فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره، ثم تصدق به، وأجرة الحمال

( بابُُ منْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَليّ ظَهْرِهِ ثْمَّ تصَدَّقَ بِهِ وأُجْرَةِ الحَمَّالِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من أجر نَفسه لغيره ليحمل مَتَاعه على ظَهره، ثمَّ تصدق بِهِ أَي: بأجره، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ تصدق مِنْهُ.
قَوْله: ( وَأُجْرَة الْحمال) أَي: وَبابُُ فِي بَيَان أُجْرَة الْحمال، ويروى: وَأجر الْحمال.



[ قــ :2180 ... غــ :2273 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ شَقِيقٍ عنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أمَرَ بالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أحدُنا إِلَى السُّوقِ فيُحَامِلُ فيُصِيبُ المُدَّ وإنَّ لبَعْضِهِمْ لَمِائَةَ ألْفٍ قَالَ مَا نَرَاهُ إلاَّ نَفسَهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تعلم من مَعْنَاهُ لِأَن مَعْنَاهُ: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا كَانَ يَأْمر بِالصَّدَقَةِ يسمعهُ فُقَرَاء الصَّحَابَة ويرغب فِي الصَّدَقَة لما يسمع من الْأجر الجزيل فِيهَا، ثمَّ يذهب إِلَى السُّوق فَيحمل شَيْئا من أَمْتعَة النِّسَاء على ظَهره بأجره، ثمَّ يتَصَدَّق بِهِ، وَهَذَا معنى التَّرْجَمَة أَيْضا، وَكَذَلِكَ فِي الحَدِيث مَا يُطَابق قَوْله: وَأجر الْحمال، لِأَنَّهُ حِين يحمل شَيْئا بِأُجْرَة يصدق عَلَيْهِ أَنه حمال، وَأَنه يَأْخُذ الْأُجْرَة.

ثمَّ الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ ( اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) ، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، وبعين هَذَا الْمَتْن، غير أَن فِيهِ هُنَا زِيَادَة شَيْء، وَهُوَ قَوْله: ( مَا نرَاهُ إلاَّ نَفسه) .

وَسَعِيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن الْعَاصِ الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو عُثْمَان الْبَغْدَادِيّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق أَبُو وَائِل، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ البدري.

قَوْله: ( فيحامل) أَي: يعْمل صَنْعَة الحمالين، من المحاملة من بابُُ المفاعلة الَّتِي تكون من الْإِثْنَيْنِ، وَالْمرَاد هُنَا: أَن الْحمل من أَحدهمَا وَالْأُجْرَة من الآخر كالمساقاة والمزارعة، ويروى: تحامل، على وزن: تفَاعل، بِلَفْظ الْمَاضِي أَي: تكلّف حمل مَتَاع الْغَيْر ليكتسب مَا يتَصَدَّق بِهِ.
قَوْله: ( فنصيب الْمَدّ) أَي: من الطَّعَام.
وَهُوَ أجرته.
قَوْله: ( وَأَن لبَعْضهِم لمِائَة ألف) ، أَي: من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير، وَاللَّام فِي: الْمِائَة، للتَّأْكِيد، تسمى اللَّام الابتدائية لدخولها على اسْم إِن، وَهُوَ لفظ: فَإِنَّهُ اسْم: إِن، وخبرها مقدما، قَوْله: لبَعْضهِم، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( وَمَا كَانَ لَهُ يَوْمئِذٍ دِرْهَم) ، أَي: فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ يحمل بِالْأُجْرَةِ، لأَنهم كَانُوا فُقَرَاء فِي ذَلِك الْوَقْت وَالْيَوْم هم أَغْنِيَاء.
قَوْله: ( قَالَ: مَا نرَاهُ إِلَّا نَفسه) أَي: قَالَ شَقِيق الرَّاوِي: مَا أَظن أَبَا مَسْعُود أَرَادَ بذلك الْبَعْض إلاَّ نَفسه، فَإِنَّهُ كَانَ من الْأَغْنِيَاء، وَقد جَاءَ ذَلِك مُبينًا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من طَرِيق زَائِدَة عَن الْأَعْمَش: أَن قَائِل ذَلِك هُوَ أَبُو وَائِل الرَّاوِي، وَالله أعلم.