فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب أو الفضة

( بابُُ بيع الثَّمر على رُؤْس النّخل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع الثَّمر بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم المفتوحتين قَوْله " على رُؤُوس النّخل " جملَة وَقعت حَالا من الثَّمر وَالْبَاء فِي بِالذَّهَب تتَعَلَّق بِلَفْظ بيع الثَّمر وَذكر الذَّهَب وَالْفِضَّة لَيْسَ بِقَيْد لِأَنَّهُ يجوز بَيْعه بالعروض أَيْضا وَلَكِن لما كَانَ غَالب مَا يتعامل بِهِ النَّاس هُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَلذَلِك ذكرهمَا وَأَيْضًا فِيهِ اتِّبَاع لظَاهِر لفظ الحَدِيث لِأَن الْمَذْكُور فِيهِ الدِّينَار وَالدِّرْهَم وهما الذَّهَب وَالْفِضَّة

[ قــ :2105 ... غــ :2189 ]
- ( حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا ابْن وهب قَالَ أخبرنَا ابْن جريج عَن عَطاء وَأبي الزبير عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الثَّمر حَتَّى يطيب وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم إِلَّا الْعَرَايَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم " وهما الذَّهَب وَالْفِضَّة ( فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث ذكر رُؤْس النّخل ( قلت) المُرَاد من قَوْله بيع الثَّمر أَي الثَّمر الْكَائِن على رُؤْس الشّجر يدل عَلَيْهِ قَوْله حَتَّى يطيب فَإِن الثَّمر الَّذِي هُوَ الرطب لَا يطيب إِلَّا على رُؤْس الشّجر وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي وَلكنه سكن مصر سمع عبد الله بن وهب وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز وَقد تكَرر ذكره وَأَبُو الزبير بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس بِلَفْظ مُخَاطب مضارع الدَّرْس والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع أَيْضا عَن إِسْحَق بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن هِشَام بن عمار قَوْله " عَن عَطاء وَأبي الزبير " كَذَا جمع بَينهمَا عبد الله بن وهب وَتَابعه أَبُو عَاصِم عِنْد مُسلم وَيحيى بن أَيُّوب عِنْد الطَّحَاوِيّ كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عِنْد مُسلم عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عَطاء قَوْله " عَن جَابر " وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم الْمَذْكُور أَنَّهُمَا سمعا جَابر بن عبد الله قَوْله " عَن بيع الثَّمر " بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي الرطب قَوْله " حَتَّى يطيب " أَي طعمه وَالْغَرَض مِنْهُ أَن يَبْدُو صَلَاحه قَوْله " وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ " أَي من الثَّمر قَوْله " إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم " وَقد ذكرنَا الْآن وَجه ذكرهمَا قَوْله " إِلَّا الْعَرَايَا " أَي إِلَّا الْعَرَايَا بالابتياع بالدينار وَالدِّرْهَم ويفسر هَذَا رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب فَإِن فِي رِوَايَته " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِيهَا " أَي فِي الْعَرَايَا وَهِي بيع الرطب فِيهَا بعد أَن يخرص وَيعرف قدره بِقدر ذَلِك من التَّمْر وَقد مر أَن قوما مِنْهُم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة احْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله على عدم جَوَاز بيع الثِّمَار على رُؤْس النّخل حَتَّى تحمر أَو تصفر وَأَجَازَ ذَلِك قوم بعد ظُهُورهَا وَمِنْهُم أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَصْحَابه.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر ادّعى الْكُوفِيُّونَ أَن بيع الْعَرَايَا مَنْسُوخ بنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَهَذَا مَرْدُود لِأَن الَّذِي روى النَّهْي عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ هُوَ الَّذِي روى الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا.

     وَقَالَ  بَعضهم وَرِوَايَة سَالم الْمَاضِيَة فِي الْبابُُ الَّذِي قبله تدل على أَن الرُّخْصَة فِي بيع الْعَرَايَا وَقع بعد النَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر وَلَفظه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ قَالَ وَعَن زيد بن ثَابت أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص بعد ذَلِك فِي بيع الْعرية وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لفظ الرُّخْصَة فَإِنَّهَا تكون بعد منع انْتهى قلت أما قَول ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ مَرْدُود لِأَن رِوَايَة من روى النَّهْي عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وروى الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا لَا يسْتَلْزم منع النّسخ على أَنا قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن هَذَا النَّقْل عَن الْكُوفِيّين الْحَنَفِيَّة غير صَحِيح وَأما قَول هَذَا الْقَائِل الَّذِي قَالَ وَرِوَايَة مُسلم إِلَى آخِره فقد روينَاهُ فِيمَا مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله وَلِأَن هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على حكمين مقرونين أَحدهمَا النَّهْي عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَالْآخر الترخيص فِي الْعَرَايَا وَلَا يلْزم من ذكرهمَا مقرونين أَن يكون حكمهمَا وَاحِدًا ثمَّ خرج أَحدهمَا عَن الآخر لِأَن كلا مِنْهُمَا كَلَام مُسْتَقل بِذَاتِهِ وَقد يقرن الشَّيْء بالشَّيْء وحكمهما مُخْتَلف ونظائر هَذَا كَثِيرَة وَقد ذكر أهل التَّحْقِيق من الْأُصُولِيِّينَ أَن من الْعَمَل بالوجوه الْفَاسِدَة مَا قَالَ بَعضهم أَن الْقرَان فِي النّظم يُوجب الْقرَان فِي الحكم وَقَول زيد بن ثَابت أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي بيع الْعرية كَلَام تَامّ لَا يفْتَقر إِلَى مَا يتم بِهِ.
فَإِن قلت الِاسْتِثْنَاء فِي الحَدِيث يَقْتَضِي أَن الْعَرَايَا قد خرجت من صدر الْكَلَام فَيَقْتَضِي أَن تكون الرُّخْصَة بعد الْمَنْع قلت الِاسْتِثْنَاء من قَوْله وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم وَلم تكن الْعرية دَاخِلَة فِي صدر الْكَلَام الَّذِي هُوَ النَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر لِأَنَّهَا عَطِيَّة وَهبة فَلَا تدخل تَحت البيع حَتَّى يسْتَثْنى مِنْهُ وَلما لم يكن بيعا بَين بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنه لَا يَجْعَل فِيهَا الدِّينَار وَالدِّرْهَم كَمَا فِي البيع وَالدَّلِيل على كَونهَا هبة مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عون قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى البايع والمبتاع عَن الْمُزَابَنَة قَالَ.

     وَقَالَ  زيد بن ثَابت رخص فِي الْعَرَايَا فِي النَّخْلَة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تَمرا وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكَبِير ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ فَهَذَا زيد بن ثَابت وَهُوَ أحد من روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّخْصَة فِي الْعرية فقد أخبر أَنَّهَا الْهِبَة.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَقد روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " خففوا فِي الصَّدقَات فَإِن فِي المَال الْعرية وَالْوَصِيَّة " حَدثنَا بذلك أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا أَبُو عمر الضَّرِير قَالَ أخبرنَا جرير بن خازم قَالَ سَمِعت قيس بن سعد يحدث عَن مَكْحُول الشَّامي عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَدلَّ على أَن الْعرية إِنَّمَا هِيَ شَيْء يملكهُ أَرْبابُُ الْأَمْوَال قوما فِي حياتهم كَمَا يملكُونَ الْوَصَايَا بعد مماتهم قلت إِسْنَاده صَحِيح وَهُوَ مُرْسل والمرسل حجَّة عندنَا فَإِن قلت زيد بن ثَابت سمى الْعرية بيعا حَيْثُ قَالَ وَرخّص بعد ذَلِك فِي بيع الْعرية قلت سَمَّاهَا بيعا لتصورها بِصُورَة البيع لَا أَنَّهَا بيع حَقِيقَة لِانْعِدَامِ الْقَبْض وَلِأَنَّهَا لَو جعلت بيعا حَقِيقَة لَكَانَ بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَى أجل وَأَنه لَا يجوز بِلَا خلاف وَقد ذكرنَا هَذَا مرّة فِيمَا مضى



[ قــ :106 ... غــ :190 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ سَمِعت مَالِكًا وَسَأَلَهُ عبيد الله بن الرّبيع قَالَ أحَدثك دَاوُد عَن أبي سُفْيَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو دون خَمْسَة أوسق قَالَ نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الحَدِيث السَّابِق فِيهِ ذكر الْعَرَايَا وَهَذَا الحَدِيث فِي الْعَرَايَا فَهُوَ مُطَابق لَهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة والمطابق للمطابق مُطَابق لذَلِك المطابق والْحَدِيث السَّابِق فِيهِ ذكر الْعَرَايَا مُطلقًا وَهَذَا الحَدِيث يشْعر أَن المُرَاد من ذَلِك الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد بِخَمْسَة أوسق كَمَا يَجِيء بَيَانه مفصلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الثَّانِي مَالك بن أنس الثَّالِث عبيد الله بتصغير العَبْد ابْن الرّبيع وَكَانَ الرّبيع حَاجِب للخليفة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَهُوَ وَالِد الْفضل وَزِير الْخَلِيفَة هرون الرشيد الرَّابِع دَاوُد بن الْحصين بِضَم الْحَاء وَقد مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله الْخَامِس أَبُو سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد وَقد مضى هُوَ أَيْضا مَعَ دَاوُد هُنَاكَ السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد بِصِيغَة الِاسْتِفْهَام فِي مَوضِع وَفِيه السماع وَالسُّؤَال وَهُوَ إِطْلَاق السماع على مَا قرىء على الشَّيْخ فَأقر بِهِ بقوله نعم والاصطلاح عِنْد الْمُحدثين على أَن السماع مَخْصُوص بِمَا حدث بِهِ الشَّيْخ لفظا وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي وَدَاوُد وَأَبُو سُفْيَان مدنيان وَقد ذكرنَا أَنه لَيْسَ لداود وَلَا لأبي سُفْيَان حَدِيث فِي البُخَارِيّ سوى حديثين أَحدهمَا هَذَا وَالْآخر عَن أبي سعيد الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الَّذِي قبله ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن القعْنبِي وَيحيى بن يحيى كِلَاهُمَا عَن مَالك بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن أبي كريب عَن زيد بن وهب كِلَاهُمَا عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الشُّرُوط عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " رخص " بِالتَّشْدِيدِ من الترخيص كَذَا هُوَ عِنْد الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني أرخص من الأرخاص قَوْله " فِي بيع الْعَرَايَا " أَي فِي بيع ثَمَر الْعَرَايَا لِأَن الْعَرَايَا هِيَ النّخل قَوْله " فِي خَمْسَة أوسق " وَهُوَ وسق بِفَتْح الْوَاو وَقيل بِالْكَسْرِ أَيْضا وَالْفَتْح أفْصح وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا وَهُوَ ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ رطلا عِنْد أهل الْحجاز وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ رطلا عِنْد أهل الْعرَاق على اخْتلَافهمْ فِي مِقْدَار الصَّاع وَالْمدّ وَالْأَصْل فِي الوسق الْحمل وكل شَيْء وسقته فقد حَملته قَوْله " أَو دون خَمْسَة أوسق " شكّ من الرَّاوِي وَقد بَينه مُسلم فِي رِوَايَته أَن الشَّك من دَاوُد بن الْحصين وَلَفظه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة شكّ دَاوُد قَالَ خَمْسَة أَو دون خَمْسَة والْحَدِيث رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا حَدثنَا ابْن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا القعْنبِي وَعُثْمَان بن عمر قَالَا حَدثنَا مَالك بن أنس عَن دَاوُد بن الْحصين عَن أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو فِيمَا دون خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد فِي خَمْسَة أَو فِيمَا دون خَمْسَة قَوْله " قَالَ نعم " الْقَائِل هُوَ مَالك وَهَذَا التَّحَمُّل يُسمى عرض السماع وَكَانَ مَالك يختاره على التحديث فِي لَفظه وَاخْتلف المحدثون فِيمَا إِذا سكت الشَّيْخ فَالصَّحِيح أَنه ينزل منزلَة الْإِقْرَار إِذا كَانَ عَارِفًا وَلم يمنعهُ مَانع وَالْأولَى أَن يَقُول نعم لما فِيهِ من قطع النزاع ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن قدامَة فِي الْمُغنِي الْعَرَايَا لَا تجوز إِلَّا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق وَبِهَذَا قَالَ ابْن الْمُنْذر وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الآخر تجوز فِي الْخَمْسَة وَرَوَاهُ الْجوزجَاني عَن إِسْمَاعِيل بن سعيد عَن أَحْمد واتفقا على أَنَّهَا لَا تجوز فِي الزِّيَادَة على خَمْسَة أوسق.

     وَقَالَ  أَيْضا إِنَّمَا يجوز بيعهَا بِخرْصِهَا من التَّمْر لَا أقل مِنْهُ وَلَا أَكثر وَيجب أَن يكون التَّمْر الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ مَعْلُوما بِالْكَيْلِ وَلَا يجوز جزَافا وَلَا نعلم فِي هَذَا عِنْد من أَبَاحَ بيع الْعَرَايَا اخْتِلَافا وَاخْتلف فِي معنى خرصها من التَّمْر فَقيل مَعْنَاهُ أَن يطِيف الخارص بالعرية فَينْظر كم يَجِيء مِنْهَا تَمرا فيشتريها بِمثلِهِ من التَّمْر وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَنقل حَنْبَل عَن أَحْمد أَنه قَالَ بِخرْصِهَا رطبا وَيُعْطِي تَمرا وَلَا يجوز أَن يَشْتَرِيهَا بِخرْصِهَا رطبا وَهُوَ أحد الْوُجُوه لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَالثَّانِي يجوز وَالثَّالِث يجوز مَعَ اخْتِلَاف النَّوْع وَلَا يجوز مَعَ اتفاقه وَلَا يجوز بيعهَا إِلَّا لمحتاج إِلَى أكلهَا رطبا وَلَا يجوز بيعهَا لَغَنِيّ وَهَذَا أحد قولي الشَّافِعِي وأباحها فِي القَوْل الآخر مُطلقًا للغني والمحتاج وَلَا يجوز بيعهَا فِي غير النّخل وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث.

     وَقَالَ  القَاضِي يجوز فِي بَقِيَّة الثِّمَار من الْعِنَب والتين وَغَيرهمَا وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِي فِي النّخل وَالْعِنَب دون غَيرهمَا انْتهى.

     وَقَالَ  القَاضِي قَوْله فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق مَا يدل أَنه يخْتَص بِمَا يوسق ويكال.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَالَ الشَّافِعِي الأَصْل تَحْرِيم بيع الْمُزَابَنَة وَجَاءَت الْعَرَايَا رخصَة والراوي شكّ فِي الْخَمْسَة فَوَجَبَ الْأَخْذ بِالْيَقِينِ وَطرح الْمَشْكُوك فَبَقيت الْخَمْسَة على التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ الأَصْل انْتهى ( قلت) يرد عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد والطَّحَاوِي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن الْوَاسِع بن حبَان عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي الْعرية فِي الوسق والوسقين وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة.

     وَقَالَ  فِي كل عشرَة أقناء قنو يوضع فِي الْمَسْجِد للْمَسَاكِين هَذَا لفظ الطَّحَاوِيّ والأقناء جمع قنو بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون النُّون وَهُوَ العذق بِمَا فِيهِ من الرطب.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ ذهب ابْن الْمُنْذر إِلَى تَحْدِيد ذَلِك بأَرْبعَة أوسق لوروده فِي حَدِيث جَابر من غير شكّ فِيهِ فَتعين طرح الرِّوَايَة الَّتِي وَقع فِيهَا الشَّك وَالْأَخْذ بالرواية المتيقنة قَالَ وألزم الْمُزنِيّ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ القَوْل بِهِ انْتهى ( قلت) الْإِلْزَام مَوْجُود فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد والطَّحَاوِي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيْضا.

     وَقَالَ  بَعضهم وَفِيمَا نَقله الْمَازرِيّ نظر لِأَن مَا نَقله لَيْسَ فِي شَيْء من كتب ابْن الْمُنْذر انْتهى ( قلت) هَذِه مدافعة بِغَيْر وَجه لِأَنَّهُ لَا يلْزم من نفي كَون هَذَا فِي كتبه بِدَعْوَاهُ أَن يرد مَا نَقله الْمَازرِيّ لِإِمْكَان اطِّلَاعه فِيمَا لم يطلع عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِل وَاحْتج بعض الْمَالِكِيَّة بِأَن لَفْظَة دون خَمْسَة أوسق صَالِحَة لجَمِيع مَا تَحت الْخَمْسَة فَلَو علمنَا بهَا للَزِمَ رفع هَذِه الرُّخْصَة ورد بِأَن الْعَمَل بهَا مُمكن بِأَن يحمل على أقل مَا تصدق عَلَيْهِ قيل وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيَّة



[ قــ :107 ... غــ :191 ]
- ( حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ قَالَ يحيى بن سعيد سَمِعت بشيرا قَالَ سَمِعت سهل بن أبي حثْمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَرخّص فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا يأكلها أَهلهَا رطبا.

     وَقَالَ  سُفْيَان مرّة أُخْرَى إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية يَبِيعهَا أَهلهَا بِخرْصِهَا يأكلونها رطبا قَالَ هُوَ سَوَاء قَالَ سُفْيَان فَقلت ليحيى وَأَنا غُلَام إِن أهل مَكَّة يَقُولُونَ إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص لَهُم فِي بيع الْعَرَايَا فَقَالَ وَمَا يدْرِي أهل مَكَّة قلت إِنَّهُم يَرْوُونَهُ عَن جَابر فَسكت قَالَ سُفْيَان إِنَّمَا أردْت أَن جَابِرا من أهل الْمَدِينَة قيل لِسُفْيَان وَلَيْسَ فِيهِ نهي عَن بيع الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه قَالَ لَا)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله نهى عَن بيع الثَّمر بالثاء الْمُثَلَّثَة بِالتَّمْرِ وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء ابْن يسَار بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة ضد الْيَمين الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ وَقد مر فِي كتاب الْوضُوء فِي بابُُ من تمضمض من السويق وَسَهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ سهل بن أبي حثْمَة واسْمه عَامر بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ وكنيته أَبُو يحيى وَقيل أَبُو مُحَمَّد والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّرْب عَن زَكَرِيَّا عَن أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير عَن بشير بن يسَار عَن رَافع وَسَهل بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَالْحسن بن عَليّ والقعنبي وقتيبة وَمُحَمّد بن رمح وَمُحَمّد بن الْمثنى وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن الْحُسَيْن بن عِيسَى وَفِيه وَفِي الشُّرُوط عَن عبد الله بن مُحَمَّد قَوْله " قَالَ قَالَ يحيى " وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبابُُ مَا يدل على أَن سُفْيَان صرح بتحديث يحيى بن سعيد لَهُ بِهِ قَوْله " سَمِعت سهل بن أبي حثْمَة " وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث الْوَلِيد بن كثير عَن بشير بن يسَار بن رَافع بن خديج وَسَهل بن حثْمَة حدّثنَاهُ وَفِي رِوَايَة لمُسلم من طَرِيق سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سهل بن أبي حثْمَة قَوْله " أَن تبَاع " بدل من الْعَارِية قَوْله " بِخرْصِهَا " قد ذكرنَا عَن قريب أَنه بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا وَأنكر ابْن الْعَرَبِيّ الْفَتْح وجوزهما النَّوَوِيّ قَالَ وَمَعْنَاهُ بِقدر مَا فِيهَا إِذا صَار تَمرا والخرص هُوَ التخمين والحدس قَوْله " رطبا " بِضَم الرَّاء.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وروى بِفَتْحِهَا فَهُوَ متناول للعنب.

     وَقَالَ  أهل النَّخْلَة هم البائعون لَا المُشْتَرِي والآكل هُوَ المُشْتَرِي لَا البَائِع ثمَّ قَالَ قلت الضَّمِير فِي يأكلها أَهلهَا رَاجع إِلَى الثِّمَار الَّتِي يدل عَلَيْهَا الْخرص وَأهل الثِّمَار هم المشترون وَذكر الْأكل لَيْسَ بِقَيْد بل هُوَ لبَيَان الْوَاقِع وَعَن أبي عبيد أَنه شَرطه قَوْله " هُوَ سَوَاء " أَي هَذَا القَوْل الأول سَوَاء بِلَا تفَاوت بَينهمَا إِذْ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي يأكلها عَائِد إِلَى الثِّمَار كَمَا فِي الأول وَالْمَرْفُوع إِلَى أهل المخروص فحاصلها وَاحِد وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِسَوَاء الْمُسَاوَاة بَين الثَّمر وَالرّطب على تَقْدِير الْجَفَاف قَوْله " قَالَ سُفْيَان مرّة أُخْرَى " إِلَى آخِره هُوَ من كَلَام عَليّ بن عبد الله وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالْغَرَض أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة حَدثهمْ بِهِ مرَّتَيْنِ على لفظين وَالْمعْنَى وَاحِد قيل أَشَارَ بقوله هُوَ سَوَاء إِلَيْهِ أَي الْمَعْنى وَاحِد قَوْله " قَالَ سُفْيَان ليحيى " أَي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قلت ليحيى هُوَ ابْن سعيد الْمَذْكُور لما حَدثهُ بِهِ قَوْله " وَأَنا غُلَام " جملَة اسمية وَقعت حَالا وَفِيه أَشَارَ سُفْيَان إِلَى قدم طلبه وَأَنه كَانَ فِي سنّ الصبى يناظر شُيُوخه ويباحثهم قَوْله " وَمَا يدْرِي أهل مَكَّة " بِضَم الْيَاء وَأهل مَكَّة كَلَام إضافي مَنْصُوب بِهِ قَوْله " أَنهم " أَي أهل مَكَّة يروون هَذَا الحَدِيث عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " قَالَ سُفْيَان " أَي قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " إِنَّمَا أردْت " أَي إِنَّمَا كَانَ الْحَامِل لي على قولي ليحيى بن سعيد أَنهم يروون عَن جَابر أَن جَابِرا من أهل الْمَدِينَة فَرجع الحَدِيث إِلَى أهل الْمَدِينَة قَوْله " قيل لِسُفْيَان " بِلَفْظ قيل هُوَ عَليّ بن عبد الله الْمَذْكُور فِي أول الحَدِيث وَلَكِن لم يعرف الْقَائِل من هُوَ قَوْله " وَلَيْسَ فِيهِ " أَي فِي هَذَا الحَدِيث قَوْله " قَالَ لَا " أَي لَيْسَ فِيهِ نهي عَن بيع الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه وَإِن كَانَ هُوَ صَحِيحا من رِوَايَة غَيره