فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة

(بابُُ مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعامِ والحُكْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يذكر فِي بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض.
قَوْله: (والحكرة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف: حبس السّلع عَن البيع.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الحكرة احتكار الطَّعَام، أَي: حَبسه يتربص بِهِ الغلاء، هَذَا بِحَسب اللُّغَة.
وَأما الْفُقَهَاء فقد اشترطوا لَهَا شُرُوطًا مَذْكُورَة فِي الْفِقْه.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبابُُ ذكر الحكرة، وساعد بَعضهم البُخَارِيّ فِي ذَلِك فَقَالَ: وَكَأن المُصَنّف استنبط ذَلِك من الْأَمر بِنَقْل الطَّعَام إِلَى الرّحال وَمنع بيع الطَّعَام قبل اسْتِيفَائه.
قلت: سُبْحَانَ الله؟ هَذَا استنباط عَجِيب، فَمَا وَجه هَذَا الاستنباط وَكَيف يستنبط مِنْهُ الإحتكار الشَّرْعِيّ؟ وَلَيْسَ الْأَمر إلاَّ مَا قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ؟ أللهم إلاَّ إِذا قُلْنَا: إِن البُخَارِيّ لم يرد بقوله: والحكرة، إلاَّ مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، وَهُوَ الْحَبْس مُطلقًا، فَحِينَئِذٍ يُطلق على الَّذِي يَشْتَرِي مجازفة وَلم يَنْقُلهُ إِلَى رَحْله أَنه محتكر لُغَة، لَا شرعا، فَافْهَم، فَإِنَّهُ دَقِيق لَا يخْطر إلاَّ بخاطر من شرح الله صَدره بفيضه.

وَقد ورد فِي ذمّ الاحتكار أَحَادِيث: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ معمر بن عبد الله مَرْفُوعا: (لَا يحتكر إلاَّ خاطىء) ، رَوَاهُ مُسلم.
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (من احتكر على الْمُسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس) .
وَرُوِيَ أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا: (الجالب مَرْزُوق والمحتكر مَلْعُون) ، وَأخرجه الْحَاكِم وَإِسْنَاده ضَعِيف.
وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: (من احتكر طَعَاما أَرْبَعِينَ لَيْلَة فقد برىء من الله تَعَالَى وبرىء مِنْهُ) ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده مقَال.
وروى الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من احتكر حكرة يُرِيد أَن يغالي بهَا على الْمُسلمين فَهُوَ خاطىء.



[ قــ :2047 ... غــ :2131 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهيمَ قَالَ أخبرنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عنِ الأوْزَاعِيِّ عنْ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رَأيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعامَ مُجَازَفةً يُضْرَبُونَ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُهُ إلَى رِحَالِهِمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه يتَضَمَّن منع بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض، لِأَن الإيواء الْمَذْكُور فِيهِ عبارَة عَن الْقَبْض، وضربهم على تَركه يدل على اشْتِرَاط الْقَبْض، والترجمة فِيمَا يذكر فِي الطَّعَام، وَالَّذِي ذكر فِي الطَّعَام يَعْنِي الَّذِي ذكره فِي أَمر الطَّعَام، هَذَا يَعْنِي منع بَيْعه قبل الإيواء الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الْقَبْض.

وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، والوليد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن عَيَّاش الرقام.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ (عَن سَالم بن عمر: أَنهم كَانُوا يضْربُونَ على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا اشْتَروا طَعَاما جزَافا أَن يبيعوه فِي مَكَانَهُ حَتَّى يحولوه) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ عَن عبد الرَّزَّاق.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نصر بن عَليّ عَن يزِيد بن زُرَيْع.

قَوْله: (مجازفة) ، نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف، أَي: يشْتَرونَ الطَّعَام شِرَاء مجازفة، وَيجوز أَن يكون نصبا على الْحَال، يَعْنِي: حَال كَونهم مجازفين، والجزاف مثلث الْجِيم، وَالْكَسْر أفْصح وَأشهر؛ وَهُوَ البيع بِلَا كيل وَلَا وزن وَلَا تَقْدِير.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: وَهُوَ يرجع إِلَى المساهلة، وَهُوَ دخيل.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: فِي حَدِيث الْبابُُ دَلِيل لمن سوى بَين الْجزَاف والمكيل من الطَّعَام فِي الْمَنْع من بيع ذَاك حَتَّى يقبض، وَرَأى أَن نقل الْجزَاف قَبضه، وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأحمد وَدَاوُد، وَحمله مَالك على الأولى والأحب.

وَلَو بَاعَ الْجزَاف قبل نَقله جَازَ، لِأَنَّهُ بِنَفس تَمام العقد فِي التَّخْلِيَة بَينه وَبَين المُشْتَرِي صَار فِي ضَمَانه، وَإِلَى جَوَاز ذَلِك صَار سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وَالْحكم وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: إِبَاحَة بيع الصُّبْرَة جزَافا مَعَ جهل البَائِع وَالْمُشْتَرِي بِقَدرِهَا لَا نعلم فِيهِ خلافًا، فَإِذا اشْترى الصُّبْرَة جزَافا لم يجز بيعهَا حَتَّى ينقلها، نَص عَلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: بيعهَا قبل نقلهَا، اخْتَارَهُ القَاضِي، وَهُوَ مَذْهَب مَالك.
ونقلها قبضهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر.
وَفِي (شرح الْمُهَذّب) عِنْد الشَّافِعِي: بيع الصُّبْرَة من الْحِنْطَة وَالتَّمْر مجازفة صَحِيح، وَلَيْسَ بِحرَام.
وَهل هُوَ مَكْرُوه؟ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه، وَالْبيع بصبرة الدَّرَاهِم كَذَلِك حكمه، وَعَن مَالك أَنه لَا يَصح البيع إِذا كَانَ بَائِع الصُّبْرَة جزَافا يعلم قدرهَا، كَأَنَّهُ اعْتمد على مَا رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَن الْوَاقِدِيّ عَن عبد الحميد بن عمر: أَن ابْن أبي أنس قَالَ: (سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عُثْمَان يَقُول فِي هَذَا الْوِعَاء كَذَا وَكَذَا: وَلَا أبيعه إلاَّ مجازفة.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا سميت كَيْلا فَكل) .
وَعند عبد الرَّزَّاق، قَالَ: قَالَ ابْن الْمُبَارك: إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا يحل لرجل بَاعَ طَعَاما قد علم كَيْله حَتَّى يعلم صَاحبه) .





[ قــ :048 ... غــ :13 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنِ ابنِ طاوُسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى أنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَاما حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ قلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ ذَاكَ قَالَ ذَاكَ درَاهِمُ بِدَرَاهِمَ والطَّعَامُ مُرْجَأٌ.
( الحَدِيث 31 طرفه فِي: 531) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهَا فِيمَا يذكر فِي البيع قبل الْقَبْض، وَأَنه لَا يَصح حَتَّى يقبضهُ أَو يَسْتَوْفِيه، فَكَذَلِك الحَدِيث فِي أَنه لَا يَصح حَتَّى يَسْتَوْفِيه.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن رَافع وَعبد بن حميد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَيْضا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي بكر وَعُثْمَان ابْني أبي شيبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع بِهِ وَعَن أَحْمد بن حَرْب وقتيبة.

قَوْله: ( حَتَّى يَسْتَوْفِيه) أَي: حَتَّى يقبضهُ، وَقد ذكرنَا أَن الْقَبْض والاستيفاء بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: ( قلت لِابْنِ عَبَّاس) ، الْقَائِل هُوَ طَاوُوس.
قَوْله: ( كَيفَ ذَاك؟) يَعْنِي: كَيفَ حَال هَذَا البيع؟ حَتَّى نهى عَنهُ.
قَوْله: ( قَالَ: ذَاك) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: يكون حَال ذَاك البيع دَرَاهِم بِدَرَاهِم وَالطَّعَام غَائِب، وَهُوَ معنى: قَوْله: ( وَالطَّعَام مرجأ) أَي: مُؤخر مُؤَجل، مَعْنَاهُ: أَن يَشْتَرِي من إِنْسَان طَعَاما بدرهم إِلَى أجل ثمَّ يَبِيعهُ مِنْهُ أَو من غَيره قبل أَن يقبضهُ بِدِرْهَمَيْنِ مثلا، فَلَا يجوز لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير: بيع دِرْهَم بدرهم، وَالطَّعَام غَائِب، فَكَأَنَّهُ قد بَاعه درهمه الَّذِي اشْترِي بِهِ الطَّعَام بِدِرْهَمَيْنِ، فَهُوَ وَربا، لِأَنَّهُ بيع غَائِب بناجز فَلَا يَصح.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قَول ابْن عَبَّاس: دَرَاهِم بِدَرَاهِم، تَأَوَّلَه عُلَمَاء السّلف، وَهُوَ أَن يَشْتَرِي مِنْهُ طَعَام بِمِائَة إِلَى أجل ويبيعه مِنْهُ قبل قَبضه بِمِائَة وَعشْرين، وَهُوَ غير جَائِز، لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير بيع دَرَاهِم بِدَرَاهِم، وَالطَّعَام مُؤَجل غَائِب.
وَقيل: مَعْنَاهُ أَن يَبِيعهُ من آخر ويحيله بِهِ.
قَوْله: ( وَالطَّعَام مرجأ) ، مبدتأ وَخبر وَقعت حَالا، ومرجأ: بِضَم الْمِيم وَسُكُون الرَّاء يهمز وَلَا يهمز، وَأَصله: من أرجيت الْأَمر وأرجأته: إِذا أَخَّرته.
فَتَقول: من الْهَمْز: مرجىء، بِكَسْر الْجِيم للْفَاعِل، وَالْمَفْعُول: مرجأ، للْفَاعِل، وَإِذا لم تهمز قلت: مرجٍ ومرجىً للْمَفْعُول، وَمِنْه، قيل: المرجئة، وهم فرقة من فرق الْإِسْلَام يَعْتَقِدُونَ أَنه لَا يضر مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة، كَمَا أَنه لَا ينفع مَعَ الْكفْر طَاعَة، سموا مرجئة لاعتقادهم أَن الله تَعَالَى نهتلى أرجأ تعذيبهم على المعاضي، أَي: أَخّرهُ عَنْهُم، وَكَذَلِكَ المرجئة تهمز وَلَا تهمز،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير، وَفِي الْخطابِيّ على اخْتِلَاف نسخه: مرجَّى، بِالتَّشْدِيدِ.

قَالَ أبُو عَبْدُ الله مُرْجَؤُنَ أيْ مُؤخِّرُونَ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا التَّفْسِير مُوَافق لتفسير أبي عُبَيْدَة حَيْثُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَآخَرُونَ مرجؤون لأمر الله} ( التَّوْبَة: 601) .
يُقَال: أرجأتك أَي: أخرتك، وَأَرَادَ بِهِ البُخَارِيّ شرح قَول ابْن عَبَّاس: وَالطَّعَام مرجأ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَهَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره شَيْء من ذَلِك.





[ قــ :049 ... غــ :133 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ ابْتاعَ طَعَاما فَلاَ يَبِيعُهُ حَتَّى يِقْبِضَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وَهَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر قد مر فِي: بابُُ الْكَيْل على البَائِع، غير أَن رِجَاله هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَهَهُنَا: عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة ابْن الْحجَّاج عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.





[ قــ :050 ... غــ :134 ]
- حدَّثنا عَليٌّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ كانَ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ مالِكِ بنِ أوْسٍ أنَّهُ قَالَ منْ عِندَهُ صَرْفٌ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنا حتَّى يَجيءَ خازِنُنا مِنَ الغَابَةِ قَالَ سُفْيانُ هُوَ الَّذِي حَفِظْناهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ فَقَالَ أخْبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ ابنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يُخْبِرُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِبا إلاَّ هاءَ وهاءَ والْبُرُّ بالْبُرُّ رِبا إلاَّ هاءَ وهاءَ والتَّمْرُ بالتَّمْرِ رِبا إلاَّ هاءَ وهاءَ والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبا إلاَّ هاءَ وهاءَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ اشْتِرَاط الْقَبْض لما فِيهِ من الربويات.
وَفِي التَّرْجَمَة مَا يشْعر بِاشْتِرَاط الْقَبْض فِي الطَّعَام.
وَزعم ابْن بطال: أَنه لَا مطابقته بَين الحَدِيث والترجمة هُنَا، فَلذَلِك أدخلهُ فِي: بابُُ بيع مَا لَيْسَ عنْدك، وَهُوَ مُغَاير للنسخ المروية عَن البُخَارِيّ، وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَالك بن أَوْس، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو، وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن الْحدثَان، بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالمثلثة التَّابِعِيّ عِنْد الْجُمْهُور.
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: لَهُ صُحْبَة وَلَا يَصح.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: ركب بخيل فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقيل: إِنَّه رأى أَبَا بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وروى عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد ابْن رمح، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عمار وَنصر بن عَليّ وَمُحَمّد بن الصَّباح، خمستهم عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( من عِنْده صرف) ، أَي: من عِنْده دَرَاهِم يعوضها بِالدَّنَانِيرِ، لِأَن الصّرْف بيع أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ.
قَوْله: ( فَقَالَ طَلْحَة) ، هُوَ ابْن عبد الله أحد الْعشْرَة المبشرة، فَأَنا أُعْطِيك الدَّرَاهِم لَكِن إصبر حَتَّى يَجِيء الخازن من الغابة، والغابة: بالغين الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة فِي الأَصْل: الأجمة ذَات الشّجر، المتكاثف، سميت بهَا لِأَنَّهَا تغيَّب مَا فِيهَا، وَجَمعهَا: غابات، وَلَكِن المُرَاد بهَا هُنَا غابة الْمَدِينَة، وَهِي مَوضِع قريب مِنْهَا من عواليها، وَبهَا أَمْوَال أهل الْمَدِينَة، وَهِي الْمَذْكُورَة فِي عمل مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة، قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: ( هُوَ الَّذِي حفظناه عَن الزُّهْرِيّ) أَي: الَّذِي كَانَ عَمْرو يحدثه عَن الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي حفظناه عَن الزُّهْرِيّ بِلَا زِيَادَة فِيهِ، قَالَ الْكرْمَانِي: وغرضه مِنْهُ تَصْدِيق عَمْرو، وَقَالَ بَعضهم: أبعد الْكرْمَانِي فِي قَوْله: ( هَذَا!) قلت: مَا أبعد فِيهِ، بل غَرَضه هَذَا وَشَيْء آخر، وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى أَنه حفظه من الزُّهْرِيّ بِالسَّمَاعِ.
قَوْله: ( فَقَالَ: أَخْبرنِي) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي مَالك بن أَوْس.
قَوْله: ( بِخَبَر) جملَة حَالية.
قَوْله: ( الذَّهَب بِالذَّهَب) ويروى: ( الذَّهَب بالورق) ، بِكَسْر الرَّاء، وَهُوَ رِوَايَة أَكثر أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ، وَهِي رِوَايَة أَكثر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ.
ثمَّ معنى قَوْله: ( الذَّهَب بِالذَّهَب) ، أَي: بيع الذَّهَب بِالذَّهَب رَبًّا إلاَّ أَن يَقُول كل وَاحِد من المتصارفين لصَاحبه: هَاء، يَعْنِي: خُذ أَو: هَات، فَإِذا قَالَ أَحدهمَا: خُذ، يَقُول الآخر: هَات، وَالْمرَاد أَنَّهُمَا يتقابضان فِي الْمجْلس قبل التَّفَرُّق مِنْهُ، وَأَن يكون العوضان متماثلين متساويين فِي الْوَزْن، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكرَة، سَيَأْتِي: ( نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيع الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء) .
ثمَّ الْكَلَام فِي الذَّهَب: هَل مُذَكّر أم مؤنث؟ فَقَالَ فِي ( الْمُنْتَهى) : رُبمَا أنث فِي اللُّغَة الحجازية، والقطعة مِنْهُ ذهبة، وَيجمع على أذهاب وذهوب، وَفِي ( تَهْذِيب الْأَزْهَرِي) : لَا يجوز تأنيثه إلاَّ أَن يَجْعَل جمعا لذهبة، وَفِي ( الموعب) عَن صَاحب ( الْعين) : الذَّهَب التبر، والقطعة مِنْهُ: ذهبة، يذكر وَيُؤَنث.
وَعَن ابْن الْأَنْبَارِي: الذَّهَب أُنْثَى، وَرُبمَا ذكر، وَعَن الْفراء، وَجمعه ذهبان.
وَأما قَوْله: ( هَاء وهاء) ، فَقَالَ صَاحب ( الْعين) : هُوَ حرف يسْتَعْمل فِي المناولة، تَقول: هَاء وهاك، وَإِذا لم تجىء بِالْكَاف مددت فَكَانَ الْمدَّة فِي: هَاء، خلف من.
كَاف المخاطبة، فَنَقُول للرجل: هَاء، وللمرأة: هائي، وللاثنين: هاؤما، وللرجال: هاؤموا، وللنساء هاؤن.
وَفِي ( الْمُنْتَهى) : تَقول: هَاء يَا رجل، بِهَمْزَة سَاكِنة، مِثَال: هع، أَي: خُذ.
وَفِي ( الْجَامِع) : فِيهِ لُغَتَانِ بِأَلف سَاكِنة وهمزة مَفْتُوحَة، وَهُوَ اسْم الْفِعْل، ولغة إخرى: هايا رجل: كَأَنَّهُ من هاي يهاي،، فحذفت الْيَاء للجزم، وَمِنْهُم من يَجعله بِمَنْزِلَة الصَّوْت: هَا يَا رجل، وهايا رجلَانِ، وهايا رجال، وَهَا يَا امْرَأَة، وَهَا يَا امْرَأَتَانِ، وَهَا يَا نسْوَة.
وَفِي ( شرح الْمشكاة) : فِيهِ لُغَتَانِ الْمَدّ وَالْقصر، وَالْأول أفْصح وَأشهر.
وَأَصله: هاك، فأبدلت من الْكَاف، مَعْنَاهُ: خُذ، فَيَقُول صَاحبه مثله، والهمزة مَفْتُوحَة.
وَيُقَال بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ التَّقَابُض،.

     وَقَالَ  الْمَالِكِي: وَحقّ هَا أَن لَا يَقع بعْدهَا إلاَّ كَمَا لَا يَقع بعْدهَا: هَذ، وَبعد أَن وَقع يجب تَقْدِير قَول قبله يكون بِهِ محكيا، فَكَأَنَّهُ قيل: وَلَا الذَّهَب بِالذَّهَب إلاَّ مقول عِنْده من الْمُتَبَايعين هَاء وهاء،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: وَمحله النصب على الظَّرْفِيَّة، والمستثنى مِنْهُ مُقَدّر.
يَعْنِي: بيع الذَّهَب بِالذَّهَب رَبًّا فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة إلاَّ عِنْد الْحُضُور والتقابض.
قَوْله: ( وَالْبر بِالْبرِّ) ، أَي: وَبيع الْبر بِالْبرِّ، وَهَكَذَا يقدر فِي الْبَوَاقِي.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أجمع الْمُسلمُونَ على تَحْرِيم الرِّبَا فِي هَذِه الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرت فِي حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وشيئان آخرَانِ وهما: الْفضة وَالْملح، فَهَذِهِ الْأَشْيَاء السِّتَّة مجمع عَلَيْهَا، وَاخْتلفُوا فِيمَا سواهَا، فَذهب أهل الظَّاهِر ومسروق وطاووس وَالشعْبِيّ وَقَتَادَة وَعُثْمَان البتي فِيمَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ: إِلَى أَنه يتَوَقَّف التَّحْرِيم عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  سَائِر الْعلمَاء: بل يتَعَدَّى إِلَى مَا فِي مَعْنَاهَا.
فَأَما الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالْعلَّة فيهمَا عِنْد أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْوَزْن فِي جنس وَاحِد، فَالْحق بهما كل مَوْزُون.
وَعند الشَّافِعِي: الْعلَّة فيهمَا جنس الْأَثْمَان وَأما الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة فَفِيهَا عشرَة مَذَاهِب.
الأول: مَذْهَب أهل الظَّاهِر أَنه: لَا رَبًّا فِي غير الْأَجْنَاس السِّتَّة.
الثَّانِي: ذهب أَبُو بكر الْأَصَم: إِلَى أَن الْعلَّة فِيهَا كَونهَا مُنْتَفعا بهَا، فَيحرم التَّفَاضُل فِي كل مَا ينْتَفع بِهِ، حَكَاهُ عَنهُ القَاضِي حُسَيْن.
الثَّالِث: مَذْهَب ابْن سِيرِين وَأبي بكر الأودي الشَّافِعِي: أَن الْعلَّة الجنسية، فَحرم كل شَيْء بيع بِجِنْسِهِ: كالتراب بِالتُّرَابِ مُتَفَاضلا، وَالثَّوْب بالثوبين وَالشَّاة بالشاتين.
الرَّابِع: مَذْهَب الْحسن بن أبي الْحسن: أَن الْعلَّة الْمَنْفَعَة فِي الْجِنْس، فَيجوز عِنْده بيع ثوب قِيمَته دِينَار بثوبين قيمتهمَا دِينَار، وَيحرم عِنْده بيع ثوب قِيمَته دِينَار بِثَوْب قِيمَته دِينَارَانِ.
الْخَامِس: مَذْهَب سعيد بن جُبَير: أَن الْعلَّة تفَاوت الْمَنْفَعَة فِي الْجِنْس، فَيحرم التَّفَاضُل فِي الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ لتَفَاوت منافعهما، وَكَذَلِكَ الباقلاء بالحمص والدخن بالذرة.
السَّادِس: مَذْهَب ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن: أَن الْعلَّة كَونه جِنْسا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَيحرم الرِّبَا فِي جنس تجب فِيهِ الزَّكَاة من الْمَوَاشِي والزروع وَغَيرهمَا، ونفاه عَمَّا لَا زَكَاة فِيهِ.
السَّابِع: مَذْهَب مَالك: كَونه مقتاتا مدخرا، فَحرم الرِّبَا فِي كل مَا كَانَ قوتا مدخرا، ونفاه عَمَّا لَيْسَ بقوت: كالفواكه، وَعَما هُوَ قوت لَا يدّخر: كَاللَّحْمِ.
الثَّامِن: مَذْهَب أبي حنيفَة: أَن الْعلَّة الْكَيْل مَعَ جنس، أَو الْوَزْن مَعَ جنس، فَحرم الرِّبَا فِي كل مَكِيل وَإِن لم يُؤْكَل: كالجص والنورة والأشنان، ونفاه عَمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن وَإِن كَانَ مَأْكُولا: كالسفرجل وَالرُّمَّان.
التَّاسِع: مَذْهَب سعيد بن الْمسيب، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: أَن الْعلَّة كَونه مطعوما يُكَال أَو يُوزن فحرمه فِي كل مطعوم يُكَال أَو يُوزن، ونفاه عَمَّا سواهُ، وَهُوَ كل مَا لَا يُؤْكَل وَلَا يشرب، أَو يُؤْكَل وَلَا يُوزن: كالسفرجل والبطيخ.
الْعَاشِر: أَن الْعلَّة كَونه مطعوما فَقَط، سَوَاء كَانَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا أم لَا، وَلَا رَبًّا فِيمَا سوى المطعوم غير الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد.
وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) : وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَابْن الْمُنْذر.

قلت: مَذْهَب مَالك فِي الْمُوَطَّأ أَن الْعلَّة هِيَ الإدخار للْأَكْل غَالِبا، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن نَافِع، وَفِي ( التَّمْهِيد) قَالَ مَالك: فَلَا تجوز فِي الْفَوَاكِه الَّتِي تيبس وتدخر إلاَّ مثلا بِمثل يدا بيد، إِذا كَانَت من صنف وَاحِد، وَيَجِيء على مَا روى عَن مَالك: أَن الْعلَّة الإدخار للاقتيات أَن لَا يجرى الرِّبَا فِي الْفَوَاكِه الَّتِي تيبس، لِأَنَّهَا لَيست بمقتات، وَلَا يجْرِي الرِّبَا فِي الْبيض، لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مقتاتة فَلَيْسَتْ بمدخرة، وَذكر صَاحب ( الْجَوَاهِر) : يَنْقَسِم مَا يطعم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: إِحْدَاهَا: مَا اتّفق على أَنه طَعَام يجْرِي فِيهِ حكم الرِّبَا: كالفواكه وَالْخضر والبقول والزروع الَّتِي تُؤْكَل غداء أَو يعتصر مِنْهَا مَا يتغدى من الزَّيْت: كحب القرطم وزريعة الفجل الْحَمْرَاء وَمَا أشبه ذَلِك.
وَالثَّانِي: مَا اتّفق على أَنه لَيْسَ بغداء بل هُوَ دَوَاء، وَذَلِكَ: كالبر والزعفران والشاهترج وَمَا يشبهها.
وَالثَّالِث: مَا اخْتلف فِيهِ للِاخْتِلَاف فِي أَحْوَاله وعادات النَّاس فِيهِ، فَمِنْهُ الطّلع والبلح الصَّغِير، وَمِنْه التوابل كالفلفل والكزبرة وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الكمونين والزاريانج والأنيسون، فَفِي إِلْحَاق كل وَاحِد مِنْهَا بِالطَّعَامِ قَولَانِ، وَمِنْهَا الحلبة وَفِي إلحاقها بِالطَّعَامِ ثَلَاثَة أَقْوَال مفرق فِي الثَّالِث، فَيلْحق بِهِ الخضراء دون الْيَابِسَة، وَمِنْهَا المَاء العذب قيل بإلحاقه بِالطَّعَامِ لما كَانَ مِمَّا يتطعم، وَبِه قوام الْأَجْسَام.
وَقيل: يمْنَع إِلْحَاقه لِأَنَّهُ مشروب وَلَيْسَ بمطعوم.
وَأما الْعلَّة فِي تَحْرِيم الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ الثمنية، وَهل الْمُعْتَبر فِي ذَلِك كَونهمَا ثمنين فِي كل الْأَمْصَار أَو جلها وَفِي كل الْأَعْصَار؟ فَتكون الْعلَّة بِحَسب ذَلِك قَاصِرَة عَلَيْهَا، أَو الْمُعْتَبر مُطلق الثمنية، فَتكون متعدية إِلَى غَيرهمَا فِي ذَلِك خلاف يبْنى عَلَيْهِ الْخلاف فِي جَرَيَان الرِّبَا فِي الْفُلُوس إِذا بيع بَعْضهَا بِبَعْض أَو بِذَهَب أَو بورق، وَفِي ( الرَّوْضَة) : وَالْمرَاد بالمطعوم مَا يعد للطعم غَالِبا تقوتا أَو تأدما أَو تفكها أَو غَيرهَا، فَيدْخل فِيهِ الْفَوَاكِه والحبوب والبقول والتوابل وَغَيرهَا، وَسَوَاء مَا أكل نَادرا كالبلوط والطرثوب، وَمَا أكل غَالِبا، وَمَا أكل وَحده أَو مَعَ غَيره، وَيجْرِي الرِّبَا فِي الزَّعْفَرَان على الْأَصَح، وَسَوَاء أكل للتداوي كالاهليلج والبليلج والسقمونيا وَغَيرهَا، وَمَا أكل لغَرَض آخر.
وَفِي ( التَّتِمَّة) وَجه: أَن مَا يقتات كَثِيره وَيسْتَعْمل قَلِيله فِي الْأَدْوِيَة كالسقمونيا لَا رَبًّا فِيهِ، وَهُوَ ضَعِيف، والطين الْخُرَاسَانِي لَيْسَ ربويا على الْأَصَح، ودهن الْكتاب والسمك وَحب الْكَتَّان وَمَاء الْورْد وَالْعود لَيْسَ ربويا على الْأَصَح، والزنجبيل والمصطكى رِبَوِيّ على الْأَصَح، وَالْمَاء إِذا صححنا بَيْعه رِبَوِيّ على الْأَصَح، وَلَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان، لَكِن مَا يُبَاح أكله على هَيئته كالسمك الصَّغِير على وَجه لَا يجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِي الْأَصَح، وَأما الذَّهَب والفضية فَقيل: يثبت فيهمَا الرِّبَا لعينهما لَا لعِلَّة.
.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: الْعلَّة فيهمَا صَلَاحِية التمنية الغالية، وَإِن شِئْت قلت: جوهرية الْأَثْمَان غَالِبا، والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلي والأواني مِنْهُمَا.
وَفِي تعدِي الحكم إِلَى الْفُلُوس إِذا أراجت وَجه، وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا رَبًّا فِيهَا لانْتِفَاء الثمنية الْغَالِبَة، وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غير الْفُلُوس من الْحَدِيد والرصاص والنحاس وَغَيرهَا قطعا.
انْتهى.