فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أجر السمسرة

( بابُُ أجْرِ السَّمْسَرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم السمسرة أَي: الدّلَالَة، والسمسار بِالْكَسْرِ: الدَّلال.
وَفِي ( الْمغرب) السمسرة مصدر، وَهُوَ أَن يُوكل الرجل من الْحَاضِرَة للقادمة، فيبيع لَهُم مَا يجلبونه،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: وَقيل فِي تَفْسِير قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يَبِيع حَاضر لبادٍ) ، أَنه لَا يكون لَهُ سمسارا، وَمِنْه كَانَ أَبُو حنيفَة يكره السمسرة.

ولَمْ يَرَ ابنُ سِيرِينَ وعَطَاءٌ وإبْرَاهِيمُ والحَسَنُ بأجرِ السِّمْسَارِ بَأْسا
أَي: لم يَرَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ بِأَجْر السمسار بَأْسا، وَتَعْلِيق ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم وَصله ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا حَفْص عَن أَشْعَث عَن الحكم وَحَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن سِيرِين، قَالَا: لَا بَأْس بِأَجْر السمسار إِذا اشْترى يدا بيد، وَتَعْلِيق عَطاء وَصله ابْن أبي شييبة أَيْضا: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا اللَّيْث أَبُو عبد الْعَزِيز، قَالَ: سَأَلت عَطاء عَن السمسرة، فَقَالَ: لَا بَأْس بهَا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَأن المُصَنّف أَشَارَ إِلَى الرَّد على من كرهها، وَقد نَقله ابْن الْمُنْذر عَن الْكُوفِيّين.
انْتهى.
قلت: لم يقْصد البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أحد، وَإِنَّمَا نقل عَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين أَنهم لَا يرَوْنَ بَأْسا بالسمسرة، وَطَرِيقَة الرَّد لَا تكون هَكَذَا.

وَهَذَا الْبابُُ فِيهِ اخْتِلَاف للْعُلَمَاء، فَقَالَ مَالك: يجوز أَن يستأجره على بيع سلْعَته إِذا بَين لذَلِك أَََجَلًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا الثَّوْب وَلَك دِرْهَم أَنه جَائِز، وَإِن لم يُوَقت لَهُ ثمنا، وَكَذَلِكَ إِن جعل لَهُ فِي كل مائَة دِينَار شَيْئا، وَهُوَ جعل،.

     وَقَالَ  أَحْمد: لَا بَأْس أَن يُعْطِيهِ من الْألف شَيْئا مَعْلُوما، وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد وَالثَّوْري أَنَّهُمَا كرها أجره،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: إِن دفع لَهُ ألف دِرْهَم يَشْتَرِي بهَا بزا بِأَجْر عشر دَرَاهِم، فَهُوَ فَاسد، وَكَذَلِكَ لَو قَالَ: اشْتَرِ مائَة ثوب فَهُوَ فَاسد، فَإِن اشْترى فَلهُ أجر مثله، وَلَا يُجَاوز مَا سمى من الْأجر،.

     وَقَالَ  أَبُو ثَوْر: إِذا جعل لَهُ فِي كل ألف شَيْئا مَعْلُوما لم يجز، لِأَن ذَلِك غير مَعْلُوم فَإِن عمل على ذَلِك فَلهُ أجره وَإِن اكتراه شهرا على أَن يَشْتَرِي لَهُ وَيبِيع فَذَلِك جَائِز.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين أُجْرَة السمسار ضَرْبَان: إِجَارَة وجعالة: فَالْأول: يكون مُدَّة مَعْلُومَة فيجتهد فِي بَيْعه، فَإِن بَاعَ قبل ذَلِك أَخذ بِحِسَابِهِ، وَإِن انْقَضى الْأَجَل أَخذ كَامِل الْأُجْرَة.
وَالثَّانِي: لَا يضْرب فِيهَا أجل، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب، وَلَكِن لَا تكون الْإِجَارَة والجعالة إلاَّ معلومين، وَلَا يسْتَحق فِي الْجعَالَة شَيْئا إلاَّ بِتمَام الْعَمَل، وَهُوَ البيع، والجعالة الصَّحِيحَة أَن يُسمى لَهُ ثمنا إِن بلغه مَا بَاعَ، أَو يُفَوض إِلَيْهِ، فَإِن بلغ الْقيمَة بَاعَ، وَإِن قَالَ الْجَاعِل: لَا تبع إلاَّ بأَمْري فَهُوَ فَاسد.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبد الْملك: أُجْرَة السمسار مَحْمُولَة على الْعرف يقل عَن قوم وَيكثر عَن قوم، وَلَكِن جوزت لما مضى من عمل النَّاس عَلَيْهِ على أَنَّهَا مَجْهُولَة، قَالَ: وَمثل ذَلِك أُجْرَة الْحجام،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَهَذَا الَّذِي ذكره غير جَار على أصُول مَالك، وَإِنَّمَا يجوز من ذَلِك عِنْده مَا كَانَ ثمنه مَعْلُوما لَا غرر فِيهِ.

وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ لَا بَأسَ أنْ يَقولَ بِعْ هذَا الثَّوْبَ فَما زَاد علَى كذَا وكَذَا فَهُوَ لَكَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس نَحوه.

وَقَالَ ابنُ سِيرينَ إذَا قالَ بِعْهُ بِكَذَا فَما كانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ أوْ بَيْنِي وبَيْنَكَ فَلاَ بَأسَ بِهِ
هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا وَصله ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن يُونُس عَن ابْن سِيرِين، وَفِي ( التَّلْوِيح) : وَأما قَول ابْن عَبَّاس وَابْن سِيرِين فَأكْثر الْعلمَاء لَا يجيزون هَذَا البيع، وَمِمَّنْ كرهه: الثَّوْريّ والكوفيون،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يجوز، فَإِن بَاعَ فَلهُ أجر مثله، وَأَجَازَهُ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالا: هُوَ من بابُُ الْقَرَاض، وَقد لَا يربح الْمُقَارض.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المؤمنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السمسرة إِذا شرطت بِشَيْء معِين يَنْبَغِي أَن يكون السمسار وَصَاحب الْمَتَاع ثابتين على شَرطهمَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم) ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاء من حَدِيث الْوَلِيد بن رَبَاح، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَطاء: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم) وروى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مثله وَزَاد: مَا وَافق الْحق، وروى إِسْحَاق فِي ( مُسْنده) من طَرِيق كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: الْمُسلمُونَ على شروطهم إلاَّ شرطا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا، وَكثير ابْن عبد الله ضَعِيف عِنْد الْأَكْثَرين إلاَّ أَن البُخَارِيّ قوي أمره وَكَذَلِكَ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة، وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ.

     وَقَالَ  النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الْمُسلمُونَ على شروطهم) ، وَقيل: ظن ابْن التِّين أَن قَوْله:.

     وَقَالَ  النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الْمُسلمُونَ على شروطهم) بَقِيَّة كَلَام ابْن سِيرِين، فشرح على ذَلِك، فَوَهم وَقد اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي وَغَيره.



[ قــ :2181 ... غــ :2274 ]
- حدَّثنا مُسَدَّد قَالَ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حَدثنَا مَعْمَرٌ عنِ ابنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ ولاَ يَبِيعَ حاضِرٌ لِبَادٍ.

قُلْتُ يَا ابنَ عبَّاسٍ مَا .

     قَوْلُهُ  لاَ يَبِيعُ حاضِرٌ لِبادٍ قَالَ لاَ يَكُونُ لَهُ سَمْسارا.
.


مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب البيع فِي بابُُ النَّهْي عَن تلقي الركْبَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه.
.
إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن معمر بن رَاشد عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه طَاوُوس عَن عبد الله بن عَبَّاس، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصى.
قَوْله: ( لَا يَبِيع) بِالنّصب على أَن لَا زَائِدَة، وبالرفع بِتَقْدِير: قَالَ قبله عطفا على نهي،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَالَ لَا يكون لَهُ سمسارا يَعْنِي من أجل الْمضرَّة الدَّاخِلَة على النَّاس لَا من أجل أجرته، وَالله أعلم.





[ قــ :181 ... غــ :74 ]
- حدَّثنا مُسَدَّد قَالَ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حَدثنَا مَعْمَرٌ عنِ ابنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ ولاَ يَبِيعَ حاضِرٌ لِبَادٍ.

قُلْتُ يَا ابنَ عبَّاسٍ مَا .

     قَوْلُهُ  لاَ يَبِيعُ حاضِرٌ لِبادٍ قَالَ لاَ يَكُونُ لَهُ سَمْسارا.
.


مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب البيع فِي بابُُ النَّهْي عَن تلقي الركْبَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه.
.
إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن معمر بن رَاشد عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه طَاوُوس عَن عبد الله بن عَبَّاس، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصى.
قَوْله: ( لَا يَبِيع) بِالنّصب على أَن لَا زَائِدَة، وبالرفع بِتَقْدِير: قَالَ قبله عطفا على نهي،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَالَ لَا يكون لَهُ سمسارا يَعْنِي من أجل الْمضرَّة الدَّاخِلَة على النَّاس لَا من أجل أجرته، وَالله أعلم.