فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب، أو في دار الإسلام جاز

( بابُُ مَا يُقَال إِذا مطرَت)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يُقَال إِذا مطرَت أَي السَّمَاء وَفِي بعض النّسخ إِذا مطرَت السَّمَاء بِإِظْهَار الْفَاعِل.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي كلمة مَا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة أَو استفهامية وَأَخذه بَعضهم فِي شَرحه وَلم يبين وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام فَنَقُول إِذا كَانَت مَوْصُولَة يكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان الَّذِي يُقَال عِنْد الْمَطَر وَأما إِذا كَانَت مَوْصُوفَة فَيكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان شَيْء يُقَال إِذا مطرَت فَيكون مَا الَّذِي بِمَعْنى شَيْء قد اتّصف بقوله يُقَال إِذا مطرَت وَذَلِكَ كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
( رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر ... لَهُ فُرْجَة كحل العقال)
أَي رب شَيْء تكرره النُّفُوس وَأما الاستفهامية فَيكون التَّقْدِير بابُُ فِي بَيَان أَي شَيْء يُقَال إِذا مطرَت قَوْله " مطرَت " بِلَا ألف من الثلاثي الْمُجَرّد رِوَايَة أبي ذَر وَعند الْبَقِيَّة " إِذا أمْطرت " بِالْألف من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ يُقَال مطرَت السَّمَاء تمطر ومطرتهم تمطرهم مَطَرا وأمطرتهم أَصَابَتْهُم بالمطر وأمطرهم الله فِي الْعَذَاب خَاصَّة ذكره ابْن سَيّده قَالَ الْفراء مطرَت السَّمَاء تمطر مَطَرا أَو مَطَرا فالمطر الْمصدر والمطر الِاسْم وناس يَقُولُونَ مطرَت السَّمَاء وأمطرت بِمَعْنى ( وَقَالَ ابْن عَبَّاس كصيب الْمَطَر) أَي قَالَ ابْن عَبَّاس الصيب الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى { أَو كصيب من السَّمَاء} المُرَاد مِنْهُ الْمَطَر وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا لمناسبته لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صيبا نَافِعًا " وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الصيب الْمَطَر وَعَن قَتَادَة وَمُجاهد وَعَطَاء وَالربيع بن أنس الصيب الْمَطَر.

     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن بن زيد { أَو كصيب من السَّمَاء} قَالَ أَو كغيث من السَّمَاء وَفِي تَفْسِير الضَّحَّاك الصيب الرزق.

     وَقَالَ  سُفْيَان الصيب الَّذِي فِيهِ الْمَطَر ( وَقَالَ غَيره صاب وَأصَاب يصوب) أَي قَالَ غير ابْن عَبَّاس كَأَنَّهُ يُشِير بِهِ إِلَى أَن اشتقاقه من الأجوف الواوي وَلَكِن لَا يُقَال أصَاب يصوب وَإِنَّمَا يُقَال صاب يصوب وَأصَاب يُصِيب.

     وَقَالَ  بَعضهم لَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل صاب وانصاب كَمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُحكم فَسَقَطت النُّون ( قلت) لَا يَزُول بِهَذَا الْإِشْكَال بل زَاد الْإِشْكَال إشْكَالًا لِأَنَّهُ لَا يُقَال انصاب يصوب بل يُقَال انصاب ينصاب انصبابُا وَالظَّاهِر أَن النساخ قدمُوا لَفْظَة أصَاب على لَفْظَة يصوب وَمَا كَانَ إِلَّا صاب يصوب وَأصَاب وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الثلاثي الْمُجَرّد والمزيد فِيهِ وَقد قُلْنَا أَنه أجوف واوي وأصل صاب صوب قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ويصوب أَصله يصوب بِسُكُون الصَّاد وَضم الْوَاو فاستثقلت الضمة على الْوَاو فنقلت إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ يصوب وأصل صيب صيوب اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء كسيد وميت وَيُقَال مطر صيب وصيوب وَصوب

[ قــ :2207 ... غــ :2301 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ ابْن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا رأى الْمَطَر قَالَ اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ مَا يُقَال عِنْد رُؤْيَة الْمَطَر.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي وَقد مر ذكره.
الثَّانِي عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
الثَّالِث عبيد الله بن عمر الْعمريّ.
الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق.
السَّادِس أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَفِيه أَنه بَينه بقوله هُوَ ابْن مقَاتل وَفِيه عبد الله بِالتَّكْبِيرِ وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَفِيه أَن نَافِعًا من جملَة من روى عَن عَائِشَة وَفِيه نزل عَنْهَا وَفِيه عبيد الله من جملَة من سمع عَن الْقَاسِم وَفِيه نزل عَنهُ مَعَ أَن معمرا قد رَوَاهُ عَن عبيد الله بن عمر عَن الْقَاسِم نَفسه بِإِسْقَاط نَافِع من السَّنَد أخرجه عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه رازيان وَالثَّلَاثَة الْبَقِيَّة مدنيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب وَعَن عَبدة بن عبد الرَّحِيم وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن هِشَام بن عمار ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا " كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة لَيست لَفْظَة اللَّهُمَّ وصيبا مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره يَا الله اجْعَل صيبا نَافِعًا ونافعا صفة صيبا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات " صبا نَافِعًا " من الصب أَي اصببه صبا نَافِعًا وَاحْترز بقوله " نَافِعًا " عَن الصيب الضار.

     وَقَالَ  ابْن قرقول ضَبطه الْقَابِسِيّ صيبا بِالتَّخْفِيفِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا رأى ناشئا فِي أفق السَّمَاء ترك الْعَمَل وَإِن كَانَ فِي صَلَاة ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرها فَإِن مُطِرْنَا قَالَ اللَّهُمَّ صيبا هَنِيئًا " وَعند النَّسَائِيّ " كَانَ إِذا مُطِرُوا قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سيبا نَافِعًا " وَعند ابْن مَاجَه " إِذا رأى سحابا مُقبلا من أفق من الْآفَاق ترك مَا هُوَ فِيهِ وَإِن كَانَ فِي صَلَاة حَتَّى يستقبله فَيَقُول اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من شَرّ من أرسل بِهِ فَإِن أمطر قَالَ اللَّهُمَّ سيبا نَافِعًا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَإِن كشفه الله تَعَالَى وَلم يمطروا حمد الله على ذَلِك ".

     وَقَالَ  الْخطابِيّ السيب الْعَطاء والسيب مجْرى المَاء وَالْجمع سيوب وَقد سَاب يسوب إِذا جرى
( تَابعه الْقَاسِم بن يحيى عَن عبيد الله وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَعقيل عَن نَافِع) الْقَاسِم بن يحيى بن عَطاء بن مقدم أَبُو مُحَمَّد الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْمَذْكُور.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح هَذِه الْمُتَابَعَة ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرائب عَن الْمحَامِلِي حَدثنَا حَفْص بن عمر أخبرنَا يحيى عَن عبيد الله وَلَفظه " صيبا هَنِيئًا " انْتهى ( قلت) لم يظْهر لي وَجه هَذِه الْمُتَابَعَة قَوْله " وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ " أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَلَفظه " هَنِيئًا " بدل " نَافِعًا " ( فَإِن قلت) الْوَلِيد مُدَلّس ( قلت) رُوِيَ فِي الغيلانيات من طَرِيق دُحَيْم عَن الْوَلِيد وَشُعَيْب بن إِسْحَق قَالَا حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي نَافِع وَأمن بِهَذَا عَن تَدْلِيس الْوَلِيد واستبعد صِحَة سَماع الْأَوْزَاعِيّ من نَافِع خلافًا لمن نَفَاهُ قَوْله " وَعقيل " بِالرَّفْع عطف على الْأَوْزَاعِيّ أَي وَرَوَاهُ أَيْضا عقيل بن خَالِد عَن نَافِع وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَذكر فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا فَمرَّة ذكر رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع وَمرَّة عَن رجل عَنهُ وَمرَّة عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن نَافِع وَذكره مرّة عَن عقيل عَن نَافِع.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) لم قَالَ أَولا تَابعه وَثَانِيا رَوَاهُ وَمَا فَائِدَة تَغْيِير الأسلوب ( قلت) إِمَّا لإِرَادَة التَّعْمِيم لِأَن الرِّوَايَة أَعم من أَن تكون على سَبِيل الْمُتَابَعَة أم لَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمَا لم يرويا عَن نَافِع بِوَاسِطَة عبيد الله بِخِلَاف الْقَاسِم فَلَا يَصح عطفهما عَلَيْهِ وَالله المتعال سُبْحَانَهُ هُوَ يعلم بِحَقِيقَة الْحَال



(بابٌُ إِذا وكَّلَ المُسْلِمُ حَرْبيا فِي دارِ الحَرْبِ أوْ فِي دارِ الإسْلامِ جازَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا وكَّل ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَفِي دَار الْإِسْلَام) أَي: أَو وكَّل حَرْبِيّا كَائِنا فِي دَار الْإِسْلَام، يَعْنِي: كَانَ الْحَرْبِيّ فِي دَار الْإِسْلَام بِأَمَان ووكَّله مُسلم.
قَوْله: (جَازَ) ، أَي: التَّوْكِيل، يدل عَلَيْهِ قَوْله: (وكل) كَمَا فِي قَوْله: { اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) .
أَي: الْعدْل أقرب ...


[ قــ :07 ... غــ :301 ]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني يوسُفُ بنُ المَاجِشُونِ عنْ صالِحِ بنِ إبْرَاهِيمَ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ عبدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوفٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كاتَبْتُ أُمَيَّةَ ابنَ خَلَفٍ كِتَابا بِأَن يَحْفَظَني فِي صاغِيَتِي بِمَكَّةَ وأحْفَظَهُ فِي صاغِيَتِهِ بالمَدِينَةِ فلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمانَ قَالَ لاَ أعْرِفُ الرَّحْمانَ كاتِبْنِي باسْمِكَ الذِي كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ فكَاتَبْتُهُ عبدُ عَمْرٍ وفلَمَّا كانَ فِي يَوْم بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لأحْرِزَهُ حينَ نامَ النَّاسُ فأبْصَرَهُ بلالٌ فخَرَجَ حتَّى وقَفَ علَى مَجْلِس مِنَ الأنْصَارِ فَقَالَ أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجا أُمَيَّةُ فَخَرجَ معَهُ فَرِيقٌ منَ الأنصَارِ فِي آثَارِنا فلَمَّا خَشِيتُ أنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمْ ابْنَهُ لأشْغلَهُمْ فقَتَلُوهُ ثمَّ أبَوْا حتَّى يَتْبَعُونا وكانَ رجُلاً ثَقيلاً فلمَّا أدْرَكُونَا.

قُلْتُ لَهُ ابْرُكْ فألْقَيْتُ علَيْهِ نَفْسِي لأِمْنَعَهُ فتَخَلَّلُوهُ بالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ وأصَابَ أحَدُهُم رِجلي بِسَيْفِهِ: وكانَ عَبْدُ الرَّحْمانِ يُرِينَا ذَلِكَ الأثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ.
(الحَدِيث 103 طرفه فِي: 1793) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهُوَ مُسلم فِي دَار الْإِسْلَام كَاتب إِلَى أُميَّة بن خلف، وَهُوَ كَافِر فِي دَار الْحَرْب بتفويضه إِلَيْهِ لينْظر فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ، وَهُوَ معنى التَّوْكِيل، لِأَن الْوَكِيل إنماهو مرصد لمصَالح مُوكله وَقَضَاء حَوَائِجه، ورد بِهَذَا مَا قَالَه ابْن التِّين: لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث، وكَالَة إِنَّمَا تعاقد أَن يجير كل وَاحِد مِنْهُمَا صاغية صَاحبه.
فَإِن قلت: بِمُجَرَّد هَذَا يَصح تَوْكِيل مُسلم حَرْبِيّا فِي دَار الْحَرْب.
قلت: الظَّاهِر أَن عبد الرَّحْمَن لم يفعل هَذَا إلاَّ باطلاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ فَدلَّ على صِحَّته.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة فِي شَيْئَيْنِ والْحَدِيث لَا يدل إلاَّ على أَحدهمَا، وَهُوَ: تَوْكِيل الْمُسلم حَرْبِيّا وَهُوَ فِي دَار الْحَرْب، قلت: إِذا صَحَّ هَذَا فتوكيله إِيَّاه فِي دَار الْإِسْلَام يكون بطرِيق الأولى أَن يَصح،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: تَوْكِيل الْمُسلم حَرْبِيّا مستأمنا وتوكيل الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن مُسلما لَا خلاف فِي جَوَاز ذَلِك.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي.
الثَّانِي: يُوسُف ابْن يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي سَلمَة الْمَاجشون، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا.
الثَّالِث: صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي، يكنى أَبَا عَمْرو.
الرَّابِع: أَبوهُ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، يكنى أَبَا إِسْحَاق، وَقيل: أَبَا مُحَمَّد، توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين.
الْخَامِس: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عبد عَوْف الْقرشِي أَبُو مُحَمَّد، أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَدفن بِالبَقِيعِ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَلَفظ الْمَاجشون هُوَ لقب يَعْقُوب وَهُوَ لفظ فَارسي وَمَعْنَاهُ: المورد.
وَفِيه: أَن الروَاة كلهم مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي مُخْتَصرا عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كاتبت أُميَّة بن خلف) يَعْنِي: كتبت إِلَيْهِ كتابا، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: عَاهَدت أُميَّة بن خلف وكاتبته، وَأُميَّة، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم المخففة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن خلف، بِالْخَاءِ وَاللَّام المفتوحتين: ابْن وهب ابْن حذافة بن جمح بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر.
.

     وَقَالَ  عُلَمَاء السّير: كَانَ أُميَّة بن خلف الجُمَحِي أَشد النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجَاء فِي يَوْم بِعظم نخر فَفتهُ فِي يَده،.

     وَقَالَ : يَا مُحَمَّد تزْعم أَن رَبك هَذَا، ثمَّ نفخه فطار، فَأنْزل الله تَعَالَى: { قَالَ: من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} (يس: 87) .
قَوْله: (صاغيتي) ، بصاد مُهْملَة وغين مُعْجمَة: هِيَ المَال، وَقيل: الْحَاشِيَة، يُقَال: صاغية الرجل: حَاشِيَته، وكل من يصغي إِلَيْهِ، أَي: يمِيل، وَعَن الْقَزاز: صاغية الرجل أَهله، يُقَال أكْرمُوا فلَانا فِي صاغيته، أَي: فِي أَهله،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: خالصته،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الصاغية هم الْقَوْم الَّذين يميلون إِلَيْهِ ويأتونه، أَي: أَتْبَاعه وحواشيه.
قلت: فعلى هَذَا تكون الصاغية مُشْتَقَّة من: صغيت إِلَى فلَان، أَي: ملت بسمعي إِلَيْهِ، وَمِنْه: { ولتصغي إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} (الْأَنْعَام: 311) .
وكل مائل إِلَى شَيْء أَو مَعَه فقد صغى إِلَيْهِ، وأصغى.
وَفِي حَدِيث الْهِرَّة: أَنه كَانَ يصغي لَهَا الْإِنَاء أَي: يميله إِلَيْهَا ليسهل عَلَيْهَا الشّرْب مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الصاغية خاصية الْإِنْسَان، والمائلون إِلَيْهِ ذكره فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، وَقيل: الْأَشْبَه أَن يكون هَذَا هُوَ الْأَلْيَق بتفسير هَذَا الحَدِيث، وَالله تَعَالَى أعلم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَرَوَاهُ الدَّاودِيّ: ظاعنتي، بالظاء المشالة الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة بعْدهَا نون، ثمَّ فسره: بِأَنَّهُ الشَّيْء الَّذِي يسفر إِلَيْهِ، قَالَ: وَلم أر هَذَا لغيره.
قَوْله: (لَا أعرف الرَّحْمَن) ، قَالَ بَعضهم: أَي: لَا أعترف بتوحيده.
قلت: هَذَا الَّذِي فسره لَا يَقْتَضِيهِ قَوْله: (لَا أعرف الرَّحْمَن) ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه لما كتب إِلَيْهِ ذكر اسْمه بِعَبْد الرَّحْمَن، فَقَالَ: مَا أعرف الرَّحْمَن الَّذِي جعلت نَفسك عبدا لَهُ، أَلا ترى أَنه قَالَ: كاتبني بِاسْمِك الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: عبد عَمْرو، فَلذَلِك كَاتبه: عبد عَمْرو، وَقيل: كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: عبد الْكَعْبَة فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الرَّحْمَن،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح مَعْنَاهُ لَا أعبد من تعبده، وَهَذِه حمية الْجَاهِلِيَّة الَّتِي ذكرت حِين لم يقرؤا كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة، لما كتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، قَالُوا: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن أكتب بِاسْمِك أللهم.
قَوْله: (وَلما كَانَ يَوْم بدر) ، يَعْنِي: غَزْوَة يَوْم بدر، وَكَانَت يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من رَمَضَان فِي السّنة الثَّانِيَة، قَالَه عُرْوَة بن الزبير وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَأَبُو جَعْفَر الباقر، وَقيل: غير ذَلِك، وَلَكِن لَا خلاف أَنَّهَا فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَبدر: بِئْر لرجل كَانَ يدعى بَدْرًا، قَالَه الشّعبِيّ.
.

     وَقَالَ  البلاذري: بدر اسْم مَاء لخَالِد بن النَّضر، بَينه وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد.
قَوْله: (لأحرزه) ، بِضَم الْهمزَة من الْإِحْرَاز أَي: لأحفظه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لأحوزه من الْحِيَازَة أَي: الْجمع، وَفِي بَعْضهَا من: الْحَوْز، أَي: الضَّبْط وَالْحِفْظ، وَفِي بَعْضهَا: من التحويز أَي: التبعيد.
قَوْله: (حِين نَام النَّاس) ، أَي: حِين رقدوا، وَأَرَادَ بذلك اغتنام غفلتهم ليصون دَمه.
قَوْله: (فَأَبْصَرَهُ بِلَال) ، أَي: أبْصر أُميَّة بِلَال بن حمامة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: بِلَال.
قَوْله: (أُميَّة بن خلف) ، بِالنّصب على الإغراء أَي: إلزموا أُميَّة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أُميَّة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: خبر مُبْتَدأ مُضْمر.
قلت: لَا يُقَال لمثل هَذَا الْمَحْذُوف مُضْمر، وَلَيْسَ بمصطلح هَذَا، وَالْفرق بَين الْمُضمر والمحذوف قَائِم.
قَوْله: (لَا نجوت إِن نجى أُميَّة) ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِلَال، لِأَن أُميَّة كَانَ يعذب بِلَالًا بِمَكَّة عذَابا شَدِيدا لأجل إِسْلَامه، وَكَانَ يُخرجهُ إِلَى الرمضاء إِذا حميت فيضجعه على ظَهره، ثمَّ يَأْخُذ الصَّخْرَة الْعَظِيمَة فَيَضَعهَا على صَدره، وَيَقُول: لَا تزَال هَكَذَا حَتَّى تفارق دين مُحَمَّد، فَيَقُول بِلَال: أحد أحد.
قَوْله: (فَخرج مَعَه) ، أَي: فَخرج مَعَ بِلَال فريق من الْأَنْصَار، وَكَانَ قد استصرخ بالأنصار وأغراهم على قَتله.
قَوْله: (خلفت لَهُم ابْنه) أَي: ابْن أُمِّيّه واسْمه عَليّ.
قَوْله: (لأشغلهم) ، بِضَم الْهمزَة، من الأشغال يَعْنِي: يشتغلون بِابْنِهِ عَن أَبِيه أُميَّة.
قَوْله: (فَقَتَلُوهُ) ، أَي: قتلوا ابْنه،.

     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: فَكنت بَين أُميَّة وَابْنه آخذ بأيديهما، فَلَمَّا رَآهُ بِلَال صرخَ بِأَعْلَى صَوته: يَا أنصار الله! رَأس الْكفْر أُميَّة بن خلف، فأحاطوا بِنَا، وَأَنا أذب عَنهُ، فَضرب رجل ابْنه بِالسَّيْفِ فَوَقع، وَصَاح أُميَّة صَيْحَة مَا سَمِعت مثلهَا قطّ، فَقلت: أَنْج نَفسك، فوَاللَّه لَا أُغني عَنْك شَيْئا.
قَوْله: (ثمَّ أَبَوا) ، من الإباء بِمَعْنى: الِامْتِنَاع، ويروى: ثمَّ أَتَوا من الْإِتْيَان.
قَوْله: (وَكَانَ رجلا ثقيلاً) ، أَي: كَانَ أُميَّة رجلا ضخما.
قَوْله: (فَلَمَّا أدركونا) ، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: لما أدركنا الْأَنْصَار وبلال مَعَهم (قلت لَهُ) : أَي: لأمية (أبرك) أَمر من البروك (فبرك فألقيت عَلَيْهِ نَفسِي لأمنعه) مِنْهُم.
قَوْله: (فتجللوه بِالسُّيُوفِ) ، بِالْجِيم أَي: غشوه بهَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، أَي: أدخلُوا أسيافهم خلاله حَتَّى وصلوا إِلَيْهِ وطعنوا بهَا من تحتي، من قَوْلهم: خللته بِالرُّمْحِ، وأختللته، إِذا طعنته بِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فتحلوه، بلام وَاحِدَة مُشَدّدَة، وَالَّذِي قتل أُميَّة رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: وَيُقَال قَتله معَاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف، اشْتَركُوا فِي قَتله، وَالَّذِي قتل عَليّ بن أُميَّة عمار بن يَاسر.
قَوْله: (وَأصَاب أحدهم) أَي: أحد الَّذين باشروا قتل أُميَّة (رجْلي بِسَيْفِهِ) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن قُريْشًا لم يكن لَهُم أَمَان يَوْم بدر، وَلِهَذَا لم يجز بِلَال وَمن مَعَه من الْأَنْصَار أَمَان عبد الرَّحْمَن، وَقد نسخ هَذَا بِحَدِيث: يجير على الْمُسلمين أَدْنَاهُم.
وَفِيه: الْوَفَاء بالعهد، لِأَن عبد الرَّحْمَن كَانَ صديقا لأمية بِمَكَّة فوفي بالعهد الَّذِي كَانَ بَينهمَا.
.

     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن: وَكَانَ اسْمِي عبد عَمْرو، فسميت عبد الرَّحْمَن حِين أسلمت كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَكَانَ يلقاني بِمَكَّة فَيَقُول: يَا عبد عَمْرو أرغبت عَن اسْم سمَّاكَهُ أَبوك؟ فَأَقُول: نعم.
فَيَقُول: إِنِّي لَا أعرف الرَّحْمَن، فَاجْعَلْ بيني وَبَيْنك شَيْئا أَدْعُوك بِهِ، فَسَماهُ عبد الإلَه، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر مَرَرْت بِهِ وَهُوَ وَاقِف مَعَ ابْنه عَليّ بن أُميَّة وَمَعِي أَدْرَاع وَأَنا أحملها، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا عبد عَمْرو، فَلم أجبه، ال: يَا عبد الإل هـ! قلت: نعم.
قَالَ: هَل لَك فِي؟ فَأَنا خير لَك من هَذِه الأدراع الَّتِي مَعَك.
قلت: نعم، فطرحت الأدراع من يَدي وَأخذت بِيَدِهِ وَيَد ابْنه، وَهُوَ يَقُول: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ؟ فرآهما بِلَال، فَصَارَ أمره مَا ذكرنَا، وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يَقُول: رحم الله بِلَالًا، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.
وَفِيه: مجازاة الْمُسلم الْكَافِر على الْبر، يكون مِنْهُ للْمُسلمِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ على جميل فعله، وَالسَّعْي لَهُ فِي تخليصه من الْقَتْل وَشبهه.
وَفِيه: أَيْضا: المجازاة على سوء الْفِعْل بِمثلِهِ، والانتقام من الظَّالِم.
وَفِيه: أَن من أُصِيب حِين يَتَّقِي عَن مُشْرك أَنه لَا شَيْء فِيهِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله سَمِعَ يوسُفُ صالِحا وإبْرَاهِيمُ أباهُ
أَبُو عبد الله: هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، سمع يُوسُف ... إِلَى آخِره، ثَبت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: يُوسُف هُوَ ابْن الْمَاجشون الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور، وَصَالح هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَفَائِدَة ذكر هَذَا، وَإِن كَانَ سماعهما علم من الْإِسْنَاد.
تَحْقِيق لِمَعْنى السماع حَتَّى لَا يظنّ أَنه عنعن بِمُجَرَّد إِمْكَان السماع، كَمَا هُوَ مَذْهَب بعض الْمُحدثين، كمسلم وَغَيره.


( بابُُ الوَكالَة فِي الصَّرْفِ والمِيزَانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْوكَالَة فِي الصّرْف، يَعْنِي ف بيع النَّقْد بِالنَّقْدِ.
قَوْله: ( وَالْمِيزَان) أَي: الْوكَالَة فِي الْمِيزَان، أَي: فِي الْمَوْزُون.

وَقد وكَّل عُمَر وابنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ
هَذَانِ تعليقان.
أما تَعْلِيق عمر فوصله سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق مُوسَى بن أنس عَن أَبِيه أَن عمر أعطَاهُ آنِية مموهة بِالذَّهَب، فَقَالَ لَهُ: إذهب فبعها، فَبَاعَهَا من يَهُودِيّ بِضعْف وَزنه، فَقَالَ لَهُ عمر: أردده.
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ: أزيدك.
فَقَالَ لَهُ عمر: لَا إلاَّ بوزنه.
وَأما تَعْلِيق ابْن عمر فوصله سعيد بن مَنْصُور أَيْضا من طَرِيق الْحسن بن سعد قَالَ: كَانَت لي عِنْد ابْن عمر دَرَاهِم، فَأَصَبْت عِنْده دَنَانِير، فَأرْسل معي رَسُولا إِلَى السُّوق، فَقَالَ: إِذا قَامَت على سعرها فأعرضها عَلَيْهِ فَإِن أَخذهَا وإلاَّ فاشترِ لَهُ حَقه، ثمَّ: إقضه إِيَّاه.

[ قــ :07 ... غــ :303 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ المَجِيدِ بنِ سُهَيْلِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابْن عَوْفٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِي وَأبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمعلَ رجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فجاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنيبٍ فَقَالَ أكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذَا بالصَّاعَيْنِ والصَّاعَيْنِ بِالثَّلاثَةِ فَقَالَ لاَ تفْعَلْ بِعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِينا.

     وَقَالَ  فِي المِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لعامل خَيْبَر: ( بِعْ الْجمع بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ ابتع) أَي: اشْتَرِ ( بِالدَّرَاهِمِ جنيبا) وَهَذَا تَوْكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء، وَبيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ يدا بيد مثل الصّرْف سَوَاء، وَهُوَ شبهه فِي الْمَعْنى، وَيكون بيع الدِّرْهَم بالدرهم وَالدِّينَار بالدينار كَذَلِك، إِذْ لَا قَائِل بِالْفَصْلِ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا أَرَادَ بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن مَالك عَن عبد الْمجِيد ... إِلَى آخِره نَحوه، غير أَنه لم يذكر هُنَاكَ:.

     وَقَالَ  فِي الْمِيزَان مثل ذَلِك، مَعْنَاهُ أَن الموزونات حكمهَا فِي الرِّبَا حكم المكيلات، فَلَا يُبَاع رَطْل برطلين.
قَالَ الدَّاودِيّ: أَي لَا يجوز التَّمْر بِالتَّمْرِ إلاَّ كَيْلا بكيل، أَو وزنا بِوَزْن، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَن التَّمْر لَا يُوزن.
قلت: هَذَا غير وَارِد عَلَيْهِ، لِأَن من التَّمْر تَمرا لَا يُبَاع إلاَّ بِالْوَزْنِ، وَهَذَا التَّمْر الْعِرَاقِيّ لَا يُبَاع فِي الْبِلَاد الشامية والمصرية إِلَّا بِالْوَزْنِ.

قَوْله: ( عبد الْمجِيد) حكى ابْن عبد الْبر أَنه وَقع فِي رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف: عبد الحميد، بِالْحَاء الْمُهْملَة قبل الْمِيم، قَالَ: وَكَذَا وَقع ليحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ عَن مَالك، وَهُوَ خطأ، وَقد مر الْكَلَام فِي شرح الحَدِيث هُنَاكَ فَنَذْكُر بعض شَيْء وَهُوَ أَن اسْم ذَلِك الْعَامِل: سَواد بن غزيَّة، والجنيب، بِفَتْح الْجِيم وَكسر النُّون: الْخِيَار من التَّمْر، وَالْجمع، بِالْفَتْح: التَّمْر الْمُخْتَلط من الْجيد والرديء.