فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع الفضة بالفضة

( بابُُ بَيْعِ الْفِضَّةِ بالْفِضَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع الْفضة بِالْفِضَّةِ مَا حكمه؟ يَعْنِي، يجوز متساويتين فِي الْمجْلس.



[ قــ :2093 ... غــ :2176 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثنا عَمِّي قَالَ حدَّثنا ابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ عنْ عَمِّهِ قَالَ حدَّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ أَبَا سَعِيدٍ حدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حدِيثا عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَقِيَهُ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ فَقَالَ يَا أبَا سعِيدٍ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو سَعِيدٍ فِي الصَّرْفِ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ الذَّهَبُ بالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ والوَرِقُ بالوَرِق مثْلاً بِمِثْلٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَالْوَرق بالورق مثلا بِمثل) وَالْوَرق، بِكَسْر الرَّاء: الْفضة.

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّانِي: عَمه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم.
الرَّابِع: عَمه مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: سَالم بن عبد الله بن عمر.
السَّادِس: عبد الله ابْن عمر بن الْخطاب.
السَّابِع: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه سعد بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: اللقى.
وَفِيه: السماع وَهُوَ عَمه.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رجال الْإِسْنَاد كلهم مدنيون وَأَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَابْن أخي الزُّهْرِيّ كلهم زهريون، وَأَن شَيْخه مَاتَ بِبَغْدَاد سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن عَمه فِي موضِعين.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن أَبِيه الصَّحَابِيّ وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

قَوْله: ( إِن أَبَا سعيد حَدثهُ) ، أَي: حدث عبد الله بن عمر.
قَوْله: ( مثل ذَلِك) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مثل حَدِيث أبي بكرَة فِي وجوب الْمُسَاوَاة.
فَإِن قلت: مَا وَجه: فَلَقِيَهُ، إِذْ الْكَلَام يتم بِدُونِهِ؟ قلت: يَعْنِي: فَلَقِيَهُ بعد ذَلِك مرّة أُخْرَى.
انْتهى.
وَقيل: هَذَا الحَدِيث أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من وَجْهَيْن: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم شيخ شيخ البُخَارِيّ بِلَفْظ: إِن أَبَا سعيد حَدثهُ حَدِيثا مثل حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصّرْف، قَالَ أَبُو سعيد ... فَذكره، فَظهر بِهَذِهِ الرِّوَايَة معنى قَوْله: مثل ذَلِك، أَي: مثل حَدِيث عمر، أَي: حَدِيث عمر الْمَاضِي قَرِيبا فِي قصَّة طَلْحَة بن عبيد الله.
انْتهى.
قلت: حَدِيث عمر الَّذِي ذكره مضى فِي: بابُُ مَا يذكر فِي بيع الطَّعَام، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أقرب لِأَنَّهُ مَذْكُور فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، وَلَيْسَ بَينهمَا بابُُ آخر.
قَوْله: ( مَا هَذَا؟) أَي: مَا هَذَا الَّذِي تحدثه؟ وَإِنَّمَا قَالَ: مَا هَذَا؟ لِأَنَّهُ كَانَ يعْتَقد قبل ذَلِك جَوَاز المفاضلة.
قَوْله: ( فِي الصّرْف) أَي: فِي شَأْن الصّرْف، وَهُوَ بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ.
قَوْله: ( الذَّهَب بِالذَّهَب) ، يجوز فِي الذَّهَب الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: الذَّهَب يُبَاع بِالذَّهَب، أَو يكون مَرْفُوعا بِإِسْنَاد الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِلَيْهِ تَقْدِيره: يُبَاع الذَّهَب، وَأما النصب فعلى أَنه مفعول لفعل مُقَدّر تَقْدِيره: بيعوا الذَّهَب بِالذَّهَب، وَقَوله: الذَّهَب يتَنَاوَل جَمِيع أَنْوَاعه من مَضْرُوب وَغير مَضْرُوب، وصحيح ومكسور، وجيد ورديء.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وخالص ومغشوش، قلت: قَوْله: ومغشوش، لَيْسَ على إِطْلَاقه، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ غشه كثيرا غَالِبا على الذَّهَب يكون حكمه حكم الْعرُوض.
قَوْله: ( مثلا بِمثل) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع، مثل بِمثل، فوجهه بِإِسْنَاد الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِلَيْهِ تَقْدِيره: يُبَاع مثل بِمثل، وَأما وَجه النصب فعلى أَنه حَال تَقْدِيره: الذَّهَب يُبَاع بِالذَّهَب، حَال كَونهمَا متماثلين، يَعْنِي متساويين،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال، قلت: قَوْله: مصدر، لَيْسَ بِصَحِيح على مَا لَا يخفى.





[ قــ :094 ... غــ :177 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عَن أبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ولاَ تَبِيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقَ ألاَّ مِثْلاً بمِثْلٍ ولاَ تُشِفُّوا بَعْضَها عَلى بَعْضٍ وَلَا تبيعُوا مِنْها غائِبا بِناجِزٍ.
( انْظُر الحَدِيث 671 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا تَبِيعُوا الْوَرق بالورق) ، وَالْوَرق بِكَسْر الرَّاء هُوَ: الْفضة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك، وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَعَن شَيبَان بن فروخ، وَعَن أبي مُوسَى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن حميد بن مسْعدَة وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.

قَوْله: ( إلاَّ مِثلاً بِمثل) أَي: إلاَّ حَال كَونهمَا متماثلين، أَي: متساويين، قَوْله: ( وَلَا تشفوا) ، بِضَم التَّاء من الإشفاف، وَهُوَ التَّفْضِيل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ رباعي من أشف.
قلت: لَا، بل هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ، يُقَال: شف الدِّرْهَم يشف: إِذا زَاد، وَإِذا نقص، من الأضداد وأشفه غَيره يشفه، وَفِي الحَدِيث: نهى عَن شف مَا لم يضمن، بِكَسْر الشين، وَهُوَ الزِّيَادَة وَالرِّبْح.
قَوْله: ( بناجز) ، من النجز، بالنُّون وَالْجِيم وَالزَّاي، وَالْمرَاد: بالغائب الْمُؤَجل، وبالناجز الْحَاضِر يَعْنِي: لَا بُد من التَّقَابُض فِي الْمجْلس.

وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: حجَّة للشَّافِعِيّ فِي قَوْله: من كَانَ لَهُ على آخر دَرَاهِم وَالْآخر عَلَيْهِ دَنَانِير لم يجز أَن يقاضي أَحدهمَا الآخر بِمَالِه، لِأَنَّهُ يدْخل فِي معنى بيع الذَّهَب بالورق دينا، لِأَنَّهُ إِذا لم يجز غَائِب بناجز فأحرى أَن لَا يجوز غَائِب بغائب.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر، قَالَ: كنت أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ فأبيع بِالدَّنَانِيرِ فآخذ مَكَانهَا الْوَرق، وأبيع بالورق فآخذ مَكَانهَا الدَّنَانِير، فَأتيت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَجَدته خَارِجا من بَيت حَفْصَة، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ.
قلت: قَالَ ابْن بطال: لَا يدْخل هَذَا فِي بيع الذَّهَب بالورق دينا، لِأَن النَّهْي الَّذِي بِقَبض الدَّرَاهِم عَن الدَّنَانِير لم يقْصد إِلَى التَّأْخِير فِي الصّرْف.
قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إلاَّ من حَدِيث سماك بن حَرْب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر، وروى دَاوُد عَن أبي هِنْد هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر مَوْقُوفا، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم أَنه لَا بَأْس أَن يقبض عَن الذَّهَب من الْوَرق وَالْوَرق من الذَّهَب، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقد كره بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم ذَلِك.



( بابُُ بَيْعِ الدِّينارِ بالدِّينارِ نَسَاءً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع الدِّينَار بالدينار حَال كَونه نسَاء، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة وبالمد.
وَمَعْنَاهُ: مُؤَخرا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: النِّسَاء التَّأْخِير، يُقَال: نسأت الشَّيْء نسَاء وأنسأته إنساء.
قلت: مادته من: النُّون وَالسِّين والهمزة، وَفِي الحَدِيث: من أحب أَن ينسأ فِي أَجله.
.
أَي: يُؤَخر.



[ قــ :094 ... غــ :179 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ دِينارٍ أنَّ أَبَا صالِحٍ الزَّيَّاتَ أخبَرَهُ أنَّه سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ الدِّينارُ بالدِّينَارِ والدِّرْهَمُ بالدِّرْهَمِ فَقُلْتُ لَهُ فإنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ فقالَ أبُو سَعِيدٍ سألْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ الله قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لاَ أقُولُ وأنْتُمْ أعْلَمُ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنِّي وَلَكِنَّنِي أَخْبرنِي أُسامَةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا رِبا إلاَّ فِي النَّسِيئَةِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الدِّينَار بالدينار) .

ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، حدث عَنهُ بالواسطة وَفِي مَوَاضِع أخر حدث عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة.
الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: عَمْرو بن دِينَار.
الْخَامِس: أَبُو صَالح، واسْمه: ذكْوَان الزيات السمان، كَانَ يجلب الزَّيْت وَالسمن إِلَى الْكُوفَة.
السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه: سعد بن مَالك.
السَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس.
الثَّامِن: أُسَامَة ابْن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: القَوْل فِي سَبْعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَالضَّحَّاك بصريان، وَابْن جريج وَعَمْرو مكيان، وَأَبُو صَالح مدنِي سكن الْكُوفَة.
وَفِيه: ثَلَاثَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَمُحَمّد بن عباد وَابْن أبي عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.
خمستهم عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَنهُ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم بالدرهم) ، كَذَا وَقع فِي هَذَا الطَّرِيق، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي صَالح قَالَ: ( سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم بالدرهم.
مثل بِمثل، من زَاد أَو أزداد فقد أربى، فَقلت: أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي يَقُول؟ أَشَيْء سمعته من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أَو وجدته فِي كتاب الله تَعَالَى؟ فَقَالَ: لم أسمعهُ من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم أَجِدهُ فِي كتاب الله تَعَالَى، وَلَكِن حَدثنِي أُسَامَة بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الرِّبَا فِي النَّسِيئَة)
.
قَوْله: ( إِن ابْن عَبَّاس لَا يَقُول) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( يَقُول غير هَذَا) ، قَوْله: ( قَالَ أَبُو سعيد: سَأَلته) وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( قد لقِيت ابْن عَبَّاس، فَقلت لَهُ) .
قَوْله: ( كل ذَلِك) ، بِالرَّفْع، أَي: لم يكن لَا السماع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا الوجدان فِي كتاب الله تَعَالَى، وَيجوز بِالنّصب على أَنه مفعول مقدم وفاعله.
قَوْله: ( لَا أَقُول) ، وَالْفرق بَين الإعرابين أَن الْمَرْفُوع هُوَ السَّلب الْكُلِّي، والمنصوب لسلب الْكل، وَالْأول أبلغ وأعم وَإِن كَانَ أخص من وَجه آخر.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( لم أسمعهُ من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم أَجِدهُ فِي كتاب الله تَعَالَى) .
كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: عَن عَطاء أَن أَبَا سعيد لَقِي ابْن عَبَّاس فَذكر نَحوه، وَفِيه: ( فَقَالَ كل: لَا أَقُول: أما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْتم أعلم بِهِ، وَأما كتاب الله فَلَا أعلمهُ) .
أَي: لَا أعلم هَذَا الحكم فِيهِ.
وَمعنى قَوْله: أَنْتُم أعلم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنكم كُنْتُم بالغين كَامِلين عِنْد مُلَازمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا كنت صَغِيرا.
قَوْله: ( لَا رَبًّا إلاَّ فِي النَّسِيئَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: الرِّبَا فِي النَّسِيئَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة، وَفِي رِوَايَة عَطاء عَنهُ: ألاَ إِنَّمَا الرِّبَا، وَفِي رِوَايَة طَاوُوس عَنهُ: لَا رَبًّا فِيمَا كَانَ يدا بيد، وروى الْحَاكِم من طَرِيق حبَان الْعَدوي، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: سَأَلت أَبَا مجلز عَن الصّرْف، فَقَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس لَا يرى بِهِ بَأْسا زَمَانا من عمره، مَا كَانَ مِنْهُ عينا بِعَين يدا بيد، وَكَانَ يَقُول: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة، فَلَقِيَهُ أَبُو سعيد بِالشَّعِيرِ، فَذكر الْقِصَّة، والْحَدِيث، وَفِيه: التَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ يدا بيد مثلا بِمثل، فَمن زَاد فَهُوَ رَبًّا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: اسْتغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ.
فَكَانَ ينْهَى عَنهُ أَشد النَّهْي.

وَاتفقَ الْعلمَاء على صِحَة حَدِيث أُسَامَة وَاخْتلفُوا فِي الْجمع ببينه وَبَين حَدِيث أبي سعيد، فَقيل: مَنْسُوخ، وَقيل: معنى لَا رَبًّا لَا رَبًّا أغْلظ شَدِيد التَّحْرِيم المتوعد عَلَيْهِ بالعقاب الشَّديد، كَمَا تَقول الْعَرَب: لَا عَالم فِي الْبَلَد إلاَّ زيد، مَعَ أَن فِيهَا عُلَمَاء غَيره، وَإِنَّمَا الْقَصْد نفي الْأَكْمَل، لَا نفي الأَصْل، وَأَيْضًا فنفي تَحْرِيم رَبًّا الْفضل من حَدِيث أُسَامَة إِنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ، فَيقدم عَلَيْهِ حَدِيث أبي سعيد، لِأَن دلَالَته بالمنطوق، وَيحمل حَدِيث أُسَامَة على الرِّبَا الْأَكْبَر.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: معنى حَدِيث أُسَامَة: لَا رَبًّا إلاَّ فِي النَّسِيئَة، إِذا اخْتلف أَنْوَاع الْمَبِيع، وَالْفضل فِيهِ يدا بيد رَبًّا، جمعا بَينه وَبَين حَدِيث أبي سعيد.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا التلفيق بَين حَدِيث أُسَامَة وَحَدِيث أبي سعيد؟ قلت: الْحصْر إِنَّمَا يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف اعْتِقَاد السَّامع، فَلَعَلَّهُ كَانَ يعْتَقد الرِّبَا فِي غير الْجِنْس حَالا، فَقيل: ردا لاعْتِقَاده لَا رَبًّا إلاَّ فِي النَّسِيئَة، أَي: فِيهِ مُطلقًا، وَقد أَوله الْعلمَاء بِأَنَّهُ مَحْمُول على غير الربويات، وَهُوَ كَبيع الدّين بِالدّينِ مُؤَجّلا، بِأَن يكون لَهُ ثوب مَوْصُوف فيبيعه بِعَبْد مَوْصُوف مُؤَجّلا، وَإِن بَاعه بِهِ حَالا يجوز أَو مَحْمُول على الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة فَإِنَّهُ لَا رَبًّا فِيهَا من حَيْثُ التَّفَاضُل، بل يجوز مُتَفَاضلا يدا بيد، وَهُوَ مُجمل.
وَحَدِيث أبي سعيد مُبين، فَوَجَبَ الْعَمَل بالمبين وتنزيل الْمُجْمل عَلَيْهِ، أَو: هُوَ مَنْسُوخ، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على ترك الْعَمَل بِظَاهِرِهِ.



( بابُُ بَيْع الوَرَقِ بالذَّهَبِ نَسيئَةً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع الْوَرق أَي: الْفضة بِالذَّهَب حَال كَونه نَسِيئَة، أَي: مُؤَجّلا.



[ قــ :094 ... غــ :181 ]
- حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرنِي حَبِيبُ بنُ أبي ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا المِنْهَالِ قَالَ سألْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ وزَيْدَ بنَ أرْقَمَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ عنِ الصَّرْف فَكُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا خَيْرٌ مِنِّي فَكِلاَهُمَا يَقُولُ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالوَرِقِ دَيْنا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بالورق دينا، أَي: نَسِيئَة.
فَإِن قلت: كَيفَ هَذِه الْمُطَابقَة والترجمة بيع الْوَرق بِالذَّهَب والْحَدِيث عَكسه، وَهُوَ: بيع الذَّهَب بالورق؟ قلت: الْبَاء تدخل على الثّمن إِذا كَانَ العوضان غير النَّقْدَيْنِ اللَّذين هما للثمنية، أما إِذا كَانَا نقدين فَلَا تفَاوت فِي أَيهمَا دخلت، فهما فِي الْمَعْنى سَوَاء.
وَقد مضى الحَدِيث فِي: بابُُ التِّجَارَة فِي الْبر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْفضل بن يَعْقُوب عَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار وعامر بن مُصعب، كِلَاهُمَا عَن أبي الْمنْهَال يَقُول: سَأَلت الْبَراء بن العازب وَزيد بن أَرقم ... الحَدِيث.

قَوْله: ( عَن الصّرْف) أَي: بيع الدَّرَاهِم بِالذَّهَب أَو عَكسه.
قَوْله: ( هَذَا خير مني) ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان، قَالَ: والقَ زيد بن أَرقم فَاسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ أعظمنا تِجَارَة، فَسَأَلته الحَدِيث.

وَفِي الحَدِيث: مَا كَانَت الصَّحَابَة عَلَيْهِ من التَّوَاضُع، وإنصاف بَعضهم بَعْضًا، وَمَعْرِفَة بَعضهم حق الآخر.