فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة

( بابُُ مَا كانَ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوَاسي بَعْضُهُمْ بَعْضاً فِي الزِّرَاعَةِ والثَّمرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا كَانَ، أَي: وجد، وَوَقع من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: ( يواسي) ، من الْمُسَاوَاة وَهِي الْمُشَاركَة فِي شَيْء بِلَا مُقَابلَة مَال، وَهِي جملَة وَقعت حَالا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.



[ قــ :2242 ... غــ :2339 ]
- حدَّثنا محَمَّدُ بنُ مُقاتِل قَالَ أخبرنَا عبدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ عنْ أبِي النَّجاشِيِّ مَوْلَى رافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِع بنَ خَديجِ بنِ رَافِعٍ عنْ عَمِّهِ ظهيرِ بنِ رافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ لَقَدْ نَهانا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أمْرٍ كانَ بِنا رافِقاً.

قُلْتُ مَا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهْوَ حَقٌّ قَالَ دَعانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ قلْتُ نُؤَاجِرُها علَى الرُّبعِ وعَلى الأوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ والشَّعِيرِ قَالَ لاَ تَفْعَلُوا ازْرَعُوها أوْ أزْرِعُوها أوْ أمْسِكُوها قَالَ رَافِعٌ.

قُلْتُ سَمعاً وطَاعَةً.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَو أزرِعوها) يَعْنِي: أعطوها لغيركم يَزْرَعهَا بِغَيْر أُجْرَة، وَهَذِه هِيَ الْمُوَاسَاة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن مقَاتل، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: أَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، مولى رَافع بن خديج.
الْخَامِس: هُوَ رَافع بن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم: ابْن رَافع الْأنْصَارِيّ.
السَّادِس: ظهير، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْهَاء مصغر ظهر ابْن رَافع الْأنْصَارِيّ، عَم رَافع بن خديج.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مروزيان وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي والبقية مدنيون.
وَفِيه: الْأَوْزَاعِيّ عَن أبي النَّجَاشِيّ عَطاء، وروى الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا، كَمَا فِي ثَانِي أَحَادِيث الْبابُُ، معنى الحَدِيث عَن عَطاء عَن جَابر، وَهُوَ عَطاء بن أبي رَبَاح، فَكَانَ الحَدِيث عِنْده عَن كل مِنْهُمَا بِسَنَدِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من وَجه آخر إِلَى الْأَوْزَاعِيّ: حَدثنِي أَبُو النَّجَاشِيّ.
وَفِيه: سَمِعت رَافع بن خديج.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن الْأَوْزَاعِيّ: حَدثنِي أَبُو النَّجَاشِيّ: قَالَ: صَحِبت رَافع بن خديج سِتّ سِنِين ...
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن أبي مسْهر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُزَارعَة عَن هِشَام بن عمار عَن يحيى بن حَمْزَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد ابْن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لقد نَهَانَا) ، بَينه فِي آخر الحَدِيث بقوله: لَا تَفعلُوا فَإِنَّهُ نهى صَرِيحًا.
قَوْله: ( رافقاً) أَي: ذَا رفق، وانتصابه على أَنه خبر كَانَ، واسْمه الضَّمِير الَّذِي فِي كَانَ الَّذِي يرجع إِلَى قَوْله: أَمر، وَيجوز أَن يكون إِسْنَاد الرِّفْق إِلَى الْأَمر بطرِيق الْمجَاز.
قَوْله: ( بمحاقلكم) ، بمزارعكم، جمع محقل من الحقل، وَهُوَ الزَّرْع.
قَوْله: ( على الرّبع) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْبَاء وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: على الرّبيع، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء، وَهُوَ النَّهر الصَّغِير أَي: على الزَّرْع الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: على الرّبيع، بِالتَّصْغِيرِ.
قَوْله: ( وعَلى الأوسق) ، جمع وسق، وَكلمَة: الْوَاو، بِمَعْنى: أَو، أَي: أَو الرّبيع، وَكَذَا: الأوسق، وَيحْتَمل أَن يكون عَن مؤاجرة الأَرْض بِالثُّلثِ أَو الرّبع مَعَ اشْتِرَاط صَاحب الأَرْض أوسقاً من الشّعير وَنَحْوه.
قَوْله: ( ازرعوها) ، بِكَسْر الْهمزَة: أَمر من زرع يزرع يَعْنِي: ازرعوها بِأَنْفُسِكُمْ.
قَوْله: ( أَو أزرِعوها) ، بِفَتْح الْهمزَة من: الإزراع، يَعْنِي: أزرِعوها غَيْركُمْ، يَعْنِي أعطوها لغيركم يزرعونها بِلَا أُجْرَة، وَكلمَة: أَو، للتَّخْيِير لَا للشَّكّ.
وَقيل: كلمة: أَو، بِمَعْنى الْوَاو.
قلت: بل هُوَ تَخْيِير من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْأُمُور الثَّلَاثَة: أَن يزرعوا بِأَنْفسِهِم، أَو يجعلوها مزرعة للْغَيْر مجَّانا، أَو يمسكوها معطلة.
قَوْله: ( سمعا وَطَاعَة) ، بِالنّصب وَالرَّفْع، قَالَه الْكرْمَانِي وَلم يبين وَجهه.
قلت: أما النصب فعلى أَنه مصدر لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أسمع كلامك سمعا، وأطيعك طَاعَة.
وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: كلامك أَو أَمرك سمع أَي مسموع، وَفِيه مُبَالغَة، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي: طَاعَة، أَي: أَمرك طَاعَة، يَعْنِي: مُطَاع، أَو: أَنْت مُطَاع فِيمَا تَأمره.

وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور قوم، وكرهوا إِجَارَة الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج عَنْهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بابُُ ذكر مُجَردا عقيب: بابُُ قطع الشّجر النخيل.





[ قــ :43 ... غــ :340 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ عنْ عَطاءٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانُوا يَزْرَعُونَها بالثُّلُثِ والرُّبُعِ والنِّصْفِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ كانَتْ لَهُ أرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أوْ لِيَمْنَحْها فإنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أرْضَهُ.
( الحَدِيث 043 طرفه فِي: 36) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَو ليمنحها) فَإِن المنحة هِيَ الْمُوَاسَاة، وَعبيد الله بن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِبَة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن الحكم بن مُوسَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُزَارعَة عَن هِشَام بن عمار عَن يحيى بن حَمْزَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن دُحَيْم.

قَوْله: ( كَانُوا) ، أَي: الصَّحَابَة فِي عصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( بِالثُّلثِ وَالرّبع وَالنّصف) أَي: أَو الرّبع أَو النّصْف.
وَكلمَة: الْوَاو فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنى: أَو.
قَوْله: ( أَو ليمنحها) ، من: منح يمنح من بابُُ فتح يفتح، إِذا أعْطى، ومنح يمنح من بابُُ ضرب يضْرب، وَالِاسْم: المنحة، بِالْكَسْرِ وَهِي: الْعَطِيَّة، والمنيحة منحة اللَّبن كالناقة أَو الشَّاة تعطيها غَيْرك يحتلبها، ثمَّ يردهَا عَلَيْك، واستمنحه: طلب منحته، وروى مُسلم من حَدِيث مطر الْوراق عَن جَابر بِلَفْظ: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها، فَإِن عجز عَنْهَا فليمنحها أَخَاهُ الْمُسلم وَلَا يؤاجرها.
وَبِه احْتج أَيْضا من كره إِجَارَة الأَرْض بِالثُّلثِ أَو الرّبع وَنَحْوهمَا.





[ قــ :43 ... غــ :341 ]
- وَقَالَ الرَّبِيعُ بنُ نافِعٍ أبُو تَوْبَةَ حَدثنَا مُعاوِيَةُ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ كانَتْ لَهُ أرْضٌ فَلْيَزْرَعْها أوْ لِيَمْنَحْها أخاهُ فَإِن أَبى فَلْيُمْسِكْ أرْضَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق.
الرّبيع خلاف الخريف ابْن نَافِع ضد الضار وَأَبُو تَوْبَة كنيته بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْحلَبِي الْحَافِظ الثِّقَة كَانَ يعد من الأبدال، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ سكن طرسوس وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي الطَّلَاق، وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن سَلام، بتَشْديد اللَّام، مر فِي الْكُسُوف، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن حسن الْحلْوانِي.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي، كِلَاهُمَا عَن أبي تَوْبَة بِهِ.





[ قــ :44 ... غــ :34 ]
- حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  ذَكَرْتُهُ لِطاوُوسٍ فَقَالَ يُزْرِعُ قَالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَنْهَ عنْهُ ولَكِنْ قَالَ أنْ يَمْنَحَ أحَدُكُمْ أخاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأخُذَ شَيْئاً مَعْلوماً.
.


قبيصَة، هُوَ بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقبَة الْكُوفِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

قَوْله: ( ذكرته) أَي: قَالَ عَمْرو: ذكرت حَدِيث رَافع بن خديج الْمَذْكُور آنِفا لطاووس، وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض.
قَوْله: ( فَقَالَ: يزرع) أَي: فَقَالَ طَاوُوس: يزرع، بِضَم الْيَاء من الإزراع يَعْنِي: يزرع غَيره.
قَوْله: ( قَالَ ابْن عَبَّاس) إِلَى آخِره، فِي معرض التَّعْلِيل من جِهَة طَاوُوس، يَعْنِي: لِأَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينْه عَنهُ، أَي: لم ينْه عَن الزَّرْع، يَعْنِي: لم يحرمه، وَصرح بذلك التِّرْمِذِيّ، فَقَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان حَدثنَا الْفضل بن مُوسَى الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا شريك عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحرم الْمُزَارعَة، وَلَكِن أَمر أَن يرفق بَعضهم بِبَعْض، ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
.

     وَقَالَ : حَدِيث رَافع حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب، يرْوى هَذَا الحَدِيث عَن رَافع بن خديج عَن عمومته، وَرُوِيَ عَنهُ عَن ظهير بن رَافع وَهُوَ أحد عمومته، وَقد رُوِيَ عَنهُ هَذَا الحَدِيث على رِوَايَات مُخْتَلفَة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَقد عقل ابْن عَبَّاس الْمَعْنى من الْخَبَر وَأَن لَيْسَ المُرَاد بِهِ تَحْرِيم الْمُزَارعَة بِشَطْر مَا يخرج من الأَرْض، فَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك أَن يتمانحوا أراضيهم وَأَن يرفق بَعضهم بَعْضًا.
وَقد ذكر رَافع فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ فِي هَذَا الْبابُُ النَّوْع الَّذِي حرم مِنْهَا، وَالْعلَّة من أجلهَا نهى عَنْهَا، وَذَلِكَ قَوْله: كَانَ النَّاس يؤاجرون على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الماذيانات وإقبال الجداول وأسباع من الزَّرْع، فأعلمك فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمنْهِي عَنهُ هُوَ الْمَجْهُول مِنْهُ دون الْمَعْلُوم، وَأَنه كَانَ من عَادَتهم أَن يشترطوا فِيهَا شُرُوطًا فَاسِدَة، وَأَن يستثنوا من الزَّرْع مَا على السواني والجداول، وَيكون خَاصّا لرب الأَرْض، والمزارعة وَحِصَّة الشَّرِيك لَا يجوز أَن تكون مَجْهُولَة، وَقد يسلم مَا على السواني والجداول وَيهْلك سَائِر الزَّرْع فَيبقى الْمزَارِع لَا شَيْء لَهُ، وَهَذَا خطر.
قَوْله: ( وَلَكِن قَالَ) ، أَي: ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( أَن يمنح أحدكُم) ، قد ذكرنَا وَجه هَذَا فِي لفظ: بابُُ، الَّذِي ذكر مُجَردا عقيب: بابُُ إِذا لم يشْتَرط السنين فِي الْمُزَارعَة، لِأَنَّهُ روى عَن ابْن عَبَّاس هُنَاكَ مثل هَذَا، وَقد أمعنا الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :45 ... غــ :343 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ وصَدْراً مِنْ إمَارَةِ مُعاوِيَةَ.
( الحَدِيث 343 طرفه فِي: 543) .





[ قــ :46 ... غــ :344 ]
- ثُمَّ حُدِّثَ عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ فَذَهَبَ ابنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ فذَهَبْتُ مَعَهُ فسَألَهُ فقالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ قدْ عَلِمْتَ أنَّا كنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنا علَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِما على الأرْبِعاءِ وبِشيْءٍ مِنَ التِّبْنِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من حَيْثُ إِن رَافع بن خديج لما روى النَّهْي عَن كِرَاء الْمزَارِع يلْزم مِنْهُ عَادَة أَن أَصْحَاب الأَرْض إِمَّا يزرعون بِأَنْفسِهِم أَو يمنحون بهَا لمن يزرع من غير بدل فَتحصل فِيهِ الْمُوَاسَاة، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَفِي بعض النّسخ هُوَ مَذْكُور باسم أَبِيه، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
قَوْله: ( كَانَ يكْرِي) ، بِضَم الْيَاء من الإكراء.
قَوْله: ( أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان) ، أَي: وَفِي عهد أبي بكر وعهد عمر وعهد عُثْمَان، وَالْمرَاد أَيَّام خلافتهم.
فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يَذكر عَليّ بن أبي طَالب؟ قلت: لَعَلَّه لم يزرع فِي أَيَّامه، وَهَذَا أحسن من قَول بَعضهم، وَإِنَّمَا لم يذكر ابْن عمر عليا لِأَنَّهُ لم يبايعه لوُقُوع الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، وَفِي الْقلب من هَذَا حزازة.
قَوْله: ( وصدراً)

قَوْله: ( من إِمَارَة مُعَاوِيَة) ، بِكَسْر الْهمزَة، قَالَ بَعضهم: أَي خِلَافَته.
قلت: هَذَا التَّفْسِير لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا قَالَ: فِي إمارته، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُبَايع لمن لم يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس، وَمُعَاوِيَة لم يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس، وَلِهَذَا لم يُبَايع لِابْنِ الزبير وَلَا لعبد الْملك فِي حَال اخْتِلَافهمَا.

قَوْله: ( ثمَّ حدث) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: ثمَّ حدث ابْن عمر، أَي: أخبر عَن رَافع، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَحدث، بِفَتْح الْحَاء على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكْرِي أرضه فَأَتَاهُ إِنْسَان فَأخْبرهُ عَن رَافع الحَدِيث.
قَوْله: ( فَذَهَبت مَعَه) ، الْقَائِل بِهَذَا نَافِع، أَي: ذهبت مَعَ ابْن عمر.
قَوْله: ( قد علمت) ، بِفَتْح التَّاء، خطاب لرافع.
( على الْأَرْبَعَاء) جمع: ربيع، وَهُوَ النَّهر الصَّغِير، وروى الطَّحَاوِيّ بِمثلِهِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ: حَدثنَا ربيع الجيزي، قَالَ: حَدثنَا حسان بن غَالب، قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، أَن رَافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر، وَهُوَ متكىء على يَدي: أَن عمومته جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعُوا فَقَالُوا: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الْمزَارِع، فَقَالَ ابْن عمر: قد علمنَا أَنه كَانَ صَاحب مزرعة يكريها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن لَهُ مَا فِي ربيع السواقي الَّذِي تفجر مِنْهُ المَاء وَطَائِفَة من التِّبْن وَلَا أَدْرِي مَا هُوَ.
انْتهى.
حَاصِل حَدِيث ابْن عمر هَذَا أَنه يُنكر على رَافع إِطْلَاقه فِي النَّهْي عَن كِرَاء الْأَرَاضِي، وَيَقُول الَّذِي نَهَاهُ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ الَّذِي كَانُوا يدْخلُونَ فِيهِ الشَّرْط الْفَاسِد، وَهُوَ أَنهم يشترطون مَا على الْأَرْبَعَاء وَطَائِفَة من التِّبْن، وَهُوَ مَجْهُول، وَقد يسلم هَذَا ويصيب غَيره آفَة أَو بِالْعَكْسِ، فَتَقَع الْمُنَازعَة فَيبقى الْمزَارِع أَو رب الأَرْض بِلَا شَيْء، وَأما النَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا إِذا كَانَ ثلثا أَو ربعا أَو مَا أشبه ذَلِك فَلم يثبت.





[ قــ :47 ... غــ :345 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عَن عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أعْلَمُ فِي عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ الأرْضَ تُكْرَى ثُمَّ خَشِيَ عبدُ الله أنْ يَكُونَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أحْدَث فِي ذَلِكَ شَيْئا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ فتَرَكَ كِرَاءَ الأرْضِ.
( انْظُر الحَدِيث 343) .


ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث استظهاراً لحَدِيث رَافع مَعَ علمه بِأَن الأَرْض كَانَت تكرى على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه خشِي أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أحدث فِي ذَلِك أَي: حكم بِمَا هُوَ نَاسخ لما كَانَ يُعلمهُ من جَوَاز ذَلِك، فَترك كِرَاء الأَرْض.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه مَوْصُولا، وأوله: أَن عبد الله كَانَ يكْرِي أرضه حَتَّى بلغه أَن رَافع بن خديج ينْهَى عَن كِرَاء الأَرْض فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا ابْن خديج! مَا هَذَا؟ قَالَ: سَمِعت عمي، وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا يحدثان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الأَرْض، فَقَالَ عبد الله: قد كنت أعلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الأَرْض تكرى، ثمَّ خشِي عبد الله أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدث فِي ذَلِك شَيْئا لم يكن علمه، فَترك كِرَاء الأَرْض.
وَقد احْتج بِهَذَا من كره إِجَارَة الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
<

( بابُُ كِرَاءِ الأرْضِ بالذَّهَبِ والْفِضَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْفِضَّة غير مَنْهِيّ عَنهُ، وَإِنَّمَا النَّهْي الَّذِي ورد عَن كِرَاء الأَرْض فِيمَا إِذا أكريت بِشَيْء مَجْهُول، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور، وَدلّ عَلَيْهِ أَيْضا حَدِيث الْبابُُ، وَقد مر أَن طَائِفَة قَليلَة لم يجوزوا كِرَاء الأَرْض مُطلقًا.

وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ إنَّ أمْثَلَ مَا أنْتُمْ صانِعُونَ أنْ تَسْتَأْجِرُوا الأرْضَ الْبَيْضَاءَ مِنَ السَّنةِ إلَى السَّنَةِ هَذَا التَّعْلِيق وَصله وَكِيع فِي ( مُصَنفه) عَن سُفْيَان عَن عبد الْكَرِيم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِن أمثل مَا أَنْتُم صانعون أَن تستأجروا الأَرْض الْبَيْضَاء بِالذَّهَب وَالْفِضَّة.
قَوْله: ( إِن أمثل) ، أَي: أفضل، وَفِي ( مُصَنف) ابْن أبي شيبَة حكى جَوَاز ذَلِك عَن سعد بن أبي وَقاص، وَسَعِيد بن الْمسيب وَابْن جُبَير وَسَالم وَعُرْوَة وَمُحَمّد بن مُسلم وَإِبْرَاهِيم وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن، وَحكي جَوَاز ذَلِك عَن رَافع مَرْفُوعا.
وَفِي حَدِيث سعيد بن زيد: وأمرنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نكريها بِالذَّهَب وَالْوَرق،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع الصَّحَابَة على جَوَازه،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قد ثَبت عَن رَافع مَرْفُوعا أَن كِرَاء الأَرْض بالنقدين جَائِز، وَهُوَ خَاص يقْضِي على الْعَام الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض بِغَيْر اسْتثِْنَاء ذهب وَلَا فضَّة، وَالزَّائِد من الْأَخْبَار أولى أَن يُؤْخَذ بِهِ لِئَلَّا تتعارض الْأَخْبَار فَيسْقط شَيْء مِنْهَا.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد حَدثنَا أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي حُصَيْن عَن مُجَاهِد عَن رَافع بن خديج، قَالَ: نَهَانَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أَمر كَانَ لنا نَافِعًا إِذا كَانَت لِأَحَدِنَا أَرض أَن نعطيها بِبَعْض خراجها أَو بِدَرَاهِم؟.

     وَقَالَ : إِذا كَانَت لأحدكم أَرض فليمنحها أَخَاهُ أَو ليزرعها.
قلت: أَبُو بكر بن عَيَّاش فِيهِ مقَال،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: هُوَ مُرْسل، وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَإِن مُجَاهدًا لم يسمعهُ من رَافع، سقط بَينهمَا ابْن لرافع ابْن خديج كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي ( صَحِيحه) من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار أَن مُجَاهدًا قَالَ لطاووس: انْطلق بِنَا إِلَى ابْن رَافع بن خديج فاسمع مِنْهُ الحَدِيث عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن مُجَاهِد، قَالَ: أخذت بيد طَاوُوس حَتَّى أدخلته على ابْن رَافع بن خديج فحدثه عَن أَبِيه، قَالَ شَيخنَا: وَيحْتَمل أَن الَّذِي سقط بَينهمَا أسيد بن ظهير ابْن أخي رَافع، فقد رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة مَنْصُور عَن مُجَاهِد عَن أسيد بن ظهير عَنهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُجَاهِد عَن أسيد بن أبي رَافع.



[ قــ :47 ... غــ :347 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيثُ عَن رَبِيعَةَ بنِ أبِي عبدِ الرَّحْمان عنْ حَنْظَلَةَ ابنِ قَيْسٍ عنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ حدَّثنِي عَمَّايَ أنَّهُمْ كانُوا يُكْرُونَ الأرْضَ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأرْبِعَاءِ أوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صاحبُ الأرْضِ فنَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ فقُلْتُ لِرَافِعٍ فَكَيْفَ هِيَ بالدِّينَارِ والدِّرْهَمِ فَقَالَ رَافِعٌ لَيْسَ بِها بأسٌ بالدِّينارِ والدِّرْهَمِ.
( الحَدِيث 743 طرفه فِي: 3104) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَقَالَ رَافع: لَيْسَ بهَا) إِلَى آخِره.

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن خَالِد بن فروخ.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء: ابْن أبي عبد الرَّحْمَن، واسْمه: فروخ، مولى الْمُنْكَدر بن عبد الله، ويكنى: أَبَا عُثْمَان، وَهُوَ الَّذِي يُسمى: ربيعَة الرَّأْي.
الرَّابِع: حَنْظَلَة بن قيس الزرقي الْأنْصَارِيّ.
الْخَامِس: رَافع بن خديج.
السَّادِس وَالسَّابِع: عماه، فأحدهما، ظهير، وَالْآخر قَالَ الكلاباذي: لم أَقف على اسْمه.
وَقيل: اسْمه مظهر، بِضَم الْمِيم وَفتح الظَّاء وَتَشْديد الْهَاء الْمَكْسُورَة، كَذَا ضَبطه عبد الْغَنِيّ وَابْن مَاكُولَا، وَقيل: اسْمه مهير، كَذَا ذكره فِي ( مُعْجم الصَّحَابَة) لِلْبَغوِيِّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه حراني جزري سكن مصر، وَمَات بهَا سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَن اللَّيْث مصري، والبقية مدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما ربيعَة وحَنْظَلَة.
وَفِيه: رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صحابيين.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( على الْأَرْبَعَاء) ، قد مر عَن قريب أَنه جمع: الرّبيع، وَهُوَ النَّهر الصَّغِير.
قَوْله: ( يستثنيه صَاحب الأَرْض) ، كاستثناء الثُّلُث أَو الرّبع من المزروع لصَاحب الأَرْض.
قَوْله: ( فَقلت لرافع) الْقَائِل هُوَ حَنْظَلَة بن قيس.
قَوْله: ( كَيفَ هِيَ) ، ويروى: ( فَكيف هِيَ) ، بِالْفَاءِ أَي: كَيفَ الْمُزَارعَة، يَعْنِي: كَيفَ حكمهَا بالدينار وَالدِّرْهَم؟ قَوْله: ( فَقَالَ رَافع) إِلَى آخِره، فَقَوْل رَافع يحْتَمل أَن يكون بِاجْتِهَاد مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون علم ذَلِك بطرِيق التَّنْصِيص على جَوَازه، أوعلم أَن جَوَاز الْكِرَاء بالدينار وَالدِّرْهَم غير دَاخل فِي النَّهْي عَن كِرَاء الأَرْض بِجُزْء مِمَّا يخرج مِنْهَا، وَمِمَّا يدل على كَون مَا قَالَه مَرْفُوعا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن رَافع بن خديج، قَالَ: ( نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن المحاقلة والمزابنة.

     وَقَالَ : إِنَّمَا يزرع ثَلَاثَة: رجل لَهُ أَرض، وَرجل منح أَرضًا، وَرجل أَكْرِي أَرضًا بِذَهَب أَو فضَّة)
.
وَفِيه نظر، لِأَن النَّسَائِيّ قَالَ بعد أَن رَوَاهُ: إِن الْمَرْفُوع مِنْهُ النَّهْي عَن المحاقلة والمزابنة، وَإِن بَقِيَّته مدرجة من كَلَام سعيد بن الْمسيب.

وَقَالَ اللَّيْثُ أراهُ وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الفَهْمِ بالحَلالِ والحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ لِمَا فِيهِ مِنَ المُخَاطَرَةِ
وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول إِلَى اللَّيْث، رَحمَه الله أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعد: أرَاهُ أَي: أَظُنهُ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى شَيْخه ربيعَة الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث، وَمعنى: أَظُنهُ أَنه لم يجْزم بِرِوَايَة شَيْخه لَهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر هُنَا: قَالَ أَبُو عبد الله، من هَهُنَا قَالَ أَبُو اللَّيْث: أرَاهُ، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( ذَوُو الْفَهم بالحلال وَالْحرَام لم يجيزوه) ، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَابْن شبويه: ( ذُو الْفَهم) ، بِالْإِفْرَادِ، وَكَذَا وَقع: لم يجزه، بِالْإِفْرَادِ، قَوْله: ( لما فِيهِ من المخاطرة) ، وَهِي الإشراف على الْهَلَاك، ثمَّ اخْتلفُوا فِي هَذَا النَّقْل عَن اللَّيْث: هَل هُوَ فِي نفس الحَدِيث أم مدرج، فَعِنْدَ النَّسَفِيّ وَابْن شبويه: مدرج، وَلِهَذَا سقط هَذَا عِنْدهمَا،.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ: الظَّاهِر من السِّيَاق أَنه من كَلَام رَافع،.

     وَقَالَ  التوربشتي شَارِح ( المصابيح) لم يتَبَيَّن لي أَن هَذِه الزِّيَادَة من قَول بعض الروَاة، أَو من قَول البُخَارِيّ، وَقيل: أَكثر الطّرق فِي البُخَارِيّ تبين أنَّها من كَلَام اللَّيْث وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.


( بابٌُ)
كَذَا وَقع لفظ: بابُُ، مُجَردا عَن التَّرْجَمَة عِنْد جَمِيع الروَاة، وَهُوَ كالفصل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَهُوَ غير منون، لِأَن التَّنْوِين عَلامَة الْإِعْرَاب، وَالْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد والتركيب، أللهم إلاَّ إِذا قُلْنَا: تَقْدِيره: هَذَا بابُُ، فَيكون حِينَئِذٍ معرباً على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.