فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشركة في الطعام والنهد والعروض «


بِسْمِ الله الرحْمانِ الرَّحِيم ( كِتابُ الشَّرِكَةِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الشّركَة، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَابْن شبويه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بابُُ الشّركَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: فِي الشّركَة، بِدُونِ لفظ: كتاب، وَلَا لفظ: بابُُ، وَالشَّرِكَة، بِفَتْح الشين وَكسر الرَّاء، وَكسر الشين وَإِسْكَان الرَّاء، وَفتح الشين وَإِسْكَان الرَّاء.
وَفِيه لُغَة رَابِعَة: شرك، بِغَيْر تَاء التَّأْنِيث.
قَالَ تَعَالَى: { وَمَا لَهُم فِيهَا من شرك} ( سبأ: 22) .
أَي: من نصيب، وَجمع الشّركَة: شرك، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الشين، يُقَال: شركته فِي الْأَمر أشركه شركَة، وَالِاسْم الشّرك وَهُوَ: النَّصِيب.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أعتق شركا لَهُ) ، أَي: نَصِيبا وَشريك الرجل ومشاركه سَوَاء، وَهِي فِي اللُّغَة الِاخْتِلَاط على الشُّيُوع أَو على الْمُجَاورَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي} ( ص: 42) وَفِي الشَّرْع ثُبُوت الْحق لاثْنَيْنِ فَصَاعِدا فِي الشَّيْء الْوَاحِد كَيفَ كَانَ.

ثمَّ هِيَ تَارَة تحصل بالخلط، وَتارَة بالشيوع الْحكمِي كَالْإِرْثِ،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: الشّركَة فِي الشَّرْع عبارَة عَن العقد على الِاشْتِرَاك واختلاط النَّصِيبَيْنِ، وَهِي على نَوْعَيْنِ: شركَة الْملك، وَهِي أَن يملك إثنان عينا أَو إِرْثا أَو شِرَاء أَو هبة أَو ملكا بِالِاسْتِيلَاءِ، أَو اخْتَلَط مَالهمَا بِغَيْر صنع أَو خلطاه، خلطاً بِحَيْثُ يعسر التَّمْيِيز أَو يتَعَذَّر، فَكل هَذَا شركَة ملك وكل وَاحِد مِنْهُمَا: أَجْنَبِي فِي قسط صَاحبه.
وَالنَّوْع الثَّانِي: شركَة العقد، وَهِي أَن يَقُول أَحدهمَا: شاركتك فِي كَذَا، وَيقبل الآخر، وَهِي على أَرْبَعَة أَنْوَاع: مُفَاوَضَة، وعنان، وَتقبل، وَشركَة وُجُوه، وبيانها فِي الْفُرُوع.


( بابُُ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعامِ والنِّهْدِ والْعُرُوضِ وكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ ويوزَنُ مُجَازَفَةً أوْ قَبْضَةً قَبْضَةً لما لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النِّهْدِ بَأْساً أنْ يِأْكُلَ هَذا بَعْضاً وهذَا بعْضاً وكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ والفضَّةِ والقِرَانِ فِي التَّمْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الشّركَة فِي الطَّعَام، وَقد عقد لهَذَا بابُُ مُفردا مُسْتقِلّا يَأْتِي بعد أَبْوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: ( والنهد) ، بِفَتْح النُّون وَكسرهَا وَسُكُون الْهَاء وبدال مُهْملَة، قَالَ الْأَزْهَرِي فِي ( التَّهْذِيب) : النهد إِخْرَاج الْقَوْم نفقاتهم على قدر عدد الرّفْقَة، يُقَال: تناهدوا، وَقد ناهد بَعضهم بَعْضًا.
وَفِي ( الْمُحكم) : النهد العون، وَطرح نهده مَعَ الْقَوْم أعانهم وخارجهم، وَقد تناهدوا أَي: تخارجوا، يكون ذَلِك فِي الطَّعَام وَالشرَاب، وَقيل: النهد إِخْرَاج الرفقاء النَّفَقَة فِي السّفر وخلطها، وَيُسمى بالمخارجة، وَذَلِكَ جَائِز فِي جنس وَاحِد وَفِي الْأَجْنَاس، وَإِن تفاوتوا فِي الْأكل، وَلَيْسَ هَذَا من الرِّبَا فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ من بابُُ الْإِبَاحَة،.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: هُوَ النهد، بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَالْعرب تَقول: هَات نهدك، مَكْسُورَة النُّون.
وَحكى عَن عَمْرو بن عبيد عَن الْحسن أَنه قَالَ: أخرجُوا نهدكم فَإِنَّهُ أعظم للبركة وأحس لأخلاقكم وَأطيب لنفوسكن.
وَفِي ( الْمطَالع) : أَن الْقَابِسِيّ فسره بِطَعَام الصُّلْح بَين الْقَبَائِل، وَعَن قَتَادَة: مَا أفلس المتلازمان يَعْنِي: المتناهدان، وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْملك التاريخي فِي كتاب ( النهد) : عَن الْمَدَائِنِي وَابْن الْكَلْبِيّ وَغَيرهمَا: أَن أول من وضع النهد الحضين بن الْمُنْذر الرقاشِي.
قلت: الحضين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن الْمُنْذر بن الْحَارِث بن وَعلة بن مجَالد بن يثربي بن رَيَّان بن الْحَارِث بن مَالك بن شَيبَان بن ذهل، أحد بني رقاش، شَاعِر فَارسي يكنى أَبَا ساسان، روى عَن عُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وروى عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن الداناج وَعلي بن سُوَيْد وَابْنه يحيى بن حضين، وَكَانَ أَسِيرًا عِنْد بني أُميَّة فَقتله أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي.
قَوْله: ( وَالْعرُوض) ، بِضَم الْعين: جمع عرض بِسُكُون الرَّاء وَهُوَ الْمَتَاع، ويقابل النَّقْد، وَأَرَادَ بِهِ: الشّركَة فِي الْعرُوض، وَفِيه خلاف.
فَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يَصح شركَة مُفَاوَضَة وَلَا شركَة عنان إلاَّ بالنقدين وهما: الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والتبر.
.

     وَقَالَ  مَالك: يجوز فِي الْعرُوض إِذا اتَّحد الْجِنْس، وَعند بعض الشَّافِعِيَّة: يجوز إِذا كَانَ عرضا مثلِيا.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: يَصح أَيْضا بالفلوس الرائجة.
لِأَنَّهَا برواجها يأحذ حكم النَّقْدَيْنِ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يَصح، لِأَن رواجها عَارض.
قَوْله: ( وَكَيف قسْمَة مَا يُكَال) أَي: وَفِي بَيَان قسْمَة مَا يدْخل تَحت الْكَيْل وَالْوَزْن، هَل يجوز مجازفة أَو يجوز قَبْضَة قَبْضَة، يَعْنِي: مُتَسَاوِيَة، وَقيل: المُرَاد بهَا مجازفة الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَالْعَكْس، لجَوَاز التَّفَاضُل فِيهِ، وَكَذَا كل مَا جَازَ بالتفاضل مِمَّا يُكَال أَو يُوزن من المطعومات وَنَحْوهَا، هَذَا إِذا كَانَت المجازفة فِي الْقِسْمَة.
وَقُلْنَا: الْقِسْمَة بيع،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قسْمَة الذَّهَب بِالذَّهَب مجازفة وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مِمَّا لَا يجوز بِالْإِجْمَاع.
وَأما قسْمَة الذَّهَب مَعَ الْفضة مجازفة، فكرهه مَالك وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ، وَكَذَلِكَ: لَا يجوز قسْمَة الْبر مجازفة، وكل مَا حرم فِيهِ التَّفَاضُل.
قَوْله: ( لما لم ير الْمُسلمُونَ) اللَّام فِيهِ مَكْسُورَة وَالْمِيم مُخَفّفَة، هَذَا تَعْلِيل لعدم جَوَاز قسْمَة الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مجازفة، أَي: لأجل عدم رُؤْيَة الْمُسلمين بالنهد بَأْسا، جوزوا مجازفة الذَّهَب بِالْفِضَّةِ لاخْتِلَاف الْجِنْس، بِخِلَاف مجازفة الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ لجَرَيَان الرِّبَا فِيهِ، فَكَمَا أَن مَبْنِيّ النهد على الْإِبَاحَة، وَإِن حصل التَّفَاوُت فِي الْأكل، فكذل مجازفة الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَإِن كَانَ فِيهِ التَّفَاوُت بِخِلَاف الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، لما ذكرنَا.
قَوْله: ( أَن يَأْكُل هَذَا بَعْضًا) تَقْدِيره: بِأَن يَأْكُل، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنهم كَمَا جوزوا النهد الَّذِي فِيهِ التَّفَاوُت، فَكَذَلِك جوزوا مجازفة الذَّهَب وَالْفِضَّة مَعَ التَّفَاوُت، لما ذكرنَا.
قَوْله: ( والقِران فِي التَّمْر) ، بِالْجَرِّ، ويروى: والإقران، عطف على قَوْله: أَن يَأْكُل هَذَا بَعْضًا، أَي: بِأَن يَأْكُل هَذَا تمرتين تمرتيين، وَهَذَا تَمْرَة تَمْرَة.

وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي حَدِيث ابْن عمر فِي كتاب الْمَظَالِم فِي: بابُُ إِذا أذن إِنْسَان لآخر شَيْئا جَازَ.



[ قــ :2378 ... غــ :2483 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ وهْبِ بنِ كَيْسانَ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً قِبَلَ السَّاحِلِ فأمَّرَ عَلَيْهِمْ أبَا عُبَيْدَةَ ابنَ الجَرَّاحِ وهُمْ ثَلاَثُمائَةٍ وَأَنا فِيهِمْ فخَرَجْنا حتَّى إِذا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فأمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بأزْوادِ ذالِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذالِكَ كُلُّهُ فكانَ مِزْوَدَيْ تَمرٍ فكانَ يُقَوِّتُنا كلَّ يَوْمٍ قَليلاً قَليلاً حتَّى فَنِيَ فَلَمْ يكُنْ يُصِيبُنَا إلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرةٌ فَقَالَ لَقَدْ وجَدْنَا فَقْدَها حينَ فَنيَتْ قَالَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إلاى الْبَحْرِ فإذَا حُوتٌ مثْلُ الظَّرِبِ فأكَلَ منْهُ ذالِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أضْلاعِهِ فَنُصِبا ثمَّ أمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرَحُلَتْ ثمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فلَمْ تُصِبْهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَأمر أَبُو عُبَيْدَة بأزواد ذَلِك الْجَيْش فَجمع ذَلِك ذَلِك كُله) وَلما كَانَ يفرق عَلَيْهِم كل يَوْم قَلِيلا قَلِيلا صَار فِي معنى النهد، وَاعْترض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذكر المجازفة، لأَنهم لم يُرِيدُوا الْمُبَايعَة وَلَا الْبَدَل.
وَأجِيب: بِأَن حُقُوقهم تَسَاوَت فِيهِ بعد جمعه، فتناولوه مجازفة كَمَا جرت الْعَادة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك، وَفِي الْجِهَاد عَن صَدَقَة بن الْفضل.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد ابْن عَبدة بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن ابْن مهْدي عَن مَالك بِهِ وَعَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد بن السّري، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد وَفِي السّير عَن مُحَمَّد بن آدم وَعَن الْحَارِث ب مِسْكين.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعثاً) كَانَ هَذَا الْبَعْث فِي رَجَب سنة ثَمَان لِلْهِجْرَةِ، والبعث، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: وَهُوَ بِمَعْنى الْمَبْعُوث، من بابُُ تَسْمِيَة الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ.
قَوْله: ( قبل السَّاحِل) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَة السَّاحِل، والساحل شاطىء الْبَحْر.
قَوْله: ( فأمَّر) ، بتَشْديد الْمِيم: من التأمير، أَي: جعل أَبَا عُبَيْدَة أَمِيرا عَلَيْهِم، وَاسم أبي عُبَيْدَة: عَامر بن عبد الله بن الْجراح، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: الفِهري الْقرشِي أَمِين الْأمة، أحد الْعشْرَة المبشرة، شهد الْمشَاهد كلهَا، وَثَبت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم أحد وَنزع الحلقتين اللَّتَيْنِ دخلتا فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلق المنفر بِفِيهِ، فَوَقَعت ثنيتاه، مَاتَ سنة ثَمَانِي عشرَة فِي طاعون عمواس، وقبره بغور نيسان عِنْد قَرْيَة تسمى عمتا، وَصلى عَلَيْهِ معَاذ بن جبل وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ ثمانياً وَخمسين سنة.
قَوْله: ( وهم) ، أَي: الْبَعْث الَّذِي هُوَ الْجَيْش ثَلَاثمِائَة أنفس.
قَوْله: ( فني الزَّاد) ، قَالَ الْكرْمَانِي: إِذا فني فَكيف أَمر بِجمع الأزواد؟ فَأجَاب: بِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُرِيد بِهِ فنَاء زَاده خَاصَّة، أَو يُرِيد بالفناء الْقلَّة.
قلت: يجوز أَن يُقَال معنى: فنى: أشرف على الفناء.
قَوْله: ( فَكَانَ مزودي تمر) ، المزود، بِكَسْر الْمِيم: مَا يَجْعَل فِيهِ الزَّاد، كالجراب.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: بعثنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة.
قَوْله: ( لقد وجدنَا فقدها حِين فنيت) ، أَي: وجدنَا فقدها مؤثراً شاقاً علينا، وَلَقَد حزنَّا لفقدها.
قَوْله: ( ثمَّ انتهينا إِلَى الْبَحْر فَإِذا حوت) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، والحوت يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمُنْتَهى) : وَالْجمع حيتان، وَهِي الْعِظَام مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن سيدة: الْحُوت السّمك اسْم جنس، وَقيل: هُوَ مَا عظم مِنْهُ، وَالْجمع أحوات.
وَفِي كتاب الْفراء: جمعه أحوته وأحوات فِي الْقَلِيل، فَإِذا كثرت فَهِيَ الْحيتَان.
قَوْله: ( مثل الظرب) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: مُفْرد الظراب، وَهِي الروابي الصغار.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الظراب الْجبَال الصغار وَاحِدهَا ظرب، بِوَزْن كتف، وَقد يجمع فِي الْقلَّة على: أظراب.
قَوْله: ( ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة) ، كَذَا هُوَ فِي نُسْخَة الْأصيلِيّ، وَرُوِيَ: ثَمَانِيَة عشر لَيْلَة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الصَّوَاب هُوَ الأول.
وَرُوِيَ: فأكلنا مِنْهُ شهرا.
وَرُوِيَ: نصف شهر،.

     وَقَالَ  عِيَاض: يَعْنِي: أكلُوا مِنْهُ نصف شهر طرياً، وَبَقِيَّة ذَلِك قديداً.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: من قَالَ شهرا هُوَ الأَصْل وَمَعَهُ زِيَادَة علم، وَمن روى دونه لم ينف الزِّيَادَة، وَلَو نفاها قدم الْمُثبت، وَالْمَشْهُور عِنْد الْأُصُولِيِّينَ أَن مَفْهُوم الْعدَد لَا حكم لَهُ فَلَا يلْزم مِنْهُ نفي الزِّيَادَة.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا، وَلَقَد رَأَيْتنَا تغترق من وَقب عينه قلال الدّهن، ونقتطع مِنْهُ الفدر، كالثور، وَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه وتزودنا من لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكرنَا ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: هُوَ رزق أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لَحْمه شيى فتطعمونا؟ قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فَأَكله) .
قَوْله: ( بضلعين) ، ضبط بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام،.

     وَقَالَ  فِي ( أدب الْكَاتِب) : ضلع وضلع.
.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: هما لُغَتَانِ، والضلع مُؤَنّثَة، والوقب، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة: هُوَ النقرة الَّتِي يكون فِيهَا الْعين.
قَوْله: ( الفدر) ، بِكَسْر الْفَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: جمع فدرة، وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم، ( والوشائق) ، بالشين الْمُعْجَمَة: جمع وشيقة، وَهِي اللَّحْم القديد.
وَقيل: الوشيقة أَن يُؤْخَذ اللَّحْم فيغلى قَلِيلا وَلَا ينضج، فَيحمل فِي الْأَسْفَار.
وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: ( نرصد عيرًا لقريش، فَأَقَمْنَا بالسَّاحل نصف شهر فأصابنا جوع شَدِيد حَتَّى أكلنَا الْخبط، فَسُمي ذَلِك الْجَيْش بِجَيْش الْخبط، فَألْقى لنا الْبَحْر دَابَّة يُقَال لَهَا: العنبر، فأكلنا مِنْهَا نصف شهر وادَّهنَّا من ودكه حَتَّى ثَابت إِلَيْنَا أجسامنا) .
وَفِي مُسلم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يَعْنِي بالعنبر ميتَة، ثمَّ قَالَ: لَا بل نَحن رسل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي سَبِيل الله عز وَجل، وَقد اضطررتم فَكُلُوا.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْقُرْطُبِيّ: جمعُ أبي عُبيدة الأزواد وقسمتها بِالسَّوِيَّةِ إِمَّا إِن يكون حكما حكم بِهِ لِما شَاهد من الضَّرُورَة وخوفه من تلف من لم يبْق مَعَه زَاد، فَظهر لَهُ أَنه وَجب على من مَعَه أَن يواسي من لَيْسَ لَهُ زَاد، أَو يكون عَن رضَا مِنْهُم، وَقد فعل مثل ذَلِك غير مرّة سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء هُوَ سنَّة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إستدل بعض الْعلمَاء بِهَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ لَا يقطع سَارِق فِي مجاعَة، لِأَن الْمُوَاسَاة وَاجِبَة للمحتاجين وَخَصه أَبُو عمر بِسَرِقَة المأكل.
وَفِيه: أَن للْإِمَام أَن يواسي بَين النَّاس فِي الأقوات فِي الْحَضَر بِثمن وَغَيره، كَمَا فعل ذَلِك فِي السّفر.
وَفِيه: قُوَّة إِيمَان هَؤُلَاءِ الْبَعْث، إِذْ لَو ضعف، وَالْعِيَاذ بِاللَّه، لما خَرجُوا وهم ثَلَاثمِائَة وَلَيْسَ مَعَهم سوى جراب تمر أَو مزودي تمر، كَمَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَالَ عِيَاض: وَيحْتَمل أَن يكون، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زودهم الجراب زَائِدا عَمَّا كَانَ مَعَهم من الزَّاد من أَمْوَالهم، وَيحْتَمل أَنه لم يكن فِي أَزْوَادهم تمر غير هَذَا الجراب، وَكَانَ مَعَهم غَيره من الزَّاد.
وَقيل: يحْتَمل أَن الجراب الَّذِي زودهم الشَّارِع كَانَ على سَبِيل الْبركَة، فَلِذَا كَانُوا يأخذونه تَمْرَة تَمْرَة.
وَفِيه: فضل أبي عُبَيْدَة، وَلِهَذَا سَمَّاهُ الشَّارِع: أَمِين هَذِه الْأمة.
وَفِيه: النّظر فِي الْقَوْم وَالتَّدْبِير فِيهِ وَفضل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على مَا كَانَ فيهم من الْبُؤْس وَقد اسْتَجَابُوا لله وَلِلرَّسُولِ من بَعْدَمَا أَصَابَهُم الْقرح.
وَفِيه: رضاهم بِالْقضَاءِ وطاعتهم للأمير.
وَفِيه: جَوَاز الشّركَة فِي الطَّعَام خلط الأزواد فِي السّفر إِذا كَانَ ذَلِك أرْفق بهم.



[ قــ :379 ... غــ :484 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ مَرْحُومٍ قَالَ حدَّثنا حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ خَفَّتْ أزْوَادُ الْقَوْمِ وأمْلَقُوا فأتَوُا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَحْرِ إبِلِهِمْ فأذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فأخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا بَقاؤُكُمْ بَعْدَ إبِلِكُمْ فدَخَلَ عَليّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله مَا بَقَاؤُهُمْ بعْدَ إبِلِهِمْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أزْوَادِهِمْ فَبُسِطَ لِذالِكَ نِطْعٌ وجَعَلُوهُ علَي النِّطْعِ فقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدَعا وبَرَّكَ علَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأوْعِيَتِهِمْ فاحْتَثاى النَّاسُ حتَّى فرَغُوا ثمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْهَدْ أنْ لَا إلاه إلاَّ الله وأنِّي رسولُ الله.

( الحَدِيث 484 طرفه فِي: 89) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَيَأْتُونَ بِفضل أَزْوَادهم) وَمن قَوْله: ( فَدَعَا وبرَّك عَلَيْهِ) فَإِن فِيهِ جمع أَزْوَادهم وَهُوَ فِي معنى النهد، ودعا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهَا بِالْبركَةِ.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مَرْحُوم هُوَ بشر بن عُبَيْس بن مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز الْعَطَّار.
الثَّانِي: حَاتِم بن إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل.
الثَّالِث: يزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سِتّ أَو سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: سَلمَة بن الْأَكْوَع، واسْمه سِنَان بن عبد الله الْأَسْلَمِيّ، وكنيته: أَبُو مُسلم، وَقيل: أَبُو عَامر، وَقيل: أَبُو إِيَاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه بَصرِي وَأَن حاتماً كُوفِي سكن الْمَدِينَة وَأَن يزِيد مدنِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن بشر بن مَرْحُوم أَيْضا وَهُوَ من أَفْرَاده،.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْعَبَّاس حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا النَّضر ابْن مُحَمَّد حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه بِمَعْنى هَذَا الحَدِيث.
قَالَ:.

     وَقَالَ  أَحْمد بن حَنْبَل: عِكْرِمَة عَن إِيَاس صَحِيح، أَو مَحْفُوظ أَو كلَاما نَحْو هَذَا.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : يُرِيد الْإِسْمَاعِيلِيّ: بِنَحْوِهِ، مَا روينَاهُ من عِنْد الطَّبَرَانِيّ: حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن كيسَان حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه، قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هوَازن فأصابنا جهد شَدِيد حَتَّى هممنا بنحر بعض ظهرنا، وَفِيه: فتطاولت لَهُ، يَعْنِي للأزواد، أنظر كم هُوَ؟ فَإِذا هُوَ كربض الشَّاة، قَالَ: فحشونا جربنَا، ثمَّ دَعَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنطفة من مَاء فِي أَدَاة فَأمر بهَا فصبت فِي قدح، فَجعلنَا نتطهر بِهِ حَتَّى تطهرنا جَمِيعًا.
قَوْله: ( كربض الشَّاة) بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالضاد الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مَوضِع الْغنم الَّذِي تربض فِيهِ، أَي: تمكث فِيهِ، من ربض فِي الْمَكَان يربض إِذا لصق بِهِ وَأقَام ملازماً لَهُ.
قَوْله جربنَا بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء جمع جراب.
قَوْله: ( بنطفة من مَاء) النُّطْفَة، يُقَال للْمَاء الْكثير والقليل، وَهُوَ بِالْقَلِيلِ أخص.

قَوْله: ( خفت أزواد الْقَوْم) أَي: قلَّت، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: أزودة الْقَوْم.
قَوْله: ( وأملقوا) أَي: افتقروا، يُقَال: أملق إِذا افْتقر.
قَوْله: ( نطع) ، فِيهِ أَربع لُغَات.
قَوْله: ( وبرَّك) ، بتَشْديد الرَّاء أَي دَعَا بِالْبركَةِ عَلَيْهِ.
قَوْله: ( بِأَوْعِيَتِهِمْ) ، جمع وعَاء.
قَوْله: ( فأحتثى النَّاس) ، بِسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق ثمَّ ثاء مثبتة: من الاحتثاء من حثا يحثو حثوا، وحثى يحثي حثياً إِذا حفن حفْنَة.
قَوْله: ( ثمَّ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن هَذَا كَانَ معْجزَة لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي ( دلائله) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه، وَفِيه: فَمَا بَقِي فِي الْجَيْش وعَاء إلاَّ ملؤه وَبَقِي مثله، فَضَحِك حَتَّى بَدَت نواجده.

     وَقَالَ : أشهد أَن لَا إلاه إلاَّ الله، وَأَنِّي رَسُول الله، لَا يلقى الله عبد مأمن بهما إلاَّ حُجِبَ من النَّار.





[ قــ :380 ... غــ :485 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسفَ قَالَ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو النَّجَاشِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رافِعَ بنَ خَدِيجٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَنْحَرُ جَزُوراً فيُقْسَمُ عَشْرَ قِسْمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمَاً نَضِيحاً قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَيقسم عشر قسم) فَإِن فِيهِ جمع الْأَنْصِبَاء مِمَّا يُوزن مجازفة.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، قَالَه الْحَافِظ أَبُو نعيم، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عمر، وَأَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَالْجِيم المخففة وبالشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، وَرَافِع، بِالْفَاءِ: ابْن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم.

والْحَدِيث مضى من هَذَا الْوَجْه فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بابُُ وَقت الْمغرب، والمتن غير الْمَتْن.

قَوْله: ( عشر قسم) بِكَسْر الْقَاف وَفتح السِّين: جمع قسْمَة.
قَوْله: ( لَحْمًا نضيجاً) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره جِيم أَي: مستوياً.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: النضيج الْمَطْبُوخ، فعيل بِمَعْنى مفعول.

وَفِيه: قسْمَة اللَّحْم من غير ميزَان لِأَنَّهُ من بابُُ الْمَعْرُوف، وَهُوَ مَوْضُوع للْأَكْل.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: فِيهِ: الْحجَّة على من زعم أَن أول وَقت الْعَصْر مصير ظلّ الشَّيْء مثلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِن وَقت الْعَصْر عِنْد مصير الظل مثلَيْهِ ليسع هَذَا الْمِقْدَار.
قلت: هَذَا مُخَالف لما قَالَه ابْن التِّين على مَا لَا يخفى.





[ قــ :381 ... غــ :486 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذَا أرْمَلُوا فِي الغَزْوِ أوْ قَلَّ طَعامُ عِيَالِهِمْ بالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَموهُ بَيْنَهُمْ فِي إنَاءٍ واحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وأنَا مِنْهُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( جمعُوا مَا كَانَ عِنْدهم فِي ثوب وَاحِد ثمَّ اقتسموه بَينهم) وَلَا يخفى على المتأمل ذَلِك، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مضى فِي: بابُُ فضل من علم.

وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن أبي بردة يروي عَن جده أبي بردة واسْمه الْحَارِث، وَقيل: عَامر، وَقيل: اسْمه كنيته، يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُوسَى بن هَارُون.

قَوْله: ( إِن الْأَشْعَرِيين) جمع أشعري، بتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى الإشعر، قَبيلَة من الْيمن، ويروى: إِن الأشعرين، بِدُونِ يَاء النِّسْبَة، وَتقول الْعَرَب: جَاءَك الأشعرون بِحَذْف الْيَاء.
قَوْله: ( إِذا أرملوا) ، أَي: إِذا فني زادهم، من الإرمال، بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ فنَاء الزَّاد وإعواز الطَّعَام، وَأَصله من الرمل، كَأَنَّهُمْ لصقوا بالرمل من الْقلَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ذَا مَتْرَبَة} ( الْبَلَد: 61) .
قَوْله: ( فهم مني) أَي: متصلون بِي، وَكلمَة: من، هَذِه تسمى اتصالية، نَحْو: لَا أَنا من الدَّد وَلَا الدَّد مني.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ الْمُبَالغَة فِي اتِّحَاد طريقهما واتفاقهما فِي طَاعَة الله تَعَالَى.
وَقيل: المُرَاد فعلوا فعلي فِي الْمُوَاسَاة.

وَفِيه: منقبة عَظِيمَة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بِشَهَادَة سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأعظم مَا شرفوا بِهِ كَونه أضافهم إِلَيْهِ.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ خلط الزَّاد فِي السّفر والحضر أَيْضا، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْقِسْمَةِ هُنَا الْقِسْمَة الْمَعْرُوفَة عِنْد الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد هُنَا إِبَاحَة بَعضهم بَعْضًا بموجوده.
وَفِيه: فَضِيلَة الإيثار والمواساة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: جَوَاز هبة الْمَجْهُول.
قلت: لَيْسَ شَيْء فِي الحَدِيث يدل على هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ مواساة بَعضهم بَعْضًا وَالْإِبَاحَة، وَهَذَا لَا يُسمى هبة، لِأَن الْهِبَة تمْلِيك المَال، وَالتَّمْلِيك غير الْإِبَاحَة، وَأَيْضًا: الْهِبَة لَا تكون إلاَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول لقِيَام العقد بهما، وَلَا بُد فِيهَا من الْقَبْض عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَغَيرهم، وَلَا يجوز فِيمَا يقسم إلاَّ محوزة مقسومة كَمَا عرف فِي موضعهَا.