فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه

(كتابٌ فِي اللُّقْطَةِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام اللّقطَة، هَكَذَا وَقع للمستملي والنسفي: كتاب فِي اللّقطَة، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن التِّين وَابْن بطال.
وتبعهما على ذَلِك صَاحب (التَّلْوِيح) ، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: بَاب إِذا أخبر رب اللّقطَة بالعلامة دفع إِلَيْهِ، على مَا يَجِيء.
واللقطة، بِضَم اللَّام وَفتح الْقَاف: اسْم لِلْمَالِ الْمُلْتَقط.
قَالَ بعض شرَّاح كتب الْحَنَفِيَّة: إِن هَذَا اسْم الْفَاعِل للْمُبَالَغَة، وبسكون الْقَاف اسْم مفعول، كالضحكة، وَمعنى الْمُبَالغَة فِيهِ لزِيَادَة معنى اخْتصَّ بِهِ، وَهُوَ أَن كل من رَآهَا يمِيل إِلَى رَفعهَا، فَكَأَنَّهَا تَأمره بِالرَّفْع لِأَنَّهَا حاملة إِلَيْهِ، فأسند إِلَيْهَا مجَازًا، فَجعلت كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي رفعت نَفسهَا، وَنَظِيره قَوْلهم: نَاقَة حَلُوب،ودابة ركُوب وَهُوَ اسْم فَاعل سميت بذلك لِأَن من رَآهَا يرغب فِي الْحَلب وَالرُّكُوب، فَنزلت كَأَنَّهَا أحلبت نَفسهَا وأركبت نَفسهَا.
قلت: فِيهِ تعسف وَلَيْسَ كَذَلِك، بل اللّقطَة سَوَاء كَانَ بِفَتْح الْقَاف أَو سكونها اسْم مَوْضُوع على هَذِه الصِّيغَة لِلْمَالِ الْمُلْتَقط، وَلَيْسَ هَذَا مثل الضحكة، وَلَا مثل نَاقَة حلوف ودابة ركُوب، لِأَن هَذِه صِفَات تدل على الْحُدُوث والتجدد، غير أَن الأول للْمُبَالَغَة فِي وصف الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول، وَالثَّانِي وَالثَّالِث بِمَعْنى الْمَفْعُول للْمُبَالَغَة.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: اللَقطة واللُقطة واللِقاطة: مَا الْتقط وَفِي (الْجَامِع) : اللّقطَة مَا التقطه الْإِنْسَان فَاحْتَاجَ إِلَى تَعْرِيفه.
وَفِي (التَّلْوِيح) : وَقيل: اللّقطَة هُوَ الرجل الَّذِي يلتقط، وَاسم الْمَوْجُود: لقطَة، وَعَن الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء، بِفَتْح الْقَاف: اسْم المَال.
وَعَن الْخَلِيل هِيَ بِالْفَتْح اسْم الْمُلْتَقط كَسَائِر مَا جَاءَ على هَذَا الْوَزْن يكون اسْم الْفَاعِل كهمزة ولمزة، وبسكون الْقَاف اسْم المَال الملقوط.
قَالَ الْأَزْهَرِي: هَذَا قِيَاس اللُّغَة وَلَكِن كَلَام الْعَرَب فِي اللُّغَة على غير الْقيَاس، فَإِن الروَاة أَجمعُوا على أَن اللّقطَة يَعْنِي، بِالْفَتْح: اسْم للشَّيْء الْمُلْتَقط، والالتقاط العثور على الشَّيْء من غير قصد وَطلب، وَفِي (أدب الْكتاب) تسكين الْقَاف من لحن الْعَامَّة، ورد عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا عَن الْخَلِيل،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَيُقَال لَهَا أَيْضا لقاطة، بِالضَّمِّ ولقط بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام بِلَا هَاء.


(بابٌُ إذَا أخبرهُ رَبُّ اللُّقْطَةِ بِالعَلامَةِ دَفَعَ إلَيْهِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا أخبر إِلَى آخِره، وَأخْبر على صِيغَة الْمَعْلُوم.
قَوْله: (رب اللّقطَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل: أخبر، قَوْله: دفع، على صِيغَة الْمَعْلُوم أَيْضا أَي: دفع الْمُلْتَقط اللّقطَة إِلَى رَبهَا، وَفِي بعض النّسخ إِذا أخبرهُ، بالضمير الْمَنْصُوب، أَي: إِذا أخبر الْمُلْتَقط رب اللّقطَة بالعلامة دفع إِلَيْهِ.



[ قــ :2323 ... غــ :2426 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ وحدَّثني مُحمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَلَمَةَ سَمِعْتُ سُويْدَ بنَ غَفَلَةَ قَالَ لَ قِيتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ أخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينارٍ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلاً فعرَّفْتُهَا حَوْلَها فلَمْ أجِدْ مَنْ يَعْرِفُها ثُمَّ أتَيْتُهُ فَقَالَ عرِّفْهَا حَوْلاً فعَرَّفْتُها فلَمْ أجِدْ ثُمَّ أتَيْتُهُ ثَلاثاً فَقَالَ احْفَظْ وِعاءَهَا وعدَدَها وَوِكَاءَها فإنْ جاءَ صاحِبُها وإلاَّ فاسْتَمْتِعْ بِهَا فاسْتَمْتَعْتُ فلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ فَقَالَ لَا أدْرِي ثَلاثَةَ أحْوَالٍ أوْ حَوْلاً واحِداً.
(الحَدِيث 6242 طرفه فِي: 7342) .


لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث مَا يشْعر صَرِيحًا على التَّرْجَمَة، أللهم إِلَّا إِذا قيل: وَقع فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث مَا يشْعر على التَّرْجَمَة، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى ذَلِك وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم، فَإِنَّهُ روى هَذَا الحَدِيث مطولا بطرق مُتعَدِّدَة، وَفِي بَعْضهَا، قَالَ: فَإِن جَاءَ أحد يُخْبِرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إِيَّاه.
فَإِن قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذِه زِيَادَة زَادهَا حَمَّاد بن سَلمَة، وَهِي غير مَحْفُوظَة.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هِيَ مَحْفُوظَة صَحِيحَة، فَإِن سُفْيَان وَزيد بن أبي أنيسَة وافقا حَمَّاد بن سَلمَة فِي هَذِه الزِّيَادَة فِي رِوَايَة مُسلم، وَكَذَلِكَ سُفْيَان فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْخلال حَدثنَا يزِيد بن هَارُون وَعبد الله بن نمير عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بن كهيل عَن سُوَيْد بن غَفلَة ... الحَدِيث، وَفِيه:.

     وَقَالَ  إحصِ عدتهَا ووعاءها ووكاءها، فَإِن جَاءَ طالبها فأخبرك بعدتها ووعائها ووكائها فادفعها إِلَيْهِ، وإلاَّ فاستمتع بهَا.

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة، لِأَنَّهُ أخرجه من طَرِيقين الأول: عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سَلمَة بن كهيل بِضَم الْكَاف عَن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة ابْن غَفلَة، بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَاللَّام مفتوحات: الْجعْفِيّ الْكُوفِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أسلم وَلم يُهَاجر.
مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَله مائَة وَعِشْرُونَ سنة، وَقيل: إِنَّه صَحَابِيّ، وَالْأول أصح، وروى عَنهُ أَنه قَالَ: أَنا لِدَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدت عَام الْفِيل، قدم الْمَدِينَة حِين نفضت الْأَيْدِي من دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأول أثبت.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره، وَهَذَا أنزل، وَلم يسق الْمَتْن إلاَّ على النَّازِل، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَبْدَانِ، واسْمه عبد الله بن عُثْمَان وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب فرقهما.
وَأخرجه مُسلم فِي اللّقطَة أَيْضا عَن أبي بكر بن نَافِع وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي عَن مُحَمَّد بن كثير عَن شُعْبَة بِهِ وَعَن مُسَدّد بن مسرهد وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَحْكَام عَن الْحسن بن عَليّ الْخلال، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي اللّقطَة عَن مُحَمَّد بن قدامَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن عَمْرو بن عَليّ الفلاس وَعَن عَمْرو بن يزِيد وَعَن عَمْرو بن عَليّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن وَكِيع.

ذكر من أخرجه، وَغَيره من أَحَادِيث هَذَا الْبابُُ: وَلما روى التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عبد الله بن عَمْرو، والجارود بن الْمُعَلَّى، وعياض بن حَمَّاد، وَجَرِير بن عبد الله.
قلت: وَفِي الْبابُُ عَن عمر بن الْخطاب، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَسَهل بن سعد، وَأبي هُرَيْرَة، وَجَابِر، وَعبد الله بن الشخير، ويعلى بن مرّة، وسُويد بن أبي عقبَة، وَزيد بن خَالِد، وَعَائِشَة، وَرجل من الصَّحَابَة، والمقداد.

أما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة ابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه سُئِلَ عَن التَّمْر الْمُعَلق ... الحَدِيث، وَفِيه: سُئِلَ عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ فِيهَا فِي طَرِيق الميتاء والقرية الجامعة فعرفها سنة، فَإِن جَاءَ طالبها فادفعها إِلَيْهِ، فَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك، وَمَا كَانَ فِي الخراب فَفِيهَا وَفِي الرِّكَاز الْخمس، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا.
قَوْله: (الميتاء) ، بِكَسْر الْمِيم: الطَّرِيق المسلوك على وزن: مفعال، من الْإِتْيَان، وَالْمِيم زَائِدَة وبابُه الْهمزَة.
وَأما حَدِيث الْجَارُود بن مُعلى فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ عَنهُ، (قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن على إبل عجاف، فَقُلْنَا إِنَّا نمر بموض قد سَمَّاهُ، فنجد إبِلا فنركبها.
قَالَ: ضَالَّة الْمُسلم حرق النَّار) .
وَله حَدِيث آخر رَوَاهُ أَحْمد، وَفِيه: (فَإِن وجدت رَبهَا فادفعها إِلَيْهِ وإلاَّ فَمَال الله يؤتيه من يَشَاء) .
وَأما حَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من وجد لقطَة فليشهد ذَوا عدل وَلَا يكتم وَلَا يغب، فَإِن وجد صَاحبهَا فليردها عَلَيْهِ وإلاَّ فَهُوَ مَال الله) .
وَأما حَدِيث جرير بن عبد الله فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ، وَلَفظه: (لَا يؤوي الضَّالة إلاَّ ضال) ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.

وَأما حَدِيث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ، وَلَفظه: (عرفهَا سنة) .
وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا مطولا فَينْظر فِي مَوْضِعه.
وَأما حَدِيث سهل بن سعد فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا مطولا ينظر فِي مَوْضِعه.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تحل اللّقطَة من الْتقط شَيْئا فليعرفه، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فليردها إِلَيْهِ، فَإِن لم يَأْتِ فليتصدق بهَا فَإِن جَاءَ فليخيره بَين الْأجر وَبَين الَّذِي لَهُ) ، وَلأبي هُرَيْرَة حَدِيث آخر رَوَاهُ الْبَزَّار.
وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ، قَالَ: رخص لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَصَا وَالسَّوْط وَالْحَبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينْتَفع بِهِ.
وَأما حَدِيث عبد الله بن الشخير فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ضَالَّة الْمُسلم حرق النَّار) .
وَأما حَدِيث يعلى بن مرّة فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من الْتقط لقطَة يسيرَة، درهما أَو حبلاً أَو شبه ذَلِك، فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام، وَإِن كَانَ فَوق ذَلِك فليعرفه سِتَّة أَيَّام.
وَأما حَدِيث سُوَيْد فَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجمَة عَنهُ، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللّقطَة، فَقَالَ: عرفا سنة فَإِن جَاءَ صاجبها فأدها إِلَيْهِ وَإِلَّا فأوثق صرارها ووكاءها، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأدها إِلَيْهِ، وإلاَّ فشأنك بهَا، وَسَماهُ ابْن قَانِع: سُوَيْد بن عقبَة الْجُهَنِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر فِي (الِاسْتِيعَاب) : سُوَيْد أَبُو عقبَة الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ : حَدِيثه فِي اللّقطَة صَحِيح.
وَأما حَدِيث زيد بن خَالِد فَرَوَاهُ الْأَئِمَّة السِّتَّة على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأما حَدِيث عَائِشَة فَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَت ترخص للْمُسَافِر أَن يلتقط السَّوْط والعصا والإداوة والنعلين والمزود، وَالظَّاهِر أَنه مَحْمُول على السماع، وَعَن أم سَلمَة مثله.
وَأما الحَدِيث عَن رجل من الصَّحَابَة فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه سُئِلَ عَن الضَّالة؟ فَقَالَ: أعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا ثَلَاثَة أَيَّام على بابُُ الْمَسْجِد، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وإلاَّ فشأنك بهَا) .
وَأما حَدِيث الْمِقْدَاد فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَنهُ أَنه دخل خربة فَخرج جرذ وَمَعَهُ دِينَار، ثمَّ آخر حَتَّى أخرج سَبْعَة عشر دِينَارا فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَبَرهَا، فَقَالَ: لَا صَدَقَة فِيهَا، بَارك الله لَك فِيهَا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أخذت) ، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: أصبت، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وجدت.
قَوْله: (مائَة دِينَار) نصب على أَنه بدل من: صرة، وَيجوز الرّفْع على تَقْدِير: فِيهَا مائَة دِينَار.
قَوْله: (فعرفها) بِالتَّشْدِيدِ أَمر من التَّعْرِيف، وَهُوَ أَن يُنَادي فِي الْموضع الَّذِي لقاها فِيهِ وَفِي الْأَسْوَاق والشوارع والمساجد، وَيَقُول: من ضَاعَ لَهُ شَيْء فليطلبه عِنْدِي.
قَوْله: (فعرفتها أَيْضا) ، بِالتَّشْدِيدِ من التَّعْرِيف، و: (حولا) نصب على الظّرْف.
قَوْله: (من يعرفهَا) بِالتَّخْفِيفِ من عرف يعرف معرفَة وعرفاناً.
قَوْله: (ثمَّ أَتَيْته ثَلَاثًا) ، أَي: ثَلَاث مَرَّات، الْمَعْنى: أَنه أَتَى ثَلَاث مَرَّات، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه أَتَى بعد الْمَرَّتَيْنِ الْأَوليين ثَلَاث مَرَّات، وَإِن كَانَ ظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي ذَلِك لِأَن: ثمَّ إِذا تخلفت عَن معنى التَّشْرِيك فِي الحكم وَالتَّرْتِيب والمهلة تكون زَائِدَة فَلَا تكون عاطفة أَلْبَتَّة قَالَه الْأَخْفَش والكوفيون وحملوا على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: { حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إلاَّ إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 811) .
ويوضح مَا ذكرنَا رِوَايَة مُسلم، فَقَالَ: أَي: أبي بن كَعْب: (إِنِّي وجدت صرة فِيهَا مائَة دِينَار على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: عرفهَا حولا.
قَالَ: فعرفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أَتَيْته، فَقَالَ: عرفهَا حولا، فعرفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ: عرفهَا حولا، فَلم أجد من يعرفهَا، فَقَالَ: احفظ عَددهَا.
.
) الحَدِيث.
وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذَا، فَفِي رِوَايَة: عرفهَا ثَلَاثًا، وَفِي أُخْرَى: أَو حولا وَاحِدًا، وَفِي أُخْرَى: فِي سنة أَو فِي ثَلَاث سِنِين، وَفِي أُخْرَى: عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة.
وروى مُسلم عَن جمَاعَة هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَفِي حَدِيثهمْ جَمِيعًا ثَلَاثَة أَحْوَال إلاَّ حَمَّاد بن سَلمَة، فَإِن فِي حَدِيثه: عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة.
.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفَتْوَى بِظَاهِرِهِ من أَن اللّقطَة تعرف ثَلَاثَة أَعْوَام إلاَّ رِوَايَة جَاءَت عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد روى عَن عمر أَنَّهَا تعرف سنة مثل قَول الْجَمَاعَة، وَفِي الْحَاوِي عَن شواذ من الْفُقَهَاء أَنَّهَا تعرف ثَلَاثَة أَحْوَال.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يعرفهَا ثَلَاثَة أشهر.
قَالَ: وروينا عَنهُ: ثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ يعرفهَا سنة، وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ أَن رِوَايَة الثَّلَاثَة أَحْوَال: إِمَّا أَن يكون غَلطا من بعض الروَاة، وَإِمَّا أَن يكون الْمُعَرّف عرفهَا تعريفاً غير جيد كَمَا قَالَ للمسيء صلَاته: إرجع فصل فَإنَّك لم تصل، وَذكر ابْن حزم عَن عمر بن الْخطاب: يعرف اللّقطَة ثَلَاثَة أشهر، وَفِي رِوَايَة: أَرْبَعَة أشهر، وَعَن الثَّوْريّ: الدِّرْهَم يعرف أَرْبَعَة أَيَّام.
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْهِدَايَة) : إِن كَانَت أقل من عشرَة دَرَاهِم يعرفهَا أَرْبَعَة، وَإِن كَانَت عشرَة فَصَاعِدا عرفهَا حولا، وَهَذِه رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَقدر مُحَمَّد الْحول من غير تَفْصِيل بَين الْقَلِيل وَالْكثير، وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، وَفِي (التَّوْضِيح) : كَذَا قَالَه أَبُو إِسْحَاق فِي تنبيهه، وَالْمذهب الْفرق، فالكثير يعرف سنة، والقليل يعرف مُدَّة يغلب على الظَّن قلَّة أَسف صَاحبه عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ روى عَنهُ تَعْرِيف سنة: عَليّ وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَنقل الْخطابِيّ إِجْمَاع الْعلمَاء فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: ابْتِدَاء الْحول من يَوْم التَّعْرِيف، لَا من الْأَخْذ.
قَوْله: (إحفظ وعاءها) ، بِكَسْر الْوَاو وَقد يضم وبالمد، وَقَرَأَ الْحسن بِالضَّمِّ فِي قَوْله: وعَاء أَخِيه، وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير إعاء أَخِيه، بقلب الْوَاو همزَة مَكْسُورَة، والوعاء مَا يَجْعَل فِيهِ الشَّيْء سَوَاء كَانَ من جلدٍ أَو خرق أَو خشب أَو غير ذَلِك، وَيُقَال: الْوِعَاء هُوَ الَّذِي يكون فِيهِ النَّفَقَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: هُوَ الْخِرْقَة.
قَوْله: (ووكاءها) ، بِكَسْر الْوَاو وبالمد، وَهُوَ الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْكيس، أَو الصرة أَو غَيرهَا، وَيُقَال: أوكيته إيكاءً، فَهُوَ موك، بِلَا همز.
وَزَاد فِي حَدِيث زيد بن خَالِد العفاص، كَمَا يَجِيء عَن قريب.
قَوْله: (فَإِن جَاءَ صَاحبهَا) ، شَرط جَزَاؤُهُ مَحْذُوف، نَحْو: فارددها إِلَيْهِ.
قَوْله: (وإلاَّ) ، أَي: وَإِن لم يَجِيء صَاحبهَا فاستمتع بهَا، اسْتدلَّ بِهِ قوم.
وَبِقَوْلِهِ: (فشأنك بهَا) ، فِي حَدِيث سُوَيْد الَّذِي مضى: على أَن بعد السّنة يملك الْمُلْتَقط اللّقطَة، وَهَذَا خرق لإِجْمَاع أَئِمَّة الْفَتْوَى فِي أَنه يردهَا بعد الْحول أَيْضا إِذا جَاءَ صَاحبهَا، لِأَنَّهَا وَدِيعَة عِنْده، وَلقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فأدها إِلَيْهِ.
قَوْله: (فَلَقِيته بعد بِمَكَّة) ، الْقَائِل بقوله: لَقيته، شُعْبَة، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى سَلمَة بن كهيل.
قَوْله: (بعد) ، بِضَم الدَّال، أَي: بعد ذَلِك.
قَوْله: (بِمَكَّة) ، حَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب أَي: حَال كَون سَلمَة بِمَكَّة، يَعْنِي: كَانَ ملاقاة شُعْبَة بسلمة فِي مَكَّة، وَقد أوضح ذَلِك مُسلم فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: قَالَ شُعْبَة: فَسَمعته بعد عشر سِنِين يَقُول: عرفهَا عَاما وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ صرح بذلك أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) : يُقَال فِي آخر الحَدِيث: قَالَ شُعْبَة: فَلَقِيت سَلمَة بعد ذَلِك، فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَة أَحْوَال أَو حولا وَاحِدًا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: (فَلَقِيته) ، أَي: قَالَ سُوَيْد: لقِيت أبي بن كَعْب بعد ذَلِك بِمَكَّة، قلت: تبع فِي ذَلِك ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: الَّذِي شكّ فِيهِ هُوَ أبي بن كَعْب، وَالْقَائِل هُوَ سُوَيْد بن غَفلَة، وَلَكِن يرد هَذَا مَا ذَكرْنَاهُ عَن مُسلم وَالطَّيَالِسِي.
قَوْله: (فَقَالَ: لَا أَدْرِي) أَي: قَالَ سَلمَة بن كهيل، وَهُوَ الشاك فِيهِ، وعَلى قَول ابْن بطال: الشاك هُوَ أبي بن كَعْب، والسائل مِنْهُ هُوَ سُوَيْد بن غَفلَة، كَمَا ذَكرْنَاهُ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: التَّعْرِيف بِثَلَاثَة أَحْوَال، وَلَكِن الشَّك فِيهِ يُوجب سُقُوط الْمَشْكُوك، وَهُوَ الثَّلَاثَة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفَتْوَى بِظَاهِرِهِ بِأَن اللّقطَة تعرف ثَلَاثَة أَحْوَال، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
وَفِيه: الْأَمر بِحِفْظ ثَلَاثَة أَشْيَاء: وَهِي الْوِعَاء وَالْعدَد والوكاء، وَإِنَّمَا أَمر بِحِفْظ هَذِه الْأَشْيَاء لوجوه من الْمصَالح: مِنْهَا: أَن الْعَادة جَارِيَة بإلقاء الْوِعَاء والوكاء إِذا فرغ من النَّفَقَة، وَأمره بمعرفته وَحفظه لذَلِك، وَمِنْهَا: أَنه إِذا أمره بِحِفْظ هذَيْن فحفظ مَا فيهمَا أولى.
وَمِنْهَا: أَن يتَمَيَّز عَن مَاله فَلَا يخْتَلط بِهِ.
وَمِنْهَا: أَن صَاحبهَا إِذا جَاءَ بَغْتَة فَرُبمَا غلب على ظَنّه صدقه، فَيجوز لَهُ الدّفع إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنه إِذا حفظ ذَلِك وعرفه أمكه التَّعْرِيف لَهَا وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ، وَأمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحِفْظ هَذِه الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة، هُوَ على قَول من يَقُول بِمَعْرِِفَة الْأَوْصَاف: يدْفع إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: لَا بُد من ذكر جَمِيعهَا، وَلم يعْتَبر أصبغ الْعدَد، وَقَول ابْن الْقَاسِم أوضح، فَإِذا أَتَى بِجَمِيعِ الْأَوْصَاف، هَل يحلف مَعَ ذَلِك أَو لَا؟ قَولَانِ: النَّفْي لِابْنِ الْقَاسِم وتحليفه لأَشْهَب، وَلَا تلْزمهُ بَيِّنَة عِنْد مَالك، وَأَصْحَابه، وَأحمد وَدَاوُد، وَهُوَ قَول البُخَارِيّ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بِالْبابُُِ الْمَذْكُور، وَبِه قَالَ اللَّيْث بن سعد أَيْضا.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وأصحابهما: لَا يجب الدّفع إلاَّ بِالْبَيِّنَةِ، وتأولوا الحَدِيث على جَوَاز الدّفع بِالْوَصْفِ إِذا صدقه على ذَلِك وَلم يقم الْبَيِّنَة، وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي على ذَلِك بقوله فِي الحَدِيث الآخر: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي، وَهَذَا مدعٍ،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: وَلَو وصفهَا عشرَة أنفس لَا يجوز أَن يقسم بَينهم، وَنحن نعلم أَن كلهم كاذبون إلاَّ وَاحِدًا مِنْهُم غير معِين، فَيجوز أَن يكون صَادِقا، وَيجوز أَن يكون كَاذِبًا، وَأَنَّهُمْ عرفُوا الْوَصْف من الْمُلْتَقط، وَمن الَّذِي ضَاعَت مِنْهُ،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين: هَذَا معنى كَلَامه، وَظَاهر الحَدِيث يدل لما قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَأحمد، وَالله أعلم.
وَلَو أخبر طَالب اللّقطَة بصفاتها الْمَذْكُورَة فَصدقهُ الْمُلْتَقط وَدفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ جَاءَ طَالب آخر لَهَا وَأقَام الْبَيِّنَة على أَنَّهَا ملكه، فقد اتَّفقُوا على أَنَّهَا تنتزع مِمَّن أَخذهَا أَولا بِالْوَصْفِ وتدفع للثَّانِي لِأَن الْبَيِّنَة أقوى من الْوَصْف، فَإِن كَانَ قد أتلفهَا ضمنهَا.

وَاخْتلفُوا: هَل لمقيم الْبَيِّنَة أَن يضمن الْمُلْتَقط؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ تَضْمِينه لِأَنَّهُ دَفعه لغير مَالِكه.
.

     وَقَالَ ت الْمَالِكِيَّة: لَا يضمن لِأَنَّهُ فعل مَا أمره بِهِ الشَّارِع.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: يقسم بَينهمَا كَمَا يحكم فِي نفسين ادعا شَيْئا وَأَقَامَا بَيِّنَة.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: وَإِن دَفعهَا بِذكر الْعَلامَة ثمَّ جَاءَ آخر وَأقَام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ لَهُ فَإِن كَانَت قَائِمَة أَخذهَا مِنْهُ، وَإِن كَانَت هالكة يضمن أَيهمَا شَاءَ، وَيرجع الْمُلْتَقط على الْآخِذ إِن ضمن، وَلَا يرجع الْأَخْذ على أحد، وللملتقط أَن يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا عِنْد الدّفع.
وَقيل: يخيَّر، وَإِن دَفعهَا إِلَيْهِ بتصديقه ثمَّ أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ، فَإِن كَانَت قَائِمَة أَخذهَا مِنْهُ، وَإِن كَانَت هالكه فَإِن كَانَ دفع إِلَيْهِ بِغَيْر قَضَاء، فَلهُ أَن يضمن إيهما شَاءَ، فَإِن ضمن الْقَابِض فَلَا يرجع بِهِ على أحد، وَإِن ضمن الْمُلْتَقط فَلهُ أَن يرجع بِهِ على الْقَابِض، وللملتقظ أَن يَأْخُذ بِهِ كَفِيلا، وَإِن كَانَ دَفعهَا إِلَيْهِ بِقَضَاء ضمن الْقَابِض، وَلَا يضمن الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ مقهور، وَإِن أَقَامَ الْحَاضِر بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ فَقضى بِالدفع إِلَيْهِ، ثمَّ حضر آخر وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ لم يضمن.

وَفِيه: الِاسْتِمْتَاع باللقطة إِذا لم يَجِيء صَاحبهَا وَاحْتج بِظَاهِرِهِ جمَاعَة، وَقَالُوا: يجوز للغني وَالْفَقِير إِذا عرفهَا حولا أَن يسْتَمْتع بهَا، وَقد أَخذهَا عَليّ بن أبي طَالب، وَهُوَ: يجوز لَهُ أَخذ النَّفْل دون الْفَرْض، وَأبي بن كَعْب وَهُوَ من مياسير الصَّحَابَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ غَنِيا لم يجز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا، وَيجوز إِن كَانَ فَقِيرا، وَلَا يتَصَدَّق بهَا على غَنِي، وَيتَصَدَّق بهَا على فَقير أَجْنَبِيّا كَانَ أَو قَرِيبا مِنْهُ، وَكَذَا لَهُ أَن يتَصَدَّق بهَا على أَبَوَيْهِ وَزَوجته وَولده إِذا كَانُوا فُقَرَاء.
فَإِن قلت: ظَاهر الحَدِيث حجَّة عَلَيْكُم، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لأبي: فاستمتع بهَا.
قَالَ: فاستمتعت! قلت: هَذَا حِكَايَة حَال فَلَا تعم، وَيجوز أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرف فقره أَو كَانَت عَلَيْهِ دُيُون، وَلَئِن سلمنَا أَنه كَانَ غَنِيا، فَقَالَ لَهُ: استمتع بهَا، وَذَلِكَ جَائِز عندنَا من الإِمَام على سَبِيل الْعرض، وَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرف أَنه فِي مَال حَرْبِيّ كَافِر.
ثمَّ لَو ضَاعَت اللّقطَة قبل الْحول فَهَل يضمن أَو لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: إِن كَانَ حِين أَخذهَا أشهد عَلَيْهِ ليردها لم يضمن، وإلاَّ ضمن، لحَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد وَقد ذَكرْنَاهُ وَعَن أبي يُوسُف: لَا يشْتَرط الْإِشْهَاد كَمَا لَو أَخذهَا بِإِذن الْمَالِك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ عِنْد الإلتقاط وَادّعى أَنه أَخذهَا ليردها.
وَادّعى صَاحبهَا أَنه أَخذهَا لنَفسِهِ، فَالْقَوْل لصَاحِبهَا، وَيضمن الْمُلْتَقط قيمتهَا عِنْدهمَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: القَوْل قَول الْمُلْتَقط، فَلَا يضمن، وَإِذا لم يُمكنهُ الْإِشْهَاد بِأَن لم يجد أحدا وَقت الِالْتِقَاط، أَو خَافَ من الظلمَة عَلَيْهَا، فَلَا يضمن بالِاتِّفَاقِ.

وَاخْتلف فِي ضياعها بعد الْحول من غير تَفْرِيط، فالجمهور على عدم الضَّمَان، وَنقل ابْن التِّين عَن الشَّافِعِيَّة: أَنه إِذا نوى تَملكهَا ثمَّ ضَاعَت ضمنهَا، وَعند الْبَعْض: لَا ضَمَان، ثمَّ عِنْد الشَّافِعِيَّة: لَا يحْتَاج فِي إنفاقها على نَفسه إِلَى اخْتِيَار التَّمْلِيك، بل إِذا انْقَضتْ السّنة دخلت فِي ملكه، يدل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك.
قَالَ شَيخنَا: هَذَا وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي، وَالصَّحِيح عِنْدهم: أَنه لَا بُد من اخْتِيَار التَّمَلُّك قبل الْإِنْفَاق، وَهُوَ الَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ، فَقَالَ: لَا بُد من اخْتِيَار التَّمْلِيك لفظا.

وَفِيه: وَجه آخر: أَنه لَا يملكهَا إلاَّ بِالتَّصَرُّفِ بِالْبيعِ وَنَحْوه، وَنقل ابْن التِّين عَن جَمِيع فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنه: لَيْسَ لَهُ أَن يتملكها قبل السّنة، وَنقل عَن دَاوُد أَنه يأكلها ثمَّ يضمنهَا.
وَفِيه: دلَالَة على إبِْطَال قَول من يَدعِي علم الْغَيْب بكهانة أَو سحر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُعلم شَيْء من الْغَيْب بذلك لما ذكر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لصَاحب اللّقطَة معرفَة الْأَوْصَاف الَّتِي ذكرهَا فِيهِ.