فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من عقل بعيره على البلاط أو باب المسجد

( بابُُ مَنْ عَقَلَ بَعِيرَهُ علَى البَلاَطِ أوْ بابُِ الْمَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من عقل بعيره، يَعْنِي: شدّ بعيره بالعقال على البلاطد، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ حِجَارَة مفروشة عِنْد بابُُ الْمَسْجِد.
قَوْله: ( وَبابُُ الْمَسْجِد) ، أَي: أَو على بابُُ الْمَسْجِد.



[ قــ :2365 ... غــ :2470 ]
- حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا أبُو عُقَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنا أبُو الْمُتَوَكِّلِ الناجِيُّ قَالَ أتَيْتُ جابِرَ ابنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِدَ فَدَخَلْتُ إلَيْهِ وعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي ناحِيَةِ البَلاطِ فقُلْتُ هَذا جَمَلُكَ فخَرَجَ فجَعَلَ يُطِيفُ بالجَمَلِ قَالَ الثَّمَنُ والْجَمَلُ لَكَ.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وعقلت الْجمل فِي نَاحيَة البلاط) .
قيل: هُنَا نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة على البلاط وَالْمَذْكُور فِي الحَدِيث فِي نَاحيَة البلاط وناحية الشَّيْء غَيره.
وَالْآخر: أَن فِي التَّرْجَمَة أَو بابُُ الْمَسْجِد وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك.
قلت: يُمكن الْجَواب عَن الأول: بِأَن يكون المُرَاد بِنَاحِيَة البلاط طرفها، وَكَانَ عقل الْجمل بطرفها، وَلَا يَتَأَتَّى إلاَّ بالطرف.
وَعَن الثَّانِي: بِأَنَّهُ ألحق بابُُ الْمَسْجِد بِمَا قبله فِي الحكم قِيَاسا عَلَيْهِ، وَقيل: أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه.
قلت: هَذَا لَا بَأْس بِهِ إِن ثَبت مَا ادَّعَاهُ من ذَلِك، وَمَعَ هَذَا فالموضع كُله مَوضِع تَأمل.

وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، وَأَبُو عقيل، بِالْفَتْح: هُوَ بشير ضد النذير ابْن عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف الدَّوْرَقِي، وَأَبُو المتَوَكل هُوَ عَليّ النَّاجِي، بالنُّون وَالْجِيم وياء النِّسْبَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن عقبَة بن مكرم.

قَوْله: ( فَقلت) ، أَي: قَالَ جَابر: فَقلت: يَا رَسُول الله! هَذَا جملك، وَهُوَ الْجمل الَّذِي اشْتَرَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فِي السّفر، وَقد مرت قصَّته فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ شِرَاء الدَّوَابّ وَالْحمير.
قَوْله: ( فَخرج) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَسْجِد.
قَوْله: ( فَجعل يطِيف بالجمل) ، أَي: يلم بِهِ ويقاربه.
قَوْله: ( قَالَ الثّمن) ، أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثمن الْجمل والجمل لَك، يَعْنِي: كِلَاهُمَا لَك، وَهَذَا يدل على غَايَة كرم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَن جَابِرا عِنْده بِمَنْزِلَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال: فِيهِ: أَن رحاب الْمَسْجِد مناخ للبعير.
وَفِيه: جَوَاز إِدْخَال الْأَمْتِعَة فِي الْمَسْجِد، قِيَاسا على الْبَعِير.
وَفِيه: حجَّة لمَالِك والكوفيين فِي طَهَارَة أَبْوَال الْإِبِل وأرواثها.
وَفِيه: رد على الشَّافِعِي فِيمَا قَالَ بنجاستها، قَالَ ابْن بطال: وَهَذَا خلاف مِنْهُ، لدَلِيل الحَدِيث، وَلَو كَانَت نَجِسَة كَمَا زعم مَا كَانَ لجَابِر إِدْخَال الْبَعِير فِي الْمَسْجِد، وَحين رَآهُ الشَّارِع لم يُنكر عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت نَجِسَة لأَمره بإخراجها من الْمَسْجِد خشيَة مَا يكون فِيهِ من الروث وَالْبَوْل، إِذْ لَا يُؤمن من حُدُوث ذَلِك مِنْهَا.
انْتهى.
قلت: أجَاب الْكرْمَانِي عَن ذَلِك بقوله: أَقُول: لَا دَلِيل على دُخُول الْبَعِير فِي الْمَسْجِد وَلَا على حُدُوث الْبَوْل والروث فِيهِ على تَقْدِير الْحُدُوث، فقد يغسل الْمَسْجِد وينظف مِنْهُ، فَلَا حجَّة لَهُم وَلَا رد عَلَيْهِ، أَي: على الشَّافِعِي.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء من الْجَواب، لِأَن جَابِرا صرح بِأَنَّهُ عقل جمله فِي نَاحيَة بلاط الْمَسْجِد، وَهُوَ رحاب الْمَسْجِد وللرحاب حكم الْمَسْجِد، وَقَوله: وَلَا على حُدُوث الْبَوْل والروث فِيهِ، لم يقل بِهِ الرَّاد، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا يُؤمن حُدُوثه، فَلَو كَانَ بَوْله وروثه نجسا لمَنعه من ذَلِك.
وَقَوله: وعَلى تَقْدِير الْحُدُوث ... إِلَى آخِره، جَوَاب بطرِيق التسلم فَلَيْسَ بِجَوَاب، لِأَنَّهُ لَا يجوز السُّكُوت عَن ذَلِك، مَعَ الْعلم بِنَجَاسَتِهِ اكْتِفَاء بِالْغسْلِ والتنظيف، وَأجَاب صَاحب ( التَّوْضِيح) عَن ذَلِك بقوله: ومذهبه جَوَاز إِدْخَاله فِيهِ، وَلَا يرد عَلَيْهِ مَا ذكره، فَسلم من التعسف الْمَذْكُور.