فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم

( بابٌُ إذَا زَرَعَ بِمالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وكانَ فِي ذَلكَ صَلاَحٌ لَهُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ بَيَان زرع أحد مَال قوم بِغَيْر إِذن مِنْهُم.
قَوْله: ( وَكَانَ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( فِي ذَلِك) ، أَي: فِي ذَلِك الزَّرْع ( صَلَاح لَهُم) أَي: لهَؤُلَاء الْقَوْم.



[ قــ :2236 ... غــ :2333 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أبُو ضُمْرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَة عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَما ثلاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أخَذَهُمُ المَطَرُ فأوُوْا إِلَى غارٍ فِي جَبَلٍ فانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غارِهِمْ صَخْرَةٌ مِن الجَبلِ فانْطَبَقتْ عليْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أعْمالاً عَمِلْتُموها صالِحَةً لله فادْعوا الله بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُها عنْكُمْ قَالَ أحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَ لِي والِدَانِ شَيْخانِ كَبِيرانِ ولِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أرْعَى علَيْهِمْ فإذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فبَدَأتُ بِوَالِدَيَّ أسقِيهِما قَبْلَ بَنِيَّ وإنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَات يَوْمٍ فَلَم آتِ حتَّى أمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا فحَلَبْتُ كَما كُنْتُ أحلُبُ فقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِما أكْرَهُ أنْ أُوقِظَهُما وأكرَهُ أنْ أسْقِيَ الصِّبْيَةَ والصِّبْيَةُ يتَضَاغُونَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حتَّى طلَعَ الفَجْرُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ لَنا فَرْجَةً نَرى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ الله فَرَأوْا السَّماءَ.

     وَقَالَ  الآخَرُ أللَّهُمَّ إنَّها كانتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أحْبَبْتُها كأشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجالُ النِّساءَ فطَلَبْتُ مِنْها فأبَتْ حَتَّى أتَيْتُها بِمِائَةِ دِينارٍ فبَغَيْتُ حتَّى جَمَعْتُها فلَمَّا وقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْها قالَتْ يَا عَبْدَ الله اتَّقِ الله ولاَ تَفْتَحِ الخَاتَمَ إلاَّ بِحَقِّه فقُمْتُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ عنَّا فَرْجَةً ففَرَجَ.
.

     وَقَالَ  الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إنِّي اسْتأجَرْتُ أجيرابِفَرَقِ أرُزٍّ فلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أعْطِنِي حَقِّي فعَرَضْتُ عَلَيْهِ فرَغِبَ عنْهُ فلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ حتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرا ورَاعِيهَا فَجاءَنِي فَقَالَ اتَّقِ الله فقُلْتُ اذْهَبْ إِلَى ذالِكَ البَقَرِ ورُعَاتِها فَخُذْ فَقَالَ اتَّقِ الله ولاَ تسْتَهْزِىءْ بِي فَقُلْتُ إنِّي لَا أسْتَهْزِيءُ بِكَ فخُذْ فأخَذَهُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ فافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ الله.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله.
.

     وَقَالَ  ابنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ فَسَعَيْتُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُسْتَأْجر عيَّن للْأَجِير أُجْرَة، فَبعد إعراضه عَنهُ تصرف فِيهِ بِمَا فِيهِ صَلَاح لَهُ، فَلَو كَانَ تصرفه فِيهِ غير جَائِز لَكَانَ مَعْصِيّة، وَلَا يتوسل بِهِ إِلَى الله تَعَالَى.
فَإِن قلت: التوسل إِنَّمَا كَانَ برد الْحق إِلَى مُسْتَحقّه بِزِيَادَتِهِ النامية، لَا بتصرفه.
كَمَا أَن الْجُلُوس مَعَ الْمَرْأَة كَانَ مَعْصِيّة والتوسل لم يكن إلاَّ بترك الزِّنَا.
قلت: لما ترك صَاحب الْحق الْقَبْض وَوضع الْمُسْتَأْجر يَده ثَانِيًا على الْفرق كَانَ وضعا مستأنفاً على ملك الْغَيْر، ثمَّ تصرفه فِيهِ إصْلَاح لَا تَضْييع، فاغتفر ذَلِك وَلم يعد تَعَديا، فَلم يمْنَع عَن التوسل بذلك، مَعَ أَن جلّ قَصده خلاصه من الْمعْصِيَة وَالْعَمَل بِالنِّيَّةِ، وَمَعَ هَذَا لَو هلك الْفرق لَكَانَ ضَامِنا لَهُ لعدم الْإِذْن فِي زراعته، وَبِهَذَا يُجَاب عَن قَول من قَالَ: لَا تصح هَذِه التَّرْجَمَة إلاَّ أَن يكون الزَّارِع مُتَطَوعا، إِذْ لَا خسارة على صَاحب المَال، لِأَنَّهُ لَو هلك كَانَ من الزَّارِع، وَإِنَّمَا تصح على سَبِيل التفضل بِالرِّبْحِ وَضَمان رَأس المَال، وَقد مرت هَذِه الْقِصَّة فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا اشْترى شَيْئا لغيره بِغَيْر إِذْنه فَرضِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهَا، وَأَنه أخرجه هُنَاكَ: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَأخرجه هُنَا: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر أبي إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن أبي ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ أنس بن عِيَاض، مر فِي: بابُُ التبرز فِي الْبيُوت.

ولنذكر هُنَا بعض شَيْء.
قَوْله: ( يَمْشُونَ) ، حَال.
قَوْله: ( فأووا) ، بِفَتْح الْهمزَة بِلَا مد.
قَوْله: ( فِي جبل) ، صفة: غَار.
أَي: كَائِن فِيهِ.
قَوْله: ( صَالِحَة) بِالنّصب صفة لقَوْله: أعمالاً، ويروى: خَالِصَة.
قَوْله: ( يفرجها) ، بِضَم الرَّاء.
قَوْله: ( أللهم إِنَّه) ، أَي: إِن الشَّأْن، وَفِي قَول الآخر: أللهم إِنَّهَا، أَي: إِن الْقِصَّة، إِذا الْجُمْلَة مؤنث، وَفِي قَول الثَّالِث: أللهم إِنِّي، أسْند إِلَيْهِ، وَهَذَا من بابُُ التفنن الَّذِي فِيهِ يحلو الْكَلَام ويونق.
قَوْله: ( والصبية) ، جمع صبي، وَكَذَلِكَ الصبوة، وَالْوَاو الْقيَاس، وَلَكِن الْيَاء أَكثر اسْتِعْمَالا.
قَوْله: ( فَلم آتٍ) ، بِالْفَاءِ، ويروى: وَلم آتٍ، بِالْوَاو.
قَوْله: ( نَامَا) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نائمين.
قَوْله: ( يتضاغون) ، بالمعجمتين، أَي: يتصايحون، من ضغا يضغو ضغواً، وضغاء إِذا صَاح وضج.
قَوْله: ( فَأَبت عَليّ حَتَّى أتيتها) ، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَأَبت حَتَّى أتيتها، بِدُونِ لَفْظَة: عَليّ، قَوْله: ( فرج) أَي: فُرْجَة أُخْرَى لَا كلهَا.
قَوْله: ( بفرق أرز) ، الْفرق بِفتْحَتَيْنِ إِنَاء يَأْخُذ سِتَّة عشر رطلا، وَذَلِكَ ثَلَاثَة أصوع كَذَا فِي ( التَّهْذِيب) قَالَ الْأَزْهَرِي: والمحدثون على سُكُون الرَّاء، وَكَلَام الْعَرَب على التحريك.
وَفِي ( الصِّحَاح) : الْفرق مكيال مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ سِتَّة عشر رطلا.
قَالَ: وَقد يُحَرك.
وَالْجمع: فرقان.
كبطن وبطنان.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْفرق، بِالسُّكُونِ: أَرْبَعَة
أَرْطَال، وَفِي ( نَوَادِر) هِشَام: عَن مُحَمَّد الْفرق سِتَّة وَثَلَاثُونَ رطلا، قَالَ صَاحب ( الْمغرب) : وَلم أجد هَذَا فِي أصُول اللُّغَة.
قلت: قَالَ فِي ( الْمُحِيط) ؛ الْفرق سِتُّونَ رطلا، وَلَا يلْزم من عدم وجدانه هُوَ، وَأَن لَا يجد غَيره، فَإِن لُغَة الْعَرَب وَاسِعَة.
قَوْله: ( أرز) فِيهِ: لُغَات قد ذَكرنَاهَا هُنَاكَ، وَقد مر فِي الْبيُوع: فرق من ذرة، والتوفيق بَينهمَا من جِهَة أَنَّهُمَا كَانَا صنفين، فالبعض من أرز، وَالْبَعْض من ذرة.
أَو كَانَ أجيران، لأَحَدهمَا: أرز وَللْآخر ذرة.

     وَقَالَ  بَعضهم: لما كَانَا حبين متقاربين أطلق أَحدهمَا على الآخر.
قلت: هَذَا أَخذه من الْكرْمَانِي، وَالْوَجْه فِيهِ بعيد، وَلَا يَقع مثل هَذَا الْإِطْلَاق من فصيح قَوْله: ( حَتَّى أتيتها) ، ويروى: حَتَّى آتيها.
قَوْله: ( فبغيت) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة والغين الْمُعْجَمَة، أَي: طلبت، يُقَال: بغى يَبْغِي بغاءً، إِذا طلب.
قَوْله: ( قَالَ: أَعْطِنِي حَقي) ، ويروى: فَقَالَ، بِالْفَاءِ، قَوْله: ( وراعيها) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: ورعاتها، بِالْجمعِ.
قَوْله: ( فَقلت: إذهب إِلَى ذَلِك الْبَقر) ، ويروى: قلت إذهب، بِلَا فَاء.
قَوْله: ( إِلَى ذَلِك الْبَقر) ، ويروى إِلَى تِلْكَ الْبَقر، فالتذكير بِاعْتِبَار اللَّفْظ، والتأنيث بِاعْتِبَار معنى الجمعية فِيهِ.
قَوْله: ( فَقلت: إِنِّي لَا أستهزىء) ، ويروى: فَقَالَ: إِنِّي لَا أستهزىء.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) ، أَي: البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة عَن نَافِع: فسعيت) ، يَعْنِي: أَن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور رَوَاهُ عَن نَافِع كَمَا رَوَاهُ عَمه مُوسَى بن عقبَة، إِلَّا أَنه خَالفه فِي هَذِه اللَّفْظَة، وَهِي قَوْله: فبغيت، بِالْبَاء والغين الْمُعْجَمَة، فَقَالَهَا: سعيت، بِالسِّين وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ من السَّعْي.
.

     وَقَالَ  الجياني: وَقع فِي رِوَايَة لأبي ذَر:.

     وَقَالَ  إِسْمَاعِيل عَن عقبَة، وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب: إِسْمَاعِيل بن عقبَة، وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عقبَة ابْن أخي مُوسَى.
وَتَعْلِيق إِسْمَاعِيل وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب فِي: بابُُ إِجَابَة دُعَاء من بر وَالِديهِ.