فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب

( بابٌُ هَلْ يُؤاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أرْضِ الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يُؤجر الرجل الْمُسلم نَفسه من رجل مُشْرك فِي دَار الْحَرْب؟ وَلم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام، لِأَن حَدِيث الْبابُُ يتَضَمَّن إِجَارَة خبابُ نَفسه، وَهُوَ مُسلم إِذْ ذَاك فِي عمله للعاص بن وَائِل وَهُوَ مُشْرك، وَكَانَ ذَلِك بِمَكَّة، وَكَانَت مَكَّة إِذْ ذَاك دَار حَرْب، وأطلع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فأقره، وَلكنه يحْتَمل أَن يكون كَانَ ذَلِك لأجل الضَّرُورَة، أَو كَانَ ذَلِك قبل الْإِذْن فِي قتال الْمُشْركين ومنابذتهم، وَقبل الْأَمر بِمَنْع إذلال الْمُؤمن نَفسه.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: كره أهل الْعلم ذَلِك إلاَّ للضَّرُورَة بِشَرْطَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون عمله فِيمَا يحل للْمُسلمِ، وَالْآخر: أَن لَا يُعينهُ على مَا هُوَ ضَرَر على الْمُسلمين،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: اسْتَقَرَّتْ الْمذَاهب على أَن الصناع فِي حوانيتهم يجوز لَهُم الْعَمَل لأهل الذِّمَّة، وَلَا يعْتد ذَلِك من الذلة، بِخِلَاف أَن يَخْدمه فِي منزله وبطريق التّبعِيَّة لَهُ.



[ قــ :2182 ... غــ :2275 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حَدثنَا أبِي قَالَ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ مُسْلِمٍ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ حَدثنَا خَبَّابٌ قَالَ كُنْتُ رَجُلاً قِينا فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ ابنِ وائِلٍ فاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ فأتَيْتُه أتَقاضَاهُ فَقَالَ لَا وَالله لاَ أقْضِيكَ حتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ فَقُلْتُ أما وَالله حتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلا قالَ وإنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فإنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مالٌ وَوَلَدٌ فأقْضِيكَ فأنزلَ الله تَعَالَى أفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا.

     وَقَالَ  لأوُتِيَنَّ مَالا وَوَلَدا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ ذكر الْقَيْن والحداد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن خبابُ ... إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ الْكُوفِي، قاضيها، عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى مُسلم عَن مَسْرُوق إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
والقين، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْحداد.

قَوْله: ( أما) ، حرف التَّنْبِيه وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا أكفر.
قَوْله: ( حَتَّى تَمُوت) غَايَة لَهُ، وَالْغَرَض التأييد كَمَا فِي قَوْلك: إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَبعد الْبَعْث لَا يُمكن الْكفْر.
قَوْله: ( فَلَا) أَي: فَلَا أكفر، ويروى هَكَذَا: فَلَا أكفر.
فَإِن قلت: الْفَاء لَا تدخل جَوَاب الْقسم.
قلت: الْمَذْكُور مُفَسّر للمقدر، ويروى: أمَّا، بتَشْديد الْمِيم، وَتَقْدِيره: أمَّا أَنا فَلَا أكفر، وَالله، وأمَّا غَيْرِي فَلَا أعلم حَاله، قَوْله: ( وَإِنِّي) همزَة الِاسْتِفْهَام مقدرَة فِيهِ، وَإِنَّمَا أكد بِأَن وَاللَّام مَعَ أَن الْمُخَاطب هُوَ خبابُ غير مُنكر وَلَا مُتَرَدّد فِي ذَلِك، لِأَن الْعَاصِ فهم مِنْهُ التَّأْكِيد فِي مُقَابلَة إِنْكَاره، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَتَقول هَذَا الْكَلَام الْمُؤَكّد؟