فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حلب الإبل على الماء

( بابُُ حَلَبِ الإبِلِ عَلَى الْمَاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حقية حلب الْإِبِل على المَاء، الْحَلب، بِفَتْح اللَّام، يُقَال: حلبت النَّاقة وَالشَّاة أَحْلَبَهَا حَلبًا، بِفَتْح اللَّام.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْحَلب بِالتَّحْرِيكِ اللَّبن المحلب، والحلب أَيْضا مصدر.
قَوْله: ( على المَاء) ، قَالَ بَعضهم: أَي: عِنْد المَاء.
قلت: لم يذكر أحد من أهل اللُّغَة والعربية أَن: على، تجىء بِمَعْنى: عِنْد، بل: على، هَهُنَا بِمَعْنى الاستعلاء، بِمَعْنى على مَا يقرب مِنْهُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أَو أجد على النَّار هدى} ( طه: 01) مَعْنَاهُ: على مَا يقرب من النَّار، وَهنا مَعْنَاهُ: حلب الْإِبِل على مَا يقرب من المَاء، يَعْنِي: على مَكَان قريب من المَاء الَّذِي تورد إِلَيْهِ للسقي.



[ قــ :2278 ... غــ :2378 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ قَالَ حدَّثني أبِي عنْ هِلاَلِ بنِ عَلِيٍّ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي عَمْرَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مِنْ حَقِّ الإبلِ أنْ تُحْلَبَ عَلَى المَاءِ.
.


وَرِجَاله سِتَّة: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الله أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن فليح، بِضَم الْفَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: مر فِي أول الْعلم، وَأَبوهُ فليح بن سُلَيْمَان أَبُو يحيى الْخُزَاعِيّ، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك فغلب عَلَيْهِ لقبه: فليح، وهلال بن عَليّ هُوَ هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، وَيُقَال: هِلَال بن أبي هِلَال الفِهري الْمَدِينِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الْأنْصَارِيّ الثِّقَة الْمَشْهُور.

قَوْله: ( من حق الْإِبِل) ، أَرَادَ بِهِ الْحق الْمَعْهُود الْمُتَعَارف بَين الْعَرَب من التَّصَدُّق بِاللَّبنِ على الْمِيَاه، إِذْ كَانَت طوائف الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين ترصد يَوْم وُرُود الْإِبِل على الْمِيَاه لتنال من رسلها وتشرب من لَبنهَا، وَهَذَا حق حلبها على المَاء، لَا أَنه فرض لَازم عَلَيْهِم، وَقد تَأَول بعض السّلف فِي قَوْله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
هُوَ أَنه: يُعْطي الْمَسَاكِين عِنْد الْجذاذ والحصاد مَا تيَسّر من غير الزَّكَاة، وَهَذَا مهذب ابْن عمر وَبِه قَالَ عَطاء وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَجُمْهُور الْفُقَهَاء على أَن المُرَاد بِالْآيَةِ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَهَذَا تَأْوِيل ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَهَذَا كَمَا نهى عَن جذاذ النّخل بِاللَّيْلِ لأجل حُضُور الْمَسَاكِين بِالنَّهَارِ، وَأَجَازَهُ مَالك لَيْلًا.
قَوْله: ( أَن تحلب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، و: تحلب، بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَعَن الدَّاودِيّ أَنه روى بِالْجِيم،.

     وَقَالَ : أَرَادَ أَنَّهَا تجلب، أَي: تساق إِلَى مَوضِع سقيها، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقَالَ: أَن تجلب إِلَى المَاء، لَا: على المَاء، وَالْمَقْصُود من حلبها على المَاء حُصُول النَّفْع لمن يحضر من الْمَسَاكِين هُنَاكَ، وَلِأَن ذَلِك ينفع الْإِبِل أَيْضا.
قَوْله: ( على المَاء) ، قد ذكرنَا وَجهه، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الْمعَافى بن سُلَيْمَان عَن فليح: يَوْم وردهَا وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.