فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة

( بابٌُ وكالَةُ الشَّاهِدِ والغَائِبِ جائِزَةٌ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ وكَالَة الشَّاهِد، أَي: الْحَاضِر، ووكالة الْغَائِب جَائِزَة.
قَوْله: ( وكَالَة) ، بِالرَّفْع مُبْتَدأ.
قَوْله: ( الْغَائِب) ، عطف على الشَّاهِد، وَقَوله: ( جَائِزَة) ، خبر الْمُبْتَدَأ.

وكَتَبَ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍ وَإِلَى قَهْرَمانِهِ وهْوَ غائِبٌ عنْهُ أنْ يَزَكِّي عنْ أهْلِهِ الصَّغِيرِ والْكَبِيرِ
عبد الله، قَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: عبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَأَيْت النّسخ فِيهِ مُخْتَلفَة، فَفِي بَعْضهَا: عبد الله بن عَمْرو، بِالْوَاو، وَفِي بَعْضهَا: عبد الله بن عمر، بِلَا وَاو.

قَوْله: ( إِلَى قهرمانه) ، القهرمان، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْهَاء وَفتح الرَّاء وَتَخْفِيف الْمِيم وَفِي آخِره نون: وَهُوَ خَادِم الشَّخْص الْقَائِم بِقَضَاء حَوَائِجه، وَهُوَ لُغَة فارسية.
قَوْله: ( وَهُوَ غَائِب عَنهُ) أَي: وَالْحَال أَن قهرمانه غَائِب عَن عبد الله.
قَوْله: ( أَن يُزكي) ، أَرَادَ بِهِ أَن يُزكي زَكَاة الْفطر ( عَن أَهله الصَّغِير وَالْكَبِير) وَهَذَا يدل على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: جَوَاز تَوْكِيل الْحَاضِر الْغَائِب، وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَالْآخر: وجوب صَدَقَة الْفطر على الرجل عَن أَهله الصَّغِير وَالْكَبِير، وَهَذَا ظَاهر الْأَثر.

وَفِيه: تَفْصِيل وَخلاف قد مر فِي: بابُُ صَدَقَة الْفطر.



[ قــ :2210 ... غــ :2305 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْم قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ سلَمَةَ عنْ أبي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ لِرَجُلٍ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمَلٌ سِنٌّ مِن الإبِلِ فَجاءَهُ يَتقَاضَاهُ فَقَالَ أعْطُوهُ فطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إلاَّ سِنَّا فَوْقَهَا فَقَالَ أعْطُوهُ فَقَالَ أوْفَيْتَنِي أوفَى الله بِكَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ خَيَارَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضاءً.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي وكَالَة الْحَاضِر، فِي قَوْله: ( أَعْطوهُ) وَأما وكَالَة الْغَائِب فَقَالَ بَعضهم: وَأما الْغَائِب فيستفاد مِنْهُ بطرِيق الأولى.
قلت: لَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على حكم الْغَائِب، فضلا عَن الْأَوْلَوِيَّة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: التَّرْجَمَة تستفاد من لفظ: ( أَعْطوهُ) وَهُوَ، وَإِن كَانَ خطابا للحاضرين لكَونه بِحَسب الْعرف وقرائن الْحَال، شَامِل لكل وَاحِد من وكلاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غيبا وحضورا.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: سَلمَة بن كهيل، بِضَم الْكَاف وَفتح الْهَاء.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وسُفْيَان وَسَلَمَة كوفيون وَأَبُو سَلمَة مدنِي.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاستقراض عَن أبي نعيم أَيْضا، وَعَن مُسَدّد وَعَن أبي الْوَلِيد ومسدد أَيْضا، وَفِي الْوكَالَة أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الْهِبَة عَن عَبْدَانِ وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن أبي كريب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ وَعَن أبي كريب بِهِ مُخْتَصرا، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن مَنْصُور، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم مُخْتَصرا.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( سنّ) ، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون أَي: ذَات سنّ، وَهُوَ أحد أَسْنَان الْإِبِل، وَأَسْنَانهَا مَعْرُوفَة فِي كتب اللُّغَة إِلَى عشر سِنِين، فَفِي الْفَصْل الأول: حوار، ثمَّ الفصيل إِذا فصل، فَإِذا دخل فِي السّنة الثَّانِيَة فَهُوَ ابْن مَخَاض أَو ابْنة مَخَاض، فَإِذا دخل فِي الثَّالِثَة فَهُوَ ابْن لبون أَو بنت لبون، فَإِذا دخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ حق أَو حقة، فَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ جذع أَو جَذَعَة، فَإِذا دخل فِي السَّادِسَة فَهُوَ ثني أَو ثنية، فَإِذا دخل فِي السَّابِعَة فَهُوَ رباعي أَو ربَاعِية، فَإِذا دخل فِي الثَّامِنَة فَهُوَ سديس أَو سدس، فَإِذا دخل فِي التَّاسِعَة فَهُوَ بازل، فَإِذا دخل فِي الْعَاشِرَة فَهُوَ مخلف، ثمَّ لَيْسَ لَهُ اسْم بعد ذَلِك، وَلَكِن يُقَال: بازل عَام، وبازل عَاميْنِ، ومخلف عَام، ومخالف عَاميْنِ، ومخلف ثَلَاثَة أَعْوَام إِلَى خمس سِنِين، حَكَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ( سنَنه) عَن النَّضر بن شُمَيْل وَأبي عبيد والرياشي.
قَوْله: ( يتقاضاه) يَعْنِي: يطْلب أَن يَقْضِيه.
قَوْله: ( أوفيتني) ، يُقَال: أوفاه حَقه إِذا أعطَاهُ وافيا، وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: أوفاك الله، فِي مُقَابلَته، وَلكنه زَاد الْبَاء فِي الْمَفْعُول توكيدا.
قَوْله: ( خياركم) ، يحْتَمل أَن يكون مُفردا بِمَعْنى الْمُخْتَار، وَأَن يكون جمعا.
قَوْله: ( أحسنكم) ، خبر لقَوْله: خياركم، وَالْأَصْل التطابق بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي الْإِفْرَاد وَغَيره، وَلكنه إِذا كَانَ الْخِيَار بِمَعْنى الْمُخْتَار، فالمطابقة حَاصِلَة وإلاَّ فأفعل التَّفْضِيل الْمُضَاف الْمَقْصُود مِنْهُ الزِّيَادَة يجوز فِيهِ الْإِفْرَاد والمطابقة لمن هُوَ لَهُ، وروى أَيْضا: أحاسنكم، وَهُوَ جمع: أحسن، وَورد: محاسنكم، بِالْمِيم.
قَالَ عِيَاض: جمع محسن، بِفَتْح الْمِيم كمطلع ومطالع، وَالْأول أَكثر، وَفِي ( الْمطَالع) : وَيحْتَمل أَن يكون سماهم بِالصّفةِ أَي: ذُو المحاسن.
قَوْله: ( قَضَاء) ، بِالنّصب على التَّمْيِيز.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: تَوْكِيل الْحَاضِر الصَّحِيح على قَول عَامَّة الْفُقَهَاء، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد إلاَّ أَن مَالِكًا قَالَ: يجوز ذَلِك وَإِن لم يرض خَصمه إِذا لم يكن الْوَكِيل عدوا للخصم، وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي حنيفَة فِي قَوْله: إِنَّه لَا يجوز تَوْكِيل الْحَاضِر بِالْبَلَدِ الصَّحِيح الْبدن إلاَّ برضى خَصمه أَو عذر مرض أَو سفر ثَلَاثَة أَيَّام، وَهَذَا الحَدِيث خلاف قَوْله، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَصْحَابه أَن يقضوا عَنهُ السن الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ، وَذَلِكَ تَوْكِيل مِنْهُ لَهُم على ذَلِك، وَلم يكن، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَائِبا وَلَا مَرِيضا وَلَا مُسَافِرًا؟ قلت: لَيْسَ الحَدِيث بِحجَّة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْجَوَاز، وَلَكِن يَقُول: لَا يلْزم، يَعْنِي: لَا يسْقط حق الْخصم فِي طلب الْحُضُور وَالدَّعْوَى وَالْجَوَاب بِنَفسِهِ، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى فِي الْأَصَح، وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، وَاسْتحْسن بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا توكل إِذا كَانَت غير بَرزَة.
وَفِيه: جَوَاز الْأَخْذ بِالدّينِ، وَلَا يخْتَلف الْعلمَاء فِي جَوَازه عِنْد الْحَاجة وَلَا يتَعَيَّن طَالبه.
وَفِيه: حجَّة من قَالَ بِجَوَاز قرض الْحَيَوَان، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.

     وَقَالَ  القَاضِي: أجَاز جُمْهُور الْعلمَاء استسلاف سَائِر الْأَشْيَاء من الْحَيَوَان وَالْعرُوض، واستثنيت من ذَلِك الْحَيَوَان لِأَنَّهُ قد يردهَا بِنَفسِهِ، فَحِينَئِذٍ يكون عَارِية الْفروج، وَأَجَازَ ذَلِك بعض أَصْحَابنَا بِشَرْط أَن يردهَا غَيرهَا، وَأَجَازَ استقراض الْجَوَارِي الطَّبَرِيّ والمزني، وَرُوِيَ عَن دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قَالَ ابْن حبيب وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ: يجوز استقراض الْحَيَوَان كُله إلاَّ الْإِمَاء، وَعند مَالك: إِن اسْتقْرض أمة وَلم يَطَأهَا ردهَا بِعَينهَا وَإِن حملت ردهَا بعد الْولادَة وَقِيمَة وَلَدهَا إِن ولد حَيا، وَمَا نقصتها الْولادَة، وَإِن مَاتَت لزمَه مثلهَا، فَإِن لم يُوجد مثلهَا فقيمتها.
.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: أما بَنو آدم، فَقَالَ أَحْمد: أكره قرضهم، فَيحْتَمل كَرَاهَة تَنْزِيه، وَيصِح قرضهم، وَهُوَ قَول ابْن جريج والمزني، وَيحْتَمل أَنه كَرَاهَة تَحْرِيم، فَلَا يَصح قرضهم، وَاخْتَارَهُ القَاضِي فِي ( شرح الْمُهَذّب) : استقراض الْحَيَوَان فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب: مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وجماهير الْعلمَاء: جَوَازه إِلَّا الْجَارِيَة لمن ملك وَطأهَا، فَإِنَّهُ لَا يجوز، وَيجوز إقراضها لمن لَا يجوز لَهُ وطؤهما كمحرمها، وللمرأة وَالْخُنْثَى.
الثَّانِي: مَذْهَب ابْن جرير وَدَاوُد، وَيجوز قرض الْجَارِيَة وَسَائِر الْحَيَوَان لكل أحد.
الثَّالِث: مَذْهَب أبي حنيفَة والكوفيين وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح، وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة مَنعه، وَقد مر الْجَواب عَمَّا قَالُوا من جَوَاز قرض الْحَيَوَان فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ بيع العبيد وَالْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، وَفِيه مَا يدل أَن الْمقْرض إِذا أعطَاهُ الْمُسْتَقْرض أفضل مِمَّا اقْترض جِنْسا أَو كَيْلا أَو وزنا، أَن ذَلِك مَعْرُوف، وَأَنه يطيب لَهُ أَخذه مِنْهُ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثنى فِيهِ على من أحسن الْقَضَاء، وَأطلق ذَلِك وَلم يُقَيِّدهُ.
قلت: هَذَا عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء إِذا لم يكن بِغَيْر شَرط مِنْهُمَا فِي حِين السّلف، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ نقلا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن اشْتِرَاط الزِّيَادَة فِي السّلف رَبًّا.
وَفِيه: دَلِيل على أَن للْإِمَام أَن يستسلف للْمَسَاكِين على الصَّدقَات ولسائر الْمُسلمين على بَيت المَال، لِأَنَّهُ كالوصي لجميعهم وَالْوَكِيل، مَعْلُوم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستسلف ذَلِك لنَفسِهِ لِأَنَّهُ قَضَاهُ من إبل الصَّدَقَة، وَمَعْلُوم أَن الصَّدَقَة مُحرمَة عَلَيْهِ، لَا يحل لَهُ أكلهَا وَلَا الِانْتِفَاع بهَا.
فَإِن قلت: فلِمَ أعْطى من أَمْوَالهم أَكثر مِمَّا اسْتقْرض لَهُم؟ قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَنه جَائِز للْإِمَام إِذا اسْتقْرض للْمَسَاكِين أَن يرد من مَالهم أَكثر مِمَّا أَخذ على وَجه النّظر وَالصَّلَاح إِذا كَانَ على غير شَرط.
فَإِن قلت: إِن الْمُسْتَقْرض مِنْهُ غنى، وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَغَنِيّ؟ قلت: قد يحْتَمل أَن يكون الْمُسْتَقْرض مِنْهُ قد ذهبت إبِله بِنَوْع من حوائج الدُّنْيَا، فَكَانَ فِي وَقت صرف مَا أَخذ مِنْهُ إِلَيْهِ فَقِيرا تحل لَهُ الزَّكَاة، فَأعْطَاهُ النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا من بعيره بِمِقْدَار حَاجته، وَجمع فِي ذَلِك وضع الصَّدَقَة فِي موضعهَا وَحسن الْقَضَاء، وَيحْتَمل أَن يكون غارما أَو عَارِيا مِمَّن يحل لَهُ الصَّدَقَة من الْأَغْنِيَاء.
وَقيل: وَيحْتَمل أَنه كَانَ اقْترض لنَفسِهِ، فَلَمَّا جَاءَت إبل للصدقة اشْترى مِنْهَا بَعِيرًا مِمَّن اسْتَحَقَّه، فملكه بِثمنِهِ وأوفاه مُتَبَرعا بِالزِّيَادَةِ من مَاله، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: ( اشْتَروا لَهُ بَعِيرًا) .
وَقيل: إِن الْمُقْتَرض كَانَ بعض المحتاجين، اقْترض لنَفسِهِ، فَأعْطَاهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الصَّدَقَة، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ يَهُودِيّا.
وَقيل يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ اقترضه لبَعض نَوَائِب الْمُسلمين، لِأَنَّهُ اقترضه لخاصة نَفسه، وَعبر الرَّاوِي عَن ذَلِك مجَازًا، إِذْ كَانَ هُوَ الْآمِر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأما قَول من قَالَ: كَانَ استسلافه ذَلِك قبل أَن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة ففاسد، لِأَنَّهُ لم ويزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحرمَة عَلَيْهِ الصَّدَقَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَذَلِكَ من خَصَائِصه، وَمن عَلَامَات نبوته فِي الْكتب الْقَدِيمَة، بِدَلِيل قصَّة سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.