فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الإجارة إلى نصف النهار

( بابُُ الإجارَةِ إلَى نِصْفِ النَّهارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْإِجَارَة إِلَى نصف النَّهَار، يَعْنِي: من أول النَّهَار إِلَى نصفه، ثمَّ قَالَ بعد هَذَا الْبابُُ: بابُُ الْإِجَارَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر، ثمَّ قَالَ بعد بابُُ آخر: بابُُ الْإِجَارَة من الْعَصْر إِلَى اللَّيْل، وَهَذَا كُله فِي حكم يَوْم وَاحِد، وَأَرَادَ بذلك إِثْبَات صِحَة الْإِجَارَة بِأَجْر مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم، إِذْ لَوْلَا جَازَت مَا أقره الشَّارِع فِي الحَدِيث الَّذِي ضرب بِهِ الْمثل، كَمَا يَأْتِي، وَمَا اتَّخذهُ من هَذَا الحَدِيث، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون الْغَرَض من كل ذَلِك إِثْبَات جَوَاز الْإِجَارَة بِقِطْعَة من النَّهَار إِذا كَانَت مَعْلُومَة مُعينَة دفعا لتوهم من يتَوَهَّم أَن أقل الْأَجَل الْمَعْلُوم أَن يكون يَوْمًا كَامِلا.



[ قــ :2175 ... غــ :2268 ]
- حدَّثنا سلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حَدثنَا حمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَثَلُكُمْ ومثَلُ أهْلِ الكتابَيْنِ كمَثَل رَجُلٍ اسْتَأجَرَ أُجَرَاءَ فقالَ منْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إلَى نِصْفِ النهارِ عَلى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ ثُمَّ قالَ من يَعْمَلُ لِي مِن نِصْفِ النهارِ إِلَى صلاةِ العَصْرِ علَى قِيراطٍ فعَمِلَتِ النَّصارَى ثُمَّ قالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى أنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ على قِيراطَيْنِ فأنْتُمْ هُمْ فغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصارَى فَقالوا مَا لَنا أكْثرَ عمَلاً وأقَلَّ عَطاء قالَ هَلْ نَقَصْتُكُم مِنْ حَقِّكُم قَالُوا لاَ فذَلِكَ فَضْلِي أوُتيهِ مَنْ أشاءُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من يعْمل لي غدْوَة إِلَى نصف النَّهَار) .

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.

وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه، وَبَينهمَا تفَاوت فِي الْمَتْن أَيْضا، وَلَكِن الأَصْل وَاحِد، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ، ولنذكر بعض شَيْء.

قَوْله: ( أهل الْكِتَابَيْنِ) ، المُرَاد بِهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
قَوْله: ( كَمثل رجل) فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَهُوَ مثلكُمْ مَعَ نَبِيكُم وَمثل أهل الْكِتَابَيْنِ مَعَ أَنْبِيَائهمْ كَمثل رجل اسْتَأْجر، فالمثل مَضْرُوب للْأمة مَعَ نَبِيّهم، والممثل بِهِ الأجراء مَعَ من استأجرهم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْقيَاس يَقْتَضِي أَن يُقَال: كَمثل أجراء، ثمَّ قَالَ: هُوَ من تَشْبِيه الْمُفْرد بالمفرد فَلَا اعْتِبَار إلاَّ بالمجموعين، أَو التَّقْدِير: مثل الشَّارِع مَعكُمْ كَمثل رجل مَعَ أجراء.
قَوْله: ( على قِيرَاط) وَفِي رِوَايَة عبد الله بن دِينَار: على قِيرَاط قِيرَاط، وَالْمرَاد بالقيراط النَّصِيب، وَهُوَ فِي الأَصْل نصف دانق، والدانق سدس دِرْهَم قَوْله: ( فَغضِبت الْيَهُود وَالنَّصَارَى) ، أَي: الْكفَّار مِنْهُم.
قَوْله: ( أَكثر) بِالرَّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى تَقْدِير: مَا لنا نَحن أَكثر، على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأما النصب فعلى الْحَال.
وَيجوز أَن يكون خَبرا كَانَ تَقْدِيره: مَا لنا كُنَّا أَكثر عملا؟ قَوْله: ( عملا) ، نصب على التَّمْيِيز.
قَوْله: ( وَأَقل عَطاء) مثله على الْعَطف،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَيفَ كَانُوا أَكثر عملا وَوقت الظّهْر إِلَى الْعَصْر مثل وَقت الْعَصْر إِلَى الْمغرب؟ وَأجَاب بِأَنَّهُ لَا يلْزم من أكثرية الْعَمَل أكثرية الزَّمَان، وَقد مضى الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( فَذَلِك فضلي) ، فِيهِ حجَّة لأهل السّنة على أَن الثَّوَاب من الله على سَبِيل الْإِحْسَان مِنْهُ.