فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من الخداع في البيع

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الخِدَاعِ فِي البَيْعِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهَة الخداع فِي البيع، وَلَكِن الخداع لَا ينْسَخ بِهِ البيع، وَفِيه خلاف نذكرهُ عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :2033 ... غــ :2117 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله ابنِ دِينارٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلابةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الخداع لَو لم يكن مَكْرُوها لما قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لذَلِك المخدوع: إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة، أَي: لَا خديعة، على مَا يَجِيء تَفْسِيرهَا كَمَا يَنْبَغِي عَن قريب.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي تِلْكَ الْحِيَل عَن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن القعْنبِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِن رجلا) ، وَهُوَ حبَان بن منقذ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، ومنقذ اسْم فَاعل من الإنقاذ وَهُوَ التخليص: الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، شهد أحدا وَمَا بعْدهَا، وَمَات فِي زمن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد شج فِي بعض مغازيه مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحجر بِبَعْض الْحُصُون، فأصابته فِي رَأسه مأمومة فَتغير بهَا لِسَانه وعقله، لكنه لم يخرج عَن التَّمْيِيز، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رجلا من الْأَنْصَار كَانَت بِلِسَانِهِ لوثة، وَكَانَ لَا يزَال يغبن فِي الْبيُوع، فَذكر ذَلِك للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا بِعْت فَقل: لَا خلابة، مرَّتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  إِبْنِ إِسْحَاق: وحَدثني مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان، قَالَ: هُوَ جدي منقذ بن عَمْرو، وَكَانَ رجلا قد أَصَابَته آمة فِي رَأسه فَكسرت لِسَانه ونازعته عقله، وَكَانَ لَا يدع التِّجَارَة، وَكَانَ لَا يزَال يغبن، وَفِيه: وَكَانَ عمر عمرا طَويلا عَاشَ ثَلَاثِينَ وَمِائَة سنة.
وَفِي لفظ عَن ابْن عمر: كَانَ حبَان بن منقذ رجلا ضَعِيفا.
وَكَانَ قد سقع فِي رَأسه مأمومة فَجعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ الْخِيَار فِيمَا يَشْتَرِي ثَلَاثًا، وَكَانَ قد ثقل لِسَانه، فَكنت أسمعهُ يَقُول: لَا حذابة لَا حذابة،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: وَكَانَ ضَرِير الْبَصَر.
وَفِي الطَّبَرَانِيّ: لما عمي قَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: إِن هَذَا الرجل كَانَ ألثغ وَلَا يُعْطِيهِ لِسَانه إِخْرَاج الْكَلَام، وَكَانَ ينْطق يَا بِاثْنَتَيْنِ من تَحت، أَو ذالاً مُعْجمَة.
قَوْله: ( ذكر للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: ( فَشكى إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا يلقى من الْغبن) .
قَوْله: ( لَا خلابة) ، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام، أَي: لَا خديعة.
يُقَال: خلبة يخلبه خلبا وخلابة وخالبة، وَرجل خالب وخلاب وخلبوت وخلبوب: خداع، الْأَخِيرَة عَن كرَاع، يَعْنِي: خلبوب، بالبائين الموحدتين.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: خداع كَذَّاب، وَامْرَأَة خلبوت على مِثَال جبروت، وخلوب وخالبة وخلابة.
وَفِي ( الْمُنْتَهى) : الخلب الْقطع والخديعة بِاللِّسَانِ، خلبه يخلبه من بابُُ نَصره ينصره، وخلبه يخلبه من بابُُ ضربه يضْربهُ، واختلبه اختلابا، والخلوب الخادع، والخلابة الخداعة من النِّسَاء، وَعَن أبي جَعْفَر عَن بعض شُيُوخه: لَا خِيَانَة، بالنُّون وَهُوَ تَصْحِيف.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه: الأول: مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة: على أَن الْعين غير لَازم فَلَا خِيَار للمغبون سَوَاء قل الْغبن أَو كثر، وَهُوَ الْأَصَح من روايتي مَالك.
.

     وَقَالَ  البغداديون من أَصْحَابه: للمغبون الْخِيَار بِشَرْط أَن يبلغ الْغبن ثلث الْقيمَة وَإِن كَانَ دونه فَلَا، هَكَذَا حَده أَبُو بكر وَابْن أبي مُوسَى من الْحَنَابِلَة، وَقيل: السُّدس، وَعَن دَاوُد: العقد بَاطِل، وَعَن مَالك: إِن كَانَا عارفين بِتِلْكَ السّلْعَة وسعرها وَقت البيع لم يفْسخ البيع، كثيرا كَانَ الْغبن أَو قَلِيلا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا غير عَارِف بذلك فسخ البيع ألاَّ أَن يُرِيد أَن يمضيه، وَلم يحد مَالك حدا، وَأثبت هَؤُلَاءِ خِيَار الْغبن بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.

وَأجَاب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَجُمْهُور الْعلمَاء عَن الحَدِيث بِأَنَّهَا وَاقعَة عين وحكاية حَال،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ يَنْبَغِي أَن يُقَال: إِنَّه كُله مَخْصُوص بِصَاحِبِهِ، لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره فَإِن كَانَ يخدع فِي الْبيُوع فَيحْتَمل أَن الخديعة كَانَت فِي الْعَيْب أَو فِي الْعين أَو فِي الْكَذِب أَو فِي الْغبن فِي الثّمن، وَلَيْسَت قَضِيَّة عَامَّة، فَتحمل على الْعُمُوم، وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّة فِي عين وحكاية حَال، فَلَا يَصح دَعْوَى الْعُمُوم فِيهَا عِنْد أحد.
ثمَّ أورد ابْن الْعَرَبِيّ على نَفسه قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق ابْن أبي لَهِيعَة: حَدثنَا حبَان بن وَاسع عَن طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة أَنه كلم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فِي الْبيُوع، فَقَالَ: مَا أجد لكم شَيْئا أوسع مِمَّا جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبان ابْن منقذ ... فَذكر الحَدِيث، فَلم يَجْعَل عمر خَاصّا بِهِ.
ثمَّ أجَاب عَنهُ بِضعْف الحَدِيث من أجل ابْن لَهِيعَة.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور أَيْضا: لَو كَانَ الْغبن مثبتا للخيار لما احْتَاجَ إِلَى اشْتِرَاط الْخِيَار، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي بعض طرق الحَدِيث أَنه اشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا، وَلَا احْتَاجَ أَيْضا إِلَى قَوْله: لَا خلابة.

الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على حجر السَّفِيه الَّذِي لَا يحسن التَّصَرُّف، وَوجه ذَلِك أَنه لما طلب أَهله إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحجر عَلَيْهِ، دَعَاهُ فَنَهَاهُ عَن البيع، وَهَذَا هوالحجر، وَهُوَ: الْمَنْع: قُلْنَا: هَذَا نهي خَاص بِهِ لضعف عقله، وَلَا يسري هَذَا فِي الْحجر على الْحر الْعَاقِل الْبَالِغ، لِأَن فِي حَقه إهدار الْآدَمِيَّة.
وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس أَن رجلا كَانَ فِي عقدته ضعف، وَكَانَ يُبَايع، وَأَن أَهله أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! أحجر عَلَيْهِ.
فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَهَاهُ، قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لَا أَصْبِر عَن البيع، فَقَالَ: إِذا بَايَعت فَقل: هَا وَلَا خلابة.
وَرَوَاهُ بَقِيَّة أَصْحَاب السّنَن،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا الرجل الْمُبْهم هُوَ حبَان بن منقذ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ منقذ بن عَمْرو، وَالْأول أرجح.
قَوْله: ( فِي عقدته ضعف) أَرَادَت ضعف الْعقل وعقدة الرجل مَا عقد عَلَيْهِ ضَمِيره وَنِيَّته، أَي: عزم عَلَيْهِ ونواه.

الثَّالِث: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة إِلَى أَن ضَعِيف الْعقل لَا يحْجر عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لما قَالَ لَهُ: إِنَّه لَا يصبر على البيع أذن لَهُ فِيهِ بِالصّفةِ الَّتِي ذكرهَا، فَهَذَا دَال على عدم الْحجر.

الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ ابْن حزم على أَنه يتَعَيَّن فِي اللَّفْظ الْمُوجب للخيار ذكر الخلابة دون غَيره من الْأَلْفَاظ، فَلَو كَانَ: لَا خديعة أَو: غش أَو: لَا كيد أَو: لَا مكر أَو: لَا عيب أَو: لَا ضَرَر أَو: لَا دَاء، أَو: لَا غائلة أَو: لَا خبث أَو: على السَّلامَة أَو نَحْو هَذَا، لم يكن لَهُ الْخِيَار المجعول لمن قَالَ: لَا خلابة، إلاَّ أَن يكون فِي لِسَانه خلل يعجز عَن اللَّفْظ بهَا، فَيَكْفِي أَن يَأْتِي بِمَا يقدر عَلَيْهِ من هَذَا للفظ، كَمَا كَانَ يفعل هَذَا الرجل الْمَذْكُور من قَوْله: لَا خيابة، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، أَو: لَا خذابة بِالذَّالِ، على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ إِن لم يكن يحسن الْعَرَبيَّة فَقَالَ مَعْنَاهَا بِاللِّسَانِ الَّذِي يُحسنهُ، فَإِنَّهُ يثبت لَهُ الْخِيَار.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَمن أسهل مَا يرد بِهِ عَلَيْهِ أَنه ثَبت فِي ( صَحِيح) مُسلم أَنه كَانَ يَقُول: لَا خيابة، بالتحتانية بدل اللَّام، وبالذال الْمُعْجَمَة بدل اللَّام أَيْضا، وَكَأَنَّهُ كَانَ لَا يفصح باللاَّم للثغة لِسَانه، وَمَعَ ذَلِك لم يتَغَيَّر الحكم فِي حَقه عِنْد أحد من الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا يشْهدُونَ لَهُ بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعله بِالْخِيَارِ، فَدلَّ على أَنهم اكتفوا فِي ذَلِك بِالْمَعْنَى.
انْتهى.
قلت: هَذَا عَجِيب، وَكَيف يكون هَذَا أسهل مَا يرد بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِل بِمَا ذكره هَذَا الْقَائِل عِنْد الْعَجز، وَكَلَامه عِنْد الْقُدْرَة.

الْخَامِس: قَالَ بَعضهم: اسْتدلَّ بِهِ على أَن أمد خِيَار الشَّرْط ثَلَاثَة أَيَّام من غير زِيَادَة، لِأَنَّهُ حكم ورد على خلاف الأَصْل، فَيقْتَصر بِهِ على أقْصَى مَا ورد فِيهِ، وَيُؤَيِّدهُ جعل الْخِيَار فِي الْمُصراة ثَلَاثَة أَيَّام.
وَاعْتِبَار الثَّلَاث فِي غير مَوضِع.
انْتهى.

قلت: هَذَا الْبابُُ فِيهِ اخْتِلَاف الْفُقَهَاء.
فَقَالَت: طَائِفَة: البيع بِشَرْط الْخِيَار جَائِز، وَالشّرط لَازم إِلَى الأمد الَّذِي اشْترط إِلَيْهِ الْخِيَار، وَهَذَا قَول ابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث: يجوز الْخِيَار إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل.
.

     وَقَالَ  عبيد الله بن الْحسن: لَا يُعجبنِي شَرط الْخِيَار الطَّوِيل إلاَّ أَن الْخِيَار للْمُشْتَرِي مَا رَضِي البَائِع.
.

     وَقَالَ  ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري: لَا يجوز البيع إِذا شَرط فِيهِ الْخِيَار للْبَائِع أَو لَهما.
.

     وَقَالَ  سُفْيَان: البيع فَاسد بذلك، فَإِن شَرط الْخِيَار للْمُشْتَرِي عشرَة أَيَّام أَو أَكثر جَازَ.
.

     وَقَالَ  مَالك: يجوز شَرط الْخِيَار فِي بيع الثَّوْب الْيَوْم واليومين، وَالْجَارِيَة إِلَى خَمْسَة أَيَّام، وَالْجُمُعَة، وَالدَّابَّة تركب الْيَوْم وَشبهه ويسار عَلَيْهَا الْبَرِيد وَنَحْوه، وَفِي الدَّار الشَّهْر ليختبر ويشاور فِيهَا.
وَلَا فرق بَين شَرط الْخِيَار للْبَائِع وَالْمُشْتَرِي.
.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: يجوز أَن يشْتَرط شهرا أَو أَكثر.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَزفر: الْخِيَار فِي البيع ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَا يجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا، فَإِن زَاد فسد البيع، وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن شبْرمَة.
وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) : وَيجوز شَرط خِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْبيُوع الَّتِي لَا رَبًّا فِيهَا، فَأَما الْبيُوع الَّتِي فِيهَا رَبًّا، وَهِي: الصّرْف وَبيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ ... فَلَا يجوز فِيهَا شَرط الْخِيَار، فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يَتَفَرَّقَا قبل تَمام البيع.
وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد جيد حسن من حَدِيث يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي نَافِع ( عَن ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت رجلا من الْأَنْصَار يشكو إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه يغبن فِي الْبيُوع، فَقَالَ: إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة، ثمَّ أَنْت بِالْخِيَارِ فِي كل سلْعَة ابتعتها ثَلَاث لَيَال) .
وَلما رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) بِسَنَد صَحِيح إِلَى ابْن إِسْحَاق جعله عَن منقذ بن عَمْرو.
وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمنقذ بن عَمْرو: ( قل لَا خلابة إِذا بِعْت بيعا، فَأَنت بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا) .
وروى عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) من حَدِيث أبان ابْن أبي عَيَّاش: ( عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رجلا اشْترى من رجل بَعِيرًا وَاشْترط عَلَيْهِ الْخِيَار أَرْبَعَة أَيَّام، فَأبْطل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، البيع،.

     وَقَالَ : الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام)
.
وَذكره عبد الْحق فِي أَحْكَامه من جِهَة عبد الرَّزَّاق، وَأعله بِابْن أبي عَيَّاش.
.

     وَقَالَ : إِنَّه لَا يحْتَج بحَديثه مَعَ أَنه كَانَ رجلا صَالحا.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أَحْمد بن عبد الله بن ميسرَة.
حَدثنَا أَبُو عَلْقَمَة حَدثنَا نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام) .
وَأحمد بن عبد الله بن ميسرَة إِن كَانَ هُوَ الْحَرَّانِي فَهُوَ مَتْرُوك.
.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: ثمَّ التَّقْدِير بِالثلَاثِ خرج مخرج الْغَالِب، لِأَن النّظر يحصل فِيهَا غَالِبا، وَهَذَا لَا يمْنَع من الزِّيَادَة عِنْد الْحَاجة، كَمَا قدرت حِجَارَة الِاسْتِنْجَاء بِالثلَاثِ، ثمَّ تجب الزِّيَادَة عِنْد الْحَاجة، وَالله أعلم.