ  فِي آخِره: ترأني إِنَّمَا مَا كستك لأذهب بجملك، خُذ جملك وثمنه فهما لَك.
.

     وَقَالَ  أهل اللُّغَة: الْبَعِير الْجمل البازل.
وَقيل: الْجذع، وَقد يكون للْأُنْثَى، وَيجمع على أَبْعِرَة وأباعر وأباعير وبعران وبعران.
قَوْله: ( وأعيى) أَي: عجز عَن الذّهاب إِلَى مقْصده لعيه وعجزه عَن الْمَشْي، يُقَال: عييت بأَمْري: إِذا لم تهتد لوجهه، وأعياني هُوَ، وَيُقَال: أعيى فَهُوَ معيي، وَلَا يُقَال: عيا.
وأعياه الله، كِلَاهُمَا بِالْألف يسْتَعْمل لَازِما ومتعديا.
قَوْله: ( فَأتى على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: ( فأدركه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ ( فَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَضَربهُ فَدَعَا لَهُ، فَسَار سيرا لَيْسَ يسير مثله) .
وَفِي رِوَايَة مُسلم ( كَانَ يَعْنِي جَابِرا يسير على جمل لَهُ قد أعي، فَأَرَادَ أَن يسيبه، قَالَ: فلحقني النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَعَا لي، فَسَار سيرا لم يسر مثله) .
قَوْله: ( فَقَالَ جَابر) ، قَالَ الْكرْمَانِي: جَابر لَيْسَ هُوَ فَاعل قَالَ، وَلَا منادى، بل هُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف، قلت: نعم: قَوْله: لَيْسَ هُوَ فَاعل قَالَ، صَحِيح وَأما قَوْله: وَلَا منادى، غير صَحِيح، بل هُوَ منادى تَقْدِيره: فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جَابر، وَحذف مِنْهُ حرف النداء، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ، ( فَقَالَ: فأدركه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا شَأْنك يَا جَابر؟ فَقَالَ: أعيى ناضحي يَا رَسُول الله! فَقَالَ: أَمَعَك شَيْء؟ فَأعْطَاهُ قَضِيبًا أَو عودا فنخسه أَو قَالَ: فَضَربهُ بِهِ فَسَار مسيرَة لم يكن يسير مثلهَا) .
وَذكر هُنَا: الناضح، مَوضِع: الْبَعِير، و: الناضح، بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة: الْبَعِير الَّذِي يستقى عَلَيْهِ، وَالْأُنْثَى ناضحة وسانية.
قَوْله: ( مَا شَأْنك؟) أَي: مَا حالك؟ وَمَا جرى لَك حَتَّى تَأَخَّرت عَن النَّاس؟ قَوْله: ( فَنزل) أَي: نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ فِي ( التَّوْضِيح) : فِيهِ نزُول الشَّارِع لأَصْحَابه.
قَوْله: ( يحجنه) ، جملَة وَقعت حَالا، وَهُوَ مضارع: حجن، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالنُّون.
يُقَال: حجنت الشَّيْء إِذا اجتذبته بالمحجن إِلَى نَفسك، والمحجن، بِكَسْر الْمِيم عَصا فِي رَأسه اعوجاج يلتقط بِهِ الرَّاكِب مَا سقط مِنْهُ.
قَوْله: ( أكفه) ، أَي: أمْنَعهُ حَتَّى لَا يتَجَاوَز رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( تزوجت؟) أَي: أتزوجت؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام مقدرَة فِيهِ.
قَوْله: ( بكرا أم ثَيِّبًا؟) أَي: أتزوجت بكرا أم تزوجت ثَيِّبًا وَالثَّيِّب من لَيْسَ ببكر، وَيَقَع على الذّكر وَالْأُنْثَى.
يُقَال: رجل ثيب وَامْرَأَة ثيب، وَقد يُطلق على الْمَرْأَة الْبَالِغَة وَإِن كَانَت بكرا مجَازًا أَو اتساعا.
وَالْمرَاد هَهُنَا: الْعَذْرَاء.
قَوْله: ( أَفلا جَارِيَة؟) أَي: أَفلا تزوجت جَارِيَة؟ أَي: بكرا؟ قَوْله: ( تلاعبها وتلاعبك) ، وَفِي رِوَايَة: ( قَالَ: فَأَيْنَ أَنْت من الْعَذْرَاء ولعابها؟) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ( فَهَلا تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها، وتلاعبها وتلاعبك؟) .

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أما قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( ولعابها) ، فَهُوَ بِكَسْر اللَّام، وَوَقع لبَعض رُوَاة البُخَارِيّ بضَمهَا،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَأما الرِّوَايَة فِي كتاب مُسلم فبالكسر لَا غير، وَهُوَ من: الملاعبة، مصدر: لاعب ملاعبة، كقاتل مقاتلة، قَالَ: وَقد حمل جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين فِي شرح هَذَا الحَدِيث قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( تلاعبها) ، على اللّعب الْمَعْرُوف، وَيُؤَيِّدهُ: ( تضاحكها وتضاحكك) ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون من اللعاب وَهُوَ: الرِّيق.
قَوْله: ( قلت: إِن لي إخوات) وَفِي رِوَايَة لمُسلم ( قلت لَهُ: إِن عبد الله هلك وَترك تسع بَنَات أَو سبع بَنَات ... فَإِنِّي كرهت أَن آتيهن أَو أجيئهن بمثلهن، فَأَحْبَبْت أَن أجيء بِامْرَأَة تقوم عَلَيْهِم وتصلحهن.
قَالَ: فَبَارك الله لَك، أَو قَالَ لي خيرا)
.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم: ( توفّي وَالِدي أَو اسْتشْهد ولي أَخَوَات صغَار، فَكرِهت أَن أَتزوّج إلَيْهِنَّ مِثْلهنَّ فَلَا تؤدبهن وَلَا تقوم عَلَيْهِنَّ، فَتزوّجت ثَيِّبًا لتقوم عَلَيْهِنَّ وتؤدبهن) .
قَوْله: ( وتمشطهن) ، من: مشطت الماشطة الْمَرْأَة إِذا سرحت شعرهَا، وَهُوَ من بابُُ نصر ينصر، والمصدر الْمشْط، والمشاطة مَا سقط مِنْهُ.
قَوْله: ( أما إِنَّك قادم) قَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يكون إعلاما.
قَوْله: ( فَإِذا قدمت) أَي: الْمَدِينَة.
قَوْله: ( فالكيس) ، جَوَاب: إِذا، وانتصابه بِفعل مُضْمر أَي: فَالْزَمْ الْكيس، وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه الْوَلَد.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا مُشكل وَله وَجْهَان إِمَّا أَن يكون حضه على طلب الْوَلَد، وَاسْتِعْمَال الْكيس والرفق فِيهِ، إِذْ كَانَ جَابر لَا ولد لَهُ إِذْ ذَاك، أَو يكون أمره بالتحفظ والتوقي عِنْد إِصَابَة أَهله مَخَافَة أَن تكون حَائِضًا، فَيقدم عَلَيْهَا لطول الْغَيْبَة، وامتداد الْعزبَة.
والكيس: شدَّة الْمُحَافظَة على الشَّيْء.
وَقيل: الْكيس هُنَا الْجِمَاع.
وَقيل: الْعقل، كَأَنَّهُ جعل طلب الْوَلَد عقلا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْمرَاد بِالْعقلِ حثه على ابْتِغَاء الْوَلَد.
قَوْله: ( أتبيع جملَة؟ قلت: نعم) ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: ( بعنيه بوقية.
قلت: لَا، ثمَّ قَالَ: بعنيه، فَبِعْته بوقية، واستثبت عَلَيْهِ حملانه إِلَى أَهلِي)
وَفِي رِوَايَة لَهُ: ( أفتبيعنيه؟) فَاسْتَحْيَيْت، وَلم يكن لي نَاضِح غَيره، قَالَ: قلت: نعم، فَبِعْته إِيَّاه على أَن لي فقار ظَهره حَتَّى أبلغ الْمَدِينَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ( قَالَ لي: بِعني جملك هَذَا.
قَالَ: قلت: لَا، بل هُوَ لَك يَا رَسُول الله.
قَالَ: لَا بِعَيْنِه، قَالَ قلت: فَإِن لرجل على أُوقِيَّة ذهب، فَهُوَ لَك بهَا.
قَالَ: قد أَخَذته، فتبلغ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة)
.
قَوْله: ( فَاشْتَرَاهُ مني بأوقية) ، بِضَم الْهمزَة وَكسر الْقَاف وتشديدالياء آخر الْحُرُوف، وَالْجمع يشدد ويخفف، مثل أثافي وأثاف.
وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَغَيره: وقية، بِدُونِ الْهمزَة وَلَيْسَت بلغَة عالية، وَكَانَت الوقية قَدِيما عبارَة عَن أَرْبَعِينَ درهما، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات هَهُنَا، فَفِي رِوَايَة أَنه بَاعه بِخمْس أواقي وَزَاد فِي أُوقِيَّة، وَفِي بَعْضهَا بأوقيتين وَدِرْهَم أَو دِرْهَمَيْنِ، وَفِي بَعْضهَا: بأوقية ذهب، وَفِي رِوَايَة بأَرْبعَة دَنَانِير، وَفِي الْأُخْرَى بأوقية، وَلم يقل: ذَهَبا وَلَا فضَّة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: لَيْسَ لأوقية الذَّهَب وزن يحفظ، وَأما أُوقِيَّة الْفضة فأربعون درهما.
فَإِن قلت: مَا حكم اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات وسببها؟ قلت: سَببهَا نقل الحَدِيث على الْمَعْنى، وَقد تَجِد الحَدِيث الْوَاحِد قد حدث بِهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، أَو عِبَارَات مُتَقَارِبَة ترجع إِلَى معنى وَاحِد.
فَإِن قلت: كَيفَ التلفيق بَين هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: إِمَّا ذكر الْأُوقِيَّة الْمُهْملَة فيفسرها قَوْله: أُوقِيَّة ذهب، وَإِلَيْهِ يرجع اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ، إِذْ هِيَ فِي رِوَايَة سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر يفسره بقوله: ( إِن لرجل عَليّ أُوقِيَّة ذهب، فَهُوَ لَك بهَا) .
وَيكون قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( فَبِعْته مِنْهُ بِخمْس أواقي) أَي: فضَّة صرف، أُوقِيَّة الذَّهَب حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ أخبر مرّة عَمَّا وَقع بِهِ البيع من أُوقِيَّة الذَّهَب أَولا، وَمرَّة عَمَّا كَانَ بِهِ الْقَضَاء من عدلها فضَّة.
وَالله أعلم.
ويعضد هَذَا فِي آخر الحَدِيث فِي رِوَايَة مُسلم: ( خُذ حملك ودراهمك فَهُوَ لَك) وَفِي رِوَايَة من قَالَ: مأتي دِرْهَم، لِأَنَّهُ خمس أواقي، أَو يكون هَذَا كُله زِيَادَة على الْأُوقِيَّة كَمَا قَالَ: ( فَمَا زَالَ يزيدني) .
وَأما ذكر الْأَرْبَعَة الدَّنَانِير فموافقة لأوقية إِذْ قد يحْتَمل أَن يحْتَمل أَن يكون وزان أُوقِيَّة الذَّهَب حِينَئِذٍ وزان أَرْبَعَة دنانيرهم.
لِأَن دنانيرهم مُخْتَلفَة، وَكَذَلِكَ دراهمهم، وَلِأَن أُوقِيَّة الذَّهَب غير مُحَققَة الْوَزْن، بِخِلَاف الْفضة.
أَو يكون المُرَاد بذلك أَنَّهَا صرف أَرْبَعِينَ درهما، فَأَرْبَعَة دَنَانِير مُوَافقَة لأوقية الْفضة، إِذْ هِيَ صرفهَا، ثمَّ قَالَ: أُوقِيَّة ذهب، لِأَنَّهُ أَخذ عَن الْأُوقِيَّة عدلها من الذَّهَب الدَّنَانِير الْمَذْكُور، أَو يكون ذكر الْأَرْبَعَة دَنَانِير فِي ابْتِدَاء المماكسة، وانعقد البيع بأوقية.
وَأما قَوْله: أوقيتان، فَيحْتَمل أَن الْوَاحِدَة هِيَ الَّتِي وَقع بهَا البيع وَالثَّانيَِة زَادهَا إِيَّاه.
أَلا ترى كَيفَ قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَزَادَنِي أُوقِيَّة.
وَذكره الدِّرْهَم وَالدِّرْهَمَيْنِ مُطَابق لقَوْله: ( وَزَادَنِي قيراطا) فِي بعض الرِّوَايَات.
قَوْله: ( فدع) أَي: أترك.
قَوْله: ( فَادْخُلْ) ويروى: وادخل، بِالْوَاو.
قَوْله: ( حَتَّى وليت) ، بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة أَي: أَدْبَرت.
قَوْله: ( أدعُ) بِصِيغَة الْمُفْرد، ويروى: ادعوا، بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: ( مِنْهُ) أَي: من رد الْجمل.
قَوْله: ( الْكيس الْوَلَد) ، هَذَا تَفْسِير البُخَارِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: ذكر الْعَمَل الصَّالح ليَأْتِي بِالْأَمر على وَجهه، لَا يُرِيد بِهِ فخرا.
وَهَذَا فِي قَوْله: ( كنت فِي غزَاة) ، وَفِيه: تفقد الإِمَام أَو كَبِير الْقَوْم وَأَصْحَابه وَذكرهمْ لَهُ مَا ينزل بهم عِنْد سُؤَاله، وَهَذَا فِي قَوْله: ( مَا شَأْنك؟) وَفِيه: توقير الصَّحَابِيّ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ وَاجِب بِلَا شكّ، وَهَذَا فِي قَوْله: ( أكفه عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِيه: حض على تَزْوِيج الْبكر وفضيلة تَزْوِيج الْأَبْكَار، وَهُوَ فِي قَوْله: ( فَهَلا جَارِيَة؟) وَفِيه: ملاعبة الرجل أَهله وملاطفته لَهَا وَحسن الْعشْرَة، وَهُوَ فِي قَوْله: ( تلاعبها وتلاعبك) ، وَفِيه: فَضِيلَة جَابر وإيثاره مصلحَة أخواته على نَفسه، وَهُوَ فِي قَوْله: ( إِن لي أَخَوَات) .
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ رَكْعَتَيْنِ عِنْد الْقدوم من السّفر، وَهُوَ فِي قَوْله: ( فَادْخُلْ فصل رَكْعَتَيْنِ) .
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ إرجاح الْمِيزَان فِي وَفَاء الثّمن وَقَضَاء الدُّيُون، وَهُوَ فِي قَوْله: ( فأرجح فِي الْمِيزَان) .
وَفِيه: صِحَة التَّوْكِيل فِي الْوَزْن، وَلَكِن الْوَكِيل لَا يرجح إلاَّ بِإِذن.
وَفِيه: الزِّيَادَة فِي الثّمن، وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ والكوفيين: أَن الزِّيَادَة فِي الْمَبِيع من البَائِع، وَفِي الثّمن من المُشْتَرِي، والحط مِنْهُ يجوز سَوَاء قبض الثّمن أم لَا، بِحَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهِي عِنْدهم هبة مستأنفة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: هبة، فَإِن وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا رَجَعَ بِالثّمن وَالْهِبَة، وَعند الْحَنَفِيَّة: الزِّيَادَة فِي الثّمن أَو الْحَط مِنْهُ يلحقان بِأَصْل العقد، وَلَو بعد تَمام العقد، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَة فِي الْمَبِيع تصح وتلتحق بِأَصْل العقد، وَيتَعَلَّق الِاسْتِحْقَاق بِكَلِمَة، أَي: بِكُل مَا وَقع عَلَيْهِ فِي العقد من الثّمن وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ.
وَفِيه: جَوَاز طلب البيع من الرجل سلْعَته ابْتِدَاء، وَإِن لم يعرضهَا للْبيع.