فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل

( بابُُ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أوْ شِرْبٌ فِي حائطٍ أوْ فِي نَخْلٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَمر الرجل الَّذِي يكون لَهُ ممر، أَي حق الْمُرُور، أَو يكون لَهُ حق شرب بِكَسْر الشين، وَهُوَ النَّصِيب من المَاء.
قَوْله: ( فِي حَائِط) ، يتَعَلَّق بقوله: ممر، والحائط هُوَ الْبُسْتَان.
قَوْله: ( أَو فِي نخل) ، يتَعَلَّق بقوله: شرب، وَذَلِكَ بطرِيق اللف والنشر، وَحكم هَذَا يعلم من أَحَادِيث الْبابُُ، فَإِنَّهُ أورد فِيهِ خَمْسَة أَحَادِيث كلهَا قد مضى.
قيل: وَجه دُخُول هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه التَّنْبِيه على إِمْكَان اجْتِمَاع الْحُقُوق فِي الْعين الْوَاحِدَة بِأَن يكون لشخص ملك وَللْآخر الِانْتِفَاع فِيهِ، مثلا لرجل ثَمَرَة فِي حَائِط رجل، فَلهُ حق الدُّخُول فِيهِ لأخذ ثَمَرَته، أَو لرجل أَرض وَلآخر فِيهَا حق الشّرْب، فَلهُ أَخذ الشّرْب مِنْهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك كُله فِي أَحَادِيث الْبابُُ.

قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ باعَ نَخْلاً بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ

هَذَا الحَدِيث مضى مَوْصُولا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ من بَاعَ نخلا قد أبرت، من طَرِيق مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ومطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فثمرتها للْبَائِع) لِأَن الثَّمَرَة الَّتِي بِيعَتْ بعد التَّأْبِير لما كَانَت للْبَائِع لم يكن لَهُ وُصُول إِلَيْهَا إلاَّ بِالدُّخُولِ فِي الْحَائِط، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون لَهُ حق الْمَمَر، وَمعنى التَّأْبِير: الْإِصْلَاح والإلقاح، وَقد مضى هُنَاكَ مُسْتَوفى.

فَلِلْبَائِعِ الْمَمَرُّ والسَّقْيُ حتَّى يَرْفَعَ وكَذَلِكَ رَبُّ العَرِيَّةِ
قَوْله: ( فَللْبَائِع) إِلَى آخِره من كَلَام البُخَارِيّ، استنبطه من أَحَادِيث الْبابُُ، وَفِيه أَيْضا لما فِي التَّرْجَمَة من الْإِبْهَام، وَلَا يظنّ أحد أَن قَوْله: ( فَللْبَائِع.
.
)
إِلَى آخِره من الحَدِيث، وَمن ظن هَذَا فقد أَخطَأ، وَالْفَاء فِي قَوْله: ( فَللْبَائِع) تفسيرية، ويروى: وللبايع، بِالْوَاو.
قَوْله: ( الْمَمَر) ، أَي: حق لأخذ الثَّمَرَة والسقي، أَي: وَسَقَى النخيل، لِأَنَّهُ ملكه.
قَوْله: ( حَتَّى ترفع) ، كلمة: حَتَّى، للغاية أَي: إِلَى أَن ترفع الثَّمَرَة، أَي: تقطع وَذَلِكَ لِأَن الشَّارِع لما جعل الثَّمَرَة بعد التَّأْبِير للْبَائِع كَانَ لَهُ أَن يدْخل فِي الْحَائِط لسقيها وتعهدها حَتَّى تقطع الثَّمَرَة، وَلَيْسَ لمشتري أصُول النخيل أَن يمنعهُ من الدُّخُول والتطرق إِلَيْهَا.
قَوْله: ( ترفع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم على معنى: حَتَّى يرفع البَائِع ثَمَرَته.
قَوْله: ( وَكَذَلِكَ رب الْعرية) ، أَي: كَالْحكمِ الْمَذْكُور حكم صَاحب الْعرية، وَهِي النَّخْلَة الَّتِي يعير صَاحبهَا ثَمَرَتهَا لرجل مُحْتَاج عامها ذَلِك، وَقد مر تَفْسِيرهَا مُسْتَوفى فِي كتاب الْبيُوع، وَصَاحب الْعرية لَا يمْنَع أَن يدْخل فِي حَائِط المعرى لتعهد عريته بالإصلاح والسقي، وَلَا خلاف فِي هَذَا بَين الْفُقَهَاء، وَأما من لَهُ طَرِيق مَمْلُوكَة فِي أَرض غَيره، فَقَالَ مَالك: لَيْسَ لَهُ أَن يدْخل فِي طَرِيقه بماشيته وغنمه، لِأَنَّهُ يفْسد زرع صَاحبه.
.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لصَاحب الأَرْض أَن يزرع فِي مَوضِع الطَّرِيق.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: رب الْعرية صَاحب النَّخْلَة الَّذِي بَاعَ ثَمَرَتهَا لَهُ الْمَمَر والسقي، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ صَاحب ثَمَرَتهَا.
قلت: إِذا بَاعَ لَا يُسمى عرية، وَإِنَّمَا الْعرية هِيَ الَّتِي ذَكرنَاهَا الْآن، وَعكس الْكرْمَانِي فِي هَذَا فَإِنَّهُ جعل الْمَعْنى الْمَقْصُود مُحْتملا، وَالَّذِي هُوَ مُحْتَمل جعله أصلا يفهم بِالتَّأَمُّلِ.



[ قــ :2279 ... غــ :2379 ]
- أخبرنَا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ حدَّثني ابنُ شِهَابٍ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَنِ ابْتاعَ نَخْلاً بعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلاَّ أنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ومَنِ ابْتاعَ عَبْدا ولهُ مالٌ فمَالُهُ لِلَّذِي باعَهُ إلاَّ أنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا، بَيَان ذَلِك أَن الَّذِي اشْترى نخلا بعد التَّأْبِير تكون ثَمَرَتهَا للْبَائِع، ثمَّ لَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يمْنَع البَائِع من الدُّخُول فِي النّخل، لِأَن لَهُ حَقًا لَا يصل إِلَيْهِ إلاَّ بِالدُّخُولِ، وَهُوَ: سقِِي النّخل وإصلاحها.
قَوْله: ( إلاَّ أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع) ، أَي: المُشْتَرِي بِأَن تكون الثَّمَرَة لَهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يبْقى للْبَائِع حق أصلا.
وَالْكَلَام مَعَ الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْبيُوع مفصلا فِي: بابُُ من بَاعَ نخلا قد أبرت.

وعنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ عُمَرَ فِي العَبْدِ
قَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ: عَن مَالك، إِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَإِمَّا عطف على: حَدثنَا اللَّيْث، أَي: روى عمر الحَدِيث فِي شَأْن العَبْد، أَو قَالَ عمر فِي العَبْد إِن مَاله لبَائِعه، أَو أَرَادَ لفظ: فِي العَبْد بعد إلاَّ أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَعَن مَالك، هُوَ مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا اللَّيْث، فَهُوَ مَوْصُول، وَالتَّقْدِير: وَحدثنَا عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنه مُعَلّق، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَقد وَصله أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي النّخل مَرْفُوعا، وَعَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي العَبْد.
قلت: إِن أَرَادَ هَذَا الْقَائِل بقوله: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنه مُعَلّق، أَنه الْكرْمَانِي، والكرماني لم يزْعم أَنه مُعَلّق بل تردد فِيهِ على مَا ذكرنَا؟ وَلَئِن سلمنَا أَنه زعم فزعمه بِحَسب الظَّاهِر صَحِيح، لِأَن التَّقْدِير الَّذِي قدره هَذَا الْقَائِل خلاف الظَّاهِر، ويؤكد زَعمه بعد التَّسْلِيم قَول هَذَا الْقَائِل: وَقد وَصله أَبُو دَاوُد ... إِلَى آخِره، والكرماني لم ينف أصل الْوَصْل فِي نفس الحَدِيث، بل زعم بِحَسب الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ لم يوصله، وَوصل أبي دَاوُد هَذَا لَا يسْتَلْزم وصل البُخَارِيّ، وَلَئِن سلمنَا أَنه مَوْصُول من جِهَة البُخَارِيّ فَمَاذَا يدل عَلَيْهِ هَهُنَا؟ فَهَذَا الْمقَام مقَام نظر وَتَأمل، وَلَيْسَ مقَام المجازفة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : قَالَ الدَّاودِيّ فِي حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي الثَّمَرَة: إِن مَا رَوَاهُ عَن عَمْرو هُوَ وهم من نَافِع، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي العَبْد وَالثَّمَرَة، وَاعْترض ابْن التِّين، فَقَالَ: لَا أَدْرِي من أَيْن أَدخل الدَّاودِيّ الْوَهم على نَافِع، وَمَا الْمَانِع مِنْهُ أَن يكون عمر قَالَ مَا تقدم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟




[ قــ :80 ... غــ :380 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يوسُفَ حدَّثنا سُفيانُ عنْ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمرَ عَن زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالَ رَخَّص النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُباعَ العرَايا بِخَرْصِها تَمْراً.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن المعرى لَيْسَ لَهُ أَن يمْنَع المعري من دُخُوله فِي الْحَائِط لتعهد الْعرية.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ تَفْسِير الْعَرَايَا، فِي كتاب الْبيُوع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت، وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف أبي أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ ... إِلَى آخِره.





[ قــ :81 ... غــ :381 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءٍ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الْمُخَابَرَةِ والْمُحَاقَلَةِ وعنِ الْمُزَابَنَةِ وعنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا وأنْ لَا تُبَاعَ إلأ بالدِّينَارِ والدِّرْهَمِ إلاَّ العَرَايَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إلاَّ الْعَرَايَا) ، وَقد ذكرنَا الْآن أَن المعرى لَيْسَ لَهُ أَن يمْنَع المعري عَن الدُّخُول فِي الْحَائِط لتعهد الْعرية، والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ بيع الثَّمر على رُؤُوس النّخل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ ذكر المخابرة والمحاقلة والمزابنة، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن ابْن جريج عَن عَطاء وَأبي الزبير عَن جَابر، وَهنا أخرجه: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج الْمَكِّيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ، وَتَفْسِير المخابرة قد مضى فِي كتاب الْمُزَارعَة، وَتَفْسِير المحاقلة فِي حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَتَفْسِير الْمُزَابَنَة فِي حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي: بابُُ بيع الْمُزَابَنَة، وَتَفْسِير بَقِيَّة الحَدِيث فِي: بابُُ بيع التَّمْر على رُؤُوس النّخل.





[ قــ :8 ... غــ :38 ]
- حدَّثنا يحيَى بنُ قَزَعَةَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ دَاوُد بنِ حُصيْنٍ عَن أبِي سِفْيانَ مَوْلاى أبِي أحْمَد عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رَخَّصَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمُ فِي بَيْعِ العَرَايا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ أوْ فِي خَمْسَةِ أوْسُقٍ شَكَّ داوُدُ فِي ذالِكَ.
( انْظُر الحَدِيث 091) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِي بيع الْعَرَايَا) وَقد ذكرنَا وَجه ذَلِك فِي الحَدِيث السَّابِق، والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ بيع التَّمْر على رُؤُوس النّخل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَدَاوُد بن حُصَيْن، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة، وَهنا أخرجه: عَن يحيى بن قزعة، بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي، وَقد مر الْكَلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الْبابُُ الْمَذْكُور.