فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب وكالة الشريك الشريك في القسمة وغيرها

( كَتابُ الوكالَةِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَنْوَاع الْوكَالَة وأحكامها وَفِي بعض النّسخ: كتاب فِي الْوكَالَة، وَوَقعت التَّسْمِيَة عِنْد أبي ذَر بعد كتاب الْوكَالَة، بِفَتْح الْوَاو، وَجَاء بِكَسْرِهَا وَهِي التَّفْوِيض، يُقَال: وكلت الْأَمر إِلَيْهِ وكلا ووكولاً إِذا فوضته إِلَيْهِ، وَجَعَلته نَائِبا فِيهِ، وَالْوكَالَة هِيَ الْحِفْظ فِي اللُّغَة، وَمِنْه الْوَكِيل فِي أَسمَاء الله تَعَالَى، وَالتَّوْكِيل تَفْوِيض الْأَمر وَالتَّصَرُّف إِلَى الْغَيْر، وَالْوَكِيل الْقَائِم بِمَا فوض إِلَيْهِ، وَالله أعلم.


( بابٌُ فِي وَكالَةِ الشَّرِيكِ الشَّرِيكِ فِي القِسْمَةِ وغَيْرِها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم وكَالَة الشَّرِيك فِي الْقِسْمَة.
قَوْله: ( الشَّرِيك فِي الْقِسْمَة) بدل من: الشَّرِيك، الأول.
قَوْله: ( أَو غَيرهَا) ، أَي: الشَّرِيك فِي غير الْقِسْمَة، وَلم يَقع عِنْد النَّسَفِيّ لفظ: بابُُ، وَإِنَّمَا الَّذِي عِنْده: كتاب الْوكَالَة ووكالة الشَّرِيك، بواو الْعَطف.
وقدْ أشْرَكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علِيّا فِي هَدْيهِ ثُمَّ أمَرَهُ بِقِسْمَتِهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشرك عليا فِي قسْمَة الْهَدْي.
فَإِن قلت: لَيْسَ من الْبابُُ مَا يدل على الشّركَة فِي غير الْقِسْمَة.
قلت: يُؤْخَذ هَذَا بطرِيق الْإِلْحَاق، ثمَّ فِي الحَدِيث شَيْئَانِ: أَحدهمَا: التَّشْرِيك فِي الْهَدْي، وَالْآخر: التَّشْرِيك فِي الْقِسْمَة.
أما الأول: فَرَوَاهُ جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عليا أَن يُقيم على إِحْرَامه وأشرك فِي الْهَدْي، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي الشّركَة.
وَالْآخر: حَدِيث عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يقوم على بدنه وَأَن يقسم بدنه كلهَا، وَقد مضى فِي كتاب الْحَج مَوْصُولا فِي: بابُُ لَا يُعْطي الجزار من الْهَدْي شَيْئا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: يَعْنِي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقُمْت على الْبدن فَأمرنِي فقسمت لحومها، ثمَّ أَمرنِي فقسمت جلالها وجلودها.



[ قــ :2205 ... غــ :2299 ]
- حدَّثنا قَبيصَةُ قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ ابنِ أبِي نجيح عنْ مُجاهِدٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي لَيْلى عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أمَرَني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أتَصَدَّقَ بِجِلالِ الْبُدْنِ الَّتي نُحِرَتْ وبِجُلُودِها.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه علم أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أشركه فِي هَدْيه.
والْحَدِيث مر فِي الْبابُُ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن الَّذِي أخرجه عَن مُحَمَّد بن كثير، وَهنا أخرجه عَن قبيصَة، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقبَة العامري الْكُوفِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الله بن أبي نجيح إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، والجلال، بِكَسْر الْجِيم: جمع جلّ، وَالْبدن، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الدَّال وَضمّهَا: جمع بَدَنَة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وكَالَة الشَّرِيك جَائِزَة كَمَا تجوز شركَة الْوَكِيل، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فِي إِن ذَلِك مُبَاح مِنْهُ.





[ قــ :06 ... غــ :300 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يَزيدَ عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَة بنِ عامِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطاهُ غنَما يَقْسِمُها علَى صَحابَتِه فبَقِي عَتُودٌ فذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ضَحِّ أنْتَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا وَكله على قسْمَة الضَّحَايَا وَهُوَ شريك للْمَوْهُوب إِلَيْهِم، فتوكيله على ذَلِك كتوكيل شركائه الَّذين قسم بَينهم الْأَضَاحِي.
قيل: يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهب لكل وَاحِد من الْمَقْسُوم فيهم مَا صَار إِلَيْهِ فَلَا تتجه الشّركَة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ سَيَأْتِي حَدِيث فِي الْأَضَاحِي من طَرِيق آخر بِلَفْظ: أَنه قسم بَينهم ضحايا، فَدلَّ على أَنه عين تِلْكَ الْغنم للضحايا فوهب لَهُم جُمْلَتهَا، ثمَّ أَمر عقبَة بقسمتها، فَيصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لما ترْجم لَهُ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن خَالِد بن فروخ، مَاتَ بِمصْر فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب أَبُو الرَّجَاء.
الرَّابِع: أَبُو الْخَيْر ضد الشَّرّ مرْثَد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن عبد الله.
الْخَامِس: عقبَة بن عَمْرو.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وكل الروَاة مصريون غير أَن شَيْخه حراني حزرى لكنه سكن مصر وَمَات فِيهَا كَمَا ذكرنَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي الضحاياأيضا عَن عَمْرو بن خَالِد، فِي الشّركَة عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الضَّحَايَا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح.

قَوْله: ( عتود) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَهُوَ من أَوْلَاد الْمعز صَغِير إِذا قوي، وَفِي ( الصِّحَاح) : العتود مَا رعى وَقَوي وأتى عَلَيْهِ حول، وَقيل: إِذا قدر على السفاد، وَجمعه: أعتدة وعتان وعدان قَوْله: ( ضحِّ أَنْت) ، ويروى: ضح بِهِ أَي: بالعتود، وَهُوَ أَمر من: ضحى يُضحي تضحية.

وَفِيه: الْأُضْحِية بِمَا يعْطى.
وَفِيه: الِاخْتِصَار بالأضحية بالجذع من الْمعز، لِأَن العتود من أَوْلَاد الْمعز.
وَفِيه: التَّوْكِيل بِالْقِسْمَةِ.