فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

( بابُُ مَنْ رَأى أنَّ صاحِبَ الحَوْضِ أوْ الْقَرْبَةِ أحَقُّ بِمائِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من رأى إِلَى آخِره، وَالْحكم فِيهِ أَن من كَانَ لَهُ حَوْض فِيهِ مَاؤُهُ أَو مَعَه قربَة فِيهَا مَاء فَهُوَ أَحَق بذلك المَاء من غَيره، لِأَنَّهُ ملكه وَتَحْت يَده وَله التَّصَرُّف فِيهِ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْهِبَة وَنَحْو ذَلِك، وَلَا يجوز لغيره أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا إلاَّ بِإِذْنِهِ إلاَّ الْمُضْطَر فِي الشّرْب، كَمَا مر تَفْصِيله فِيمَا مضى.



[ قــ :2265 ... غــ :2366 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدثنَا عبدُ العزِيزِ عنْ أبِي حازمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَدَحٍ فشَرِبَ وعنْ يَمِينِهِ غُلامٌ هُوَ أحْدَثُ القَوْمِ والأشْيَاخُ عنْ يَسَارِهِ قَالَ يَا غُلامُ أتأْذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ الأشْيَاخَ فَقَالَ مَا كُنْتُ لاُِوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أحدَاً يَا رسولَ الله فأعْطَاهُ إيَّاهُ.
.


قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيث إلاَّ أَن الْأَيْمن أَحَق بالقدح من غير.
وَأجِيب: بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ أَن الْأَيْمن إِذا اسْتحق مَا فِي الْقدح بِمُجَرَّد جُلُوسه واختص بِهِ، فَكيف لَا يخْتَص صَاحب الْيَد والمتسبب فِي تَحْصِيله؟ قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الْفرق ظَاهر بَين الاستحقاقين، فاستحقاق الْأَيْمن غير لَازم حَتَّى إِذا منع لَيْسَ لَهُ الطّلب الشَّرْعِيّ، بِخِلَاف اسْتِحْقَاق صَاحب الْيَد، وَهَذَا ظَاهر،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَجه تعلقه أَي: تعلق الحَدِيث بالترجمة قِيَاس مَا فِي الْقرْبَة والحوض على مَا فِي الْقدح، وَتصرف بَعضهم فِيهِ بقوله: ومناسبته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، إِلْحَاقًا للحوض والقربة بالقدح، فَكَأَن صَاحب الْقدح أَحَق بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ شرباً وسقياً.
انْتهى.
قلت: أما قِيَاس الْكرْمَانِي فَقِيَاس بالفارق، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَأما قَول بَعضهم: إِلْحَاقًا للحوض والقربة بالقدح، فَإِن كَانَ مُرَاده بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَغير صَحِيح لما ذكرنَا، وَإِن كَانَ مُرَاده من الْإِلْحَاق أَن صَاحب الْقدح مثل صَاحب الْقرْبَة فِي الحكم فَلَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا يخفى.
وَقَوله: فَكَانَ صَاحب الْقدح أَحَق بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ شرباً وسقياً، لَا يَخْلُو أَن يقْرَأ قَوْله: فَكَانَ، بكاف التَّشْبِيه دخلت على: أَن، بِفَتْح الْهمزَة، أَو: كَانَ، بِلَفْظ الْمَاضِي من الْأَفْعَال النَّاقِصَة، وأيّاً مَا كَانَ ففساده ظَاهر يعرف بِالتَّأَمُّلِ، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة إلاَّ بِالْجَرِّ الثقيل، بِأَن يُقَال: صَاحب الْحَوْض مثل صَاحب الْقدح فِي مُجَرّد الِاسْتِحْقَاق مَعَ قطع النّظر عَن اللُّزُوم وَعَدَمه، والْحَدِيث مضى قبل هَذِه بِثمَانِيَة أَبْوَاب فِي: بابُُ فِي الشّرْب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد، وَهنا أخرجه: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن سهل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.




[ قــ :66 ... غــ :367 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار قَالَ حَدثنَا غنْدر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأذودن رجَالًا عَن حَوْضِي كَمَا تذاد الغريبة من الْإِبِل عَن الْحَوْض) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله عَن حَوْضِي فَإِنَّهُ يدل على أَنه أَحَق بحوضه وَبِمَا فِيهِ والترجمة أَن صَاحب الْحَوْض أَحَق بِهِ وغندر بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون مر غير مرّة وَهُوَ لقبه واسْمه مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ ربيب شُعْبَة وَمُحَمّد بن زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف الْقرشِي الجُمَحِي أَبُو الْحَارِث الْمدنِي مر فِي بابُُ غسل الأعقاب وَلَا يشْتَبه عَلَيْك بِمُحَمد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا تابعيا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بِهِ وَفِي التَّلْوِيح لما أعَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الْحَوْض ذكره مُعَلّقا من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا كَاد أَن يبلغ مبلغ الْقطع والتواتر على رَأْي جمَاعَة من الْعلمَاء يجب الْإِيمَان بِهِ فِيمَا حَكَاهُ غير وَاحِد وَرَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمَاعَة كَثِيرَة من الصَّحَابَة مِنْهُم فِي الصَّحِيح ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَجَابِر بن سَمُرَة وجندب بن عبد الله وَزيد بن أَرقم وَعبد الله بن عَمْرو وَأنس بن مَالك وَحُذَيْفَة وَعند أبي الْقَاسِم اللالكائي ثَوْبَان وَأَبُو بردة وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَبُرَيْدَة وَعَن القَاضِي أبي الْفضل وَعقبَة بن عَامر وحارثة بن وهب والمستورد وَأَبُو بَرزَة وَأَبُو أُمَامَة وَعبد الله بن زيد وَسَهل بن سعد وسُويد بن جبلة وَأَبُو بكر الصّديق والفاروق والبراء وَعَائِشَة وَأُخْتهَا أَسمَاء وَأَبُو بكرَة وَخَوْلَة بن قيس وَأَبُو ذَر والصنابحي فِي آخَرين ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لأذودن " أَي لأطردن من ذاد يذود ذيادا أَي دَفعه وطرده ويروى فليذادن رجال أَي يطردون وَفِي الْمطَالع كَذَا رَوَاهُ أَكثر الروَاة عَن مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ يحيى ومطرف وَابْن نَافِع فَلَا يذادن وَرَوَاهُ ابْن وضاح على الرِّوَايَة الأولى وَكِلَاهُمَا صَحِيح الْمَعْنى والنافية أفْصح وَأعرف وَمَعْنَاهُ فَلَا تَفعلُوا فعلا يُوجب ذَلِك كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أَلفَيْنِ أحدكُم على رقبته بعير أَي لَا تَفعلُوا مَا يُوجب ذَلِك قَوْله " كَمَا تذاد الغريبة من الْإِبِل " أَي كَمَا تطرد النَّاقة الغريبة من الْإِبِل عَن الْحَوْض إِذا أَرَادَت الشّرْب مَعَ إبِله وَعَادَة الرَّاعِي إِذا سَاق الْإِبِل إِلَى الْحَوْض لتشرب أَن يطرد النَّاقة الغريبة إِذا رَآهَا بَينهم وَاخْتلف فِي هَؤُلَاءِ الرِّجَال فَقيل هم المُنَافِقُونَ حَكَاهُ ابْن التِّين.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ هم المبتدعون.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ هم الَّذين لَا سِيمَا لَهُم من غير هَذِه الْأمة وَذكر قبيصَة فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَنهم هم المرتدون الَّذين بدلُوا.

     وَقَالَ  ابْن بطال فَإِن قيل كَيفَ يأْتونَ غرا وَالْمُرْتَدّ لَا غرَّة لَهُ فَالْجَوَاب أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ تَأتي كل أمة فِيهَا منافقوها وَقد قَالَ الله تَعَالَى { يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا انظرونا نقتبس من نوركم} فصح أَن الْمُؤمنِينَ يحشرون وَفِيهِمْ المُنَافِقُونَ الَّذين كَانُوا مَعَهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى يضْرب بَينهم بسور وَالْمُنَافِق لَا غرَّة لَهُ وَلَا تحجيل لَكِن الْمُؤْمِنُونَ سموا غرا بِالْجُمْلَةِ وَإِن كَانَ الْمُنَافِق فِي خلالهم.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ فَإِن قيل كَيفَ خَفِي حَالهم على سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد قَالَ تعرض عَليّ أَعمال أمتِي فَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا تعرض أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُنَافِقين والكافرين



[ قــ :67 ... غــ :368 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب وَكثير بن كثير يزِيد أَحدهمَا على الآخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرحم الله أم إِسْمَاعِيل لَو تركت زَمْزَم أَو قَالَ لَو لم تغرف من المَاء لكَانَتْ عينا معينا وَأَقْبل جرهم فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ أَن ننزل عنْدك قَالَت نعم وَلَا حق لكم فِي المَاء قَالُوا نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْلهَا لجرهم وَلَا حق لكم فِي المَاء لِأَنَّهَا أَحَق من غَيرهَا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِيهِ أَن من أنبط مَاء فِي فلاة من الأَرْض ملكه وَلَا يُشَارِكهُ غَيره فِيهِ إِلَّا بِرِضَاهُ إِلَّا أَنه لَا يمْنَع فَضله إِذا اسْتغنى عَنهُ وَإِنَّمَا شرطت هَاجر عَلَيْهِم أَن لَا يتملكوه قَوْله وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَكثير بن كثير ضد الْقَلِيل فِي اللَّفْظَيْنِ ابْن الْمطلب السَّهْمِي وَهُوَ عطف على أَيُّوب قيل يلْزم أَن يكون كل مِنْهُمَا مزيدا أَو مزيدا عَلَيْهِ أُجِيب نعم باعتبارين.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا مطولا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِيه أَيْضا عَن أبي عَامر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن عبد الله بن الْمُبَارك عَن أبي عَامر الْعَقدي وَعُثْمَان بن عمر كِلَاهُمَا عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع قَوْله " أم إِسْمَاعِيل " هِيَ هَاجر وَكَانَ إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَار إِلَى مصر لما وَقع الْقَحْط بِالشَّام لِلْمِيرَةِ وَمَعَهُ سارة وَلُوط عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ بهَا أول الفراعنة سِنَان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل غير ذَلِك وَكَانَت سارة من أجمل النِّسَاء وَجرى مَا جرى بَينه وَبَين إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبَب سارة على مَا ذكره أهل السّير فآخر الْأَمر نجى الله سارة من هَذَا الفرعون فَأَخْدَمَهَا هَاجر وَاخْتلف فِيهَا فَقَالَ مقَاتل كَانَت من ولد هود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك كَانَت بنت ملك مصر وَكَانَ سَاكِنا بمنف فغلبه ملك آخر فَقتله وسبى ابْنَته فاسترقها ووهبها لسارة ثمَّ وهبتها سارة لإِبْرَاهِيم فواقعها فَولدت إِسْمَاعِيل ثمَّ حمل إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ لأمر يطول ذكره وَمَكَّة إِذْ ذَاك عضاه وَسلم وَسمر فأنزلهما فِي مَوضِع الْحجر وَكَانَ مَعَ هَاجر شنة مَاء وَقد نفد فعطشت وعطش الصَّبِي فَنزل جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء بهما إِلَى مَوضِع زَمْزَم فَضرب بعقبه ففارت عين فَلذَلِك يُقَال لزمزم ركضة جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نبع المَاء أخذت هَاجر شنتها وَجعلت تستقي فِيهَا تدخره وَهِي تَفُور قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرحم الله أم إِسْمَاعِيل لَو تركت زَمْزَم لكَانَتْ عينا معينا فَشَرِبت.

     وَقَالَ  لَهَا جِبْرِيل لَا تخافي الظمأ على أهل هَذِه الْبَلدة فَإِنَّهَا عين ستشرب مِنْهَا ضيفان الله وَإِن هَهُنَا بَيت الله يَبْنِي هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى مرت رفْقَة من جرهم تُرِيدُ الشَّام مُقْبِلين من طَرِيق كَذَا فنزلوا فِي أَسْفَل مَكَّة فَرَأَوْا طائرا على الْجَبَل فَقَالُوا إِن هَذَا الطَّائِر ليدور على المَاء وعهدنا بِهَذَا الْوَادي وَمَا فِيهِ مَاء فأشرفوا فَإِذا هم بِالْمَاءِ فَقَالُوا لهاجر إِن شِئْت كُنَّا مَعَك وانسناك وَالْمَاء ماؤك فَأَذنت لَهُم فنزلوا هُنَاكَ فهم أول سكان مَكَّة فَكَانُوا هُنَاكَ حَتَّى شب إِسْمَاعِيل وَمَاتَتْ هَاجر فَتزَوج إِسْمَاعِيل امْرَأَة مِنْهُم يُقَال لَهَا الجداء ابْنة سعد العملاقي وَأخذ لسانهم فتعرب بهم وحكايته طَوِيلَة لَيْسَ هَذَا مَوضِع بسطها ثمَّ اعْلَم أَن جرهم صنفان الأولى كَانُوا على عهد عَاد فبادوا ودرست أخبارهم وهم من الْعَرَب البائدة وجرهم الثَّانِيَة من ولد جرهم بن قطحان وَكَانَ جرهم أَخا يعرب بن قحطان فَملك يعرب الْيمن وَملك أَخُوهُ جرهم الْحجاز.

     وَقَالَ  الرشاطي جرهم وَابْن عَمه قطورا هما كَانَا أهل مَكَّة وَكَانَا قد ظعنا من الْيمن فَأَقْبَلَا سيارة وعَلى جرهم مضاض بن عمر وعَلى قطورا السميدع رجل مِنْهُم فَنزلَا مَكَّة وجرهم بن قحطان بن عَامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله " لَو تركت زَمْزَم " بِأَن لَا تغرف مِنْهَا إِلَى الْقرْبَة وَلَا تشح بهَا لكَانَتْ عينا معينا بِفَتْح الْمِيم أَي جَارِيا قَوْله " أَو قَالَ " شكّ من الرَّاوِي قَوْله أَتَأْذَنِينَ خطاب لهاجر بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الاستخبار قَوْله " أَن ننزل " بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر ويروى أَن أنزل بِاعْتِبَار قَول كل وَاحِد مِنْهُم قَالَ الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) نعم مقررة لما سبق وَهَهُنَا النَّفْي سَابق ( قلت) يسْتَعْمل فِي الْعرف مقَام بلَى وَلِهَذَا يثبت بِهِ الْإِقْرَار حَيْثُ يُقَال أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ نعم ( قلت) التَّحْقِيق فِيهِ أَن بلَى لَا تَأتي إِلَّا بعد نفي وَأَن نعم تَأتي بعد نفي وَإِيجَاب فَلَا يحْتَاج أَن يُقَال يسْتَعْمل فِي الْعرف مقَام بلَى -



[ قــ :68 ... غــ :369 ]
- حدَّثنا عبد الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وعنْ أبي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ إبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلاَثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ولاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ رجُلٌ حَلَفَ علَى سِلْعةٍ لقَدْ أعْطَى أكْثَرَ مِمَّا أعْطَى وهْوَ كاذِبٌ ورجُلٌ حلَفَ علَى يَمِينٍ كاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِها مالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ورَجُلٌ منَعَ فَضْلَ ماءٍ فيَقُولُ الله الْيَوْمَ أمْنَعُكَ فَضْلِي كَما منَعْتَ فَضْلَ مالَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَرجل منع فضل مَاء) ، لِأَنَّهُ اسْتحق الْعقَاب فِي الْفضل، فَدلَّ هَذَا أَنه أَحَق بِالْأَصْلِ الَّذِي فِي حَوْضه، أَو فِي قربته، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان السمان، والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبابُُ بأَرْبعَة أَبْوَاب فِي: بابُُ إِثْم من منع ابْن السَّبِيل من المَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن بَينهمَا بعض اخْتِلَاف فِي الْمَتْن بِزِيَادَة ونقصان يعلم بِالنّظرِ، فَإِن فِيهِ هُنَاكَ الرجل المبايع للْإِمَام هُوَ ثَالِث الثَّلَاثَة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا إِذا لم يحصر على هَذِه الثَّلَاثَة وَلَا على تِلْكَ الثَّلَاثَة.

قَوْله: ( أَكثر مِمَّا أعْطى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: أَكثر مِمَّا أعْطى فلَان الَّذِي يستامه.
قَوْله: ( وَهُوَ كَاذِب) جملَة حَالية.
قَوْله: ( الْيَوْم أمنعك فضلي) أَي: إِنَّك إِذا كنت تمنع فضل المَاء الَّذِي لَيْسَ بعملك، وَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْك أمنعك الْيَوْم فضلي مجازاة لما فعلت.
وَقيل: قَوْله: الْيَوْم أمنعك ... إِلَى آخِره، إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نَحن المنزلون} ( الْوَاقِعَة: 96) .
وَحكى ابْن التِّين عَن أبي عبد الْملك أَنه قَالَ: هَذَا يخفي مَعْنَاهُ، وَلَعَلَّه يُرِيد أَن الْبِئْر لَيست من حفره، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَنعه غَاصِب ظَالِم، وَهَذَا لَا يرد فِيمَا حازه وَعَمله، وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ حفرهَا ومنعها من صَاحب الشّفة، أَي: العطشان، وَيكون معنى: مَا لم تعْمل يداك، أَي: لم تنبع المَاء وَلَا أخرجته.
قلت: تَقْيِيد هَذَا بالبئر لَا معنى لَهُ، لِأَن قَوْله: وَرجل منع فضل مَاء، أَعم من أَن يكون ذَلِك الْفضل فِي الْبِئْر أَو فِي الْحَوْض أَو فِي الْقرْبَة وَنَحْو ذَلِك.

وقالَ عَلِيٌّ حدَّثنا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  سَمِعَ أبَا صالِحٍ يبْلُغُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: قَالَ عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار سمع أَبَا صَالح ذكْوَان يبلغ بِهِ، أَي يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن سُفْيَان كَانَ يُرْسل هَذَا الحَدِيث كثيرا، وَلكنه صحّح الْمَوْصُول لِأَنَّهُ سَمعه من الْحفاظ مَوْصُولا وَوَصله أَيْضا عَمْرو النَّاقِد.
وَأخرجه مُسلم عَنهُ عَن سُفْيَان عَن عَمْرو عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أرَاهُ مَرْفُوعا، وَالله أعلم.