فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع العبد الزاني

( بابُُ بَيْع الْعَبْدِ الزَّانِي)

أَي: هَذَا بابُُ فِي جَوَاز بيع العَبْد الزَّانِي مَعَ بَيَان عَيبه.

وَقَالَ شُرَيْحٌ إنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّنَا
شُرَيْح هُوَ ابْن الْحَارِث الْكِنْدِيّ القَاضِي، وَقد مر غير مرّة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق ابْن سِيرِين: أَن رجلا اشْترى من رجل جَارِيَة كَانَت فجرت وَلم يعلم بذلك المُشْتَرِي فخاصمه إِلَى شُرَيْح، فَقَالَ: إِن شَاءَ رد من الزِّنَا.
قلت: وَعند الْحَنَفِيَّة الزِّنَا عيب فِي الْأمة دون الْغُلَام، لِأَنَّهُ يخل بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، وَهُوَ الاستفراش وَطلب الْوَلَد، وَالْمَقْصُود من الْغُلَام الِاسْتِخْدَام، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت بنت الزِّنَا فَهُوَ عيب، وَعند مُحَمَّد فِي ( الأمالي) لَو اشْترى جَارِيَة بَالِغَة وَكَانَت قد زنت عِنْد البَائِع فَلِلْمُشْتَرِي أَن يردهَا، وَإِن لم تزن عِنْده للحوق الْعَار بالأولاد، وَلَكِن الْمَذْهَب أَن الْعُيُوب كلهَا لَا بُد لَهَا من المعاودة عِنْد المُشْتَرِي حَتَّى يرد إلاَّ الزِّنَا فِي الْجَارِيَة، كَمَا ذكره مُحَمَّد.



[ قــ :2069 ... غــ :2152 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا زَنَتِ الأمَةُ فتَبَيَّنَ زِناهَا فَلْيَجْلِدْهَا ولاَ يُثَرِّبْ ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا ولاَ يُثَرِّبْ ثُمَّ إنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا ولَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعر.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فليبعها) ، فَإِنَّهُ يدل على جَوَاز بيع الزَّانِي، وَفِيه الْإِشْعَار بِأَن الزِّنَا عيب.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَاسم أبي سعيد: كيسَان الْمَدِينِيّ مولى بني لَيْث، وَكَانَ سعيد يسكن الْمقْبرَة فنسب إِلَيْهَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عِيسَى بن حَمَّاد،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ ابْن جريج وَإِسْمَاعِيل ابْن أُميَّة وَأُسَامَة بن زيد وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَأَيوب بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عجلَان وَابْن أبي ذِئْب وَعبيد الله بن عمر، فَقَالُوا: عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، لم يذكرُوا أَبَا سعيد، وَفِي مُسلم كَذَلِك.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فَتبين زنَاهَا) ، أَي: بِالْبَيِّنَةِ أَو بالحبل أَو بِالْإِقْرَارِ.
قَوْله: ( فليجلدها) ، وَفِي رِوَايَة أَيُّوب بن مُوسَى: فليجلدها الْحَد، قَالَ أَبُو عمر: لَا نعلم أحدا ذكر فِيهِ الْحَد غَيره.
قَوْله: ( وَلَا يثرب) من التثريب، بالثاء الْمُثَلَّثَة بعد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهُوَ التعيير وَالِاسْتِقْصَاء فِي اللوم، أَي: لَا يزِيد فِي الْحَد، وَلَا يؤذيها بالْكلَام،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن لَا يقْتَصر على التثريب، بل يُقَام عَلَيْهَا الْحَد.
قَوْله: ( وَلَو بِحَبل) أَي: وَلَو كَانَ البيع بِحَبل من شعر، وَهَذَا مُبَالغَة فِي التحريض بِبَيْعِهَا، وَذكر الْحَبل بِمَعْنى التقليل والتزهيد عَن الزَّانِيَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز بيع الزَّانِي،.

     وَقَالَ  أهل الظَّاهِر: البيع وَاجِب.
وَفِيه: أَن الزِّنَا عيب فِي الْجَارِيَة، وَقد ذكرنَا أَنه لَيْسَ بِعَيْب فِي الْغُلَام إلاَّ إِذا كَانَ مُعْتَادا بِهِ.
وَفِيه: أَن الزَّانِيَة تجلد، وَمِمَّنْ كَانَ يجلدها إِذا زنت أَو يَأْمر برجمها ابْن مَسْعُود وَأَبُو بَرزَة وَفَاطِمَة وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وأشياخ الْأَنْصَار وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وعلقمة وَالْأسود وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو ميسرَة.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي العَبْد إِذا زنى: هَل الزِّنَا عيب فِيهِ يجب رده بِهِ أم لَا؟ فَقَالَ مَالك: هُوَ عيب فِي العَبْد وَالْأمة، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَقَول الشَّافِعِي: كل مَا ينقص من الثّمن فَهُوَ عيب.
.

     وَقَالَ ت الْحَنَفِيَّة: هُوَ عيب فِي الْجَارِيَة دون الْغُلَام، كَمَا ذَكرْنَاهُ، ثمَّ هَل يجلدها السَّيِّد أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: نعم،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَا يُقيم الْجلد أَو الْحَد إلاَّ الإِمَام، بِخِلَاف التَّعْزِير، وَاحْتج بِحَدِيث: أَربع إِلَى الْوَالِي ... فَذكر مِنْهَا الْحُدُود.

وَهل يَكْتَفِي السَّيِّد يعلم الزِّنَا أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَلم يذكر فِي الحَدِيث عدد الْجلد، وروى النَّسَائِيّ: أَن رجلا أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن جاريتي زنت وَتبين زنَاهَا، قَالَ: إجلدها خمسين، ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: عَادَتْ، وَتبين زنَاهَا.
قَالَ: إجلدها خمسين، ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: عَادَتْ.
قَالَ: بعها وَلَو بِحَبل من شعر، وَالْأمة لَا ترْجم، سَوَاء كَانَت متزوجة أم لَا.

وَالزَّانِي إِذا حد ثمَّ زنى ثَانِيًا لزمَه حد آخر، على ذَلِك الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، والإحصان فِي الرَّجْم شَرط، والشروط سَبْعَة: الْحُرِّيَّة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام، وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَيْسَ بِشَرْط، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم يهوديين، قُلْنَا: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَصَارَ مَنْسُوخا بهَا، ثمَّ نسخ الْجلد فِي حق الْمُحصن.
وَالشّرط الْخَامِس: الْوَطْء.
وَالسَّادِس: أَن يكون الْوَطْء بِنِكَاح صَحِيح.
وَالشّرط السَّابِع: كَونهمَا محصنين حَالَة الدُّخُول، حَتَّى لَو دخل بالمنكوحة الْكَافِرَة أَو الْمَمْلُوكَة أَو الْمَجْنُونَة أَو الصبية لم يكن مُحصنا، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الزَّوْج عبدا أَو صَبيا أَو مَجْنُونا أَو كَافِرًا وَهِي مسلمة عَاقِلَة بَالِغَة.
فَإِن قلت: كَيفَ يتَصَوَّر أَن يكون الزَّوْج كَافِرًا وَالْمَرْأَة مسلمة؟ قلت: صورته أَن يَكُونَا كَافِرين فَأسْلمت الْمَرْأَة وَدخل بهَا الزَّوْج قبل عرض الْإِسْلَام عَلَيْهِ.

وَمِنْه: استنبط قوم جَوَاز البيع بِالْغبنِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ بيع خطير بِثمن يسير،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن الْغبن الْمُخْتَلف فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْجَهَالَة من المغبون، وَأما مَعَ علم البَائِع بِقدر مَا بَاعَ وَمَا قبض فَلَا يخْتَلف فِيهِ، لِأَنَّهُ عَن علم مِنْهُ ورضىً، فَهُوَ إِسْقَاط لبَعض الثّمن، لَا سِيمَا أَن الحَدِيث خرج على جِهَة التزهيد وَترك الْغِبْطَة.
وَفِيه: ترك اخْتِلَاط الْفُسَّاق وفراقهم.
فَإِن قلت: فَمَا معنى أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِبيع الْأمة الزَّانِيَة؟ وَالَّذِي يَشْتَرِيهَا يلْزمه من اجتنابها ومباعدتها مَا يلْزم البَائِع، وَكَيف يكره شَيْئا ويرتضيه لِأَخِيهِ الْمُسلم قلت: لَعَلَّ الثَّانِي يصونها بهيبته، أَو بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، أَو لَعَلَّهَا تستعف عِنْد الثَّانِي بِأَن يُزَوّجهَا أَو يعفها بِنَفسِهِ، وَنَحْو ذَلِك.





[ قــ :069 ... غــ :154 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ ولَمْ تُحْصِنْ قَالَ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا ولَوْ بِنَفِيرٍ: قَالَ ابنُ شِهَابٍ لاَ أدْرِي أبَعْدَ الثَّالِثَةِ أوِ الرَّابِعَةِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وإسْمَاعِيل هُوَ ابنُ أبي أويس، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد الله بن عبد الله بِالتَّصْغِيرِ فِي الإبن وَالتَّكْبِير فِي الْأَب ابْن عتبَة بن مَسْعُود، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ الْمدنِي: مر فِي: بابُُ الْغَضَب فِي الموعظة.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَفِي الْعتْق عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفِي الْبيُوع أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن أبي الطَّاهِر، وَعَن مُحَمَّد بن حميد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن سُفْيَان بِهِ وَعَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي وَعَن مُحَمَّد بن بكير وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح، وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن الصَّباح.

وَقَالَ أَبُو عمر: تَابع مَالِكًا على سَنَد هَذَا الحَدِيث: يُونُس بن يزِيد وَيحيى بن سعيد وَرَوَاهُ عقيل والزبيدي وَابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن شبْل بن خَالِد الْمُزنِيّ: أَن عبد الله بن مَالك الأوسي أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْأمة ... الحَدِيث إلاَّ أَن عقيلاً وَحده قَالَ: مَالك بن عبد الله.
.

     وَقَالَ  الْآخرَانِ: عبد الله بن مَالك، وَكَذَا قَالَ يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن شبْل ابْن خَالِد عَن عبد الله بن مَالك الأوسي، فَجمع يُونُس الإسنادين جَمِيعًا فِي هَذَا الحَدِيث، وَانْفَرَدَ مَالك بِإِسْنَاد وَاحِد.
وَعند عقيل والزبيدي وَابْن أخي الزُّهْرِيّ فِيهِ أَيْضا بِإِسْنَاد آخر: عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد وشبل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت ... الحَدِيث، هَكَذَا قَالَ ابْن عُيَيْنَة فِي هَذَا الحَدِيث، جعل شبلاً مَعَ أبي هُرَيْرَة وَزيد، فَأَخْطَأَ وَأدْخل إِسْنَاد حَدِيث فِي آخر، وَلم يتم حَدِيث شبْل.
قَالَ أَحْمد بن زُهَيْر: سَمِعت يحيى يَقُول: شبْل لم يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا.
وَفِي رِوَايَة: لَيست لَهُ صُحْبَة، يُقَال: شبْل بن معبد، وشبل بن حَامِد، روى عَن عبد الله بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ يحيى: وَهَذَا عِنْدِي أشبه.
قلت: ذكر الذَّهَبِيّ فِي ( تَجْرِيد الصَّحَابَة) : شبْل بن معبد.
وَقيل: ابْن حَامِد، وَقيل: ابْن خُلَيْد الْمُزنِيّ أَو البَجلِيّ، روى عَنهُ عبيد الله بن عبد الله، وَذكر أَيْضا مَالك بن عبد الله الأوسي،.

     وَقَالَ  المستغفري: لَهُ صُحْبَة، وَيُقَال: الأويسي، وَصَوَابه: عبد الله بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( وَلم تحصن) ، بِضَم التَّاء وَسُكُون الْحَاء من الْإِحْصَان، ويروى بِضَم التَّاء وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الصَّاد من التحصن من بابُُ التفعل: الْإِحْصَان: الْمَنْع، وَالْمَرْأَة تكون مُحصنَة بِالْإِسْلَامِ والعفاف وَالْحريَّة والتزوج، يُقَال: أحصنت الْمَرْأَة فَهِيَ مُحصنَة، وَكَذَا الرجل، والمحصن بِالْفَتْح يكون بِمَعْنى الْفَاعِل، وَالْمَفْعُول، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّتِي جئن نَوَادِر.
يُقَال: أحصن فَهُوَ مُحصن، وأسهب فَهُوَ مسهب، وأفلج فَهُوَ مفلج،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: لم يقل هَذِه اللَّفْظَة غير مَالك بن أنس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ أَبُو عمر: وَهُوَ من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة وَيحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب، كَمَا رَوَاهُ مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، وَمَفْهُومه أَنَّهَا: إِذا أحصنت لَا تجلد بل ترْجم كَالْحرَّةِ، لَكِن الْأمة تجلد مُحصنَة كَانَت أَو غير مُحصنَة، وَلَكِن لَا اعْتِبَار للمفهوم حَيْثُ نطق الْقُرْآن صَرِيحًا بِخِلَافِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا أحصنَّ فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} ( النِّسَاء: 5) .
فَالْحَدِيث دلّ على جلد غير الْمُحصن، وَالْآيَة على جلد الْمُحصن، لِأَن الرَّجْم لَا ينصف فيجلدان عملا بالدليلين، أَو يكون الْإِحْصَان بِمَعْنى الْعِفَّة عَن الزِّنَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} ( النُّور: 4) .
أَي: العفيفات.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: ذكر الْإِحْصَان فِي الحَدِيث غَرِيب مُشكل جدا إلاَّ أَن يُقَال: مَعْنَاهُ الْعتْق، وَقيل: مَعْنَاهُ مَا لم تتَزَوَّج، وَقد اخْتلف فِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا أحصن} ( النِّسَاء: 5) .
هَل هُوَ الْإِسْلَام أَو التَّزَوُّج؟ فتحد المتزوجة وَإِن كَانَت كَافِرَة؟ قَالَه الشَّافِعِي، أَو الْحُرِّيَّة؟ وَحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أقِيمُوا على أرقائكم الْحَد، من أحصن مِنْهُم وَمن لم يحصن) .
أخرجه مُسلم مَوْقُوفا، وَالنَّسَائِيّ مَرْفُوعا، فتحد الْأمة على كل حَال، أَي على أَي حَالَة كَانَت، وَيعْتَذر عَن الْإِحْصَان فِي الْآيَة لِأَنَّهُ أغلب حَال الْإِمَاء، وإحصان الْأمة عِنْد مَالك والكوفيين إسْلَامهَا، قَالَه ابْن بطال.
قَوْله: ( ثمَّ إِن زنت فاجلدوها) ، أَي: بعد الْجلد، أَي: إِذا جلدت ثمَّ زنت تجلد مرّة أُخْرَى، بِخِلَاف مَا لَو زنت مرَّات وَلم تجلد لوَاحِدَة مِنْهُنَّ، فَيَكْفِي حد وَاحِد للْجَمِيع.
قَوْله: ( بضفير) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء، هُوَ: الْحَبل المنسوج أَو المفتول، يُقَال: أضفر نسج الشّعْر وفتله، وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: هُوَ الضفر حَبل الشّعْر وَغَيره، عريضا وَهُوَ مثل تضربه الْعَرَب للتقليل، مثل: لَو مَنَعُونِي عقَالًا وَلَو فرسن شَاة.
قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) ، هُوَ الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث، وَقد تردد ابْن شهَاب بقوله: لَا أَدْرِي، أبعد الثَّلَاثَة؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، هَل أَرَادَ أَن بيعهَا يكون بعد الزنية الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة، وَقد جزم أَبُو سعيد المَقْبُري أَنه فِي الثَّالِثَة، كَمَا ذكره البُخَارِيّ أَولا.