فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه

( بابٌُ لاَ يُذَابُ شَحْمُ المَيْتَةِ ولاَ يُباعُ ودَكُهُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا يذاب شَحم الْميتَة، وَلَا يذاب مَجْهُول من: يذيب إذابة، من ذاب الشيى ذوبا ضد: جمد قَوْله: ( ودكه) بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال، وَفِي ( الْمغرب) : الودك من اللَّحْم والشحم مَا يتحلب مِنْهُ، وَقَول الْفُقَهَاء: ودك الْميتَة من ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الودك: هُوَ دسم اللَّحْم ودهنه الَّذِي يسْتَخْرج مِنْهُ.

روَاهُ جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الْمَذْكُور من ترك إذابة شَحم الْميتَة وَترك بيع الودك جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا تَعْلِيق أسْندهُ البُخَارِيّ فِي بابُُ بيع الْميتَة والأصنام، يَأْتِي بعد ثَمَانِيَة أَبْوَاب.


[ قــ :2137 ... غــ :2223 ]
- ( حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قَالَ أَخْبرنِي طَاوس أَنه سمع ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول بلغ عمر أَن فلَانا بَاعَ خمرًا فَقَالَ قَاتل الله فلَانا ألم يعلم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قَاتل الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها فَبَاعُوهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها بِالْجِيم والْحميدِي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة هُوَ عبد الله بن الزبير ابْن عِيسَى الْقرشِي الْمَكِّيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَكَانَ الْحميدِي أثبت النَّاس وَفِيه.

     وَقَالَ  جالسته تسع عشرَة سنة أَو نَحْوهَا والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب واسحق بن إِبْرَاهِيم ثَلَاثَتهمْ عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ وَعَن أُميَّة بن بسطَام عَن يزِيد بن زُرَيْع وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الذَّبَائِح وَفِي التَّفْسِير عَن اسحق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ قَوْله " قَاتل الله فلَانا " قَالَ الْبَيْضَاوِيّ أَي عاداهم وَقيل قَتلهمْ فَأخْرج فِي صُورَة الْمُبَالغَة أَو عبر عَنهُ بِمَا هُوَ سَبَب عَنهُ فَمنهمْ بِمَا اخترعوا من الْحِيَل انتصبوا لمحاربة الله ومقاتلته وَمن قَاتله قَتله.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ قيل أَن الَّذِي فِيهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هَذَا القَوْل سَمُرَة فَإِنَّهُ خللها ثمَّ بَاعهَا وَكَيف يجوز على مثل سَمُرَة أَن يَبِيع عين الْخمر وَقد شاع تَحْرِيمهَا لكنه أول فِيهَا بِأَن خللها وَغير اسْمهَا كَمَا أولوه بالإذابة فِي الشَّحْم فعابه عمر على ذَلِك انْتهى قلت قَالَ مُسلم حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَاللَّفْظ لأبي بكر قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو وَعَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بلغ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن سَمُرَة بَاعَ خمرًا فَقَالَ قَاتل الله سَمُرَة ألم يعلم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها فَبَاعُوهَا " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزَّعْفَرَانِي عَن سُفْيَان وَزَاد فِي رِوَايَته سَمُرَة بن جُنْدُب.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ وَغَيره اخْتلف فِي تَفْسِيره بيع سَمُرَة الْخمر على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه أَخذهَا من أهل الْكتاب عَن قيمَة الْجِزْيَة فَبَاعَهَا مِنْهُم مُعْتَقدًا جَوَاز ذَلِك وَالثَّانِي أَن يكون بَاعَ الْعصير مِمَّن يَتَّخِذهُ خمرًا والعصير يُسمى خمرًا كَمَا يُسمى الْعِنَب بِهِ لِأَنَّهُ يؤول إِلَيْهِ قَالَ الْخطابِيّ وَلَا يظنّ بسمرة أَنه بَاعَ عين الْخمر بعد أَن شاع تَحْرِيمهَا وَإِنَّمَا بَاعَ الْعصير وَالثَّالِث أَن يكون خلل الْخمر وباعها لما ذكرنَا آنِفا.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه الْمدْخل يجوز أَن سَمُرَة علم بتحريمها وَلم يعلم بِحرْمَة بيعهَا وَلَو لم يكن كَذَلِك لما أقره عمر على عمله ولعزله لَو فعله عَن علم انْتهى وَهَذَا يرد قَول بَعضهم وَلم أر فِي شَيْء من الْأَخْبَار أَن سَمُرَة كَانَ واليا لعمر على شَيْء من أَعماله انْتهى لِأَن قَول الَّذِي اطلع على شَيْء حجَّة على قَول من يَدعِي عدم الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَأَيْضًا الدَّعْوَى بِعَدَمِ رُؤْيَة شَيْء فِي الْأَخْبَار الَّذِي نَقله غير وَاحِد من الْحفاظ غير مسموعة لِأَنَّهُ يبعد أَن يطلع أحد على جَمِيع مَا وَقع فِي قَضِيَّة من الْأَخْبَار قَوْله " قَاتل الله الْيَهُود " فسره البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي ذَر باللعنة وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ مَعْنَاهُ قَتلهمْ الله وَحكى عَن بَعضهم عاداهم وَالْأَصْل فِي فَاعل أَن يكون من اثْنَيْنِ وَرُبمَا يكون من وَاحِد مثل سَافَرت وطارقت قَوْله " فجملوها " بِالْجِيم أَي أذابوها يُقَال جمل الشَّحْم يجمله من بابُُ نصر ينصر إِذا أذابه وَمِنْه الْجَمِيل وَهُوَ الشَّحْم الْمُذَاب.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ وَمِنْه سمى الْجمال لِأَنَّهُ يكون عَن الشَّحْم وَلَيْسَ هَذَا بَين لِأَنَّهُ قد يكون بعد الهزال.

     وَقَالَ  بَعضهم وَجه تَشْبِيه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بيع الْمُسلمين الْخمر بِبيع الْيَهُودِيّ الْمُذَاب من الشَّحْم الِاشْتِرَاك فِي النَّهْي عَن تنَاول كل مِنْهُمَا قلت هَذَا لَا يُسمى تَشْبِيها لعدم شُرُوط التَّشْبِيه فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيل يَعْنِي بيع فلَان الْخمر مثل بيع الْيَهُودِيّ الشَّحْم الْمُذَاب وَالْمعْنَى حَال هَذَا الرجل الَّذِي بَاعَ الْخمر العجيبة الشَّأْن كَحال الْيَهُود الَّذين حرم عَلَيْهِم الشَّحْم ثمَّ جملوه فباعوه وعلماء الْبَيَان قد فرقوا بَين التَّشْبِيه والتمثيل وَجعلُوا لكل وَاحِد بابُُا مُفردا نعم إِذا كَانَ وَجه التَّشْبِيه منتزعا من أُمُور يُسمى تمثيلا كَمَا فِي تَشْبِيه { مثل الَّذِي حملُوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} فَإِن تَشْبِيه مثل الْيَهُود الَّذين كلفوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة ثمَّ لم يعملوا بذلك بِمثل الْحمار الْحَامِل للأسفار فَإِن وَجه التَّشْبِيه بَينهمَا وَهُوَ حرمَان الِانْتِفَاع بأبلغ نَافِع مَعَ الكد والتعب فِي استصحابه لَا يخفى كَونه منتزعا من عدَّة أُمُور.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا كل مَا حرم تنَاوله حرم بَيْعه قلت قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن هَذَا لَيْسَ بكلي فَإِن الْحَيَّة يحرم تنَاولهَا وَلَا يحرم بيعهَا للضَّرُورَة للتداوي.

     وَقَالَ  أَيْضا وَتَنَاول الْخمر وَالسِّبَاع وَغَيرهمَا مِمَّا حرم أكله إِنَّمَا يَتَأَتَّى بعد ذبحه وَهُوَ بِالذبْحِ يصير ميتَة لِأَنَّهُ لَا ذَكَاة لَهُ وَإِذا صارة ميتَة صَار نجسا وَلم يجز بَيْعه انْتهى قلت كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول هَذَا فِي مَذْهَبنَا لِأَن من لم يقف على مَذَاهِب الْعلمَاء فِي مثل هَذَا يعْتَقد أَنه أَمر مجمع عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن عندنَا مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا ذبح يطهر لَحْمه حَتَّى إِذا صلى وَمَعَهُ من ذَلِك أَكثر من قدر الدِّرْهَم تصح صلَاته وَلَو وَقع فِي المَاء لَا يُنجسهُ لِأَنَّهُ بالذكاة يطهر لِأَن الذَّكَاة أبلغ من الدّباغ فِي إِزَالَة الدِّمَاء والرطوبات.

     وَقَالَ  الْكَرْخِي كل حَيَوَان يطهر جلده بالدباع يطهر بالذكاة فَهَذَا يدل على أَنه يطهر لَحْمه وشحمه وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَفِي الْبَدَائِع الذَّكَاة تطهر المذكي بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إِلَّا الدَّم المسفوح هُوَ الصَّحِيح.

     وَقَالَ  ابْن بطال أجمع الْعلمَاء على تَحْرِيم بيع الْميتَة بِتَحْرِيم الله تَعَالَى لَهَا قَالَ تَعَالَى { حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَاعْترض بعض الْمَلَاحِدَة بِأَن الابْن إِذا ورث من أَبِيه جَارِيَة كَانَ الْأَب وَطئهَا فَإِنَّهَا تحرم على الابْن وَيحل لَهُ بيعهَا بِالْإِجْمَاع وَأكل ثمنهَا.

     وَقَالَ  القَاضِي هَذَا تمويه على من لَا علم عِنْده لِأَن جَارِيَة الْأَب لم يحرم على الابْن مِنْهَا غير الِاسْتِمْتَاع على هَذَا الْوَلَد دون غَيره من النَّاس وَيحل لهَذَا الابْن الِانْتِفَاع بهَا فِي جَمِيع الْأَشْيَاء سوى الِاسْتِمْتَاع وَيحل لغيره الِاسْتِمْتَاع وَغَيره بِخِلَاف الشحوم فَإِنَّهَا مُحرمَة الْمَقْصُود مِنْهَا وَهُوَ الْأكل مِنْهَا على جَمِيع الْيَهُود وَكَذَلِكَ شحوم الْميتَة مُحرمَة الْأكل على كل وَاحِد فَكَانَ مَا عدا الْأكل تَابعا بِخِلَاف مَوْطُوءَة الْأَب وَفِي الحَدِيث لعن العَاصِي الْمعِين وَلَكِن يحْتَمل أَن قَول عمر كَانَ للتغليظ لِأَن هَذَا كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد إِرَادَة الزّجر وَلَيْسَت على حَقِيقَتهَا وَفِيه إبِْطَال الْحِيَل والوسائل إِلَى الْمحرم وَفِيه تَحْرِيم بيع الْخمر.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر وَغَيره فِيهِ الْإِجْمَاع وشذ من قَالَ يجوز بيعهَا وَيجوز بيع العنقود المستحيل بَاطِنه خمرًا.

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ أَن الشَّيْء إِذا حرم عينه حرم ثمنه قلت هَذَا لَيْسَ بكلي.

     وَقَالَ  أَيْضا فِيهِ دَلِيل على أَن بيع الْمُسلم الْخمر من الذِّمِّيّ لَا يجوز وَكَذَا تَوْكِيل الذِّمِّيّ الْمُسلم فِي بيع الْخمر قلت لَا خلاف فِي المسئلة الأولى وَلَا فِي الثَّانِيَة وَلَكِن الْخلاف فِيمَا إِذا وكل الذِّمِّيّ الْمُسلم بِبيع الْخمر والْحَدِيث لَا يدل على مسئلة التَّوْكِيل من الْجَانِبَيْنِ وَفِيه اسْتِعْمَال الْقيَاس فِي الْأَشْبَاه والنظائر.

     وَقَالَ  بَعضهم وَاسْتدلَّ بِهِ على تَحْرِيم جثة الْكَافِر إِذا قَتَلْنَاهُ وَأَرَادَ الْكفَّار شِرَاءَهُ قلت وَجه هَذَا الِاسْتِدْلَال من هَذَا الحَدِيث غير ظَاهِرَة -


[ قــ :138 ... غــ :4 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيد بنَ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قاتَلَ الله يَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فباعُوهَا وأكلُوا أثْمانَهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان هُوَ: عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الْمدنِي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم بِإِسْنَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: ( يهود) يُغير تَنْوِين لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث، لِأَنَّهُ علم للقبيلة، ويروى: يهودا، بِالتَّنْوِينِ، وَوَجهه أَن يكون بِاعْتِبَار الْحَيّ فَيبقى بعلة وَاحِدَة فَيَنْصَرِف.

قَالَ أَبُو عَبدِ الله قاتَلَهُمُ الله لَعَنَهُمْ قُتِلَ لعِنَ الخَرَّاصُونَ.
الْكَذَّابُونَ
هَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه،.

     وَقَالَ : تَفْسِير قَاتلهم لعنهم، وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقوله تَعَالَى: { قتل الخراصون} ( الذاريات: 01) .
يَعْنِي: لعن الخراصون، وَهُوَ تَفْسِير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: قتل، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَنهُ فِي تَفْسِيره، والخراصون الكذابون، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن مُجَاهِد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي معنى اللَّعْن عَن قريب.