فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

( بابُُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الاِنْسانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر بني آدم.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ الأول التمَاس النَّاس الْوضُوء، وَلَا يلْتَمس للْوُضُوء إِلَّا المَاء الطَّاهِر، وَفِي هَذَا الْبابُُ غسل شعر الْإِنْسَان، وَشعر الانسان طَاهِر، فالماء الَّذِي يغسل بِهِ طَاهِر، فَعلم أَن فِي كل من الْبابَُُيْنِ اشْتِمَال على حكم المَاء الطَّاهِر.

وكانَ عَطاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأْساً أنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ والحِبَالُ هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُحَمَّد بن إِسْحَاق الفاكهي فِي ( أَخْبَار مَكَّة) بِسَنَد صَحِيح إِلَى عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بِالِانْتِفَاعِ بشعور النَّاس الَّتِي تحلق بِمني، وَلم يقف الْكرْمَانِي على هَذَا حَتَّى قَالَ: الظَّاهِر أَن عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
قَوْله: ( ان يتَّخذ) بِفَتْح: أَن، بَدَلا من الضَّمِير الْمَجْرُور فِي: بِهِ، كَمَا فِي قَوْله: مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين، أَي: لَا يرى بَأْسا باتخاذ الخيوط من الشّعْر.
وَفِي بعض النّسخ لم يُوجد لفظ: بِهِ، وَهُوَ ظَاهر.
قَوْله: الخيوط، جمع خيط، و: الحبال، جمع حَبل، وَالْفرق بَينهمَا بالرقة والغلظ، ويروى عَن عَطاء أَن نجس الشّعْر،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة رد قَول الشَّافِعِي: إِن شعر الانسان إِذا فَارق الْجَسَد نجس، وَإِذا وَقع فِي المَاء نجسه، إِذْ لَو كَانَ نجسا لما جَازَ اتِّخَاذه خيوطاً وحبالاٌ.
وَمذهب أبي حنيفَة أَنه طَاهِر، وَكَذَا شعر الْميتَة والأجزاء الصلبة الَّتِي لَا دم فِيهَا: كالقرون والعظم وَالسّن والحافر والظلف والخف وَالشعر والوبر وَالصُّوف والعصب والريش والأنفحة الصلبة، قَالَه فِي ( الْبَدَائِع) .
وَكَذَا من الْآدَمِيّ على الْأَصَح، ذكره فِي ( الْمُحِيط) و ( التُّحْفَة) وَفِي ( قاضيخان) على الصَّحِيح: لَيست بنجسة عندنَا، وَقد وَافَقنَا على صوفها ووبرها وشعرها وريشها مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق والمزني، وَهُوَ مَذْهَب عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَحَمَّاد وَدَاوُد فِي الْعظم أَيْضا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شرح الْمُهَذّب) : حكى الْعَبدَرِي عَن الْحسن وَعَطَاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث: إِنَّهَا تنجس بِالْمَوْتِ، لَكِن تطهر بِالْغسْلِ.
وَعَن القَاضِي ابي الطّيب: الشّعْر وَالصُّوف والوبر والعظم والقرن والظلف تحلها الْحَيَاة وتنجس بِالْمَوْتِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَب، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْمُزنِيّ والبويطي وَالربيع وحرملة عَن الشَّافِعِي، وروى ابراهيم الْبكْرِيّ عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه رَجَعَ عَن تنجيس شعر الْآدَمِيّ، وَحَكَاهُ أَيْضا الْمَاوَرْدِيّ عَن ابْن شُرَيْح عَن الْقَاسِم الْأنمَاطِي عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي، وَحكى الرّبيع الجيزي عَن الشَّافِعِي أَن الشّعْر تَابع للجلد يطهر بِطَهَارَتِهِ وينجس بِنَجَاسَتِهِ، قَالَ: وَأما شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَالْمَذْهَب الصَّحِيح الْقطع بِطَهَارَتِهِ.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِي الشّعْر خلاف، فَإِن عَطاء يرْوى عَنهُ أَنه نجسه.
قلت: يُشِير بذلك إِلَى أَن اسْتِدْلَال البُخَارِيّ بِمَا روى عَن عَطاء فِي طَهَارَة المَاء الَّذِي يغسل بِهِ الشّعْر نظر، ثمَّ قَالَ: وَرَأى ابْن الْمُبَارك رجلا أَخذ شَعْرَة من لحيته ثمَّ جعلهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: مَه، أترد الْميتَة إِلَى فِيك؟ فاما شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ مكرم مُعظم خَارج عَن هَذَا.
قلت: قَول الْمَاوَرْدِيّ: واما شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْمَذْهَب الصَّحِيح الْقطع بِطَهَارَتِهِ، يدل على أَن لَهُم قولا بِغَيْر ذَلِك، فنعوذ بِاللَّه من ذَلِك القَوْل.
وَقد اخترق بعض الشَّافِعِيَّة، وَكَاد أَن يخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام، حَيْثُ قَالَ: وَفِي شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان، وحاشا شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من ذَلِك، وَكَيف قَالَ هَذَا وَقد قيل بِطَهَارَة فضلاته فضلا عَن شعره الْكَرِيم؟ وَقد قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنَّمَا قسم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، شَرعه للتبرك، وَلَا يتَوَقَّف التَّبَرُّك على كَونه طَاهِرا.
قلت: هَذَا أشنع من ذَلِك،.

     وَقَالَ  كثير من الشَّافِعِيَّة نَحْو ذَلِك، ثمَّ قَالُوا: الَّذِي أَخذ كَانَ يَسِيرا معفواً عَنهُ.
قلت: هَذَا أقبح من الْكل، وغرضهم من ذَلِك تمشية مَذْهَبهم فِي تنجيس شعر بني آدم، فَلَمَّا أورد عَلَيْهِم شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
أولُوا هَذِه التأويلات الْفَاسِدَة،.

     وَقَالَ  بعض شرَّاح البُخَارِيّ فِي بَوْله وذنه وَجْهَان والأليق الطَّهَارَة وَذكر القَاضِي حُسَيْن فِي الْعذرَة وَجْهَيْن، وَأنكر بَعضهم على الْغَزالِيّ حكايتهما فِيهَا، وَزعم نجاستها بالِاتِّفَاقِ.
قلت: يَا للغزالي من هفوات حَتَّى فِي تعلقات النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة أَن جمَاعَة شربوا دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مِنْهُم أَبُو طيبَة الْحجام، وَغُلَام من قُرَيْش حجم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَعبد الله بن الزبير شرب دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم فِي ( الْحِلْية) .
ويروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه شرب دم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرُوِيَ أَيْضا أَن أم أَيمن شربت بَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم، وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) فِي رِوَايَة سلمى امْرَأَة ابي رَافع أَنَّهَا شربت بعض مَاء غسل بِهِ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ لَهَا حرم الله بدنك على النَّار.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْحق أَن حكم النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَحكم جَمِيع الْمُكَلّفين فِي الْأَحْكَام التكليفية: إلاَّ فِيمَا يخص بِدَلِيل.
قلت: يلْزم من هَذَا أَن يكون النَّاس مساويين للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَا يَقُول بذلك إلاَّ جَاهِل غبي، وَأَيْنَ مرتبته من مَرَاتِب النَّاس؟ وَلَا يلْزم أَن يكون دَلِيل الْخُصُوص بِالنَّقْلِ دَائِما، وَالْعقل لَهُ مدْخل فِي تميز النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من غَيره فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء، وَأَنا اعْتقد أَنه لَا يُقَاس عَلَيْهِ غَيره، وَإِن قَالُوا غير ذَلِك فاذني عَنهُ صماء.
وسُؤْرِ الكِلابِ وَمَمرِّها فِي المَسْجِدِ
وسؤر الْكلاب، بِالْجَرِّ، عطف على قَوْله: المَاء، وَالتَّقْدِير: وَبابُُ سُؤْر الْكلاب، يَعْنِي: مَا حكمه، وَفِي بعض النّسخ جَمعهمَا فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِي بَعْضهَا ذكرُوا كلهَا بعد قَوْله: ( وممرها وَفِي الْمَسْجِد) ، وَفِي بَعْضهَا سَاقِط، وَقصد البُخَارِيّ بذلك إِثْبَات طَهَارَة الْكَلْب وطهارة سُؤْر الْكَلْب.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: أرى أَبَا عبد الله عَنى نَحْو تَطْهِير الْكَلْب حَيا، وأباح سؤره، لما ذكره من هَذِه الْأَخْبَار، وَهِي لعمري صَحِيحَة، إلاَّ أَن فِي الِاسْتِدْلَال بهَا على طَهَارَة الْكَلْب نظرا، والسؤر، بِالْهَمْزَةِ، بَقِيَّة المَاء الَّتِي يبقيها الشَّارِب:.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: هُوَ مَا بَقِي من الشَّرَاب وَغَيره.
.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه.
والعامة لَا تهمزه، وَترك الْهمزَة لَيْسَ بخطأ، وَلَكِن الْهمزَة أفْصح وَأعرف.
وَفِي ( الواعي) : السؤر والسأر: الْبَقِيَّة من الشَّيْء.
.

     وَقَالَ  أَبُو هِلَال العسكري، فِي كتاب ( البقايا) : هُوَ مَا يبْقى فِي الْإِنَاء من الشَّرَاب بعد مَا شرب، يُقَال مِنْهُ اسأر إسآراً، وَهُوَ مسئر، وَجَاء: سأر، بِالتَّشْدِيدِ فِي الْمُبَالغَة.

وقالَ الزُّهْرِيُّ إِذا ولَغَ الكَلْبُ فِي إناءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يتَوَضَّأُ بِهِ
قَول الزُّهْرِيّ هَذَا رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم فِي مُصَنفه عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَغَيره عَنهُ، وَلَفظه: سَمِعت الزُّهْرِيّ: فِي إِنَاء ولغَ فِيهِ كلب فَلم يجد مَاء غَيره قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ اخرجه أبن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من ذريقه بِسَنَد صَحِيح وَاسم الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.
قَوْله: ( ولغَ) اي: الْكَلْب، والقرينة تدل عَلَيْهِ، وَجَاء فِي بعض الرِّوَايَات: ( إِذا ولغَ الْكَلْب) ، بِذكرِهِ صَرِيحًا، ولغَ: ماضٍ من الولغ، وَهُوَ من الْكلاب وَالسِّبَاع كلهَا هُوَ أَن يدْخل لِسَانه فِي المَاء وَغَيره من كل مَائِع فيحركه فِيهِ، وَعَن ثَعْلَب: تحريكاً قَلِيلا أَو كثيرا، قَالَه المطرزي.
.

     وَقَالَ  مكي فِي شَرحه: فَإِن كَانَ غير مَائِع قيل: لعقه ولحسه.
قَالَ المطرزي: فَإِن كَانَ الْإِنَاء فَارغًا يُقَال: لحسه، فَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء يُقَال: ولغَ،.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه: معنى ولغَ: لطع بِلِسَانِهِ شرب فِيهِ أَو لم يشرب، كَانَ فِيهِ مَاء أَو لم يكن.
وَفِي ( الصِّحَاح) : ولغَ الْكَلْب بشرابنا وَفِي شرابنا وَمن شرابنا.
.

     وَقَالَ  ابْن خالويه: ولغَ يلغ ولغاً وولغاناً، وولغ ولغاً وولغاً وولغاناً وولوغاً، وَلَا يُقَال: ولغَ فِي شَيْء من جوارحه سوى لِسَانه.
.

     وَقَالَ  ابْن جني: الولغ فِي الأَصْل شرب السبَاع بألسنتها، ثمَّ كثر فَصَارَ الشّرْب مُطلقًا، وَذكر المطرزي أَنه يُقَال: ولغَ، بِكَسْر اللَّام، وَهِي لُغَة غير فصيحة، ومستقبله: يلغ، بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا،.

     وَقَالَ  ابْن القطاع: سكَّن بَعضهم اللَّام فَقَالَ: ولغَ.
قَوْله: ( لَيْسَ لَهُ) أَي: لمن أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ.
قَوْله: ( وضوء) ، بِفَتْح الْوَاو: أَي المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ.
قَوْله: ( غَيره) أَي غير مَا ولغَ فِيهِ، فَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، وَالْجُمْلَة المنفية حَال.
وَقَوله: ( يتَوَضَّأ) جَوَاب الشَّرْط.
قَوْله: ( بِهِ) أَي: بِالْمَاءِ، وَفِي بعض النّسخ: بهَا، فيؤول الْإِنَاء: بالمطهرة أَو الْإِدَاوَة، فَالْمَعْنى: يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهَا.

وقالَ سُفْيانُ: هَذَا الفِقْهُ بَعَيْنهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعالىَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا وهذَا ماءٌ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَتَوضَأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ

سُفْيَان هَذَا هُوَ الثَّوْريّ، لِأَن الْوَلِيد بن مُسلم لما روى هَذَا الْأَثر الَّذِي رَوَاهُ الزُّهْرِيّ ذكر عَقِيبه بقوله: فَذكرت ذَلِك لِسُفْيَان الثَّوْريّ، فَقَالَ: هَذَا وَالله الْفِقْه بِعَيْنِه، وَلَوْلَا هَذَا التَّصْرِيح لَكَانَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن أَنه سُفْيَان بن عُيَيْنَة لكَونه مَعْرُوفا بالرواية عَن الزُّهْرِيّ دون الثَّوْريّ.
قَوْله: ( هَذَا الْفِقْه بِعَيْنِه) أَرَادَ أَن الحكم بِأَنَّهُ يتَوَضَّأ بِهِ هُوَ الْمُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى: { فَلم تَجدوا مَاء} ( النِّسَاء: 43، الْمَائِدَة: 6) لِأَن قَوْله ( مَاء) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فتعم وَلَا تَحض إِلَّا لدَلِيل وَسمي الثَّوْريّ الْأَخْذ بِدلَالَة الْعُمُوم قفهافإن قلت لما كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْعُمُومِ فقهاً وَكَانَ مَذْكُورا فِي الْقُرْآن فَلم قَالَ وَفِي النَّفس مِنْهُ شَيْء أَي دغدغه وَلم ءأى التَّيَمُّم بعد الْوضُوء بِهِ قلت رُبمَا يكون ذَلِك لعدم ظُهُور دلَالَته أَو لوُجُود معَارض لَهُ أما من الْقُرْآن أَو غير ذَلِك فَلذَلِك قَالَ ( يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم) لِأَن المَاء الَّذِي يشك فِيهِ اكالمعدوم.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي رَحمَه الله وَلَا يخفى أَن الْوَاو بِمَعْنى ثمَّ إِذا التَّيَمُّم بعد التوضىء قطعا قلت لَا نسلم ذَلِك فَإِن هَذَا الْوَضع لَا يشْتَرط التَّرْتِيب بل الشَّرْط الْجمع بَينهمَا سَوَاء قدم الْوضُوء أَو أَخّرهُ قَوْله ( فَلم تَجدوا مَاء) هَذَا نَص الْقُرْآن، وَوَقع فِي رِوَايَة ابي الْحسن الْقَابِسِيّ عَن ابي زيد الْمروزِي، فِي حِكَايَة قَول سُفْيَان، يَقُول الله تَعَالَى: { فان لم تَجدوا مَاء} ( النِّسَاء: 43، الْمَائِدَة: 6) وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) على البُخَارِيّ.
.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ: قد ثَبت ذَلِك فِي الْأَحْكَام لإسماعيل القَاضِي، يعْنى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَان، قَالَ: وَمَا أعرف من قَرَأَ بذلك.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَعَلَّ الثَّوْريّ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى.
قلت: لَا يَصح هَذَا أصلا، لِأَنَّهُ قلب كَلَام الله تَعَالَى، وَالظَّاهِر أَنه سَهْو، أَو وَقع غَلطا.



[ قــ :167 ... غــ :170 ]
- حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حَدثنَا إسْرائِيلُ عنْ عاصِمٍ عَن ابنِ سيرِينَ قَالَ.

قُلْتُ لَعبِيدَةَ عِنْدَنا مِنْ شَعَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أنَسٍ أوْ مِنْ قِبَلِ أهْلِ أنَسٍ فقالَ لاََنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أحَبُّ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيهَا.

( الحَدِيث 170 طرفه فِي: 171)
الْكَلَام فِيهِ من وُجُوه: الأول فِي رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مَالك بن إِسْمَاعِيل، أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ، الْحَافِظ الْحجَّة العابد، روى عَنهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة بِوَاسِطَة، مَاتَ فِي سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة: مَالك بن إِسْمَاعِيل، سواهُ الثَّانِي: إِسْرَائِيل ابْن يُونُس، وَقد تقدم.
الثَّالِث: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحْوَال الْبَصْرِيّ الثِّقَة الْحَافِظ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين وَقد تقدم.
الْخَامِس: عُبَيْدَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره هَاء: ابْن عَمْرو، وَيُقَال: ابْن قيس بن عَمْرو السَّلمَانِي، بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام: الْمرَادِي الْكُوفِي، أسلم فِي حَيَاة النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يلقه.
.

     وَقَالَ  الْعجلِيّ: هُوَ كُوفِي تَابِعِيّ ثِقَة جاهلي أسلم قبل وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ، وَكَانَ أَعور؛.

     وَقَالَ  سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كَانَ عُبَيْدَة يوازي شريحاً فِي الْعلم وَالْقَضَاء،.

     وَقَالَ  ابْن نمير: كَانَ شُرَيْح إِذا أشكل عَلَيْهِ الْأَمر كتب إِلَى عُبَيْدَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَقيل: ثَلَاث.

الثَّانِي فِي لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالْقَوْل.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

الثَّالِث: أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِي رِوَايَته: أحب إِلَيّ من كل صفراء وبيضاء.

الرَّابِع فِي مَعْنَاهُ واعرابه.
قَوْله: ( عندنَا من شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي: عندنَا شَيْء من شعر، وَيحْتَمل أَن تكون: من، للتَّبْعِيض، وَالتَّقْدِير: بعض شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيكون: بعض، مُبْتَدأ وَقَوله: عندنَا، خَبره.
وَيجوز أَن يكون الْمُبْتَدَأ محذوفاً أَي: عندنَا شَيْء من شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو عندنَا من شعر النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام شَيْء.
قَوْله: ( اصبناه من قبل انس) أَي: حصل لنا من جِهَة أنس ابْن مَالك، رَضِي الله عَنهُ.
وَقَوله: ( أَو) للتشكيك.
قَوْله: ( لِأَن تكون) ، اللَّام: فِيهِ لَام الِابْتِدَاء للتَّأْكِيد، و: أَن، مَصْدَرِيَّة، و: تكون، نَاقِصَة، وَيحْتَمل أَن تكون تَامَّة، وَالتَّقْدِير: كَون شَعْرَة عِنْد من شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا من متاعها.

الْخَامِس فِي حكم المستنبط مِنْهُ: وَهُوَ أَنه لما جَازَ أتخاذ شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والتبرك بِهِ لطارته ونظافته، دلّ على أَن مُطلق الشّعْر طَاهِر، أَلا تى أَن خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله عَنهُ، جعل فِي قلنسوته من شعر رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَ يدْخل بهَا فِي الْحَرْب ويستنصر ببركته، فَسَقَطت عَنهُ يَوْم الْيَمَامَة، فَاشْتَدَّ عَلَيْهَا شدَّة، وَأنكر عَلَيْهِ الصَّحَابَة، فَقَالَ: إِنِّي لم افْعَل ذَلِك لقيمة القلنسوة.
لَكِن كرهت أَن تقع بأيدي الْمُشْركين وفيهَا من شعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ اسْتدلَّ بِهِ على أَن الشّعْر طَاهِر وإلاَّ لما حفظوه، وَلَا تمنى عُبَيْدَة أَن تكون عِنْده شَعْرَة وَاحِدَة مِنْهُ، وَإِذا كَانَ طَاهِرا فالماء الَّذِي يغسل بِهِ طَاهِر، وَهُوَ مُطَابق لترجمة الْبابُُ، وَلما وَضعه البُخَارِيّ فِي المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان ذكر هَذَا الْأَثر مطابقاً للتَّرْجَمَة، ودليلاً لما ادَّعَاهُ، ثمَّ ذكر حَدِيثا آخر مَرْفُوعا على مَا يَأْتِي الْآن.





[ قــ :168 ... غــ :171 ]
- حدّثنا مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحيم قَالَ أخبرنَا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حدّثنا عَبَّادٌ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن ابْن سِيرينَ عَنْ أنَسٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا حَلَقَ رَأسَهُ كانَ أبُو طَلْحَةَ أوّلَ منْ أخَذَ مِنْ شَعَرِهِ.

( انْظُر الحَدِيث: 170)
هَذَا هُوَ الدَّلِيل الثَّانِي لما ادَّعَاهُ البُخَارِيّ من طَهَارَة الشّعْر، وطهارة المَاء الَّذِي يغسل بِهِ، المطابق للتَّرْجَمَة الأولى، وَهِي قَوْله: ( طَهَارَة المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الانسان) .

بَيَان رِجَاله: وهم سَبْعَة.
الأول: مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم صَاعِقَة، تقدم.
الثَّانِي: سعيد بن سُلَيْمَان الضَّبِّيّ الْبَزَّار أَبُو عُثْمَان سَعْدَوَيْه الْحَافِظ الوَاسِطِيّ، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد، حج سِتِّينَ حجَّة، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ عَن مائَة سنة.
الثَّالِث: عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ ابْن الْعَوام الوَاسِطِيّ، أَبُو سهل، مَاتَ سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة، ثِقَة صَدُوق، عَن أَحْمد أَنه مُضْطَرب الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سعد: كَانَ يتشيع، فَأَخذه هَارُون فحبسه زَمَانا ثمَّ خلى عَنهُ، وَأقَام بِبَغْدَاد.
الرَّابِع: ابْن عون، بِفَتْح الْغَيْن الْمُهْملَة وَفِي آخر نون: هُوَ عبد الله بن عون، تَابِعِيّ سيد قراء زَمَانه، وَقد تقدم فِي بابُُ قَول النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رب مبلغ.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن سِيرِين، وَقد تكَرر ذكره.
السَّادِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله عَنهُ.
السَّابِع: أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، زوج أم سليم، وَالِدَة أنس، رَضِي الله عَنهُ.
وَاسم ابي طَلْحَة: زيد بن سهل بن الْأسود النجاري، شهد الْعقبَة وبدراً وأُحداً والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان.

بَيَان لطائف اسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، وواسطي وبصري.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ، فَالْأول عبد الله بن عون.
وَفِي مُسلم وللنسائي عبد الله بن عون بن أَمِير مصر، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة غَيرهمَا، وَمَعَ هَذِه اللطائف إِسْنَاده نَازل، لَان البُخَارِيّ سمع من شيخ شَيْخه سعيد بن سُلَيْمَان، بل سمع من ابْن عَاصِم وَغَيره من أَصْحَاب ابْن عون، فَيَقَع بَينه وَبَين ابْن عون وَاحِد، وَهنا بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أنفس.

بَيَان من اخراجه غَيره لم يُخرجهُ أحد من السِّتَّة غَيره بِهَذِهِ الْعبارَة وَهَذَا السَّنَد، وَهُوَ أَيْضا أخرجه هُنَا فِي كِتَابه فَقَط، وَأخرجه أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه، وَلَفظه: ( إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الحلاق فحلق رَأسه وَدفع إِلَى ابي طَلْحَة الشق الْأَيْمن، ثمَّ حلق الشق الآخر فَأمره أَن يقسمهُ بَين النَّاس) .
وَرَوَاهُ مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين بِلَفْظ: ( لما رمى الْجَمْرَة وَنحر نُسكه ناول الحلاق شقَّه الْأَيْمن فحلقه، ثمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَة فَأعْطَاهُ إِيَّاه، ثمَّ نَاوَلَهُ الشق الْأَيْسَر فحلقه فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة، فَقَالَ: إقسمه بَين النَّاس) .
وَله من رِوَايَة حَفْص بن غياث عَن هِشَام: ( أَنه قسم الْأَيْمن فِيمَن يَلِيهِ) ، وَفِي لفظ: ( فوزعه بَين النَّاس.
الشعرة والشعرتين.
وَأعْطِي الْأَيْسَر أم سليم)
.
وَفِي لفظ: أَبَا طَلْحَة.
فَإِن قلت: فِي هَذِه الرِّوَايَات تنَاقض ظَاهر.
قلت: لَا تنَاقض، بل يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ ناول أَبَا طَلْحَة كلا من الشقين، فَأَما الْأَيْمن فوزعه أَبُو طَلْحَة بأَمْره بَين النَّاس وَأما الايسر فَأعْطَاهُ لأم سليم زَوجته بأَمْره، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْضا، زَاد أَحْمد فِي رِوَايَة لَهُ: ( لتجعله فِي طيبها) .

بَيَان استنباط الاحكام من الاحاديث الْمَذْكُورَة: الأول: أَن فِيهِ الْمُوَاسَاة بَين الْأَصْحَاب فِي الْعَطِيَّة وَالْهِبَة.
الثَّانِي: الْمُوَاسَاة لَا تَسْتَلْزِم الْمُسَاوَاة.
الثَّالِث: فِيهِ تنفيل من يتَوَلَّى التَّفْرِقَة على غَيره.
الرَّابِع: فِيهِ أَن حلق الرَّأْس سنة أَو مُسْتَحبَّة اقْتِدَاء بِفِعْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
الْخَامِس: فِيهِ أَن الشّعْر طَاهِر.
السَّادِس: أَن فِيهِ التَّبَرُّك بِشعر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
السَّابِع: أَن فِيهِ جَوَاز اقتناء الشّعْر، فَإِن قلت: من كَانَ الحالق لرَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قلت: اخْتلفُوا فِيهِ، قيل: هُوَ خرَاش بن امية، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة أَيْضا.
وَقيل: معمر بن عبد الله، وَهُوَ الصَّحِيح، وَكَانَ خرَاش هُوَ الحالق بِالْحُدَيْبِية.





[ قــ :169 ... غــ :17 ]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ عَن مالِكٍ عنَ أبي الزِّنادِ عَنِ الاَعْرَجِ عنْ أبي هُريْرَةَ قالَ إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ إِذا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إناءِ أحَدِكُمْ فَلْيغْسِلْهُ سَبْعاً.

لما ذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ حكمين ثَانِيهمَا فِي سُؤْر الْكَلْب أُتِي بِدَلِيل من الخديث الْمَرْفُوع وَهُوَ أَيْضا مُطَابق للتَّرْجَمَة بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة كلهم ذكرُوا غير مرّة، وَمَالك هُوَ ابْن أنس، وَأَبُو زناد، بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا النُّون، واسْمه عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج اسْمه عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

بَيَان لطائف اسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم أَئِمَّة أجلاء.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين تنيسي ومدني.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن عبد الله بن يُوسُف.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن روح بن عبَادَة، خمستهم عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش عَن ابْن رزين، وابي صَالح عَن ابي هُرَيْرَة، بِلَفْظ: ( إِذا ولغَ) ، بدل: ( شرب) ، وَمن حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة: ( طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولع فِيهِ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَإِذا ولغت فِيهِ الْهِرَّة غسله مرّة وَاحِدَة) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن مُسَدّد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن سوار بن عبد الله الْعَنْبَري، كِلَاهُمَا عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان بِهِ، وَوَقفه مُسَدّد وَرَفعه سواهُ.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: ذكر الهر مَوْقُوف.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: مدرج.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: ( إِذا شرب الْكَلْب) كَذَا هُوَ فِي ( الْمُوَطَّأ) ، وَالْمَشْهُور عَن أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة جُمْهُور اصحابه عَنهُ: ( إِذا ولغَ) ، وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ضمن: شرب، معنى: ولغَ، فعدي تعديته.
يُقَال: ولغَ الْكَلْب من شرابنا، كَمَا يُقَال: فِي شرابنا، وَيُقَال: ولغَ شرابنا أَيْضا.
قلت: الشَّارِع أفْصح الفصحاء، وَرُوِيَ عَنهُ: ( شرب) ، و: ( ولغَ) ، لتقاربهما فِي الْمَعْنى، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف.
فان قلت: الشّرْب أخص من الولوغ فَلَا يقوم مقَامه.
قلت: لَا نسلم عدم قيام الْأَخَص مقَام الْأَعَمّ، لِأَن الْخَاص لَهُ دلَالَة على الْعَام اللَّازِم، كَلَفْظِ الْإِنْسَان لَهُ دلَالَة على مَفْهُوم الْحَيَوَان بالتضمن، لِأَنَّهُ جُزْء مَفْهُومه، وَكَذَا لَهُ دلَالَة على مَفْهُوم الْمَاشِي بِالْقُوَّةِ بالالتزام، لكَونه خَارِجا عَن معنى الْإِنْسَان لَازِما لَهُ، فعلى هَذَا يجوز أَن يذكر الشّرْب ويرادبه الولوغ.
وَادّعى ابْن عبد الْبر أَن لَفْظَة: شرب، لم يروه إلاَّ مَالك، وَأَن غَيره رَوَاهُ بِلَفْظ: ولغَ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فقد رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيقين عَن هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين عَن ابي هُرَيْرَة بِلَفْظ: ( إِذا شرب) ، لَكِن الْمَشْهُور عَن هِشَام بن حسان بِلَفْظ: ( إِذا ولغَ) ، كَذَا أخرجه مُسلم وَغَيره من طَرِيق عَنهُ، وَقد رَوَاهُ عَن ابي الزِّنَاد شيخ مَالك بِلَفْظ: ( إِذا شرب) ، وَرُوِيَ أَيْضا عَن مَالك بِلَفْظ: ( إِذا ولغَ) أخرجه أَبُو عبيد فِي ( كتاب الطّهُور) لَهُ عَن إِسْمَاعِيل بن عمر عَنهُ، وَمن طَرِيقه أوردهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( الْمُوَطَّأ) لَهُ من طَرِيق أبي عَليّ الْحَنَفِيّ.

بَيَان استنباط الاحكام الأول: فِيهِ دلَالَة على نَجَاسَة الْكَلْب، لِأَن الطَّهَارَة لَا تكون إلاَّ عَن حدث أَو نجس، وَالْأول مُنْتَفٍ فَتعين الثَّانِي، فَإِن قلت: اسْتدلَّ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ الْمُشْتَمل على الْحكمَيْنِ على الحكم الثَّانِي وَهُوَ سُؤْر الْكَلْب بالأثر الَّذِي رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ وَالثَّوْري، ثمَّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْمَرْفُوع، فَمَا وَجه دلَالَة هَذَا على مَا ادَّعَاهُ، وَالْحَال أَن الحَدِيث يدل على خلاف مَا يَقُوله؟ قلت: أجَاب عَنهُ من ينصره ويتغالى فِيهِ بِأَن سُؤْر الْكَلْب طَاهِر، وَأَن الْأَمر بِغسْل الْإِنَاء سبعا من ولوغه أَمر تعبدي، فَلَا يدل على نَجَاسَته.
قلت: هَذَا بعيد جدا، لِأَن دلَالَة ظَاهر الحَدِيث على خلاف مَا ذَكرُوهُ، على أَنا، وَلَئِن سلمنَا أَنه يحْتَمل أَن يكون الامر لنجاسته، وَيحْتَمل أَن يكون للتعبد، وَلَكِن رجح الأول مَا رَوَاهُ مُسلم: ( طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ الْكَلْب أَن يغسلهُ سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وَرِوَايَته أَيْضا ( إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء احدكم فليرقه ثمَّ ليغسله سبع مَرَّات) ، وَلَو كَانَ سؤره طَاهِرا لما أَمر بإراقته، وَالَّذِي قَالُوهُ نصْرَة للْبُخَارِيّ بِغَيْر مَا يذكر عَن الْمَالِكِيَّة.
فان قلت: من قَالَ إِن البُخَارِيّ ذهب إِلَى مَا نسبوه لَهُ؟ قلت: قَالَ ابْن بطال فِي شَرحه: ذكر البُخَارِيّ أَرْبَعَة أَحَادِيث فِي الْكَلْب، وغرضه من ذَلِك إِثْبَات طَهَارَة الْكَلْب وطهارة سؤره.
أَقُول: كَلَام ابْن بطال لَيْسَ بِحجَّة، فَلم، لَا يجوز أَن يكون غَرَضه بَيَان مَذَاهِب النَّاس فَبين فِي هَذَا الْبابُُ مَسْأَلَتَيْنِ: أولاهما المَاء الَّذِي يغسل بِهِ الشّعْر، وَالثَّانيَِة: سُؤْر الْكلاب؟ بل الظَّاهِر هَذَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه قَالَ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: وسؤر الْكلاب، وَاقْتصر على هَذِه اللَّفْظَة وَلم يقل وطهارة سُؤْر الْكلاب.

الثَّانِي: فِيهِ نَجَاسَة الْإِنَاء، وَلَا فرق بَين الْكَلْب الْمَأْذُون فِي اقتنائه وَغَيره، وَلَا بَين الْكَلْب البدوي والحضري لعُمُوم اللَّفْظ، وللمالكية فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: طَهَارَته، ونجاسته، وطهارة سُؤْر الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه دون غَيره، وَالْفرق بَين الحضري والبدوي.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ فِي ( شَرحه الْكَبِير) : وَعند مَالك لَا يغسل فِي غير الولوغ، لِأَن الْكَلْب طَاهِر عِنْده.
وَالْغسْل من الولوغ تعبدي.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: إِذا ثَبت أَن لِسَانه الَّذِي يتَنَاوَل بِهِ المَاء نجس، علم أَن سَائِر أَجْزَائِهِ فِي النَّجَاسَة بِمَثَابَة لِسَانه، فَأَي جُزْء من بدنه مَسّه وَجب تَطْهِيره.

الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن المَاء النَّجس يجب تَطْهِير الْإِنَاء مِنْهُ.

الرَّابِع: قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم بيع الْكَلْب إِذْ كَانَ نجس الذَّات، فَصَارَت كَسَائِر النَّجَاسَات.
قلت: يجوز بَيْعه عِنْد اصحابنا لِأَنَّهُ منتفع بِهِ حراسةً واصطياداً.
قَالَ الله تَعَالَى { وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} ( الْمَائِدَة: 4) فَإِن قلت: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب، وَمهر الْبَغي، وحلوان الكاهن، قلت: هَذَا كَانَ فِي زمن كَانَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَمر فِيهِ بقتل الْكلاب، وَكَانَ الِانْتِفَاع بهَا يَوْمئِذٍ محرما، ثمَّ بعد ذَلِك رخص فِي الِانْتِفَاع بهَا، وروى الطَّحَاوِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، أَنه قضى فِي كلب صيد قَتله رجل بِأَرْبَعِينَ درهما، وَقضى فِي كلب مَاشِيَة بكبش، وَعنهُ عَن عَطاء: لَا بَأْس بِثمن الْكَلْب، فَهَذَا قَول عَطاء، رَضِي الله عَنهُ، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ثمن الْكَلْب من السُّحت، وَعنهُ عَن ابْن شهَاب أَنه إِذا قتل الْكَلْب الْمعلم فَإِنَّهُ تقوم قِيمَته فيغرمه الَّذِي قَتله، فَهَذَا الزُّهْرِيّ يَقُول هَذَا، وَقد رُوِيَ عَن ابي بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن ثمن الْكَلْب من السُّحت، وَعنهُ عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا بَأْس بِثمن كلب الصَّيْد، وَرُوِيَ عَن مَالك إجَازَة بيع كلب الصَّيْد وَالزَّرْع والماشية، وَلَا خلاف عَنهُ أَن من قتل كلب صيد أَو مَاشِيَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ قِيمَته، وَعَن عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، أَنه أجَاز الْكَلْب الضاري فِي الْمهْر وَجعل على قَاتله عشْرين من الْإِبِل، ذكره أَبُو عمر فِي ( التَّمْهِيد) [/ ح.

الْخَامِس: استدلت بِهِ الشَّافِعِيَّة على وجوب غسل الْإِنَاء الَّذِي ولغَ فِيهِ الْكَلْب سبع مَرَّات، وَلَا فرق عِنْدهم بَين ولوغه وَغَيره، وَبَين بَوْله وروثه وَدَمه وعرقه وَنَحْو ذَلِك، وَلَو ولغَ كلاب أَو كلب وَاحِد مَرَّات فِي إِنَاء فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الصَّحِيح: يَكْفِي للْجَمِيع سبع مَرَّات.
وَالثَّانِي: أَنه يجب لكل وَاحِد سبع.
وَالثَّالِث: أَنه يَكْفِي لولغات الْكَلْب الْوَاحِد سبع، وَيجب لكل كلب سبع، وَلَو وَقعت نَجَاسَة أُخْرَى فِيمَا ولغَ فِيهِ كفى عَن الْجَمِيع سبع، وَلَو كَانَت نَجَاسَة الْكَلْب دَمه فَلم تزل عينه إلاَّ بست غسلات مثلا، فَهَل يحْسب ذَلِك سِتّ غسلات أم غسلة وَاحِدَة أم لَا يحْسب من السَّبع أصلا؟ فِيهِ أَيْضا ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا وَاحِدَة، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: ظَاهر لفظ الحَدِيث يدل على أَنه لَو كَانَ المَاء الَّذِي فِي الْإِنَاء قُلَّتَيْنِ وَلم تَتَغَيَّر أَوْصَافه لكثرته كَانَ الولوغ فِيهِ منجساً أَيْضا، لَكِن الْفُقَهَاء لم يَقُولُوا بِهِ.
قلت: لَا نسلم أَن ظَاهره دلّ عَلَيْهِ، إِذْ الْغَالِب فِي أوانيهم أَنَّهَا مَا كَانَت تسع الْقلَّتَيْنِ، فبلفظ الْإِنَاء خرج عَنهُ قلتان وَمَا فَوْقه.
قلت: إِذا كَانَ الْإِنَاء يسع الْقلَّتَيْنِ أَو أَكثر، فَمَاذَا يكون حكمه؟ والإناء لَا يُطلق إلاَّ على مَا لَا يسع فِيهِ إلاَّ مَا دون الْقلَّتَيْنِ، وَاللَّفْظ أَعم من ذَلِك.

السَّادِس: انه ورد فِي هَذَا الحَدِيث ( سبعا) أَي: سبع مَرَّات، وَفِي رِوَايَة: ( سبع مَرَّات أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) .
وَفِي رِوَايَة: ( أولَاهُنَّ أَو أخراهن) ، وَفِي رِوَايَة: ( سبع مَرَّات السَّابِعَة بِتُرَاب) ، وَفِي رِوَايَة: ( سبع مَرَّات وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ) .
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَأما رِوَايَة: وغفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ، فمذهبنا وَمذهب الجماهير، إِذا المُرَاد: إغسلوه سبعا وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِتُرَاب مَعَ المَاء، فَكَانَ التُّرَاب قَائِما مقَام غسله، فسميت ثامنة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: خَالف ظَاهر هَذَا الحَدِيث الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة، أما الْمَالِكِيَّة فَلم يَقُولُوا بالتتريب أصلا مَعَ إيجابهم السَّبع على الْمَشْهُور عِنْدهم، وَأجِيب: عَن ذَلِك بِأَن التتريب لم يَقع فِي رِوَايَة مَالك، على أَن الْأَمر بالتسبيع عِنْده للنَّدْب لكَون الْكَلْب طَاهِرا عِنْده.
فَإِن عورض بالرواية الَّتِي روى عَنهُ أَنه نجس أُجِيب بِأَن قَاعِدَته أَن المَاء لَا ينجس إلاَّ بالتغير، فَلَا يجب التسبيع للنَّجَاسَة بل للتعبد، فَإِن عورض بِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن ابي هُرَيْرَة: ( طهُور إِنَاء أحدكُم) أُجِيب: بإن الطَّهَارَة تطلق على غير ذَلِك كَمَا فِي { خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ} ( التَّوْبَة: 103) و: ( السِّوَاك مطهرة للفم) ، فَإِن عورض بِأَن اللَّفْظ الشَّرْعِيّ إِذا دَار بَين الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة والشرعية حملت على الشَّرْعِيَّة إلاَّ إِذا قَامَ دَلِيل، أُجِيب: بِأَن ذَلِك عِنْد عدم الدَّلِيل، وَهنا يحْتَمل أَن يكون من قبيل قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( التَّيَمُّم طهُور الْمُسلم) .
وَبَعض الْمَالِكِيَّة قَالُوا: الْأَمر بِالْغسْلِ من ولوغه فِي الْكَلْب الْمنْهِي عَن اتِّخَاذه دون الْمَأْذُون فِيهِ، فَإِن عورض بِعَدَمِ الْقَرِينَة فِي ذَلِك، أُجِيب: بِأَن الْأذن فِي مَوَاضِع جَوَاز الاتخاذ قرينَة، وَبَعْضهمْ قَالُوا: إِن ذَلِك مَخْصُوص بالكلب الكَلِب، وَالْحكمَة فِيهِ من جِهَة الطِّبّ، لِأَن الشَّارِع اعْتبر السَّبع فِي مَوَاضِع، مِنْهَا قَوْله: ( صبوا عَليّ من سبع قرب) ، وَمِنْهَا قَوْله: ( من تصبح بِسبع تمرات) ، فَإِن عورض بِأَن الْكَلْب الكِلب لَا يقرب المَاء، فَكيف يَأْمر بِالْغسْلِ من ولوغه؟ اجيب: بِأَنَّهُ لَا يقرب بعد استحكام ذَلِك، اما فِي ابْتِدَائه فَلَا يمْتَنع، فان عورض بِمَنْع استلزام التَّخْصِيص بِلَا دَلِيل، وَالتَّعْلِيل بالتنجيس أولى، لِأَنَّهُ فِي معنى الْمَنْصُوص، وَقد ثَبت عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا التَّصْرِيح بِأَن الْغسْل من ولوغ الْكَلْب لِأَنَّهُ رِجْس، رَوَاهُ مُحَمَّد بن نضر الْمروزِي بأسناد صَحِيح، وَلم يَصح عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه.
أُجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْإِطْلَاق مثل إِطْلَاق الرجس على الميسر والانصاب.

واما الْحَنَفِيَّة فَلم يَقُولُوا بِوُجُوب السَّبع، وَلَا التتريب.
قلت: لم يَقُولُوا بذلك لِأَن أَبَا هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي روى السَّبع، رُوِيَ عَنهُ غسل الْإِنَاء مرّة من ولوغ الْكَلْب ثَلَاثًا فعلا وقولاً مَرْفُوعا وموقوفاً من طَرِيقين: الأول: أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء فأهرقه ثمَّ اغسله ثَلَاث مَرَّات) ، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الإِمَام: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح.
الطَّرِيق الثَّانِي: أخرجه ابْن عدي فِي ( الْكَامِل) عَن الْحُسَيْن بن عَليّ الْكَرَابِيسِي، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق الْأَزْرَق، حَدثنَا عبد الْملك عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليهرقه وليغسله ثَلَاث مَرَّات) ، ثمَّ أخرجه عَن عمر بن شبة أَيْضا: حَدثنَا إِسْحَاق الْأَزْرَق بِهِ مَوْقُوفا، وَلم يرفعهُ غير الْكَرَابِيسِي.
قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الْملك من أَصْحَاب عَطاء، ثمَّ عَطاء من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة والحفاظ الثِّقَات من أَصْحَاب عَطاء وَأَصْحَاب ابي هُرَيْرَة يَرْوُونَهُ: سبع مَرَّات، وَفِي ذَلِك دلَالَة على خطأ رِوَايَة عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن ابي هُرَيْرَة فِي الثَّلَاث، وَعبد الْملك لَا يقبل مِنْهُ مَا يُخَالف الثِّقَات، ولمخالفته أهل الْحِفْظ والثقة فِي بعض رواياته تَركه شُعْبَة بن الْحجَّاج وَلم يحْتَج بِهِ البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) : قلت: عبد الْملك أخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه،.

     وَقَالَ  أَحْمد وَالثَّوْري: هُوَ من الْحفاظ، وَعَن الثَّوْريّ: هُوَ ثِقَة فَقِيه متقن،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد الله: ثِقَة ثَبت فِي الحَدِيث، وَيُقَال: كَانَ الثَّوْريّ يُسَمِّيه الْمِيزَان.
وَأما الْكَرَابِيسِي فقد قَالَ: ابْن عدي قَالَ لنا: أَحْمد بن الْحسن الْكَرَابِيسِي يسْأَل مِنْهُ والكرابيسي لَهُ كتب مصنفة ذكر فِيهَا اخْتِلَاف النَّاس فِي الْمسَائِل وَذكر فِيهَا أَخْبَارًا كَثِيرَة، وَكَانَ حَافِظًا لَهَا، وَلم أجد لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَالَّذِي حمل عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل فَإِنَّمَا هُوَ من أجل اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ.
فَأَما فِي الحَدِيث فَلم أر بِهِ بَأْسا.
واما الطَّحَاوِيّ فَقَالَ، بعد أَن روى الْمَوْقُوف عَن عبد الْملك بن ابي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن ابي هُرَيْرَة: فَثَبت بذلك نسخ السَّبع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة هُوَ رَاوِي السَّبع، والراوي إِذا عمل بِخِلَاف رِوَايَته أَو أفتى بِخِلَافِهَا لَا يبْقى حجَّة، لِأَن الصَّحَابِيّ لَا يحل لَهُ أَن يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، ويفتي أَو يعْمل بخلافة إِذْ تسْقط بِهِ عَدَالَته، وَلَا تقبل رِوَايَته، وَإِنَّا نحسن الظَّن بِأبي هُرَيْرَة، فَدلَّ على نسخ مَا رَوَاهُ.
وَقد عَارض هَذَا الْقَائِل بِأَن الْحَنَفِيَّة خالفوا ظَاهر هَذَا الحَدِيث بقوله: يحْتَمل أَن يكون أفتى بذلك لاعتقاد ندبية السَّبع لَا وُجُوبهَا، أَو كَانَ نسي مَا رَوَاهُ، وَمَعَ الِاحْتِمَال لَا يثبت النّسخ، ورد بِأَن هَذَا إساءة الظَّن بابُُي هُرَيْرَة، وَالِاحْتِمَال الناشىء من غير دَلِيل لَا يعْتد بِهِ، وادعاء الطَّحَاوِيّ النّسخ مبرهن بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ إِذا حدث عَن ابي هُرَيْرَة، فَقيل لَهُ: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: كل حَدِيث ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَو وَجب الْعَمَل بِرِوَايَة السَّبع وَلَا يَجْعَل مَنْسُوخا لَكَانَ مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مُغفل فِي ذَلِك من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أولى مِمَّا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة، لِأَنَّهُ زَاد عَلَيْهِ: ( وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ) ، وَالزَّائِد أولى من النَّاقِص، وَكَانَ يَنْبَغِي لهَذَا الْمُخَالف أَن يَقُول لَا يطهر إلاَّ بِأَن يغسل ثَمَان مَرَّات الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ، ليَأْخُذ بِالْحَدِيثين جَمِيعًا.
فَإِن ترك حَدِيث ابْن مُغفل فقد لزمَه مَا لزمَه خَصمه فِي ترك السَّبع، وَمَعَ هَذَا لم يَأْخُذ بالتعفير الثَّابِت فِي الصَّحِيح مُطلقًا، قيل: إِنَّه مَنْسُوخ.

فَإِن عَارض هَذَا الْقَائِل بِمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ بِأَن أَبَا هُرَيْرَة أحفظ من روى فِي دهره، فروايته أولى.
أُجِيب: بِالْمَنْعِ، بل رِوَايَة ابْن الْمُغَفَّل أولى لِأَنَّهُ أحد الْعشْرَة الَّذين بَعثهمْ عمر بن الْخطاب، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِلَيْنَا، يفقهُونَ النَّاس، وَهُوَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَهُوَ أفقه من أبي هُرَيْرَة، وَالْأَخْذ بروايته أحوط، وَلِهَذَا ذهب إِلَيْهِ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَحَدِيثه هَذَا أخرجه ابْن مَنْدَه من طَرِيق شُعْبَة،.

     وَقَالَ : اسناده مجمع على صِحَّته، وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة: ( إِذا ولغَ السنور فِي الْإِنَاء يغسل سبع مَرَّات) ، وَلم يعملوا بِهِ، فَكل جَوَاب لَهُم عَن ذَلِك فَهُوَ جَوَابنَا عَمَّا زَاد على الثَّلَاث، فَإِن عَارض هَذَا الْقَائِل بِأَنَّهُ ثَبت أَن أَبَا هُرَيْرَة افتى بِالْغسْلِ سبعا، وَرِوَايَة من روى عَنهُ مُوَافقَة فتياه لروايته أرجح من رِوَايَة من روى عَنهُ مخالفتها، من حَيْثُ الْإِسْنَاد وَمن حَيْثُ النّظر.
اما النّظر فَظَاهر، واما الْإِسْنَاد فالموافقة وَردت من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن ابْن سِيرِين عَنهُ، وَهَذَا من أصح الْأَسَانِيد.
واما الْمُخَالفَة فَمن رِوَايَة عبد الْملك ابْن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَنهُ، وَهُوَ دون الأول فِي الْقُوَّة بِكَثِير.
أُجِيب: بِأَن قَوْله ثَبت أَن أَبَا هُرَيْرَة افتى بِالْغسْلِ سبعا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان، وَمُجَرَّد الدَّعْوَى لَا تسمع، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فقد يحْتَمل أَن يكون فتواه بالسبع قبل ظُهُور النّسخ عِنْده، فَلَمَّا ظهر أفتى بِالثلَاثِ.
وَأما دَعْوَى الرجحان فَغير صَحِيحه، لَا من حَيْثُ النّظر وَلَا من حَيْثُ قُوَّة الْإِسْنَاد، لِأَن رجال كل مِنْهُمَا رجال الصَّحِيح.
كَمَا بَيناهُ عَن قريب، وَأما من حَيْثُ النّظر فَإِن الْعذرَة أَشد فِي النَّجَاسَة من سُؤْر الْكَلْب وَلم يعْتد بالسبع، فَيكون الولوغ من بابُُ أولى.

وَإِن عَارض هَذَا الْقَائِل بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونهَا أَشد مِنْهُ فِي الاستقذار أَن لَا تكون أَشد مِنْهَا فِي تَغْلِيظ الحكم.
أُجِيب: بِمَنْع عدم الْمُلَازمَة، فَإِن تَغْلِيظ الحكم فِي ولوغ الْكَلْب إِمَّا تعبدي وَإِمَّا مَحْمُول على من غلب على ظَنّه أَن نَجَاسَة الولوغ لَا تَزُول بِأَقَلّ مِنْهَا، وَأما أَنهم نهوا عَن اتِّخَاذه فَلم ينْتَهوا فغلظ عَلَيْهِم بذلك،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: كَانَ الْأَمر بالسبع عِنْد الْأَمر بقتل الْكلاب، فَلَمَّا نهى عَن قَتلهَا نسخ الامر بِالْغسْلِ سبعا.
وَإِن عَارض هَذَا الْقَائِل بِأَن الْأَمر بِالْقَتْلِ كَانَ فِي أَوَائِل الْهِجْرَة، وَالْأَمر بِالْغسْلِ مُتَأَخّر جدا، لِأَن من رِوَايَة ابي هُرَيْرَة وَعبد الله بن مُغفل، وَكَانَ إسلامهما سنة سبع.
أُجِيب: بِأَن كَون الْأَمر بقتل الْكَلَام، فِي أَوَائِل الْهِجْرَة يحْتَاج إِلَى دَلِيل قَطْعِيّ، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَكَانَ يُمكن أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة قد سمع ذَلِك من صَحَابِيّ أَنه أخبرهُ أَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما نهى عَن قتل الْكلاب نسخ الْأَمر بِالْغسْلِ سبعا من غير تَأْخِير، فَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لاعتماده على صدق الْمَرْوِيّ عَنهُ، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول، وَكَذَلِكَ عبد الله بن الْمُغَفَّل،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: عملت الشَّافِعِيَّة بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَتركُوا الْعَمَل بِحَدِيث ابْن الْمُغَفَّل، وَكَانَ يلْزمهُم الْعَمَل بذلك، ويوجبوا ثَمَانِي غسلات.
وعارض هَذَا الْقَائِل بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الشَّافِعِيَّة لَا يَقُولُونَ بِحَدِيث ابْن مُغفل ان يتْركُوا الْعَمَل بِالْحَدِيثِ أصلا ورأساً، لِأَن اعتذار الشَّافِعِيَّة عَن ذَلِك، إِن كَانَ متجها فَذَاك، وإلاَّ فَكل من الْفَرِيقَيْنِ ملوم فِي ترك الْعَمَل بِهِ.
وَأجِيب: بِأَن زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة وَلَا سِيمَا من صَحَابِيّ فَقِيه، وَتركهَا لَا وَجه لَهُ، فالحديثان فِي نفس الْأَمر كالواحد، وَالْعَمَل بِبَعْض الحَدِيث وَترك بعضه لَا يجوز، واعتذارهم غير مُتَّجه لذَلِك الْمَعْنى، وَلَا يلام الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك لأَنهم عمِلُوا بِالْحَدِيثِ النَّاسِخ وَتركُوا الْعَمَل بالمنسوخ،.

     وَقَالَ  بعض الْحَنَفِيَّة: وَقع الْإِجْمَاع على خِلَافه فِي الْعَمَل.
وعارض هَذَا الْقَائِل بِأَنَّهُ ثَبت القَوْل بذلك عَن الْحسن، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة.
وَأجِيب: بِأَن مُخَالفَة الْأَقَل لَا تمنع انْعِقَاد الْإِجْمَاع، وَهُوَ مَذْهَب كثير من الْأُصُولِيِّينَ.
وَقَالُوا عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: حَدِيث ابْن مُغفل لم أَقف على صِحَّته، قُلْنَا هَذَا لَيْسَ بِعُذْر، وَقد وقف جمَاعَة كَثِيرُونَ على صِحَّته، وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوته عِنْد الشَّافِعِي ترك الْعَمَل بِهِ عِنْد غَيره.





[ قــ :170 ... غــ :173 ]
-
حدّثنا إسْحاقُ قَالَ أخْبرَنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ قَالَ سَمِعْتُ أبي عَنْ أبي صَالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رجُلاً رَأى كَلْباً يأْكُلُ الثَرى مِنَ العَطشِ فَأخذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَل يغْرفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أرْوَاهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لهُ فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ..
هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي احْتج بهَا البُخَارِيّ على طَهَارَة سُؤْر الْكَلْب، على مَا يَأْتِي فِي الْأَحْكَام.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة، الأول: أسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج، على مَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) ،.

     وَقَالَ  الكلاباذى والجياني: اسحاق بن مَنْصُور، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم يرويان عَن عبد الصَّمد.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم.
قلت: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج الْحَافِظ، أَبُو يَعْقُوب التَّيْمِيّ الْمروزِي نزيل نيسابور.
قَالَ مُسلم: ثِقَة مَأْمُون أحد الْأَئِمَّة، مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَخمسين ومائين، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَأما إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء، أَبُو يَعْقُوب الْحِمصِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْأَدَب.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة.
وَإِسْحَاق بن ابراهيم بن أبي إِسْرَائِيل أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب، وَعَن يحيى ثِقَة.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَغَوِيّ لُؤْلُؤ ابْن عَم أَحْمد بن منيع، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وَوَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَجَمَاعَة، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام، أَبُو يَعْقُوب الْحَنْظَلِي النَّيْسَابُورِي الدَّارَقُطْنِيّ الْمروزِي الأَصْل، الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، أحد الْأَعْلَام، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، تقدم.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار الْمُزنِيّ الْعَدوي، مولى ابْن عمر بن الْخطاب، تكلمُوا فِيهِ لكنه صَدُوق، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن مُسلم، وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
الرَّابِع: أَبوهُ عبد الله ابْن دِينَار، مولى ابْن عمر التَّابِعِيّ، وَلَيْسَ فِي كتب السِّتَّة سواهُ.
نعم فِي ابْن مَاجَه: عبد الله بن دِينَار الْحِمصِي، وَلَيْسَ بِقَوي.
الْخَامِس: ابو صَالح الزيات ذكْوَان، وَقد تقدم.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة؟ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار وَالسَّمَاع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري ومدني.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ تابعين وهما: عبد الله بن دِينَار وَأَبُو صَالح.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي عدَّة مَوَاضِع فِي الشّرْب والمظالم وَالْأَدب، وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق ابْن سِيرِين: ( بَيْنَمَا كلب يطِيف بركَة كَاد يقْتله الْعَطش إِذْ رَأَتْهُ بغي فنزعت موقها فسبقته فغفر لَهَا) .
أخرجه فِي ذكر بني إِسْرَائِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَيَوَان.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: ( يَأْكُل الثرى) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء، مَقْصُور: وَهُوَ التُّرَاب الندي، قَالَه الْجَوْهَرِي وَصَاحب ( الغريبين) وَفِي ( الْمُحكم) : الثرى التُّرَاب.
وَقيل: التُّرَاب الَّذِي إِذا بل يصير طيناً لازباً، وَالْجمع اثرى.
وَفِي ( مجمع الغرائب) : أصل الثرى الندى، وَلذَلِك قيل للعرق ثرى.
وَمعنى يَأْكُل الثرى: يلعق التُّرَاب.
قَوْله: ( من الْعَطش) أَي: من أجل الْعَطش، فَإِن قلت: يَأْكُل الثرى، مَا مَحَله من الْإِعْرَاب؟ قلت: نصب إِمَّا حَال من كَلْبا، أَو صفة لَهُ.
قَالَ الْكرْمَانِي: قلت: لَا يجوز أَن يكون حَالا، لِأَن الشَّرْط أَن يكون ذُو الْحَال معرفَة، وَهَهُنَا نكرَة، وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون مَفْعُولا ثَانِيًا، لِأَن الرُّؤْيَة بِمَعْنى الإبصار.
قَوْله: ( فَجعل) من أَفعَال المقاربة.
وَهِي مَا وضع لدنو الْخَبَر رَجَاء أَو حصولاً أَو أخذا فِيهِ، وَالضَّمِير فِيهِ اسْمه.
وَقَوله: ( يغْرف) جملَة خَبره، أَي: طفق يغْرف لَهُ.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: ( حَتَّى أرواه) اي: جعله رَيَّان.
قَوْله: ( فَشكر الله لَهُ) ، وَالشُّكْر هُوَ الثَّنَاء على المحسن بِمَا أولاه من الْمَعْرُوف.
يُقَال: شكرته وشكرت لَهُ، وباللام أفْصح، وَالْمرَاد هَهُنَا مُجَرّد الثَّنَاء، اي: فاثنى الله تَعَالَى عَلَيْهِ، أَو المُرَاد مِنْهُ الْجَزَاء، إِذْ الشُّكْر نوع من الْجَزَاء أَي: فجزاه الله تَعَالَى.
فان قلت: إِدْخَال الْجنَّة هُوَ نفس الْجَزَاء، فَمَا معنى الثَّنَاء؟ قلت: هُوَ من بابُُ عطف الْخَاص على الْعَام، أَو الْفَاء تفسرية.
نَحْو: { فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} ( الْبَقَرَة: 54) على مَا فسر بِهِ من أَن الْقَتْل كَانَ نفس نوبتهم.
فَإِن قلت: هَذِه الْقِصَّة مَتى وَقعت؟ قلت: هَذِه من الوقائع الَّتِي وَقعت فِي زمن بني اسرائيل، فَلذَلِك قَالَ: إِن رجلا، وَلم يسم.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ الْإِحْسَان إِلَى كل حَيَوَان بسقيه أَو نَحوه، وَهَذَا فِي الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم، وَهُوَ مَا لَا يُؤمر بقتْله وَلَا يُنَاقض، هَذَا مَا أمرنَا بقتْله أَو أُبِيح قَتله، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا شرع لمصْلحَة راجحة، وَمَعَ ذَلِك فقد أمرنَا بِإِحْسَان القتلة.
الثَّانِي: فِيهِ حُرْمَة الْإِسَاءَة إِلَيْهِ، وإثم فَاعله، فَإِنَّهُ ضد الْإِحْسَان الْمُؤَجّر عَلَيْهِ، وَقد دخلت تِلْكَ الْمَرْأَة النَّار فِي هرة حبستها حَتَّى مَاتَت.
الثَّالِث: قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة: أَرَادَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا الحَدِيث طَهَارَة سُؤْر الْكَلْب، لِأَن الرجل مَلأ خفه وسقاه بِهِ، وَلَا شكّ أَن سؤره بَقِي فِيهِ.
وَأجِيب: بانه لَيْسَ فِيهِ أَن الْكَلْب شرب المَاء من الْخُف، إِذْ قد يجوز أَن يكون غرفه بِهِ ثمَّ صب فِي مَكَان غَيره، أَو يُمكن أَن يكون غسل خفه إِن كَانَ سقَاهُ فِيهِ، وعَلى تَقْدِير: أَن يكون سقَاهُ فِيهِ لَا يلْزمنَا هَذَا، لِأَن هَذَا كَانَ فِي شَرِيعَة غَيرنَا على مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَقُول فِيهِ دغدغة، إِذْ لَا يعلم مِنْهُ أَنه كَانَ فِي زمن بعثة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ قبلهَا أَو كَانَ بعْدهَا قبل ثُبُوت حكم سُؤْر الْكلاب، أَو أَنه لم يلبس بعد ذَلِك، أَو غسله.
قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الترديد، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة أَنه: كَانَ فِي شَرِيعَة غَيرنَا، على مَا ذكرنَا.
الرَّابِع: يفهم مِنْهُ وجوب نَفَقَة الْبَهَائِم الْمَمْلُوكَة على مَالِكهَا بِالْإِجْمَاع.





[ قــ :171 ... غــ :174 ]
- وقالَ أحْمَدُ بنُ شَبِيبٍ حَدثنَا أبي عنْ يوْنُس عنْ ابنِ شِهَابٍ.
قَالَ حدّثنى حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أبِيهِ قالَ كَانَتِ الكِلابُ تَبُولُ وتُقْبِلُ وتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ فِي زَمانِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ يَكونُوا يَرُشُّونَ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ.

هَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا احْتج بِهِ فِي طَهَارَة الْكَلْب، وطهارة سؤره، وَجَوَاز مَمَره فِي الْمَسْجِد.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: أَحْمد بن شبيب، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سعيد التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، شيخ البُخَارِيّ، وَلم يخرج لَهُ غَيره، أَصله من الْبَصْرَة، نزل مَكَّة مَاتَ بعد الْمِائَتَيْنِ ووالده، أخرج لَهُ النَّسَائِيّ، وَهُوَ صَدُوق.
الثَّانِي: أَبوهُ شبيب الْمَذْكُور، وَكَانَ من أَصْحَاب يُونُس، وَكَانَ يخْتَلف فِي التِّجَارَة إِلَى مصر، وَكتابه كتاب صَحِيح.
الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَقد تقدم.
الرَّابِع: ابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ تقدم.
الْخَامِس: حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَبُو عمَارَة الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي التَّابِعِيّ، ثِقَة قَلِيل الحَدِيث، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
السَّادِس: ابوه عبد الله بن عمر.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ القَوْل والتحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأيلي ومدني.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.

بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: اخبرني يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ حَدثنِي حَمْزَة بن عبد الله بن عمر: ( كنت أَبيت فِي الْمَسْجِد فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكنت شَابًّا فَتى عزباً، وَكَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد وَلم يَكُونُوا يرشون شَيْئا من ذَلِك) .
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا ابو يعلى حَدثنَا هَارُون بن مَعْرُوف حَدثنَا ابْن وهب اخبرني يُونُس عَن ابْن شهَاب حَدَّثَنى حَمْزَة بِلَفْظ: ( كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) .
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَن أبي إِسْحَاق بن مُحَمَّد حَدثنَا مُوسَى بن سعيد عَن أَحْمد بن شبيب،.

     وَقَالَ : رَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَا سَماع.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( كَانَت الْكلاب تقبل وتدبر) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد والإسماعيلي وَأبي نعيم وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا: ( كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) ، بِزِيَاد: تبول، قبل: ( تقبل وتدبر) .
وستقف على معنى هَذِه الزِّيَادَة.
قَوْله: ( تقبل) جملَة فِي مَحل النصب على الخبرية إِن جعلت: كَانَت، نَاقِصَة.
وَإِن جعلت تَامَّة بِمَعْنى: وجدت، كَانَ مَحل الْجُمْلَة النصب على الْحَال.
قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) حَال أَيْضا، وَالتَّقْدِير: حَال كَون الإقبال والإدبار فِي الْمَسْجِد، وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد.
اي: فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَلم يَكُونُوا يرشون) من: رش المَاء، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه أبدل قَوْله: ( يرشون) بِلَفْظ: ( يرتقبون) ، بِإِسْكَان الرَّاء وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْقَاف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَفسّر مَعْنَاهُ بقوله: ( وَلَا يَخْشونَ) فصحف اللَّفْظ وَأبْعد فِي التَّفْسِير لِأَن معنى: الارتقاب: الِانْتِظَار.
وَأما نفي الْخَوْف من نفي الارتقاب فَهُوَ تَفْسِير بِبَعْض لوازمه.
قَوْله: ( من ذَلِك) أَي من الْمَسْجِد، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْبعيد فِي الْمرتبَة، أَي: ذَلِك الْمَسْجِد الْعَظِيم الْبعيد دَرَجَته عَن فهم النَّاس.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: احْتج بِهِ البُخَارِيّ على طَهَارَة بَوْل الْكَلْب، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، فَإِن هَذَا التَّرْكِيب يشْعر باستمرار الإقبال والإدبار، وَلَفظ: فِي زمَان رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، دَال على عُمُوم جَمِيع الْأَزْمِنَة، إِذْ اسْم الْجِنْس الْمُضَاف من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة.
وَفِي: ( فَلم يَكُونُوا يرشون) مُبَالغَة، لَيْسَ فِي قَوْلك: فَلم يرشوا بِهِ، بِدُونِ لفظ: الْكَوْن، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} ( الْأَنْفَال: 33) حَيْثُ لم يقل: وَمَا يعذبهم الله، وَكَذَا فِي لفظ الرش حَيْثُ اخْتَارَهُ على لفظ الْغسْل، لِأَن الرش لَيْسَ فِيهِ جَرَيَان المَاء، بِخِلَاف الْغسْل فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ الجريان، فنفي الرش يكون أبلغ من نفي الْغسْل، وَلَفظ: شَيْئا، أَيْضا عَام لِأَنَّهُ نكرَة وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، وَهَذَا كُله للْمُبَالَغَة فِي طَهَارَة سؤره، إِذْ فِي مثل هَذِه الصُّورَة الْغَالِب أَن لعابه يصل إِلَى بعض أَجزَاء الْمَسْجِد، فَإِذا قرر الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذَلِك وَلم يَأْمُرهُ بِغسْلِهِ قطّ علم أَنه طَاهِر، وَهَذَا كُله من ناصري البُخَارِيّ: وَالْجَوَاب أَن نقُول: لَا دلَالَة على ذَلِك، وَالَّذِي ذَكرُوهُ إِنَّمَا كَانَ لِأَن طَهَارَة الْمَسْجِد متيقنة غير مَشْكُوك فِيهَا، وَالْيَقِين لَا يرفع بِالظَّنِّ، فضلا عَن الشَّك.
وعَلى تَقْدِير دلَالَته فدلالته لَا تعَارض مَنْطُوق الحَدِيث النَّاطِق صَرِيحًا بِإِيجَاب الْغسْل حَيْثُ قَالَ: ( فليغسله سبعا) .
وَأما على رِوَايَة من رُوِيَ: ( كَانَت الْكلاب تبول وَتقبل وتدبر) ، فَلَا حجَّة فِيهِ لمن اسْتدلَّ بِهِ على طَهَارَة الْكلاب للاتفاق على نَجَاسَة بولها، وَتَقْرِير هَذَا أَن إقبالها وإدبارها فِي الْمَسْجِد ثمَّ لَا يرش، فَالَّذِي فِي رِوَايَته: تبول، يذهب إِلَى طَهَارَة بولها وَكَانَ الْمَسْجِد لم يكن يغلق وَكَانَت تَتَرَدَّد، وعساها كَانَت تبول إِلَّا أَن علم بولها فِيهِ لم يكن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عِنْد اصحابه وَلَا عِنْد الرَّاوِي أَي مَوضِع هُوَ، وَلَو كَانَ علم لأمر بِمَا أَمر فِي بَوْل الْأَعرَابِي، فَدلَّ ذَلِك أَن بَوْل مَا سواهُ فِي حكم النَّجَاسَة سَوَاء.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يتَأَوَّل على أَنَّهَا كَانَت لَا تبول فِي الْمَسْجِد بل فِي مواطنها وَتقبل وتدبر فِي الْمَسْجِد عابرة، إِذْ لَا يجوز أَن تتْرك الْكلاب تبات فِي الْمَسْجِد حَتَّى تمتهنه وتبول فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ إقبالها وإدبارها فِي أَوْقَات نادرة، وَلم يكن على الْمَسْجِد أَبْوَاب تمنع من عبورها فِيهِ.
قلت: إِنَّمَا تَأَول الْخطابِيّ بِهَذَا التَّأْوِيل حَتَّى لَا يكون الحَدِيث حجَّة للحنفية فِي قَوْلهم، لِأَن أَصْحَابنَا استدلوا بِهِ على أَن الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة فجفت بالشمس أَو بالهواء فَذهب أَثَرهَا تطهر فِي حق الصَّلَاة، خلافًا للشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ وزفرٍ، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن أَبَا دَاوُد وضع لهَذَا الحَدِيث بابُُ طهُور الأَرْض إِذا يَبِسَتْ، وَأَيْضًا قَوْله: فَلم يَكُونُوا يرشون شَيْئا، إِذْ عدم الرش يدل على جفاف الأَرْض وطهارتها، وَمن أكبر مَوَانِع تَأْوِيله أَن قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) لَيْسَ ظرفا لقَوْله: ( وَتقبل وتدبر) وَحده، وَإِنَّمَا هُوَ ظرف لقَوْله: تبول.
وَمَا بعده كلهَا، فَافْهَم.
وَيُقَال: الْأَوْجه فِي هَذَا أَن يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام على أصل الْإِبَاحَة ثمَّ، ورد الْأَمر بتكريم الْمَسْجِد وتطهيره وَجعل الْأَبْوَاب على الْمَسَاجِد.

الثَّانِي: أَن ابْن بطال قَالَ فِيهِ: إِن الْكَلْب طَاهِر لِأَن إقبالها وإدبارها فِي الْأَغْلَب يَقْتَضِي أَن تجر فِيهِ أنوفها وتلحس المَاء وفتات الطَّعَام، لِأَنَّهُ كَانَ مبيت الغرباء والوفود، وَكَانُوا يَأْكُلُون فِيهِ، وَكَانَ مسكن أهل الصّفة، وَلَو كَانَ الْكَلْب نجسا لمنع من دُخُول الْمَسْجِد لِاتِّفَاق الْمُسلمين على أَن الأنجاس تجنب الْمَسَاجِد، وَالْجَوَاب: عَنهُ مَا ذكرنَا.

الثَّالِث: احْتج بِهِ أَصْحَابنَا على طَهَارَة الأَرْض بجفاف النَّجَاسَة عَلَيْهَا، كَمَا ذَكرْنَاهُ.





[ قــ :17 ... غــ :175 ]
- حدّثنى حَفْصُ بنُ عُمَر قالَ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنِ ابنِ أبي السَّفَرِ عَن الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حاتمِ قالَ سألْتُ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَل فَكُل وإذَا أكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَاِنَّمَا أمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ.

قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأجِدُ مَعَهُ كَلْباً آخَرَ قالَ فَلا تَأْكُلْ فَاِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ ولَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ..
أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث ليستدل بِهِ لمذهبه فِي طَهَارَة سُؤْر الْكَلْب، وَهُوَ مُطَابق لقَوْله: (وسؤر الْكَلْب) فِي أول الْبابُُ.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة.
الأول: حَفْص بن عمر.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: ابْن أبي السّفر، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء: اسْمه عبد الله، وَأَبُو السّفر اسْمه سعيد بن مُحَمَّد، وَيُقَال: أَحْمد الْهَمدَانِي الْكُوفِي.
الرَّابِع: الشّعبِيّ، واسْمه عَامر كلهم ذكرُوا.
الْخَامِس: عدي بن حَاتِم بن عبد الله الطَّائِي، أَبُو طريف، بِفَتْح الطَّاء: الْجواد بن الْجواد، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سبع، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَسِتُّونَ حَدِيثا، ذكر البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهَا ثَلَاثَة، وَانْفَرَدَ مُسلم بحديثين.
نزل الْكُوفَة وَمَات بهَا زمن الْمُخْتَار، وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة، وَيُقَال: مَاتَ بقرقيسيا، وَكَانَ أَعور،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي (كتاب المعمرين) : قَالُوا عَاشَ عدي بن حَاتِم مائَة وَثَمَانِينَ سنة.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَمِنْهَا: أَن كلهم أَئِمَّة أجلاء.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع وَالصَّيْد والذبائح.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن هناد بن السّري.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن الْمُنْذر.

بَيَان الْإِعْرَاب وَالْمعْنَى قَوْله: (قَالَ) أَي: عدي.
قَوْله: (سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول ذكر المسؤول عَنهُ وَلم يذكر المسؤول، وَاكْتفى بِالْجَوَابِ لِأَنَّهُ كَانَ يحْتَمل أَن يكون علم أصل الْإِبَاحَة، وَلكنه حصل عِنْده شكّ فِي بعض أُمُور الصَّيْد فَاكْتفى بِالْجَوَابِ، وَالتَّقْدِير: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن حكم صيد الْكلاب، وَقد صرح البُخَارِيّ بِهِ فِي رِوَايَته الْأُخْرَى فِي كتاب الصَّيْد، وَيحْتَمل أَن يكون قَامَ عِنْده مَانع من الْإِبَاحَة الَّتِي علم أَصْلهَا.

     وَقَالَ  بَعضهم: حذف لفظ السُّؤَال اكْتِفَاء بِدلَالَة الْجَواب.
قلت: الْمَحْذُوف لَيْسَ لفظ السُّؤَال، وَإِنَّمَا الْمَحْذُوف لفظ المسؤول، كَمَا قُلْنَا.
قَوْله: (قَالَ فَقَالَ) فَاعل: قَالَ.
الأولى هُوَ عدي، وفاعل: فَقَالَ، هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (كلبك الْمعلم) قَالَ الْكرْمَانِي: الْمعلم هُوَ الَّذِي ينزجر بالزجر ويسترسل بِالْإِرْسَال وَلَا يَأْكُل من الصَّيْد لإمرة بل مرَارًا.
قلت: كَون الْكَلْب معلما مفوض إِلَى رَأْي الْمعلم عَن ابي حنيفَة لانه يخْتَلف باخْتلَاف الاشخاص والاحوال وَعند ابي يُوسُف وَمُحَمّد بترك اكله ثَلَاث مَرَّات وَعند الشَّافِعِي بِالْعرْفِ، وَعند مَالك بالانزجار، وَأما اشْتِرَاط التَّعَلُّم فَلقَوْله تَعَالَى: { وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح} (الْمَائِدَة: 4) قَوْله: (فَقتل) أَي: فَقتل الكلبُ الصَيد، وطوى ذكر الْمَفْعُول للْعلم بِهِ.
قَوْله: (فَلَا تَأْكُل) أَي: الصَّيْد الَّذِي أكل مِنْهُ الْكَلْب، وَعلل بقوله: (فَإِنَّمَا أمْسكهُ على نَفسه) ، و: الْفَاء، فِيهِ للتَّعْلِيل.
قَوْله: (قلت) : قَائِله: عدي، هُوَ سُؤال آخر.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: أَن البُخَارِيّ احْتج بِهِ لمذهبه فِي طَهَارَة سُؤْر الْكَلْب، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أذن لعدي رَضِي الله عَنهُ، فِي أكل مَا صَاده الْكَلْب وَلم يُقيد ذَلِك بِغسْل مَوضِع فَمه، وَمن ثمَّ قَالَ مَالك: كَيفَ يُؤْكَل صَيْده وَيكون لعابه نجسا؟ وَأجَاب الْإِسْمَاعِيلِيّ بِأَن الحَدِيث سيق لتعريف أَن قَتله ذَكَاته وَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَات نَجَاسَته وَلَا نَفيهَا، وَلذَلِك لم يقل لَهُ إغسل الدَّم إِذا خرج من جرح نابه، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون وكل إِلَيْهِ ذَلِك كَمَا تقرر عِنْده من وجوب غسل الدَّم، وَيدْفَع ذَلِك بِأَن الْمقَام مقَام التَّعْرِيف، وَلَو كَانَ ذَلِك وَاجِبا لبينه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَجه ارتباط هَذَا الحَدِيث بالترجمة على مَا فِي بعض النّسخ من لفظ: (وأكلها) ، بعد لفظ الْمَسْجِد كَمَا ذكر مَالك عِنْد قَوْله: (وسؤر الْكلاب وممرها فِي الْمَسْجِد) .

الثَّانِي: أَن فِي إِطْلَاق الْكَلْب دلَالَة لإباحة صيد جَمِيع الْكلاب المعلمة من الْأسود وَغَيرهَا،.

     وَقَالَ  أَحْمد: لَا يحل صيد الْكَلْب الْأسود لِأَنَّهُ شَيْطَان، وَإِطْلَاق الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.

الثَّالِث: أَن التَّسْمِيَة شَرط لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (فَإِنَّمَا سميت على كلبك) .
اي: ذكرت اسْم الله تَعَالَى على كلبك عِنْد إرْسَاله، وَعلم من ذَلِك أَنه لَا بُد من شُرُوط أَرْبَعَة حَتَّى يحل الصَّيْد.
الأول: الْإِرْسَال.
وَالثَّانِي: كَونه معلما.
وَالثَّالِث: الْإِمْسَاك على صَاحبه بِأَن لَا يَأْكُل مِنْهُ.
وَالرَّابِع: أَن يذكر اسْم الله عَلَيْهِ عِنْد الْإِرْسَال.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي التَّسْمِيَة، فَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنَّهَا سنة فَلَو تَركهَا عمدا أَو سَهوا يحل الصَّيْد، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ ت الظَّاهِرِيَّة: التَّسْمِيَة وَاجِبَة فَلَو تَركهَا سَهوا أَو عمدا لم يحل.
.

     وَقَالَ  ابو حنيفَة: لَو تَركهَا عمدا لم يحل وَلَو تَركهَا سَهوا يحل، وسيجىء مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الذَّبَائِح.

الرَّابِع: فِيهِ إِبَاحَة الِاصْطِيَاد للاكتساب وَالْحَاجة وَالِانْتِفَاع بِهِ بِالْأَكْلِ وَغَيره وَدفع الشَّرّ وَالضَّرَر، وَاخْتلفُوا فِيمَن صَاد للهو والتنزه، فأباحه بَعضهم وَحرمه الْأَكْثَرُونَ.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِن فعله ليذكيه فمكروه، وَإِن فعله من عير نِيَّة التذكية فَحَرَام لِأَنَّهُ فَسَاد فِي الأَرْض وَإِتْلَاف نفس.

الْخَامِس: فِيهِ التَّصْرِيح بِمَنْع أكل مَا أكل مِنْهُ الْكَلْب.

السَّادِس: فِيهِ أَن مُقْتَضى الحَدِيث عدم الْفرق بَين كَون الْمعلم، بِكَسْر اللَّام، مِمَّن تحل ذَكَاته أَو لَا، وَذكر ابْن حزم فِي (الْمحلى) عَن قوم اشْتِرَاط كَونه مِمَّن تحل ذَكَاته،.

     وَقَالَ  قوم: لَا يحل صيد جارح علمه من لَا يحل أكل مَا ذكاه، وَرُوِيَ فِي ذَلِك آثَار: مِنْهَا عَن يحيى بن عَاصِم عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كره صيد باز الْمَجُوسِيّ وصقره.
وَمِنْهَا: عَن ابْن الزبير عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا يُؤْكَل صيد الْمَجُوسِيّ وَلَا مَا أَصَابَهُ سَهْمه.
وَمِنْهَا: عَن خصيف قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لَا تَأْكُل مَا صيد بكلب الْمَجُوسِيّ وان سميت، فَإِنَّهُ من تَعْلِيم الْمَجُوسِيّ، قَالَ تَعَالَى: { تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله} (الْمَائِدَة: 4) وَجَاء هَذَا القَوْل عَن عَطاء وَمُجاهد وَالنَّخَعِيّ وَمُحَمّد وَابْن عَليّ، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ.

السَّابِع: فِيهِ أَن الْإِرْسَال شَرط حَتَّى لَو استرسل بِنَفسِهِ يمْنَع من أكل صَيْده،.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: وَلَو أرسل كَلْبا حَيْثُ لَا صيد فاعترضه صيد فَأَخذه لم يحل على الْمَشْهُور عندنَا، وَقيل: يحل.
ثمَّ إعلم أَن الصَّيْد حَقِيقَة فِي المتوحش، فَلَو استأنس فَفِيهِ خلاف الْعلمَاء على مَا ياتي فِي كتاب الصَّيْد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الثَّامِن: الحَدِيث صَرِيح فِي منع مَا أكل مِنْهُ الْكَلْب، وَفِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي فِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن: كُله وَإِن أكل مِنْهُ الْكَلْب.
قلت: التَّوْفِيق بَين الحَدِيث بِأَن يَجْعَل حَدِيث أبي ثَعْلَبَة أصلا فِي الْإِبَاحَة، وَأَن يكون النَّهْي فِي حَدِيث عدي بن حَاتِم على معنى التَّنْزِيه دون التَّحْرِيم قَالَه الْخطابِيّ،.

     وَقَالَ  أَيْضا: وَيحْتَمل أَن يكون الأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث عدي، وَيكون النَّهْي عَن التَّحْرِيم الثَّابِت، فَيكون المُرَاد بقوله: وَإِن أكل مِنْهُ الْكَلْب، فِيمَا مضى من الزَّمَان وَتقدم مِنْهُ، لَا فِي هَذِه الْحَالة، وَذَلِكَ لِأَن من الْفُقَهَاء من ذهب الى أَنه إِذا أكل الْكَلْب الْمعلم من الصَّيْد مرّة، بعد أَن كَانَ لَا يَأْكُل، فَإِنَّهُ يحرم كل صيد كَانَ قد اصطاده، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كل مِنْهُ وَإِن كَانَ قد أكل فِيمَا تقدم إِذا لم يكن قد أكل مِنْهُ فِي هَذِه الْحَالة.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره هُوَ قَول ابي حنيفَة، وَأول بِهَذَا التَّأْوِيل ليَكُون الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، فَإِن فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : (إِذا أرْسلت كلابك المعلمة، وَذكرت اسْم الله تَعَالَى، فَكل مِمَّا أمسكن عَلَيْك إِلَّا أَن يَأْكُل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون إِنَّمَا أمسك على نَفسه (.