فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

( بابُُ غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان غسل الْوَجْه إِلَى آخِره والغرفة بِالْفَتْح بِمَعْنى الْمصدر وبالضم بِمَعْنى المغروف وَهِي ملْء الْكَفّ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو ( إِلَّا من اغترف غرفَة) بِفَتْحِهَا وَفِي الْعبابُ غرفت المَاء بيَدي غرفا فالغرفة الْمرة الْوَاحِدَة والغرفة بِالضَّمِّ اسْم للْمَفْعُول مِنْهُ لِأَنَّك مَا لم تغرفه لَا تسميه غرفَة وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو جَعْفَر وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو إِلَّا من اغترف غرفَة بِالْفَتْح وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَجمع المضمومة غراف كنطفة ونطاف والغرفة بِالضَّمِّ أَيْضا الْعلية وَالْجمع غرفات وغرف والغرفة أَيْضا الْخصْلَة من الشّعْر وَالْحَبل الْمَعْقُود بالشوطة أَيْضا انْتهى ويحكي أَن أَبَا عَمْرو وتطلب شَاهدا على قِرَاءَته من أشعار الْعَرَب فَلَمَّا طلبه الْحجَّاج هرب مِنْهُ إِلَى الْيمن فَخرج ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بِرَاكِب ينشد قَول أُميَّة بن الصَّلْت
( رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر ... لَهُ فُرْجَة كحل العقال)
قَالَ فَقلت لَهُ مَا الْخَبَر قَالَ مَاتَ الْحجَّاج قَالَ أَبُو عَمْرو فَلَا أَدْرِي بِأَيّ الْأَمريْنِ كَانَ فرحي أَكثر بِمَوْت الْحجَّاج أَو بقوله فُرْجَة لِأَنَّهُ شَاهد لقرَاءَته أَي كَمَا أَن مَفْتُوح الفرجة هُنَا بِمَعْنى المنفرج كَذَا مَفْتُوح الغرفة بِمَعْنى المغروف فقراءة الضَّم وَالْفَتْح يتطابقان فَإِن قلت مَا المُرَاد من هَذِه التَّرْجَمَة قلت التَّنْبِيه على عدم اشْتِرَاط الاغتراف باليدين جَمِيعًا فَإِن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما تَوَضَّأ كوضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ غرفَة من المَاء بِيَدِهِ الْوَاحِدَة ثمَّ ضم إِلَيْهَا يَده الْأُخْرَى ثمَّ غسل بِتِلْكَ الغرفة وَجهه على مَا يَأْتِي الْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ قلت الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ الْمَذْكُورين وَبَين أَكثر أَبْوَاب كتاب الْوضُوء غير ظَاهِرَة وَلذَلِك قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت مَا وَجه التَّرْتِيب لهَذِهِ الْأَبْوَاب وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَهُنَا ثمَّ قَالَ فِي بابُُ التَّسْمِيَة إِذْ التَّسْمِيَة إِنَّمَا هِيَ قبل غسل الْوَجْه لَا بعده ثمَّ إِن توَسط أَمر الْخَلَاء بَين أَبْوَاب الْوضُوء لَا يُنَاسب مَا عَلَيْهِ الْوُجُوه ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك بقوله قلت البُخَارِيّ لَا يُرَاعِي حسن التَّرْتِيب وَجُمْلَة قَصده إِنَّمَا هُوَ فِي نقل الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِتَصْحِيحِهِ لَا غير وَنعم الْمَقْصد انْتهى قلت لَا نسلم أَن جملَة قَصده نقل الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِتَصْحِيحِهِ فَقَط بل مُعظم قَصده ذَلِك مَعَ سرده فِي أَبْوَاب مَخْصُوصَة وَلِهَذَا بوب الْأَبْوَاب على تراجم مُعينَة حَتَّى وَقع مِنْهُ تكْرَار كثير لأجل ذَلِك فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يَنْبَغِي أَن تتطلب وُجُوه المناسبات بَين الْأَبْوَاب وَإِن كَانَت غير ظَاهِرَة بِحَسب الظَّاهِر فَنَقُول وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ الْمَذْكُورين من حَيْثُ أَن من جملَة الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول بعض وصف وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي هَذَا الْبابُُ الْمَذْكُور أَيْضا وصف وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما تَوَضَّأ على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْبابُُ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فَهَذَا الْمِقْدَار من الْوَجْه كَاف على أَن الْمُنَاسبَة الْعَامَّة مَوْجُودَة بَين الْأَبْوَاب كلهَا لكَونهَا من وَاد وَاحِد ثمَّ تَوْجِيه المناسبات الْخَاصَّة إِنَّمَا يكون بِقدر الْإِدْرَاك.


[ قــ :139 ... غــ :140 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم قَالَ أخبرنَا أَبُو سَلمَة الْخُزَاعِيّ مَنْصُور بن سَلمَة قَالَ أخبرنَا ابْن بِلَال يَعْنِي سُلَيْمَان عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَوَضَّأ فَغسل وَجهه أَخذ غرفَة من مَاء فَمَضْمض بهَا واستنشق ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَجعل بهَا هَكَذَا أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل بهَا وَجهه ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُمْنَى ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُسْرَى ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فرش على رجله الْيُمْنَى حَتَّى غسلهَا ثمَّ أَخذ غرفَة أُخْرَى فَغسل بهَا رجله يَعْنِي الْيُسْرَى ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة فَجعل بهَا هَكَذَا أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل بهَا وَجهه.
( بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أبي زُهَيْر أَبُو يحيى الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بصاعقة لقب بذلك لسرعة حفظه وَشدَّة ضَبطه روى عَن يزِيد بن هَارُون وروح وطبقتهما وَعنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وابو حَامِد والمحاملي وَآخَرُونَ وَكَانَ بزازا مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي أَبُو سَلمَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ روى عَن مَالك وَغَيره وَعنهُ الصغاني وَغَيره خرج إِلَى الثغر فَمَاتَ بِالْمصِّيصَةِ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سِتَّة عشر وَقيل سنة سبع أَو تسع وَمِائَتَيْنِ الثَّالِث سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي وَقد مر فِي بابُُ أُمُور الْإِيمَان الرَّابِع زيد بن أسلم وَقد مر الْخَامِس عَطاء بن يسَار وَقد مر السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ يزِيد عَن عَطاء وَمِنْهَا أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي ومدني.
وَمِنْهَا ان فِيهِ تَفْسِير الْبَعْض الروَاة الْمُجْمل وَهُوَ قَوْله يَعْنِي سُلَيْمَان وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون كَلَام البُخَارِيّ وَيحْتَمل أَن يكون كَلَام شَيْخه مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا شَاهده ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مَعْدُودَة قَالَ الدَّاودِيّ الَّذِي صَحَّ مِمَّا سمع من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اثْنَا عشر حَدِيثا وَحكى غَيره عَن غنْدر عشرَة أَحَادِيث وَعَن يحيى الْقطَّان وَأبي دَاوُد تِسْعَة وَوَقع فِي الْمُسْتَصْفى للغزالي أَن ابْن عَبَّاس مَعَ كَثْرَة رِوَايَته قيل أَنه لم يسمع من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث لصِغَر سنه وَصرح بذلك فِي حَدِيث إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة.

     وَقَالَ  حَدثنِي بِهِ أُسَامَة بن زيد وَلما روى حَدِيث قطع التَّلْبِيَة حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة قَالَ حَدثنِي بِهِ أخي الْفضل.
( بَيَان من أخرجه غَيره) أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن بشر عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ قَالَ لنا ابْن عَبَّاس أتحبون أَن أريكم كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فدعى بِإِنَاء فِيهِ مَاء فاغترف غرفَة وَذكر الحَدِيث نَحوه بِطُولِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطلقاني وقتيبة بن سعيد كِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن الدَّرَاورْدِي وَعَن مُجَاهِد بن مُوسَى عَن عبد الله بن إِدْرِيس عَن أبي عجلَان كِلَاهُمَا عَن زيد بن أسلم نَحوه وَحَدِيث ابْن عجلَان أتم وَعَن هناد بن السّري عَن ابْن إِدْرِيس بِبَعْضِه فَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن إِدْرِيس بِمثل حَدِيث هناد وَعَن عبد الله بن الْجراح وَأبي بكر بن خَلاد كِلَاهُمَا عَن الدَّرَاورْدِي بِبَعْضِه مضمض واستنشق من غرفَة وَاحِدَة وَهَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن مُسلم وَلم يخرج مُسلم عَن ابْن عَبَّاس فِي صفة الْوضُوء شَيْئا.
( بَيَان اللُّغَات) قَوْله فَتَمَضْمَض من الْمَضْمَضَة وَهِي تَحْرِيك المَاء فِي الْفَم.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده مضمض وتمضمض وكماله أَن يَجْعَل المَاء فِي فِيهِ ثمَّ يديره ويمجه وَأقله أَن يَجْعَل المَاء فِي فِيهِ وَلَا يشْتَرط إدارته على مَشْهُور مَذْهَب الشَّافِعِي.

     وَقَالَ  جمَاعَة من أَصْحَابه يشْتَرط وأصل الْمَضْمَضَة التحريك وَمِنْه مضمض النعاس فِي عَيْنَيْهِ إِذا تحرّك وَاسْتعْمل فِي الْمَضْمَضَة لتحريك المَاء فِي الْفَم قَوْله واستنشق من الِاسْتِنْشَاق وَهُوَ إِدْخَال المَاء فِي الْأنف.

     وَقَالَ  ابْن طريف نثر المَاء من أَنفه دفْعَة.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده استنشق المَاء فِي أَنفه صبه فِي أَنفه.

     وَقَالَ  فِي الغريين يستنشق أَي يبلغ المَاء خياشيمه وَذكر ابْن الْأَعرَابِي وَابْن قُتَيْبَة الِاسْتِنْشَاق والاستنثار وَاحِد.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده يُقَال استنثر إِذا استنشق المَاء فِي أَنفه وصبه مِنْهُ وَفِي جَامع الْقَزاز نثرت الشَّيْء أنثره وأنثره نثرا إِذا بددته فَأَنت ناثر وَالشَّيْء منثور والمتوضىء يستنشق إِذا جذب المَاء برِيح أَنفه ثمَّ يستنثره وَفِي الْعبابُ استنشقت المَاء وَغَيره إِذا أدخلته فِي الْأنف واستنشقت الرّيح إِذا شممتها والتركيب يدل على نشوب شَيْء فِي شَيْء والمنشق الْأنف ونشقت مِنْهُ ريحًا طيبَة بِالْكَسْرِ أَي شممت وَهَذِه ريح مَكْرُوهَة النشق أَي الشم.

     وَقَالَ  رؤبة الراجز يصف حمارا وحشيا
( كَأَنَّهُ مستنشق من الشرق ... حرا من الْخَرْدَل مَكْرُوه النشق)
( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله فَغسل وَجهه عطف على قَوْله تَوَضَّأ وَهُوَ من قبيل عطف مفصل على مُجمل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} وَقَوله { فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا أرنا الله جهرة} وَقد علم أَن الْفَاء العاطفة تفِيد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا التَّرْتِيب وَهُوَ نَوْعَانِ معنوي كَمَا فِي قَامَ زيد فعمر وذكرى وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل الثَّانِي التعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ الثَّالِث السَّبَبِيَّة قَوْله أَخذ غرفَة بِدُونِ حرف الْعَطف وَإِنَّمَا ترك لِأَنَّهُ بَيَان لقَوْله غسل على وَجه الِاسْتِئْنَاف فَإِن قلت كَيفَ يكون بَيَانا والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق ليستا من غسل الْوَجْه قلت أعطي لَهما حكم الْوَجْه قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة إِنَّمَا عطف بثم لوُجُود المهلة بَين الغرفتين وَقد علم أَن ثمَّ حرف عطف يَقْتَضِي ثَلَاثَة أُمُور التَّشْرِيك فِي الحكم وَالتَّرْتِيب والمهلة قَوْله أضافها بِدُونِ حرف الْعَطف لِأَنَّهُ بَيَان لقَوْله جعل بهَا هَكَذَا قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة عطف على ثمَّ أَخذ غرفَة الْمَذْكُور أَولا قَوْله من مَاء كلمة من للْبَيَان مَعَ إِفَادَة التَّبْعِيض قَوْله حَتَّى غسلهَا أَي إِلَى أَن غسلهَا وَكلمَة حَتَّى للغاية قَوْله يتَوَضَّأ جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال.
( بَيَان الْمعَانِي) قَوْله عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَوَضَّأ زَاد أَبُو دَاوُد فِي أَوله أتحبون أَن أريكم كَيفَ كَانَ رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتَوَضَّأ فدعى بِإِنَاء فِيهِ مَاء كَمَا قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله أضافها مَعْنَاهُ جعل المَاء الَّذِي فِي يَده فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ أمكن فِي الْغسْل قَوْله فَغسل بهَا أَي بالغرفة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة فَغسل بهما أَي باليدين قَوْله ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ قَالَ الْكرْمَانِي وَهَهُنَا تَقْدِير إِذْ لَا يجوز الْمسْح بِمَاء غسل بِهِ يَده وَذَلِكَ نَحْو أَن يقدر ثمَّ بل يَده فَمسح بِرَأْسِهِ قلت فِي رِوَايَة أبي دَاوُد ثمَّ قبض قَبْضَة من المَاء ثمَّ نفض يَده ثمَّ مسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ وَلَو وقف الْكرْمَانِي على هَذِه الرِّوَايَة لقَالَ الحَدِيث يُفَسر بعضه بَعْضًا وَالتَّقْدِير هَهُنَا هَكَذَا وَذكر رِوَايَة أبي دَاوُد وَزَاد النَّسَائِيّ من طَرِيق الدَّرَاورْدِي عَن زيد وَأُذُنَيْهِ مرّة وَاحِدَة وَمن طَرِيق ابْن عجلَان باطنهما بالسبابُتين وظاهرهما بإبهاميه وَزَاد ابْن خُزَيْمَة من هَذَا الْوَجْه وَأدْخل أصبعيه فيهمَا قَوْله فرش على رجله الْيُمْنَى أَي صبه قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى صَار غسلا وَقَوله حَتَّى غسلهَا صَرِيح فِي أَنه لم يكتف بالرش.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فَإِن قلت الْمَشْهُور أَن الرش وَالْغسْل يتمايزان بسيلان المَاء وَعَدَمه فَكيف قَالَ أَولا رش ثمَّ قَالَ ثَانِيًا حَتَّى غسلهَا وَأَيْضًا لَا يُمكن غسل الرجل بغرفة وَاحِدَة قلت الْفرق مَمْنُوع وَكَذَا عدم إِمْكَان غسلهَا بغرفة وَلَعَلَّ الْغَرَض من ذكره على هَذَا الْوَجْه بَيَان تقليل المَاء فِي الْعُضْو الَّذِي هُوَ مَظَنَّة للإسراف فِيهِ انْتهى قلت قَوْله الْفرق مَمْنُوع مَمْنُوع من حَيْثُ اللُّغَة وَلَكِن الْجَواب هُوَ أَن يُقَال أَن الرش قد يذكر وَيُرَاد بِهِ الْغسْل وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حَدِيث أَسمَاء رَضِي الله عَنْهَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ حتيه ثمَّ اقرضيه ثمَّ رشيه وَصلي فِيهِ زَاد اغسليه قَالَه الْبَغَوِيّ وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ قَوْله حَتَّى غسلهَا فَإِنَّهُ قرينَة على أَن المُرَاد من الرش هُوَ الْغسْل وَفَائِدَته التَّنْبِيه على الِاحْتِرَاز عَن الْإِسْرَاف لِأَن الرجل مَظَنَّة الْإِسْرَاف فِي الْغسْل فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم فرش على رجله الْيُمْنَى وفيهَا النَّعْل ثمَّ مسحها بيدَيْهِ يَد فَوق الْقدَم وَيَد تَحت النَّعْل قلت المُرَاد من الْمسْح هَهُنَا الْغسْل.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي وابو زيد الْأنْصَارِيّ الْمسْح فِي كَلَام الْعَرَب يكون غسلا وَيكون مسحا وَمِنْه يُقَال للرجل إِذا تَوَضَّأ فَغسل أعضاءه قد تمسح وَأما قَوْله تَحت النَّعْل فَمَحْمُول على التَّجَوُّز عَن الْقدَم على أَنا نقُول هَذِه رِوَايَة شَاذَّة رَوَاهَا هِشَام بن سعد وَهُوَ مِمَّن لَا يحْتَج بهم عِنْد الِانْفِرَاد فَكيف إِذا خَالفه غَيره قَوْله فَغسل بهَا رجله يَعْنِي الْيُسْرَى هُوَ بغين مُعْجمَة وسين مُهْملَة من الْغسْل كَذَا وَقع فِي الْأُصُول.

     وَقَالَ  ابْن التِّين روينَاهُ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَلَعَلَّه على الرجلَيْن بِمَنْزِلَة الْعُضْو الْوَاحِد فَكَأَنَّهُ كرر غسله لِأَن الْعلَّة هُوَ الشّرْب الثَّانِي ثمَّ قَالَ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن أرَاهُ فَغسل فَسَقَطت السِّين انْتهى هَذَا كُله غَرِيب وتكلف وَالصَّوَاب مَا وَقع فِي الْأُصُول فَغسل بهَا وَقَوله يَعْنِي رجله الْيُسْرَى قَائِل لَفْظَة يَعْنِي زيد بن أسلم أَو من هُوَ دونه من الروَاة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَلَفظ يَعْنِي لَيْسَ من كَلَام عَطاء بل من راو آخر بعده قلت لم لَا يجوز أَن يكون من كَلَام عَطاء وَلم أدر وَجه النَّفْي عَنهُ مَا هُوَ ثمَّ إِن هَذِه اللَّفْظَة قد وَقعت فِي بعض النّسخ بعد لَفْظَة رجله قبل لفظ الْيُسْرَى وَفِي بَعْضهَا قبل رجله.
( بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول أَن الْوضُوء مرّة مرّة هُوَ مجمع عَلَيْهِ الثَّانِي فِيهِ الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بغرفة وَهُوَ حجَّة للشَّافِعِيَّة فِي أحد الْوُجُوه فيهمَا وَقَالُوا فِي كيفيتها خَمْسَة أوجه الأول أَن يجمع بَينهمَا بغرفة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا.
وَالثَّانِي أَن يجمع أَيْضا بغرفة لَكِن يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق وَلَفظ الرَّاوِي هَهُنَا يحْتَمل هذَيْن الْوَجْهَيْنِ.
وَالثَّالِث أَنه يتمضمض ويستنشق بِثَلَاث غرفات يتمضمض من كل وَاحِدَة ثمَّ يستنشق مِنْهَا.
وَالرَّابِع أَن يفصل بَينهمَا بغرفتين فيتمضمض من إِحْدَاهمَا بِثَلَاث ثمَّ يستنشق من الْأُخْرَى ثَلَاثًا.
وَالْخَامِس أَن يفصل بست غرفات يتمضمض بِثَلَاث ثمَّ يستنشق بِثَلَاث.
قَالَ الْكرْمَانِي وَالأَصَح أَن الْأَفْضَل هُوَ الرَّابِع.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ هُوَ الثَّالِث وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَضْمَضَة على كل قَول مُقَدّمَة على الِاسْتِنْشَاق وَهل هُوَ تَقْدِيم اسْتِحْبابُُ أَو اشْتِرَاط فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا اشْتِرَاط لاخْتِلَاف العضوين وَالثَّانِي اسْتِحْبابُُ كتقديم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَفِي الرَّوْضَة فِي كيفيته وَجْهَان أصَحهمَا يتمضمض من غرفَة ثَلَاثًا ويستنشق من أُخْرَى ثَلَاثًا وَالثَّانِي بست غرفات وَفِي الْجَوَاهِر للمالكية حكى ابْن سَابق فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يغْرف غرفَة وَاحِدَة لفيه وَأَنْفه وَالثَّانِي يتمضمض ثَلَاثًا فِي غرفَة ويستنشق ثَلَاثًا فِي غرفَة فَقَالَ وَهَذَا اخْتِيَار مَالك وَالْأول اخْتِيَار الشَّافِعِي وَفِي الْمُغنِي للحنابلة وَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يتمضمض ويستنشق ثَلَاثًا من غرفَة أَو بِثَلَاث غرفات فَإِن عبد الله بن زيد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مضمض واستنشق ثَلَاثًا ثَلَاثًا من غرفَة وَاحِدَة وروى الْأَثْرَم وَابْن ماجة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِد وَإِن أفرد لكل عُضْو ثَلَاث غرفات جَازَ لِأَن الْكَيْفِيَّة فِي الْغسْل غير وَاجِبَة وَفِي التَّلْوِيح شرح البُخَارِيّ وَالْأَفْضَل أَن يتمضمض ويستنشق بِثَلَاث غرفات كَمَا فِي الصِّحَاح وَغَيرهَا وَوجه ثَان يجمع بَينهمَا بغرفة وَاحِدَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَرَوَاهُ أَيْضا وَائِل بن حجر بِسَنَد ضَعِيف عِنْد الْبَزَّار وثالث يجمع بَينهمَا بغرفة وَهُوَ أَن يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ الثَّانِيَة كَذَلِك ثمَّ الثَّالِثَة رَوَاهُ عبد الله بن زيد عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم عِنْد التِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ  حسن غَرِيب ورابع يفصل بَينهمَا بغرفتين يتمضمض من إِحْدَاهمَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق من الْأُخْرَى ثَلَاثًا وخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بِثَلَاث ويستنشق بِثَلَاث انْتهى قلت احْتج أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا هناد وقتيبة قَالَا حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي حَيَّة قَالَ رَأَيْت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تَوَضَّأ فَغسل كفيه حَتَّى أنقاهما ثمَّ تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا وَغسل وَجهه ثَلَاثًا وذراعيه ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة ثمَّ غسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ قَامَ فَأخذ فضل طهوره فشربه وَهُوَ قَائِم ثمَّ قَالَ أَحْبَبْت أَن أريكم كَيفَ كَانَ طهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فَإِن قلت لم يحك فِيهِ أَن كل وَاحِدَة من المضامض والاستنشاقات بِمَاء وَاحِد بل حُكيَ أَنه تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا قلت مَدْلُوله ظَاهرا مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن يتمضمض ثَلَاثًا يَأْخُذ لكل مرّة مَاء جَدِيدا ثمَّ يستنشق كَذَلِك وَهُوَ رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي فَإِنَّهُ روى عَنهُ أَن يَأْخُذ ثَلَاث غرفات للمضمضة وَثَلَاث غرفات للاستنشاق وَفِي رِوَايَة غَيره عَنهُ فِي الْأُم يغْرف غرفَة يتمضمض بهَا ويستنشق ثمَّ يغْرف غرفَة يتمضمض بهَا ويستنشق ثمَّ يغْرف ثَالِثَة يتمضمض بهَا ويستنشق فَيجمع فِي كل غرفَة بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَاخْتلف نَصه فِي الكيفيتين فنص فِي الْأُم وَهُوَ نَص مُخْتَصر الْمُزنِيّ أَن الْجمع أفضل وَنَصّ الْبُوَيْطِيّ أَن الْفَصْل أفضل وَنَقله التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ صَاحب الْمُهَذّب القَوْل بِالْجمعِ أَكثر فِي كَلَام الشَّافِعِي وَهُوَ أَيْضا أَكثر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْجَوَاب عَن كل مَا روى من ذَلِك أَنه مَحْمُول على الْجَوَاز.

     وَقَالَ  المرغيناني لَو أَخذ المَاء بكفه وتمضمض بِبَعْضِه واستنشق بِالْبَاقِي جَازَ وعَلى عَكسه لَا يجوز لصيرورة المَاء مُسْتَعْملا وَالْجَوَاب عَمَّا ورد فِي الحَدِيث فَتَمَضْمَض واستنشق من كف وَاحِد أَنه مُحْتَمل لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه تمضمض واستنشق بكف وَاحِد بِمَاء وَاحِد وَيحْتَمل أَنه فعل ذَلِك بكف وَاحِد بمياه لَا يقوم بِهِ حجَّة أَو يرد هَذَا الْمُحْتَمل إِلَى الْمُحكم الَّذِي ذَكرْنَاهُ تَوْفِيقًا بَين الدَّلِيلَيْنِ وَقد يُقَال أَن المُرَاد اسْتِعْمَال الْكَفّ الْوَاحِد بِدُونِ الِاسْتِعَانَة بالكفين كَمَا فِي الْوَجْه وَقد يُقَال أَنه فعلهمَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى ردا على قَول من يَقُول يسْتَعْمل فِي الِاسْتِنْشَاق الْيَد الْيُسْرَى لِأَن الْأنف مَوضِع الْأَذَى كموضع الِاسْتِنْجَاء كَذَا فِي الْمَبْسُوط وَفِيه نظر لَا يخفى.
وَأما وَجه الْفَصْل بَينهمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا فَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده كَعْب بن عَمْرو اليمامي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا فَأخذ لكل وَاحِدَة مَاء جَدِيدا وَكَذَا روى عَنهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَسكت عَنهُ وَهُوَ دَلِيل رِضَاهُ بِالصِّحَّةِ.
ثمَّ اعْلَم أَن السّنة أَن تكون الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق باليمنى.

     وَقَالَ  بَعضهم الْمَضْمَضَة بِالْيَمِينِ وَالِاسْتِنْشَاق باليسار لِأَن الْفَم مطهرة وَالْأنف مقذرة واليمنى للاطهار واليسار للاقذار وَلنَا مَا روى عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه استنثر بِيَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة جهلت السّنة فَقَالَ كَيفَ أَجْهَل السّنة وَالسّنة من بُيُوتنَا خرجت أما علمت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْيَمين للْوَجْه واليسار للمقعد كَذَا ذكره صَاحب الْبَدَائِع وَالتَّرْتِيب بَينهمَا سنة ذكره فِي الْخُلَاصَة لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صفة وضوئِهِ إِلَّا هَكَذَا.
الحكم الثَّالِث قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن المَاء الْمُسْتَعْمل طَاهِر مطهر وَهُوَ قَول مَالك وَالْحجّة لَهُ أَن الْأَعْضَاء كلهَا إِذا غسلت مرّة فَإِن المَاء إِذا لَاقَى أول جُزْء من أَجزَاء الْعُضْو فقد صَار مُسْتَعْملا مَعَ أَنه يُجزئهُ فِي سَائِر أَجزَاء ذَلِك الْعُضْو فَلَو كَانَ الْوضُوء بِالْمُسْتَعْملِ لَا يجوز لم يجز الْوضُوء مرّة مرّة وَلما أَجمعُوا أَنه جَازَ اسْتِعْمَاله فِي الْعُضْو الْوَاحِد كَانَ فِي سَائِر الْأَعْضَاء كَذَلِك قلت هَذَا الِاسْتِدْلَال غير صَحِيح لِأَن المَاء مَا دَامَ بالعضو فَهُوَ فِي نفس الِاسْتِعْمَال بعد فَلَا يصدق عَلَيْهِ أَنه صَار مُسْتَعْملا وَلَا يصدق اسْم الِاسْتِعْمَال عَلَيْهِ إِلَّا بعد انْفِصَاله عَن الْعُضْو فَافْهَم الرَّابِع فِيهِ غسل الْوَجْه باليدين جَمِيعًا إِذا كَانَ بغرفة وَاحِدَة لِأَن الْيَد الْوَاحِدَة قد لَا تستوعبه.
الْخَامِس فِيهِ الْبدَاءَة باليمنى وَهُوَ سنة بِالْإِجْمَاع وَمن نقل خِلَافه فقد غلط ثمَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَد وَالرجل أما الخدان والكفان فيطهران دفْعَة وَاحِدَة وَكَذَا الأذنان على الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة.
السَّادِس فِيهِ أَخذ المَاء للْوَجْه بِالْيَدِ الْوَاحِدَة وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَمُسلم فِي حَدِيث عبد الله بن زيد ثمَّ أَدخل يَده فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ثمَّ أَدخل يَدَيْهِ بالتثنية وهما وَجْهَان للشَّافِعِيَّة وجمهورهم على الثَّانِي.

     وَقَالَ  زاهد السَّرخسِيّ أَنه يغْرف بكفه الْيُمْنَى وَيَضَع ظهرهَا على بطن كَفه الْيُسْرَى ويصبه من أَعلَى جَبهته وَحَدِيث الْبابُُ قد يدل لَهُ.
السَّابِع فِيهِ أَن مسح الرَّأْس بِغَيْر أَخذ مَاء جَدِيد وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَنه يمسح رَأسه بِفضل الذِّرَاع كَمَا ورد فِي سنَن أبي دَاوُد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسح رَأسه بِفضل مَا كَانَ فِي يَده وَهَذَا قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن وَعُرْوَة.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَمَالك لَا يجْزِيه أَن يمسح بِفضل ذِرَاعَيْهِ وَلَا لحيته وَأَجَازَهُ ابْن الْمَاجشون فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا نفذ مِنْهُ المَاء وَقد قُلْنَا أَن فِي الْكَلَام حذفا دلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ثمَّ قبض قَبْضَة من المَاء ثمَّ نفض يَده ثمَّ مسح رَأسه فَافْهَم