فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: الظلم ظلمات يوم القيامة

( بابٌُ الْظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ الْقِيامَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الظُّلم ظلمات، وَهُوَ جمع ظلمَة وَهُوَ خلاف النُّور، وَضم اللَّام فِيهِ لُغَة، وَيجوز فِي الظُّلُمَات ضم اللَّام وَفتحهَا وسكونها، وَيُقَال: أظلم اللَّيْل، والظلام أول اللَّيْل، والظلماء الظلمَة، وَرُبمَا وصف بهَا يُقَال لَيْلَة ظلماء، أَي: مظْلمَة، وظلم اللَّيْل بِالْكَسْرِ وأظلم بِمَعْنى، وَعَن الْفراء: أظلم الْقَوْم دخلُوا فِي الظلام، قَالَ الله تَعَالَى: { فَإِذا هم مظلمون} ( يس: 73) .
قَوْله: ( يَوْم الْقِيَامَة) ، نصب على الظّرْف.



[ قــ :2342 ... غــ :2447 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يونُسَ قَالَ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ الْمَاجِشُونُ أخبرنَا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ الْقِيامَةِ
التَّرْجَمَة هِيَ عين الحَدِيث، وَأحمد هُوَ ابْن عبد الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله ابْن أبي سَلمَة الْمَاجشون، وَاسم أبي سَلمَة: دِينَار، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة، والماجشون، بِضَم الْجِيم وَفتحهَا وَكسرهَا، وَهَذَا لقب يَعْقُوب بن أبي سَلمَة، وَسمي بذلك وَلَده وَأهل بَيته، وَلِهَذَا يرْوى هُنَا: عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون، وَلَيْسَ بلقب خَاص لعبد الْعَزِيز، وَسمي بذلك لِأَن وجنتيه كَانَتَا حمراوان، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقد مر عبد الْعَزِيز فِي الْعلم وَمر الْكَلَام فِي معنى الْمَاجشون.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن عَبَّاس الْعَنْبَري.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق محَارب بن دثار عَن ابْن عمر، وَزَاد فِي أَوله: يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا الظُّلم ... وَفِي رِوَايَة: وَإِيَّاكُم وَالظُّلم، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقوا الشُّح ... الحَدِيث.

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الظُّلم يشْتَمل على معصيتين: أَخذ مَال الْغَيْر بِغَيْر حق، ومبارزة الْآمِر بِالْعَدْلِ بالمخالفة، وَهَذِه أدهى، لِأَنَّهُ لَا يكَاد يَقع الظُّلم إلاَّ للضعيف الَّذِي لَا نَاصِر لَهُ غير الله، وَإِنَّمَا ينشأ من ظلمَة الْقلب، لِأَنَّهُ لَو استنار بِنور الْهَدْي لنظر فِي العواقب.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: الَّذِي يدل عَلَيْهِ الْقُرْآن: أَنَّهَا ظلمات على الْبَصَر حَتَّى لَا يَهْتَدِي سَبِيلا، قَالَ الله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ: { يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم وبأيمانهم} ( الْحَدِيد: 21) .
.

     وَقَالَ  فِي الْمُنَافِقين: { انظرونا نقتبس من نوركم} ( الْحَدِيد: 31) .
فأثاب الله الْمُؤمن بِلُزُوم نور الْإِيمَان لَهُم، ولذذهم بِالنّظرِ إِلَيْهِ، وقوى بِهِ أَبْصَارهم، وعاقب الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ بِأَن أظلم عَلَيْهِم ومنعهم لَذَّة النّظر إِلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: الظُّلم هُنَا الشّرك، أَي: هُوَ عَلَيْهِم ظلام وعمى، وَمن هَذَا زعم بعض اللغويين أَن اشتقاق الظُّلم من الظلام، كَأَن فَاعله فِي ظلام عَن الْحق، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.