فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المسح على الخفين

( بابُُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْن)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهِرَة، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي حكمٍ من أَحْكَام الْوضُوء.



[ قــ :198 ... غــ :202 ]
- حدّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ المِصْرِيُّ عَنِ ابنِ وهْبٍ قالَ حدّثنى عمْرٌ وقَالَ حدّثنا أبُو النَّضْرِ عَنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ عنْ سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ وأنّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ سَألَ عُمرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إذَا حَدَّثكَ شَيْئاً سَعْدٌ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: أصبغ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره عين مُعْجمَة: ابو عبد الله بن وهب الْقرشِي الْمصْرِيّ، وَلم يكون فِي المصريين أحد أَكثر حَدِيثا مِنْهُ، وَأصبغ كَانَ وراقاً لَهُ، مر فِي بابُُ من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين.
الثَّالِث: عَمْرو، بِالْوَاو و: ابْن الْحَارِث أَبُو امية الْمُؤَدب الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ القارىء الْفَقِيه، مَاتَ بِمصْر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: أَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: سَالم بن أبي أُميَّة الْقرشِي الْمدنِي، مولى عمر بن عبد الله التَّيْمِيّ وكاتبه، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة.
الْخَامِس: أَبُو سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الْفَقِيه الْمدنِي، مر فِي كتاب الْوَحْي.
السَّادِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
السَّابِع: سعد بن أبي وَقاص، مر فِي بابُُ: إِذا لم يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة.
بينان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وبصيغة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من رُوَاته مصريون، وهم: أصبغ وَابْن وهب وَعَمْرو، وَثَلَاثَة مدنيون وهم: أَبُو النَّضر وَأَبُو سَلمَة وَابْن عمر.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ: أَبُو النَّصْر عَن أبي سَلمَة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ.
وَمِنْهَا: أَن مُعظم الروَاة قرشيون فُقَهَاء أَعْلَام.
وَمِنْهَا: أَن هَذَا من مُسْند سعد بِحَسب الظَّاهِر، وَكَذَا جعله أَصْحَاب الْأَطْرَاف، وَيحْتَمل أَن يكون من مُسْند عمر أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ أَبُو أَيُّوب الإفْرِيقِي عَن أبي النَّضر عَن أبي سَلمَة عَن ابْن عمر عَن عمر وَسعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالصَّوَاب قَول عَمْرو بن الْحَارِث عَن أبي النَّضر عَن أبي سَلمَة عَن ابْن عمر عَن سعد.

بَيَان من أخرجه غَيره لم يُخرجهُ البُخَارِيّ إلاَّ هَهُنَا، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَلم يخرج مُسلم فِي الْمسْح إلاَّ لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد، والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِهِ.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( وَأَن عبد الله بن عمر) عطف على قَوْله: ( عَن عبد الله بن عمر) فَيكون مَوْصُولا إِن حمل على أَن أَبَا سَلمَة سمع ذَلِك من عبد الله، وإلاَّ فَأَبُو سَلمَة لم يدْرك الْقِصَّة، وَعَن ذَلِك قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا إِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَإِمَّا كَلَام أبي سَلمَة، وَالظَّاهِر هُوَ الثَّانِي.
قَوْله: ( عَن ذَلِك) أَي: عَن مسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخُفَّيْنِ.
قَوْله: ( شَيْئا) نكرَة عَام، لِأَن الْوَاقِع فِي سِيَاق الشَّرْط كالواقع فِي سِيَاق النَّفْي فِي إِفَادَة الْعُمُوم.
وَقَوله: ( حَدثَك) جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول.
وَقَوله: ( سعد) بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: ( فَلَا تسْأَل عَنهُ) أَي: عَن الشَّيْء الَّذِي حَدثهُ سعد.
قَوْله: ( غَيره) أَي: غير سعد، وَذَلِكَ لقُوَّة وثوقه بنقله.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: فِيهِ جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَلَا يُنكره إلاَّ المبتدع الضال.
.

     وَقَالَ ت الخوراج: لَا يجوز.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْبَدَائِع) : الْمسْح على الْخُفَّيْنِ جَائِز عِنْد عامفة الْفُقَهَاء، وَعَامة الصَّحَابَة إلاَّ شَيْئا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه لَا يجوز، وَهُوَ قَول الرافضة.
ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: أدْركْت سبعين بَدْرِيًّا من الصَّحَابَة كلهم يرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَلِهَذَا رَآهُ أَبُو حنيفَة من شَرَائِط أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
فَقَالَ: نَحن نفضل الشَّيْخَيْنِ، ونحب الخنتين، ونرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَلَا نحرم نَبِيذ الْجَرّ.
يَعْنِي: المثلث؛ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: مَا قلت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي مثل ضوء النَّهَار، فَكَانَ الْجُحُود ردا على كبار الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ونسبته إيَّاهُم إِلَى الْخَطَأ، فَكَانَ بِدعَة، وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِي: أَخَاف الْكفْر على من لَا يرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَالْأمة لم تخْتَلف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا جَاءَ كَرَاهَة ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
فَأَما الرِّوَايَة عَن عَليّ سبق الْكتاب بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ فَلم يرو ذَلِك عَنهُ بِإِسْنَاد مَوْصُول يثبت مثله.
وَأما عَائِشَة فَثَبت عَنْهَا أَنَّهَا أحالت بِعلم ذَلِك على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما ابْن عَبَّاس فَإِنَّمَا كرهه حِين لم يثبت مسح النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول الْمَائِدَة، فَلَمَّا ثَبت رَجَعَ إِلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْجَوْز قاني فِي ( كتاب الموضوعات) : إِنْكَار عَائِشَة غير ثَابت عَنْهَا.
.

     وَقَالَ  الكاشاني: وَأما الرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس فَلم تصح لِأَن مَدَاره على عِكْرِمَة، وَرُوِيَ أَنه لما بلغ عَطاء قَالَ: كذب عِكْرِمَة، وَرُوِيَ عَن عَطاء أَنه قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يُخَالف النَّاس فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فَلم يمت حَتَّى تَابعهمْ، وَفِي ( الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة: قَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِي قلبِي من الْمسْح شَيْء، فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثا عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا رفعوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لم يرفعوا؛ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: الْمسْح أفضل، يَعْنِي من الْغسْل، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِنَّمَا طلبُوا الْفضل، وَهَذَا مَذْهَب الشّعبِيّ وَالْحكم وَإِسْحَاق.
وَفِي ( هِدَايَة الْحَنَفِيَّة) : الْأَخْبَار فِيهِ مستفيضة حَتَّى إِن من لم يره كَانَ مبتدعاً، لَكِن من رَآهُ ثمَّ لم يمسح أَخذ بالعزيمة، وَكَانَ مأجوراً.
وَحكى الْقُرْطُبِيّ مثل هَذَا عَن مَالك أَنه قَالَ عِنْد مَوته: وَعَن مَالك فِيهِ أَقْوَال.
أَحدهمَا: أَنه لَا يجوز الْمسْح أصلا.
الثَّانِي: أَنه يجوز وَيكرهُ.
الثَّالِث، وَهُوَ الْأَشْهر: يجوز أبدا بِغَيْر تَوْقِيت.
الرَّابِع: أَنه يجوز بتوقيت.
الْخَامِس: يجوز للْمُسَافِر دون الْحَاضِر.
السَّادِس: عَكسه.
.

     وَقَالَ  إِسْحَاق وَالْحكم وَحَمَّاد الْمسْح أفضل من غسل الرجلَيْن، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: هما سَوَاء، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد.
.

     وَقَالَ  أَصْحَاب الشَّافِعِي: الْغسْل أفضل من الْمسْح بِشَرْط أَن لَا يتْرك الْمسْح رَغْبَة عَن السّنة، وَلَا يشك فِي جَوَازه.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: لَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء رُوِيَ عَنهُ إِنْكَار الْمسْح إلاَّ مَالِكًا، وَالرِّوَايَات الصِّحَاح عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك.
قلت: فِيهِ نظر لما فِي ( مُصَنف) ابْن أبي شيبَة من أَن مُجَاهدًا وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة كرهوه، وَكَذَا حكى أَبُو الْحسن النسابة عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَأبي إِسْحَاق السبيعِي وَقيس بن الرّبيع، وَحَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب عَن أبي بكر بن أبي دَاوُد والخوارج وَالرَّوَافِض.
.

     وَقَالَ  الْمَيْمُونِيّ عَن أَحْمد: فِيهِ سَبْعَة وَثَلَاثُونَ صحابياً، وَفِي رِوَايَة الْحسن بن مُحَمَّد عَنهُ أَرْبَعُونَ، وَكَذَا قَالَه الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) .

     وَقَالَ  ابْن حَاتِم: أحد وَأَرْبَعُونَ صحابياً.
وَفِي ( الْأَشْرَاف) عَن الْحسن: حَدثنِي بِهِ سَبْعُونَ صحابياً.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر بن عبد الْبر: مسح على الْخُفَّيْنِ سَائِر أهل بدر وَالْحُدَيْبِيَة وَغَيرهم من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَسَائِر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وفقهاء الْمُسلمين، وَقد أَشَرنَا إِلَى رِوَايَة وَخمسين من الصَّحَابَة فِي الْمسْح فِي شرحنا ( لمعاني الْآثَار) للطحاوي، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ.

الثَّانِي: فِيهِ تَعْظِيم لسعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

الثَّالِث: فِيهِ أَن الصَّحَابِيّ الْقَدِيم الصُّحْبَة قد يخفى عَلَيْهِ من الْأُمُور الجليلة فِي الشَّرْع مَا يطلع عَلَيْهِ غَيره، لِأَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أنكر الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مَعَ قدم صحبته وَكَثْرَة رِوَايَته.

الرَّابِع: فِيهِ أَن خبر الْوَاحِد إِذا حُف بالقرائن يُفِيد الْيَقِين، وَقد تكاثرت الرِّوَايَات بالطرق المتعددة من الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا لَا يفارقون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر وَلَا فِي السّفر، فَجرى ذَلِك مجْرى التَّوَاتُر.
وَحَدِيث الْمُغيرَة كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، فَسقط بِهِ من يَقُول آيَة الْوضُوء مَدَنِيَّة، وَالْمسح مَنْسُوخ بهَا، لِأَنَّهُ مُتَقَدم، إِذْ غَزْوَة تَبُوك آخر غَزْوَة كائنة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نزلت قبلهَا، وَمِمَّا يدل على أَن الْمسْح غير مَنْسُوخ حَدِيث جرير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ، وَهُوَ أسلم بعد الْمَائِدَة، وَكَانَ الْقَوْم يعجبهم ذَلِك.
وَأَيْضًا فَإِن حَدِيث الْمُغيرَة فِي الْمسْح كَانَ فِي السّفر فيعجبهم اسْتِعْمَال جرير لَهُ فِي الْحَضَر.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لما كَانَ إِسْلَام جرير مُتَأَخِّرًا علمنَا أَن حَدِيثه يعْمل بِهِ، وَهُوَ مُبين أَن المُرَاد بِآيَة الْمَائِدَة غير صَاحب الْخُف، فَتكون السّنة مخصصة لِلْآيَةِ.

الْخَامِس: فِيهِ دَلِيل على أَنهم كَانُوا يرَوْنَ نسخ السّنة بِالْقُرْآنِ، قَالَه الْخطابِيّ.

وقالَ مُوسَى بنُ عُقْبَةَ: أخْبَرَنِي أبُو النَّضْرِ أنّ أَبَا سَلَمَةَ أخْبَرَهُ أنَ سَعْداً حَدَّثَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ.


مُوسَى بن عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: التَّابِعِيّ، صَاحب الْمَغَازِي، مَاتَ سنة إِحْدَى واربعين وَمِائَة.
وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: مُوسَى، وَأَبُو النَّضر سَالم، وَأَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وهم على الْوَلَاء مدنيون.
وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا، فالإسماعيلي عَن أبي يعلى: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا وهيب عَن مُوسَى بن عقبَة عَن عُرْوَة ابْن الزبير أَن سَعْدا وَابْن عمر اخْتلفَا فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، فَلَمَّا اجْتمعَا عِنْد عمر قَالَ سعد لِابْنِ عمر: سل أَبَاك عَمَّا أنْكرت عَليّ! فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر: نعم، وَإِن ذهبت إِلَى الْغَائِط.
قَالَ مُوسَى: وَأَخْبرنِي سَالم أَبُو النَّضر عَن أبي سَلمَة بِنَحْوِ من هَذَا عَن سعد وَابْن عمر وَعمر،.

     وَقَالَ  عمر لِابْنِهِ، كَأَنَّهُ يلومه: إِذا حدث سعد عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَا تَبْغِ وَرَاء حَدِيثه شَيْئا.
وَالنَّسَائِيّ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد.
والْحَارث بن مِسْكين عَن ابْن وهب، وَعَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن مُوسَى.
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث وهيب بن خَالِد عَن مُوسَى،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَرِوَايَة عُرْوَة وَأبي سَلمَة عَن سعد وَابْن عمر فِي حَيَاة عمر مُرْسلَة.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: حَدِيث أبي سَلمَة عَن ابْن عمر فِي الْمسْح صَحِيح، قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ عَن حَدِيث ابْن عمر فِي الْمسْح مَرْفُوعا فَلم يعرفهُ.
.

     وَقَالَ  الْمَيْمُونِيّ: سَأَلت أَحْمد عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح، ابْن عمر يُنكر على سعد الْمسْح.
قلت: إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ مَسحه فِي الْحَضَر، كَمَا هُوَ مُبين فِي بعض الرِّوَايَات، وَأما السّفر فقد كَانَ ابْن عمر يُعلمهُ.
وَرَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ ابْن ابي خَيْثَمَة فِي ( تَارِيخه الْكَبِير) ، وَابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) من رِوَايَة عَاصِم عَن سَالم عَنهُ: ( رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على الْخُفَّيْنِ بِالْمَاءِ فِي السّفر) .

وَاعْلَم أَن خبر: إِن، فِي قَوْله: ( إِن سَعْدا) مَحْذُوف، تَقْدِيره: إِن سَعْدا حدث أَبَا سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ.
وَقَوله: ( فَقَالَ) : الْفَاء، عطف على ذَلِك الْمُقدر.
قَوْله: ( نَحوه) مَنْصُوب بِأَنَّهُ مقول القَوْل، أَي: نَحْو إِذا حَدثَك سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تسْأَل عَنهُ غَيره.





[ قــ :199 ... غــ :03 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ الحَرَّانِيُّ قالَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بنِ إبْراهِيمَ عَنْ نافِعِ بنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بنِ المُغِيرَةِ عَنْ أبِيهِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْه عَنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فاتَّبَعَهُ المُغيرةُ بِادَاوَةٍ فِيها ماءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عَمْرو، بِالْوَاو: ابْن خَالِد بن فروخ، بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَة وَضم الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة: ابو الْحسن الْحَرَّانِي، ونسبته إِلَى حران، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وَبعد الالف نون.
قَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع بالجزيرة بَين الْعرَاق وَالشَّام.
قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَه، بل هِيَ مَدِينَة قديمَة بَين دجلة والفرات كَانَت تعدل ديار مصر، وَالْيَوْم خراب.
وَقيل: هِيَ مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ويوسف وَإِخْوَته، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.
.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ: لما خرج نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من السَّفِينَة بناها.
وَقيل: إِنَّمَا بناها ران، خَال يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فأبدلت الْعَرَب الْهَاء حاء فَقَالُوا: احران.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ.
الثَّالِث: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.
تقدما فِي كتاب الْوَحْي.
الرَّابِع: سعد، بِسُكُون الْعين؛ إِبْنِ ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الْخَامِس: نَافِع بن جُبَير بن مطعم.
السَّادِس: عُرْوَة بن الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
السَّابِع: أَبُو الْمُغيرَة بن شُعْبَة.

بَيَان لطائف اسناده الاول: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة الْكَثِيرَة.
وَالثَّانِي: أَن رُوَاته مَا بَين حراني ومصري ومدني.
وَالثَّالِث: فِيهِ أَرْبَعَة من التَّابِعين على الْوَلَاء، وهم: يحيى وَسعد وَنَافِع وَعُرْوَة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع فِي الطَّهَارَة عَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَعَن عَمْرو ابْن خَالِد عَن اللَّيْث، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن سعد، وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَنهُ بِهِ، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا، وَفِي اللبَاس عَن أبي نعيم عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ عَنهُ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة، وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَزَاد فِي قصَّة الصَّلَاة خلف عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد بن صَالح، وَلم يذكر قصَّة الصَّلَاة، وَعَن مُسَدّد عَن عِيسَى بن يُونُس.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد والْحَارث بن مِسْكين وَعَن قُتَيْبَة مُخْتَصرا وَعَن عبد الله بن سعد ابْن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح.

بَيَان الْمعَانِي قَوْله: ( أَنه خرج لِحَاجَتِهِ) وَفِي الْبابُُ الَّذِي بعد هَذَا أَنه كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك على تردد فِي ذلم من بعض رُوَاته ولمالك وَأحمد وَأبي دَاوُود من طَرِيق عباد بن زيد عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة أَنه كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك بِلَا تردد وَأَن ذَلِك كَانَ عِنْد صَلَاة الْفجْر قَوْله: ( فَأتبعهُ الْمُغيرَة) .
من الِاتِّبَاع؛ بتَشْديد التَّاء: من بابُُ الافتعال، ويروى: فَاتبعهُ، من الِاتِّبَاع بِالتَّخْفِيفِ من بابُُ الإفعال.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ من طَرِيق مَسْرُوق عَن الْمُغيرَة فِي الْجِهَاد وَغَيره: أَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَهُوَ الَّذِي أمره أَن يتبعهُ بِالْإِدَاوَةِ.
وَزَاد: ( حَتَّى توارى عني فَقضى حَاجته، ثمَّ أقبل فَتَوَضَّأ) .
وَعند أَحْمد من طَرِيق أُخْرَى عَن الْمُغيرَة أَن المَاء الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ أَخذه الْمُغيرَة من أعرابية صبته لَهُ من قربَة كَانَت جلد ميتَة، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سلها إِن كَانَت دبغتها فَهُوَ طهُور مَاؤُهَا.
قَالَ: إِنِّي وَالله دبغتها.
قَوْله: ( بإداوة) بِكَسْر الْهمزَة، أَي بمطهرة.
قَوْله: ( فَتَوَضَّأ) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد زِيَادَة وَهِي: ( وَعَلِيهِ جُبَّة شامية) .
وَفِي رِوَايَة ابي دَاوُد: ( من صوف من جبات الرّوم) .
وللبخاري فِي رِوَايَته الَّتِي مَضَت فِي بابُُ الرجل يوضىء صَاحبه: ( فَغسل وَجهه وَيَديه) ، وَذهل الْكرْمَانِي عَن هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: فَإِن قلت الْمَفْهُوم من قَوْله: ( فَتَوَضَّأ وَمسح) أَنه غسل رجلَيْهِ وَمسح خفيه، لِأَن التَّوَضُّؤ لَا يُطلق إلاَّ على غسل تَمام أَعْضَاء الْوضُوء، ثمَّ قَالَ: قلت: المُرَاد بِهِ هَهُنَا غسل غير الرجلَيْن بِقَرِينَة عطف مسح الْخُفَّيْنِ عَلَيْهِ للْإِجْمَاع على عدم وجوب الْجمع بَين الْغسْل وَالْمسح، أَقُول: وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الْجِهَاد: ( إِنَّه تمضمض واستنشق وَغسل وَجهه) .
زَاد أَحْمد فِي ( مُسْنده) ( ثَلَاث مَرَّات، فَذهب يخرج يَدَيْهِ من كميه فَكَانَا ضيقين، فأخرجهما من تَحت الْجُبَّة) .
وَلمُسلم من وَجه آخر: ( وَألقى الْجُبَّة على مَنْكِبَيْه) .
وَلأَحْمَد: ( فَغسل يَده الْيُمْنَى ثَلَاث مَرَّات، وَيَده الْيُسْرَى ثَلَاث مَرَّات) .
وللبخاري، فِي رِوَايَة أُخْرَى: ( وَمسح بِرَأْسِهِ) .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: ( وَمسح بناصيته على الْعِمَامَة وعَلى الْخُفَّيْنِ) ، وَلَو تَأمل الْكرْمَانِي هَذِه الرِّوَايَات لما التجأ إِلَى هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة، كَمَا مر فِي بابُُه.
الثَّالِث: فِيهِ الِانْتِفَاع بجلود الميتات إِذا كَانَت مدبوغة.
الرَّابِع: فِيهِ الِانْتِفَاع بِثِيَاب الْكفَّار حَتَّى يتَحَقَّق نجاستها لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لبس الْجُبَّة الرومية، وَاسْتدلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيّ على أَن الصُّوف لَا يَتَنَجَّس بِالْمَوْتِ، لِأَن الْجُبَّة كَانَت شامية، وَكَانَ الشَّام إِذْ ذَاك دَار كفر، ومأكول أَهلهَا الميتات.
الْخَامِس: فِيهِ الرَّد على من زعم أَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخ بِآيَة الْوضُوء الَّتِي فِي الْمَائِدَة لِأَنَّهَا نزلت فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع، وَكَانَت هَذِه الْقِصَّة فِي غَزْوَة تَبُوك وَهِي بعْدهَا بِلَا خلاف.
السَّادِس: فِيهِ التشمير فِي السّفر وَلبس الثِّيَاب الضيقة فِيهِ لكَونهَا أعون على ذَلِك.
السَّابِع: فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد فِي الْأَحْكَام وَلَو كَانَت امْرَأَة، سَوَاء كَانَ ذَلِك فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى ام لَا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قبل خبر الأعرابية.
الثَّامِن: فِيهِ اسْتِحْبابُُ التواري عَن أعين النَّاس عِنْد قَضَاء الْحَاجة والإبعاد عَنْهُم.
التَّاسِع: فِيهِ جَوَاز خدمَة السادات بِغَيْر إذْنهمْ.
الْعَاشِر: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الدَّوَام على الطَّهَارَة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، امْر الْمُغيرَة أَن يتبعهُ بِالْمَاءِ لأجل الْوضُوء.
الْحَادِي عشر: فِيهِ أَن الِاقْتِصَار على غسل مُعظم الْمَفْرُوض غسله لَا يجوز لإخراجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ من تَحت الْجُبَّة، وَلم يكتف بِمَا بَقِي.





[ قــ :00 ... غــ :04 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قالَ حدّثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيىَ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ جعْفَرِ بنِ عَمرٍ وبنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أنّ أباهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْسَحُ عَلَى الخفَّيْنِ.

( الحَدِيث 04 طرفه فِي: 05) .

مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير التَّابِعِيّ.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، تقدمُوا فِي بابُُ كِتَابَة الْعلم.
الْخَامِس: جَعْفَر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، بالضاد الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة: أَخُو عبد الْملك بن مَرْوَان من الرضَاعَة، من كبار التَّابِعين، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين.
السَّادِس: عَمْرو بن أُميَّة، شهد بَدْرًا وأُحداً مَعَ الْمُشْركين، وَأسلم حِين انْصَرف الْمُشْركُونَ عَن أحد، وَكَانَ من رجال الْعَرَب نجدة وجراءة، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، للْبُخَارِيّ مِنْهَا حديثان، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة والإخبار.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: يحيى وابو سَلمَة وجعفر.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري ومدني.

بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن عَبَّاس الْعَنْبَري عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَرْب بن شَدَّاد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن مُصعب عَن الْأَوْزَاعِيّ.

بَيَان الحكم: وَهُوَ مَشْرُوعِيَّة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.

وتابَعَهُ حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ وأبَانُ عَنْ يَحْيىَ
اي: تَابع شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور حَرْب بن شَدَّاد.
فَقَوله: ( حَرْب) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: تَابعه، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى شَيبَان، وَقد وَصله النَّسَائِيّ عَن عَبَّاس الْعَنْبَري عَن عبد الرَّحْمَن عَن حَرْب عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة.
قَوْله: ( وَأَبَان) عطف على حَرْب، وَهُوَ أبان بن يزِيد الْعَطَّار، وَحَدِيثه وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي ( مُعْجَمه الْكَبِير) عَن مُحَمَّد ابْن يحيى بن الْمُنْذر الْقَزاز، حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبان بن يزِيد عَن يحيى فَذكره.
ثمَّ إعلم أَن أبان، عِنْد من صرفه، الْألف فِيهِ أَصْلِيَّة، ووزنه: فعال، وَمن مَنعه عَكسه.
فَقَالَ: الْهمزَة زَائِدَة وَالْألف بدل من الْيَاء، لِأَن أَصله بَين.





[ قــ :01 ... غــ :05 ]
- حدّثنا عَبْدَانُ قالَ أخْبرنا عَبْدُ اللَّهُ قَالَ أخْبرنا الاَوْزاعِيُّ عَنْ يَحْيىَ عَن أبي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ رَأيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْسَحُ عَلى عِمَامَتِهِ وخُفَّيْهِ.

( انْظُر الحَدِيث: 04) .

مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عَبْدَانِ، بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: لقب عبد الله بن عُثْمَان الْعَتكِي الْحَافِظ.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، شيخ الْإِسْلَام، تقدما فِي كتاب الْوَحْي.
الثَّالِث: الْأَوْزَاعِيّ، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن، تقدم فِي كتب الْعلم فِي بابُُ الْخُرُوج فِي طلب الْعلم.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير.
الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
السَّادِس: جَعْفَر بن عَمْرو.
السَّابِع: أَبوهُ عَمْرو بن أُميَّة.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والإخبار بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وشامي ومدني.
بَيَان الْمَعْنى قَوْله: ( على عمَامَته وخفيه) ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ مَشْهُور عَنهُ، وَأسْقط بعض الروَاة عَنهُ جعفراً من الْإِسْنَاد هُوَ خطأ، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ،.

     وَقَالَ  الْأصيلِيّ: ذكر الْعِمَامَة فِي هَذَا الحَدِيث من خطأ الْأَوْزَاعِيّ، لِأَن شَيبَان رَوَاهُ عَن يحيى وَلم يذكرهَا، وَتَابعه حَرْب وَأَبَان، وَالثَّلَاثَة خالفوا الْأَوْزَاعِيّ، لِأَن شَيبَان رَوَاهُ عَن يحيى، فَوَجَبَ تَغْلِيب الْجَمَاعَة على الْوَاحِد.
أَقُول: على تَقْدِير تفرد الْأَوْزَاعِيّ بِذكر الْعِمَامَة لَا يسْتَلْزم ذَلِك تخطئته، لِأَنَّهُ زِيَادَة من ثِقَة غير مُنَافِيَة لرِوَايَة غَيره فَتقبل.

بَيَان الحكم وَهُوَ شَيْئَانِ: أَحدهمَا: الْمسْح على الْعِمَامَة.
وَالْآخر: على الْخُفَّيْنِ.
أما الأول: فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَذهب الإِمَام أَحْمد إِلَى جَوَاز الِاقْتِصَار على الْعِمَامَة بِشَرْط الاعمام بعد كَمَال الطَّهَارَة، كَمَا فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَاحْتج المانعون بقوله تَعَالَى: { وامسحوا برؤوسكم} ( الْمَائِدَة: 6) وَمن مسح على الْعِمَامَة لم يمسح على رَأسه، وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز مسح الْوَجْه فِي التَّيَمُّم على حَائِل دونه، فَكَذَلِك الرَّأْس.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: فرض الله مسح الرَّأْس، والْحَدِيث فِي مسح الْعِمَامَة مُحْتَمل للتأويل، فَلَا يتْرك الْمُتَيَقن للمحتمل.
قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ مسح على الْعِمَامَة: أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عمر وَأنس وَأَبُو أُمَامَة، وَرُوِيَ عَن سعد بن مَالك وَأبي الدارداء.
وَبِه قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَقَتَادَة وَمَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ وابو ثَوْر.
.

     وَقَالَ  عُرْوَة وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالقَاسِم وَمَالك وَالشَّافِعِيّ واصحاب الرَّأْي: لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهَا؛ وَفِي ( المغنى) : وَمن شَرَائِط جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَن تكون تَحت الحنك، سَوَاء أرْخى لَهَا ذؤابة أم لَا، قَالَه القَاضِي، وَلَا فرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة إِذا وَقع عَلَيْهَا الِاسْم.
وَقيل: إِنَّمَا لم يجز الْمسْح على الْعِمَامَة الَّتِي لَيْسَ لَهَا حنك، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالتلحي وَنهى عَن الاقتعاط.
قَالَ أَبُو عبيد: الاقتعاط: أَن لَا يكون تَحت الحنك مِنْهَا شَيْء.
وَرُوِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رأى رجلا لَيْسَ تَحت حنكه من عمَامَته شَيْء، فحنكه بكور مِنْهَا،.

     وَقَالَ : مَا هَذِه الفاسقية؟ الشَّرْط الثَّانِي: أَن تكون ساترة لجَمِيع الرَّأْس إلاَّ مَا جرت الْعَادة بكشفه، كمقدم الرَّأْس والأذنين، وَيسْتَحب أَن يمسح على مَا ظهر من الرَّأْس مَعَ الْمسْح على الْعِمَامَة، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَلَا يجوز الْمسْح على القلنسوة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم أحدا قَالَ بِالْمَسْحِ على القلنسوة إلاَّ أنسا مسح على قلنسوته.
وَفِي جَوَاز الْمسْح للْمَرْأَة على الْخمار رِوَايَتَانِ: احداهما: يجوز، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز.
قَالَ نَافِع وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، وَلَا يجوز الْمسْح على الْوِقَايَة قولا وَاحِدًا، وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا لِأَنَّهُ لَا يشق نَزعهَا.
وَأما الحكم الثَّانِي: للْحَدِيث فقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

وتابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيىَ عَنْ أبي سَلَمَة عَنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِه وخُفَّيْهِ.

أَي: تَابع الْأَوْزَاعِيّ معمر بن رَاشد.
فَقَوله: ( معمر) بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله: ( تَابعه) ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ للأوزاعي، وَهَذِه الْمُتَابَعَة مُرْسلَة وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْعِمَامَة، لما روى عَنهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن عمر،.

     وَقَالَ : ( رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على خفيه) ، هَكَذَا وَقع فِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق، وَلم يذكر الْعِمَامَة.
وَأَبُو سَلمَة لم يسمع من عَمْرو، وَإِنَّمَا سمع من أَبِيه جَعْفَر، فَلَا حجَّة فِيهَا.
قَالَه الْكرْمَانِي، قلت: وَقع فِي كتاب الطَّهَارَة لِابْنِ مُنْذر من طَرِيق معمر: وَفِيه إِثْبَات ذكر الْعِمَامَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: سَماع أبي سَلمَة من عَمْرو مُمكن، فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ، وَأَبُو سَلمَة مدنِي، وَقد سمع من خلق مَاتُوا قبل عمر.
وَقلت: كَونه مدنياً وسماعه من خلق مَاتُوا قبله لَا يسْتَلْزم سَمَاعه من عَمْرو، وبالاحتمال لَا يثبت ذَلِك.