فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم)

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمَانُكم فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ( النِّسَاء: 33) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان معنى قَول الله تَعَالَى: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الْكفَالَة الْتِزَام بِغَيْر عوض تَطَوّعا فتلزم كَمَا لزم اسْتِحْقَاق الْمِيرَاث بِالْحلف الَّذِي وجد على وَجه التَّطَوُّع، وَأول الْآيَة: { وَلكُل جعلنَا موَالِي مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم إِن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا} ( النِّسَاء: 33) .
قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو صَالح وَقَتَادَة وَزيد بن أسلم وَالسُّديّ وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل بن حَيَّان: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} ( النِّسَاء: 33) .
أَي: وَرَثَة.
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة: أَي عصبَة،.

     وَقَالَ  ابْن جرير: الْعَرَب تسمي ابْن الْعم مولى،.

     وَقَالَ  الزّجاج: الْمولى كل من يليك وكل من والاك فِي محبَّة فَهُوَ مولى لَك.
قلت: لفظ الْمولى مُشْتَرك يُطلق على معانٍ كَثِيرَة، يُطلق على الْمُنعم والمعتِق والمعتَق وَالْجَار والناصر والصهر والرب وَالتَّابِع، وَزَاد ابْن الباقلاني فِي ( مَنَاقِب الْأَئِمَّة) : الْمَكَان والقرار، وَأما بِمَعْنى الْوَلِيّ فكثير، وَلَا يعرف فِي اللُّغَة بِمَعْنى الإِمَام.
قَوْله: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
قَالَ البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير: عاقدت، هُوَ مولى الْيَمين وَهُوَ الْحلف، وَذكر ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة آخَرين أَنهم الحلفاء،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق: أَنبأَنَا الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
قَالَ: كَانَ هَذَا حلفا فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: { عاقدت} ( النِّسَاء: 33) .
من المعاقدة، مفاعلة من عقد الْحلف، وقرىء: عقدت، هُوَ حلف الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يتوارثون بِهِ وَنسخ بِآيَة الْمَوَارِيث.
وَفِي ( تَفْسِير) عبد بن حميد من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن عبد الله بن عُبَيْدَة: العقد خَمْسَة: عقدَة النِّكَاح، وعقدة الشَّرِيك لَا يخونه وَلَا يَظْلمه، وعقدة البيع، وعقدة الْعَهْد.
قَالَ الله عز وَجل: { أَوْفوا بِالْعُقُودِ} ( الْمَائِدَة: 1) .
وعقدة الْحلف، قَالَ الله عز وَجل: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
وَفِي ( تَفْسِير) مقَاتل: كَانَ الرجل يرغب فِي الرجل فيحالفه ويعاقده على أَن يكون مَعَه وَله من مِيرَاثه كبعض وَلَده، فَلَمَّا نزلت آيَة الْمَوَارِيث جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ ذَلِك، فَنزلت: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
الْآيَة، يَعْنِي: أعطوهم الَّذِي سميتم لَهُ من الْمَوَارِيث، وَعَن عِكْرِمَة: { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
الْآيَة ... كَانَ الرجل يحالف الرجل لَيْسَ بَينهمَا نسب، فيرث أَحدهمَا الآخر، فنسخ ذَلِك فِي الْأَنْفَال: { وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} ( الْأَنْفَال: 57) .
وَفِي رِوَايَة أَحْمد أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حِين أَبى الْإِسْلَام، فَحلف أَبُو بكر أَن لَا يورثه.
فَلَمَّا أسلم أمره الله عز وَجل: أَن يورثه نصِيبه.
.

     وَقَالَ  أَبُو جَعْفَر النّحاس: الَّذِي يجب أَن يحمل عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي الْبابُُ أَن يكون { وَلكُل جعلنَا موَالِي} ( النِّسَاء: 33) .
نَاسِخا لما كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَأَن يكون { وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ( النِّسَاء: 33) .
غير نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ.
.

     وَقَالَ  الْحسن وَقَتَادَة: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، وَمثله يرْوى عَن ابْن عَبَّاس.
وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّهَا محكمَة: مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة:.

     وَقَالَ : هَذَا الحكم باقٍ غير مَنْسُوخ، وَجمع بَين الْآيَتَيْنِ بِأَن جعل أولى الْأَرْحَام أولى من أَوْلِيَاء المعاقدة، فَإِذا فقد ذَوُو الْأَرْحَام ورث المعاقدون وَكَانُوا أَحَق بِهِ من بَيت المَال.
قَوْله: { إِن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا} ( النِّسَاء: 33) .
يَعْنِي: إِن الله شَاهد بَيْنكُم فِي تِلْكَ العهود والمعاقدات وَلَا تنشؤا بعد نزُول هَذِه الْآيَة معاقدة.



[ قــ :2198 ... غــ :2292 ]
- حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسامَةَ عنْ إدْرِيسَ عنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا { ولِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} ( النِّسَاء: 33) .
قَالَ ورَثَةً { والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمانُكُمْ} ( النِّسَاء: 33) .
قَالَ كانَ المُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهَاجِرُ الأنْصَاريَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُمْ فلَمَّا نَزَلَتْ { ولِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَاليَ} ( النِّسَاء: 33) .
نَسَخَتْ ثُمَّ قَالَ { والَّذِينَ عاقَدَتْ أيْمَانُكُمْ} ( النِّسَاء: 33) .
إلاَّ النَّصْرَ والرِّفَادَةَ والنَّصِيحَةَ وقَدْ ذَهَبَ المِيرَاثُ ويُوصَى لَهُ.
؟
وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي الْكفَالَة وَالْحوالَة مَا قيل: إِن الْكَفِيل والغريم الَّذِي وَقعت الْحِوَالَة عَلَيْهِ ينْتَقل الْحق عَلَيْهِ كَمَا ينْتَقل هَهُنَا حق الْوَارِث عَنهُ إِلَى الْحلف، فَشبه انْتِقَال الْحق على الْمُكَلف بانتقاله عَنهُ، أَو بِاعْتِبَار أَن أحد الْمُتَعَاقدين كَفِيل عَن الآخر، لِأَنَّهُ كَانَ من جملَة المعاقدة، لأَنهم كَانُوا يذكرُونَ فِيهَا: تطلب بِي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عَنْك، وَأما وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث فَظَاهر.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: الصَّلْت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو همام الخاركي، مر فِي: بابُُ إِذا لم يتم السُّجُود.
الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث: إِدْرِيس بن يزِيد من الزِّيَادَة الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة.
الرَّابِع: طَلْحَة بن مصرف، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التصريف، بِمَعْنى: التَّغْيِير: ابْن عَمْرو اليامي من بني يام، مر فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ مَا يتنزه من الشُّبُهَات.
الْخَامِس: سعيد بن جُبَير.
السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي والبقية كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَطَلْحَة بن مصرف روى عَن عبد الله بن أبي أوفى.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن الصَّلْت بن مُحَمَّد أَيْضا، وَفِي الْفَرَائِض عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي الْفَرَائِض عَن هَارُون بن عبد الله.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قَالَ: وَرَثَة) أَي: فسر ابْن عَبَّاس الموَالِي بالورثة، وَكَذَا فَسرهَا جمَاعَة من التَّابِعين، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: ( قَالَ) ، أَي: ابْن عَبَّاس: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ.
.
إِلَى آخِره.
قَوْله: ( دون ذَوي رَحمَه) ، أَي: ذَوي أقربائه.
قَوْله: ( للأخوة) أَي: لأجل الْأُخوة الَّتِي آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمد الْهمزَة، يُقَال: آخاه يؤاخيه مؤاخاة وإخاء بِالْكَسْرِ: إِذا جعل بَينهمَا أخوة، والأخوة مصدر يُقَال: أحوت تاخوا إخْوَة.
قَوْله: ( بَينهم) أَي: بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار.
قَوْله: ( فَلَمَّا نزلت) ، أَي: الْآيَة الَّتِي هِيَ قَوْله تَعَالَى: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} ( النِّسَاء: 33) .
نسخت آيَة الموَالِي آيَة المعاقدة.
قَوْله: ( إِلَّا النَّصْر) ، مُسْتَثْنى من الْأَحْكَام الْمقدرَة فِي الْآيَة المنسوخة، أَي: تِلْكَ الْآيَة حكم نصيب الْإِرْث لَا النَّصْر والرفادة، بِكَسْر الرَّاء أَي: المعاونة، والرفادة أَيْضا شَيْء كَانَ تتوافد بِهِ قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، يخرج مَالا يشترى بِهِ للْحَاج طَعَام وزبيب للنبيذ، وَيجوز أَن يكون هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا أَي: لَكِن النَّصْر وَنَحْوه باقٍ ثَابت.
قَوْله: ( وَقد ذهب الْمِيرَاث) أَي: من الْمُتَعَاقدين.
قَوْله: ( ويوصى لَهُ) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول، وَالضَّمِير فِي: لَهُ، يرجع إِلَى الَّذِي كَانَ يَرث الْمَيِّت بالأخوة، وَعَن ابْن الْمسيب: نزلت هَذِه الْآيَة: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} ( النِّسَاء: 33) .
فِي الَّذين كَانُوا يتبنون رجَالًا غير أبنائهم ويورثونهم، فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم أَن يَجْعَل لَهُم نصيب فِي الْوَصِيَّة، ورد الْمِيرَاث إِلَى الموَالِي من ذَوي الرَّحِم والعصبة، وأبى أَن يَجْعَل للمدعين مِيرَاث من أدعاهم وتبناهم، وَلَكِن جعل لَهُم نَصِيبا فِي الْوَصِيَّة.





[ قــ :199 ... غــ :93 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ فآخَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيع.
.


هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن حميد عَن أنس، وَهنا أخرجه: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير أبي إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمُؤَدب الْمَدِينِيّ عَن حميد الطَّوِيل ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :00 ... غــ :94 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ زَكَرِيَّاءَ قالَ حدَّثنا عاصِمٌ قَالَ.

قُلْتُ ل أِنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أبَلَغَكَ أنَّ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ حِلْفَ فِي الإسلامِ فَقَالَ قَدْ حالَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ والأنصَارِ فِي دارِي.

لذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ وَجه ظَاهر، وَمُحَمّد بن الصَّباح، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو جَعْفَر الدولابي، أَصله هروي نزل بَغْدَاد وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا أَبُو زِيَاد الْأَسدي الخلقاني الْكُوفِي، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام عَن مُسَدّد عَن عباد بن عباد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن حَفْص ابْن غياث، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن مُسَدّد عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: ( أبلغك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( لَا حلف) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم، وَالْمعْنَى: أَنهم لَا يتعاهدون فِي الْإِسْلَام على الْأَشْيَاء الَّتِي كَانُوا يتعاهدون عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن إبيه عَن جُبَير ابْن مطعم مَرْفُوعا: لَا حلف فِي الأسلام، وَإِنَّمَا حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إلاَّ شدَّة،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: معنى لَا حلف فِي الْإِسْلَام أَي: لَا تعاهد على فعل شَيْء كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتعاهدون، والمحالفة فِي حَدِيث أنس هِيَ الإخاء، قَالَه ابْن التِّين.
قَالَ: وَذَلِكَ أَن الْحلف فِي الْجَاهِلِيَّة هُوَ بِمَعْنى النُّصْرَة فِي الْإِسْلَام.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ فِي ( التَّهْذِيب) : فَإِن قيل: قد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا حلف فِي الْإِسْلَام) ، وَهُوَ يُعَارض قَول أنس: حَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي دَاري بِالْمَدِينَةِ، قيل لَهُ: هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار.
قَالَ: وَالَّذِي قَالَ فِيهِ مَا كَانَ من حلف فَلَنْ يزِيدهُ الْإِسْلَام إلاَّ شدَّة، يَعْنِي: مَا لم ينسخه الْإِسْلَام وَلم يُبطلهُ حكم الْقُرْآن، وَهُوَ التعاون على الْحق والنصرة وَالْأَخْذ على يَد الظَّالِم.