فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز

( بابٌُ إذَا أذِنَ إنْسانٌ لآِخَرَ شَيْئاً جَازَ)
أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا أذن إِنْسَان لإِنْسَان آخر.
قَوْله: ( شَيْئا) أَي: فِي شَيْء، فَلَمَّا حذف حرف الْجَرّ تعدى الْفِعْل فنصب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} ( الْأَعْرَاف: 551) .
أَي: من قومه.
قَوْله: ( جَازَ) جَوَاب إِذا.



[ قــ :2350 ... غــ :2455 ]
- حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ جَبَلَةَ كُنَّا بالمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أهْلِ الْعِرَاقِ فأصابَتْنا سَنَةٌ فكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنا التَّمْرَ فكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَمُرُّ بِنا فَيقُولُ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهاى عنِ الإقْرَانِ إلاَّ أنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أخاهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إلاَّ أَن يسْتَأْذن الرجل مِنْكُم أَخَاهُ) .
وجبلة، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحات: ابْن سحيم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة: الشَّيْبَانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن آدم وَفِي الشّركَة عَن أبي الْوَلِيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن بنْدَار وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى أَيْضا.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن عَليّ بن خشرم وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن عبد الحميد بن مُحَمَّد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن بنْدَار وروى أَحْمد من حَدِيث الْحسن عَن سعد مولى أبي بكر، قَالَ: قدمت بَين يَدي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَمرا فَجعلُوا يقرنون، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تقرنوا) ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا عَن سعد مولى أبي بكر، وَلَفظه: ( وَكَانَ يخْدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُعْجِبهُ خدمته، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الإقران) ، يَعْنِي فِي التَّمْر، وروى الْبَزَّار فِي ( مُسْنده) من حَدِيث الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: ( قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمرا بَين أَصْحَابه، فَكَانَ بَعضهم يقرن، فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرن إلاَّ بِإِذن صَاحبه) ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) بِلَفْظ: ( كنت فِي الصّفة فَبعث إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمر عَجْوَة، فَسَكَبت بَيْننَا، فَكُنَّا نقرن الثِّنْتَيْنِ من الْجُوع، فَكُنَّا إِذا قرن أَحَدنَا لأَصْحَابه: إِنِّي قد قرنت فأقرنوا) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من حَدِيث أبي طَلْحَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الإقران.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِي بعض أهل الْعرَاق) ، وَعند التِّرْمِذِيّ: فِي بعث أهل الْعرَاق.
قَوْله: ( سنة) ، أَي: غلاء وجدب.
قَوْله: ( فَكَانَ ابْن الزبير) ، أَي: عبد الله بن الزبير بن الْعَوام.
قَوْله: ( نهى عَن الإقران) ، بِكَسْر الْهمزَة من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، قَالَ ابْن التِّين: كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ رباعياً، وَالْمَعْرُوف خِلَافه، وَالَّذِي فِي اللُّغَة ثلاثي،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: كَذَا لجَمِيع رُوَاة مُسلم: ( الإقران) وَلَيْسَت مَعْرُوفَة، وَالصَّوَاب: الْقرَان.
ثلاثي.
.

     وَقَالَ  الْفراء: لَا يُقَال: أقرن،.

     وَقَالَ  غَيره: إِنَّمَا يُقَال: أقرن على الشَّيْء إِذا قوي عَلَيْهِ وأطاقه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} ( الزخرف: 35) .
أَي: مطيقين، وَفِي ( الصِّحَاح) : أقرن الدَّم الْعرق واستقرن أَي: كثر، فَيحْتَمل أَن يكون الإقران فِي هَذَا الحَدِيث على ذَلِك، وَيكون مَعْنَاهُ النَّهْي عَن الْإِكْثَار من أكل التَّمْر إِذا كَانَ مَعَ غَيره، وَيرجع مَعْنَاهُ إِلَى الْقرَان الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَنقل الْمُنْذِرِيّ عَن أبي مُحَمَّد الْمعَافِرِي أَنه: يُقَال: قرن بَين الشَّيْئَيْنِ وأقرن: إِذا جمع بَينهمَا.
قَوْله: ( ألاَّ أَن يسْتَأْذن الرجل مِنْكُم أَخَاهُ) ، قَالَ الْخَطِيب: هَذَا من قَول ابْن عمر وَلَيْسَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بيَّن ذَلِك آدم بن أبي إِيَاس وشبابُة بن سوار عَن شُعْبَة،.

     وَقَالَ  عَاصِم بن عَليّ: أرى الْإِذْن من قَول ابْن عمر، قيل: يرد على هَذَا مَا أخرجه البُخَارِيّ بعدُ من حَدِيث جبلة بن سحيم: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: ( نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرن الرجل بَين التمرتين جَمِيعًا حَتَّى يسْتَأْذن أَصْحَابه) .
قلت: إحتمال الإدراج باقٍ فِيهِ أَيْضا، فَلْيتَأَمَّل.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: النَّهْي عَن الإقران.
قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كِتَابه ( المغيث) : للنَّهْي عَن الْقرَان وَجْهَان: الأول: ذهبت عَائِشَة وَجَابِر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى أَنه قَبِيح، وَفِيه شَره وهلع وَهُوَ يزري بِصَاحِبِهِ.
الثَّانِي: كَانَ التَّمْر من جِهَة ابْن الزبير وَكَانَ ملكهم فِيهِ سَوَاء، فَيصير الَّذِي يقرن أَكثر أكلا من غَيره، فَأَما إِذا كَانَ التَّمْر ملكا لَهُ فَلهُ أَن يَأْكُل كَمَا شَاءَ، كَمَا رُوِيَ أَن سالما كَانَ يَأْكُل التَّمْر كفا كفا، وَقيل: إِذا كَانَ الطَّعَام بِحَيْثُ يكون شبعاً للْجَمِيع كَانَ مُبَاحا لَهُ لَو أكله، وَجَاز لَهُ أَن يَأْكُل كَمَا شَاءَ.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَحمل أهل الظَّاهِر هَذَا النَّهْي على التَّحْرِيم مُطلقًا.
قَالَ: وَهُوَ مِنْهُم ذُهُول عَن مساق الحَدِيث وَمَعْنَاهُ.
وَحمله جُمْهُور الْفُقَهَاء على حَالَة الْمُشَاركَة بِدَلِيل مساق الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَاخْتلفُوا فِي أَن هَذَا النَّهْي على التَّحْرِيم أَو على الْكَرَاهَة وَالْأَدب؟ وَالصَّوَاب: التَّفْصِيل كَمَا سبق.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَا يملك من الطَّعَام حِين وَضعه، فَإِن قُلْنَا: إِنَّهُم يملكونه بِوَضْعِهِ بَين أَيْديهم فَيحرم أَن يَأْكُل أحد أَكثر من الآخر، وَإِن قُلْنَا: إِنَّمَا يملك كل وَاحِد مِنْهُم مَا رفع إِلَى فِيهِ فَهُوَ سوء أدب وشره ودناءة، وَيكون مَكْرُوها.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَحمله بَعضهم على مَا إِذا اسْتَوَت أثمانهم فِيهِ مثل أَن يتخارجوا فِي ثمنه أَو يَهبهُ لَهُم رجل أَو يوصى لَهُم بِهِ، وَأما إِن أطْعمهُم هُوَ، فروى ابْن نَافِع عَن مَالك: لَا بَأْس بِهِ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: لَيْسَ بجميل أَن يَأْكُل تمرتين أَو ثَلَاثًا فِي لقْمَة دونهم.
فَإِن قلت: روى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الإقران فِي التَّمْر، فَإِن الله قد وسع عَلَيْكُم فأقرنوا) قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن شاهين أَيْضا فِي كِتَابه ( النَّاسِخ والمنسوخ) ، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن الإقران صَحِيح الْإِسْنَاد، وَالَّذِي فِيهِ الْإِبَاحَة لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، لِأَن فِي سَنَده اضطراباً، وَإِن صَحَّ فَيحمل على أَنه نَاسخ للنَّهْي.
.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي: وَذكر الْحَدِيثين: إِسْنَاد الأول أصح وَأشهر من الثَّانِي، غير أَن الْخطب فِي هَذَا الْبابُُ يسير، لِأَنَّهُ لَيْسَ من بابُُ الْعِبَادَات والتكاليف، وَإِنَّمَا هُوَ من قبيل الْمصَالح الدنياوية فَيَكْفِي فِي ذَلِك الحَدِيث الثَّانِي، ثمَّ يشيده إِجْمَاع الامة على خلاف ذَلِك.
وَقيل: إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا نهى عَن ذَلِك حَيْثُ كَانَ الْعَيْش زهيداً والقوت متعذراً مُرَاعَاة لجَانب الْفُقَرَاء والضعفاء وَالْمَسَاكِين، وحثاً على الإيثار والمواساة ورغبة فِي تعَاطِي أَسبابُُ المعدلة حَالَة الِاجْتِمَاع والاشتراك، فَلَمَّا وسع الله الْخَيْر وَعم الْعَيْش الْغَنِيّ، وَالْفَقِير، قَالَ: فشأنكم إِذا.





[ قــ :351 ... غــ :456 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائِلٍ عنْ أبِي مَسْعُودٍ أنَّ رَجُلاً منَ الأنْصَارِ يُقالُ لَهُ أبُو شُعَيْب كانَ لهُ غُلامٌ لَحَّامٌ فَقَالَ لَهُ أبُو شُعَيْبٍ اصْنَعْ لِي طَعَامَ خَمْسَةٍ لَعَلِّي أدْعُو النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامِسَ خَمْسَةٍ وأبْصَرَ فِي وجْهِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجُوعَ فَدَعاهُ فتَبِعَهُمْ رَجلٌ لَمْ يُدْعَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ هاذا قدْ اتَّبَعَنَا أتَأذَنُ لَهُ قَالَ نَعَمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أتأذن لَهُ؟ قَالَ: نعم) فَإِن معنى التَّرْجَمَة يَشْمَل ذَلِك.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ مَا قيل فِي اللحام والجزار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( وَأبْصر) ، جملَة مَاضِيَة وَقعت حَالا.
قَوْله: ( قد اتَّبعنَا) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي الْحسن، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: تبعنا.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: معنى اتَّبعنَا سَار مَعنا، وتبعهم لحقهم.
.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: تبِعت فلَانا إِذا تلوته، واتبعته إِذا لحقته، وبنحوه ذكره الْجَوْهَرِي: تبِعت الْقَوْم إِذا تلوتهم، وَاتَّبَعتهمْ إِذا سرت مَعَهم.
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: تبع وأتبع سَوَاء،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَالصَّوَاب أَن يقْرَأ: اتَّبعنَا، بتَشْديد التَّاء على بابُُ افتعل من تبع، فَمَعْنَاه مثل معنى تبع، وَضبط الدَّاودِيّ هُنَا لظَنّه أَن الْهمزَة همزَة قطع، فَقَالَ: معنى اتَّبعنَا سَار مَعنا، وتبعهم أَي اتبعهم.