فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يمضمض من اللبن؟

( بابُُ هَل يمضم من اللَّبن)
بابُُ، بِالسُّكُونِ: غير مُعرب، لِأَن الْإِعْرَاب يَقْتَضِي التَّرْكِيب، فَإِن قدر شَيْء قبله نَحْو: هَذَا بابُُ، يكون معرباً على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
قَوْله: ( يمضمض) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع، وَفِي بعض النّسخ: ( هَل يتمضمض) ، وَكلمَة: هَل، للاستفهام على سَبِيل الاستفسار.



[ قــ :207 ... غــ :211 ]
- حدّثنا يَحْيىَ بنُ بُكَيرٍ وقُتَيْبَةُ قالاَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ عتْبَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرِبَ لَبَناً فَمَضْمَضَ.

     وَقَالَ  إنّ لَهُ دَسمَاً.

( الحَدِيث 211 طرفه فِي: 5609) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم سَبْعَة تقدم ذكرهم، وَبُكَيْر بِضَم الْبَاء، وَعقيل بِضَم الْعين، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن عبيد الله بتصغير الابْن وتكبير الاب، وَعتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الثَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ شيخين للْبُخَارِيّ وهما: ابْن بكير وقتيبة بن سعيد، كِلَاهُمَا يرويان عَن اللَّيْث بن سعد، وَهَذَا أحد الْأَحَادِيث الَّتِي أخرجهَا الْأَئِمَّة السِّتَّة غير ابْن مَاجَه عَن شيخ وَاحِد وَهُوَ قُتَيْبَة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين مصري وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، وَاللَّيْث وَعقيل، وبلخي وَهُوَ قُتَيْبَة ومدني وَهُوَ ابْن شهَاب وَعبيد الله.

بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى، وَعَن أَحْمد بن عِيسَى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ.

بَيَان الْمَعْنى وَالْحكم قَوْله: ( دسماً) مَنْصُوب لِأَنَّهُ إسم: إِن، وَقدم عَلَيْهِ خَبره.
و: الدسم، بِفتْحَتَيْنِ: الشَّيْء الَّذِي يظْهر على اللَّبن من الدّهن.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ من دسم الْمَطَر الأَرْض إِذا لم يبلغ أَن يبل الثرى، و: الدسم، بِضَم الدَّال وَسُكُون السِّين: الشَّيْء الْقَلِيل.

وَأما الحكم فَفِيهِ دلَالَة على اسْتِحْبابُُ تنظيف الْفَم من أثر اللَّبن وَنَحْوه.
ويستنبط مِنْهُ أَيْضا اسْتِحْبابُُ تنظيف الْيَدَيْنِ.

تابَعَهُ يُونُسُ وصالِحُ بنُ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع عقيلاً يُونُس بن يزِيد.
وَقَوله: ( يُونُس) فَاعل: ( تَابع) ، وَالضَّمِير يرجع إِلَى: عقيل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يرويهِ عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَوَصله مُسلم عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب، حَدثنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب بِهِ.
قَوْله: ( وَصَالح بن كيسَان) اي: تَابع عقيلاً أَيْضا صَالح بن كيسَان، وَوَصله أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي ( مُسْنده) وَتَابعه أَيْضا الْأَوْزَاعِيّ.
أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي عَاصِم عَنهُ بِلَفْظ حَدِيث الْبابُُ.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، فَذكره بِصِيغَة الْأَمر: ( مضمضوا من اللَّبن) الحَدِيث.
وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن اللَّيْث بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وَأخرج ابْن مَاجَه من حَدِيث أم سَلمَة وَسَهل بن سعد مثله.
وَإسْنَاد كل مِنْهُمَا حسن.
وَفِي ( التَّهْذِيب) لِابْنِ جرير الطَّبَرِيّ: هَذَا خبر عندنَا صَحِيح وَإِن كَانَ عِنْد غَيرنَا فِيهِ نظر لاضطراب ناقليه فِي سَنَده، فَمن قَائِل: عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس، من غير إِدْخَال: عبيد الله، بَينهمَا؛ وَمن قَائِل: عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله أَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من غير ذكر: ابْن عَبَّاس.

وَبعد فَلَيْسَ فِي مضمضته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وجوب مضمضة وَلَا وضوء على من شربه، إِذا كَانَت أَفعاله غير لَازِمَة الْعَمَل بهَا لأمته، إِذا لم تكن بَيَانا عَن حكم فرض فِي التَّنْزِيل.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن ابْن مَاجَه رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم ... الحَدِيث ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَفِي حَدِيث مُوسَى بن يَعْقُوب عِنْده ايضاً، وَهُوَ بِسَنَد صَحِيح، قَالَ: حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله بن زَمعَة عَن أَبِيه عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا: ( إِذا شربتم اللَّبن فمضمضوا فَإِن لَهُ دسماً) ، وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث عبد المهين بن عَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مضمضوا من اللَّبن فَإِن لَهُ دسما) .
وَعند ابْن أبي حَاتِم فِي ( كتاب الْعِلَل) من حَدِيث أنس: ( هاتوا مَاء، فَمَضْمض بِهِ) .
وَفِي حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ من عِنْد ابْن شاهين: ( فَمَضْمض من دسمه) .
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن زيد بن حبابُ عَن مُطِيع بن رَاشد عَن تَوْبَة الْعَنْبَري، سمع أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( شرب لَبَنًا فَلم يمضمض وَلم يتَوَضَّأ وَصلى) ، يدل على نسخ الْمَضْمَضَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : يخدش فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد بن منيع فِي ( مُسْنده) بِسَنَد صَحِيح: حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( أَنه كَانَ يمضمض من اللَّبن ثَلَاثًا) ، فَلَو كَانَ مَنْسُوخا لما فعله بعد النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قلت: لَا يلْزم من فعله هَذَا، وَالصَّوَاب فِي هَذَا أَن الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الْأَمر بالمضمضة أَمر اسْتِحْبابُُ لَا وجوب، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الْمَذْكُور آنِفا، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، بِإِسْنَاد حسن عَن أنس: ( أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شرب لَبَنًا فَلم يتمضمض وَلم يتَوَضَّأ) .
فَإِن قلت: ادّعى ابْن شاهين أَن حَدِيث أنس نَاسخ لحَدِيث ابْن عَبَّاس.
قلت: لم يقل بِهِ أحد، وَمن قَالَ فِيهِ بِالْوُجُوب حَتَّى يحْتَاج إِلَى دَعْوَى النّسخ؟ .