فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الرجل يوضئ صاحبه

(بابُُ الرَّجُلِ يُوَضِّىءُ صَاحبَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من يوضىء غَيره.
قَوْله: (يوضىء) بِالتَّشْدِيدِ والهمزة فِي آخِره من: وضأ يوضىء، من بابُُ التفعيل.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن كلا مِنْهُمَا مُشْتَمل على حكم من أَحْكَام الْوضُوء.



[ قــ :178 ... غــ :181 ]
- حدّثنى مُحَّمدُ بنُ سَلاَمٍ قَالَ أخبرنَا يَزِيدُ بنُ هارُونَ عَنْ يَحْيى عَنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ اُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا أفَاض مِنْ عَرَفَةَ عَدَلَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حاجَتَهُ قَالَ اُسَامَةُ بنُ زيْدٍ فَجَعَلْتُ أصُبُّ عَلَيْهِ ويتَوَضَّا فَقَلْتُ يَا رسولَ الله أتُصلِّي فقالَ المُصَلَّى أَمامَكَ.

(انْظُر الحَدِيث: 139 وطرفه) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَسَلام بتَخْفِيف اللَّام، وَقيل بِالتَّشْدِيدِ، وَالْأول أصح، وَقد مر فِي كتاب الْإِيمَان.
الثَّانِي: يزييد بن هَارُون، أحد الْأَعْلَام، مر فِي بابُُ التبرز فِي الْبيُوت.
الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، مر فِي كتاب الْوَحْي.
الرَّابِع: مُوسَى بن عقبَة الْأَسدي الْمدنِي التَّابِعِيّ، تقدم فِي إسباغ الْوضُوء.
الْخَامِس: كريب مولى ابْن عَبَّاس التَّابِعِيّ، تقدم أَيْضا فِي إسباغ الْوضُوء.
السَّادِس: أُسَامَة بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد، وهم: يحيى ومُوسَى وكريب، وَهُوَ من أوساط التَّابِعين.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بيكندي وواسطي ومدني، وَوَقع لِابْنِ الْمُنِير فِي هَذَا الاسناد وهم فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهِ ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة بن زيد، وَلَيْسَ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي الطَّهَارَة عَن القعْنبِي وَعَن ابْن سَلام، وَأخرجه فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة، فِي الْحَج أَيْضا عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى عَن مُوسَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن رمح عَن لَيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد بِهِ، وَعَن إِسْحَاق عَن يحيى بن آدم عَن زُهَيْر كِلَاهُمَا عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، وَعَن إِسْحَاق عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن كريب بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن القعْنبِي بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِهِ، وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن يزِيد بن هَارُون بِهِ، وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِهِ مُخْتَصرا.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (لما أَفَاضَ) أَي: لما رَجَعَ أَو دفع.
قَوْله: (من عَرَفَة) أَي: من وقُوف عَرَفَة، لِأَن عَرَفَة اسْم الزَّمَان، وَالدَّفْع كَانَ من عَرَفَات لِأَنَّهُ اسْم الْمَكَان، وَقيل: جَاءَ عَرَفَة أَيْضا اسْما للمكان، فعلى هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: قَول النَّاس: نزلنَا عَرَفَة شَبيه بمولَّد وَلَيْسَ بعربي مَحْض.
قَوْله: (عدل إِلَى الشّعب) أَي: توجه إِلَيْهِ، والشعب، بِكَسْر الشين: الطَّرِيق فِي الْجَبَل.
قَوْله: (أصب) بِضَم الصَّاد، ومفعوله مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة خبر: جعلت، لِأَنَّهُ من أَفعَال المقاربة.
قَوْله: (يتَوَضَّأ) جملَة موضعهَا النصب على الْحَال، وَجَاز وُقُوع الْفِعْل الْمُضَارع الْمُثبت حَالا مَعَ الْوَاو.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: قَوْله تَعَالَى: { وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا} (النِّسَاء: 19) حَال، وَكَذَا { ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين} (الْمَائِدَة: 84) ، وَيجوز أَن يقدر مُبْتَدأ: (وَيتَوَضَّأ) خَبره، وَالتَّقْدِير: وَهُوَ يتَوَضَّأ، فَحِينَئِذٍ تكون جملَة إسمية أَو تكون الْوَاو للْعَطْف: قَوْله: (قَالَ) ، وَفِي رِوَايَة: (فَقَالَ) ، بفاء الْعَطف اي: قَالَ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.
قَوْله: (الْمصلى) أَي: مَكَان الصَّلَاة.
(أمامك) بِفَتْح الْمِيم الثَّانِيَة لِأَنَّهُ ظرف، أَي: قدامك.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: مَا قَالَه النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْوضُوء، وَهِي على ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا أَن يَسْتَعِين فِي إِحْضَار المَاء فَلَا كَرَاهِيَة فِيهِ.
الثَّانِي: أَن يَسْتَعِين فِي غسل الْأَعْضَاء ويباشر الْأَجْنَبِيّ بِنَفسِهِ غسل الْأَعْضَاء فَهَذَا مَكْرُوه إلاَّ لحَاجَة.
الثَّالِث: أَن يصب عَلَيْهِ، فَهَذَا مَكْرُوه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ، وَالْأولَى تَركه.
قلت: فِيهِ حزازة لِأَن مَا فعل رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يُقَال فِيهِ: الأولى تَركه، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يتحَرَّى إلاَّ مَا فعله أولى ثمَّ إِذا قيل: الأولى تَركه، كَيفَ يُنَازع فِي كَرَاهَته وَلَيْسَ حَقِيقَة الْمَكْرُوه إلاَّ ذَلِك؟ كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: هَذَا حَقِيقَة الْمَكْرُوه كَرَاهَة التَّنْزِيه لَا الْمَكْرُوه كَرَاهَة التَّحْرِيم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَاسْتدلَّ البُخَارِيّ من صب المَاء عَلَيْهِ أَنه يجوز للرجل أَن يوضئه غَيره لِأَنَّهُ لما لزم المتوضىء اغتراف المَاء من الْإِنَاء بأعضائه، جَازَ لَهُ أَن يَكْفِيهِ ذَلِك غَيره بِدَلِيل صب أُسَامَة.
والاغتراف بعض أَعمال الْوضُوء، فَكَذَلِك يجوز سَائِر أَعماله، وَهَذَا من بابُُ القربات الَّتِي يجوز أَن يعملها الرجل عَن غَيره، بِخِلَاف الصَّلَاة.
وَلما أَجمعُوا أَنه جَائِز للْمَرِيض أَن يوضئه غَيره، وييممه إِذا لم يسْتَطع، وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي عَنهُ إِذا لم يسْتَطع، ذدل أَن حكم الْوضُوء بِخِلَاف حكم الصَّلَاة.
قَالَ: وَهَذَا الْبابُُ رد لما رُوِيَ عَن جمَاعَة أَنهم قَالُوا: نكره أَن يشركنا فِي الْوضُوء أحد.
فَإِن قلت: البُخَارِيّ لم يبين فِي هَذَا الْمَسْأَلَة الْجَوَاز وَلَا عَدمه.
قلت: إِذا عقد الْبابُُ أَفلا يعلم مِنْهُ جَوَازه، وَإِن لم يُصَرح بِهِ؟.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: قَاس البُخَارِيّ توضئة الرجل غَيره على صبه عَلَيْهِ لاجتماعهما فِي الْإِعَانَة قلت: هَذَا قِيَاس بالفارق، وَالْفرق ظَاهر، وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا نهيا أَن يستقى لَهما المَاء لوضوئهما، وَقَالا: نكره أَن يشركنا فِي الْوضُوء أحد، ورويا ذَلِك عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قلت: الحَدِيث هُوَ قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أَنا لَا أستعين فِي وضوئي بِأحد) قَالَه لعمر، رَضِي الله عَنهُ، وَقد بَادر ليصب المَاء على يَدَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ، وَذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي (الْحَاوِي) بسياق آخر، فَقَالَ: رُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هم بصب المَاء على يَد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، (فَقَالَ: أَنا لَا أحب أَن يشاركني فِي وضوئي أحد) ، وَهَذَا الحَدِيث لَا أصل لَهُ، وَالَّذِي وَقع على زعم الرَّاوِي كَانَ لعمر، رَضِي الله عَنهُ، دون أبي بكر، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: مَا أُبَالِي أعانني رجل على طهوري اَوْ على ركوعي وسجودي، وَثَبت عَن ابْن عمر خلاف مَا ذكر عَنهُ، فروى شُعْبَة عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يسْكب على ابْن عمر المَاء فَيغسل رجلَيْهِ، وهذ أصح عَن ابْن عمر، إِذا رَاوِي الْمَنْع رجل اسْمه أَيفع وَهُوَ مَجْهُول، والْحَدِيث عَن عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، لَا يَصح لِأَن رَاوِيه النَّضر بن مَنْصُور عَن ابي الْجنُوب عَنهُ، وهما غير حجَّة فِي الدّين وَلَا يعْتد بنقلهما.
.

     وَقَالَ  الْبَزَّار فِي كتاب (السّنَن) : لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، يَعْنِي من حَدِيث النَّضر عَن أبي الْجنُوب عقبَة بن عَلْقَمَة.
.

     وَقَالَ  عُثْمَان بن سعيد فِيمَا ذكره ابْن عدي: قلت ليحيى: مَا حَال هَذَا السَّنَد؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ حمالَة الْحَطب وَتَمام الحَدِيث أخرجه، الْبَزَّار فِي كتاب الطَّهَارَة، وَأَبُو يعلى فِي مُسْنده من طَرِيق النَّضر بن مَنْصُور عَن أبي الْجنُوب، قَالَ: رَأَيْت عليا، رَضِي الله عَنهُ يَسْتَقِي المَاء لطهوره، فبادرت استقى لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْجنُوب { فَإِنِّي رايت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَقِي المَاء لوضوئه، فبادرت استقى لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْحسن} فَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَقِي المَاء لوضوئه فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا عمر فَإِنِّي لَا أُرِيد أَن يُعِيننِي على وضوئي أحد) .
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه صب على يَدي عمر، رَضِي الله عَنهُ، الْوضُوء بطرِيق مَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، حِين سَأَلَهُ عَن الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تظاهرتا.
وَقيل: صب ابْن عَبَّاس على يَدي عمر أقرب للمعونة من استقاء المَاء، ومحال أَن يمْنَع عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، استقاء المَاء وبييح صب المَاء عَلَيْهِ للْوُضُوء مَعَ سَمَاعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَرَاهَة.
قلت: لقَائِل أَن يَقُول: إِن أُسَامَة تبرع بالصب وَكَذَا غَيره أَمر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم.
فان قلت: هَل يجوز أَن يَسْتَدْعِي الْإِنْسَان الصب من غَيره بِأَمْر؟ قلت: نعم لما رُوِيَ التِّرْمِذِيّ محسناً من حَدِيث ابْن عقيل عَن الرّبيع، قَالَت: (أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بميضأة فَقَالَ: اسكبي: فَسَكَبت، فَذكرت وضوءه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) قَالَ: وَلم يحْتَج البُخَارِيّ بِابْن عقيل وَهُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث مُتَقَدم فِي الشّرف.
وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد صَحِيح على شَرط ابْن حبَان من حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال، قَالَ: (صببت على النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، المَاء فِي السّفر والحضر فِي الْوضُوء) ، وَعِنْده أَيْضا بِسَنَد مُعَلل عَن أم عَيَّاش، وَكَانَت أمه لرقية بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: (كنت أوضىء رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، أَنا قَائِمَة وَهُوَ قَاعد) .
وَمِمَّنْ كَانَ يَسْتَعِين على وضوئِهِ بِغَيْرِهِ من السّلف عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ الْحسن: رَأَيْته يصب عَلَيْهِ من إبريق.
وَفعله عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى،، وَالضَّحَّاك ابْن مُزَاحم،.

     وَقَالَ  أَبُو الضُّحَى: وَلَا بَأْس للْمَرِيض أَن يوضئه الْحَائِض، وَبَقِيَّة الْأَحْكَام ذَكرنَاهَا فِي بابُُ: إسباغ الْوضُوء.





[ قــ :179 ... غــ :18 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قالَ حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ قالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ قالَ أخْبرَنِي سَعْدُ بنُ إبْراهِيمَ أنَّ نَافعَ بنَ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أخْبَرَهُ أنَّه سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَن المُغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنَّهُ كانَ مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ وأنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ وأنَّ مُغِيرَةَ جَعلَ يَصُبُّ الماءَ عَلَيْهِ وَهْوَ يتَوَضَّاُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ويَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسهِ وَمَسَحَ عَلَى الخفَّيْنِ..
ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا لأجل الِاسْتِدْلَال على الْإِعَانَة فِي الْوضُوء.

بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة.
الأول: عَمْرو بن عَليّ الفلاس، أحد الْحفاظ الْأَعْلَام الْبَصرِيين.
الثَّانِي: عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ.
الرَّابِع: سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي التَّابِعِيّ، قَاضِي الْمَدِينَة.
الْخَامِس: نَافِع بن جُبَير بن مطعم الْقرشِي النَّوْفَلِي الْمدنِي التَّابِعِيّ.
السَّادِس: عُرْوَة بن الْمُغيرَة الثَّقَفِيّ الْكُوفِي.
السَّابِع: الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم، تقدم فِي آخر كتاب الْإِيمَان، وَهُوَ بِاللَّامِ مثل: الْحَارِث، فِي أَنه علم يدْخلهُ لَام التَّعْرِيف على سَبِيل الْجَوَاز، لَا مثل: النَّجْم للثريا، فَإِن التَّعْرِيف بِاللَّامِ لَازم فِيهِ.
فَإِن قلت: لماذا يدْخلُونَ اللَّام فِي مثل الْمُغيرَة وَمَا فَائِدَته؟ قلت: للمح الوصفية.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِالْجمعِ والإفراد والإخبار كَذَلِك وَالسَّمَاع والعنعنة، وراعى البُخَارِيّ أَلْفَاظ الشُّيُوخ بِعَينهَا حَيْثُ فرق بَين التحديث والإخبار وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ أَرْبَعَة من التَّابِعين يرْوى بَعضهم عَن بعض، وَهُوَ من أحسن اللطائف: اثْنَان مِنْهُم تابعيان صغيران وهما: يحيى وَسعد، وَاثْنَانِ تابعيان وسطان وهما: نَافِع بن جُبَير وَعُرْوَة بن الْمُغيرَة، وهم من نسق وَاحِد.
وَفِيه رِوَايَة الأقران فِي موضِعين الأول فِي الصغيرين وَالثَّانِي فِي الوسطين.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن عَمْرو بن خَالِد عَن اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد، وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا، وَفِي اللبَاس عَن أبي نعيم عَن زَكَرِيَّا بن ابي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ عَنهُ بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ نَحوه، وَلم يذكر قصَّة الصَّلَاة خلف عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن مُسَدّد عَن عِيسَى بن يُونُس عَن أَبِيه عَن الشّعبِيّ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ مِنْهُ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس وَعَمْرو بن الْحَارِث، ثَلَاثَتهمْ عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، إلاَّ أَن مَالِكًا لم يذكر عُرْوَة بن الْمُغيرَة، وَعَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن غنْدر عَن بشر بن الْفضل عَن ابْن عون عَن الشّعبِيّ بِهِ، وَهُوَ أتم، وَعَن قُتَيْبَة بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( أَنه كَانَ) أَي: أَن الْمُغيرَة كَانَ مَعَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأدّى عُرْوَة كَلَام أَبِيه بِعِبَارَة نَفسه، وإلاَّ فَمُقْتَضى الْحَال أَن يَقُول: قَالَ إِنِّي كنت مَعَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَكَذَا قَوْله: ( وَأَن الْمُغيرَة) جعل وَالضَّمِير فِي و: أَنه، وَفِي: لَهُ، للرسول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( جعل) أَي: طفق من أَفعَال المقاربة.
قَوْله: ( هُوَ يتَوَضَّأ) جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: ( فَغسل) ، الْفَاء: فِيهِ هِيَ الْفَاء الَّتِي تدخل بَين الْمُجْمل والمفصل، لِأَن الْمفصل كَأَنَّهُ يعقب الْمُجْمل، كَمَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِن فاؤا فَإِن الله غَفُور رَحِيم وَإِن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم} ( الْبَقَرَة: 6، 7) لتفصيل قَوْله تَعَالَى: { اللَّذين يؤلون من نِسَائِهِم} ( الْبَقَرَة: 6) فَإِن قلت: لِمَ قَالَ: فَغسل، مَاضِيا وَلم يقل بِلَفْظ الْمُضَارع ليناسب لفظ: يتَوَضَّأ؟ قلت: الْمَاضِي هُوَ الأَصْل، وَعدل فِي: يتَوَضَّأ، إِلَى الْمُضَارع حِكَايَة عَن الْحَال الْمَاضِيَة.
قَوْله: ( وَمسح بِرَأْسِهِ وَمسح على الْخُفَّيْنِ) إِنَّمَا ذكر فِي الأول حرف الإلصاق لِأَنَّهُ الأَصْل، وَفِي الثَّانِي كلمة: على، نظرا إِلَى الاستعلاء، كَمَا يُقَال: مسح إِلَى الكعب، نظرا إِلَى الِانْتِهَاء، وبحسب الْمَقَاصِد تخْتَلف صلات الْأَفْعَال.
فَإِن قلت: لم كرر لفظ: مسح، وَلم يُكَرر لفظ: غسل؟ قلت: لِأَنَّهُ يُرِيد بِذكر الْمسْح على الْخُفَّيْنِ بَيَان تأسيس قَاعِدَة شَرْعِيَّة، فَصرحَ اسْتِقْلَالا بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، بِخِلَاف قَضِيَّة الْغسْل فَإِنَّهَا مقررة بِنَصّ الْقُرْآن.

بَيَان ابستنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: جَوَاز الِاسْتِعَانَة بِغَيْرِهِ فِي الْوضُوء، لَكِن من يَدعِي أَن الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِغَيْر الْمَشَقَّة والاحتياج لَا يتم لَهُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ كَانَ فِي السّفر.
الثَّانِي: فِيهِ حكم مسح الرَّأْس.
الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَبَقِيَّة الْكَلَام بَعْضهَا مضى وَبَعضهَا يَأْتِي فِي بابُُ: الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
الرَّابِع: فِيهِ من الْأَدَب خدمَة الصَّغِير للكبير، وَلَو كَانَ لَا يَأْمر بذلك.