فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قسمة الغنم

( بابُُ قِسْمَةِ الغَنَمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قسْمَة الْغنم بِالْعَدْلِ، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ قسم الْغنم.



[ قــ :2383 ... غــ :2488 ]
- حدَّثنا علِيُّ بنُ الْحَكَمِ الأنْصَارِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ سعِيدٍ بنِ مَسْرُوقٍ عنْ عَبابَُةَ بنِ رَفاعَةَ بنِ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ عنْ جَدِّهِ قَالَ كُنَّا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذِي الْحُلَيْفَةِ فأصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فأصابُوا إبِلا وَغنما قَالَ وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أخرَيَاتِ الْقَوْمِ فعَجِلُوا وذبَحُوا ونصَبُوا الْقُدُورَ فأمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالقدُورِ فأُكْفِئَتْ ثُمَّ قسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ فنَدَّ مِنْها بعيرٌ فطَلبُوهُ فأعْياهُمْ وكانَ فِي القَوْمِ خَيْل يَسِيرَةٌ فأهْواى رجُلٌ مِنْهُم بِسَهْمٍ فحَبَسَهُ الله ثمَّ قَالَ إنَّ لِهاذِهِ الْبَهَائِم أوابِدَ كأوابِدِ الوَحْشِ فَمَا غلبَكُمْ منْها فاصْنَعُوا بِهِ هاكذا فَقَالَ جدِّي إنَّا نَرْجُو أوْ نخافُ العدُوَّ غَدا وليْستْ مَعَنا مُدًى أفَنَذْبَحُ بالْقصبِ قَالَ مَا أنْهرَ الدَّمَ وذُكرَ اسمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ليْسَ السِّنَّ والظُّفْرَ فسأُحَدِّثُكُمْ عنْ ذالِكَ أمَّا السِّنَّ فَعَظْمٌ وأمَّا الظُّفْرَ فَمُدَي الحَبْشَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ قسم فَعدل عشرَة من الْغنم بِبَعِير) .

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن الحكم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف: الْأنْصَارِيّ.
الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف نون: واسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي.
الثَّالِث: سعيد بن مَسْرُوق بن عدي الثَّوْريّ وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ.
الرَّابِع: عَبَايَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف مَفْتُوحَة: ابْن رِفَاعَة بن رَافع بن خديج.
الْخَامِس: رَافع بن خديج بن رَافع بن عدي الأوسي الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ مروزي من قَرْيَة تدعى غزا.
وَأَن أَبَا عوَانَة واسطي وَأَن سعيد بن مَسْرُوق كُوفِي وَأَن عَبَايَة مدنِي.
وَفِيه: رِوَايَة عَبَايَة عَن جده،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَص عَن سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن أَبِيه عَن جده، وَتَابعه عبد الْوَارِث بن سعيد عَن لَيْث بن أبي سليم ومبارك بن سعيد بن مَسْرُوق، فَقَالَا: عَن عَبَايَة عَن أَبِيه عَن جده، وَسَيَجِيءُ فِي الذَّبَائِح رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن أَبِيه عَن جده.
قلت: رَافع بن خديج روى عَنهُ ابْنه رِفَاعَة بن رَافع وَابْن ابْنه عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع بن خديج، على خلاف فِيهِ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّركَة عَن مُحَمَّد بن وَكِيع وَفِي الْجِهَاد والذبائح عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الذَّبَائِح أَيْضا عَن مُسَدّد وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن عَبْدَانِ وَعَن مُحَمَّد بن سَلام بالقصة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، وَعَن قبيصَة بِبَعْض الْقِصَّة الثَّالِثَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد وَعَن ابْن أبي عمر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الذَّبَائِح عَن مُسَدّد بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّيْد عَن هناد عَن بنْدَار بالقصة الثَّالِثَة وَعَن مَحْمُود بن غيلَان بالقصة الأولى وَالثَّانيَِة، وَأَعَادَهُ فِي السّير عَن هناد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن مَحْمُود بن غيلَان بهما وَعَن هناد بهما، وَفِي الصَّيْد عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَفِي الذَّبَائِح عَن هناد بالقصة الثَّالِثَة وَعَن مُحَمَّد بن مَنْصُور بالقصة الثَّالِثَة وَعَن عَمْرو بن عَليّ بالقصة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود بهما، وَفِي الْأَضَاحِي عَن أَحْمد بن عبد الله بن الحكم بِبَعْض الْقِصَّة الثَّانِيَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَضَاحِي عَن أبي كريب بالقصة الأولى وَفِي الذَّبَائِح عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير مقطعاً فِي موضِعين.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بِذِي الحليفة) ، قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) ، رَحمَه الله: وَذُو الحليفة هَذِه لَيست الْمِيقَات إِنَّمَا هِيَ الَّتِي من تهَامَة عِنْد ذَات عرق، ذكره ياقوت وَغَيره.
قلت: فِي رِوَايَة مُسلم هَكَذَا عَن رَافع بن خديج، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِذِي الحليفة من تهَامَة.
وَذكر الْقَابِسِيّ أَنَّهَا المهلَّ الَّتِي بِقرب الْمَدِينَة،.

     وَقَالَ هُ أَيْضا النَّوَوِيّ، وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن فِي الحَدِيث ردا لقولهما،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَكَانَت سنة ثَمَان من الْهِجْرَة فِي قَضِيَّة حنين.
قَوْله: ( فِي أخريات الْقَوْم) ، أَي: فِي أواخرهم وَأَعْقَابهمْ، وَهِي جمع أُخْرَى، وَكَانَ يفعل ذَلِك رفقا لمن مَعَه ولحمل الْمُنْقَطع.
قَوْله: ( فعجلوا) ، بِكَسْر الْجِيم.
قَوْله: ( فأكفئت) ، أَي: قلبت وأميلت وأريق مَا فِيهَا، وَهُوَ من الإكفاء، قَالَ ثَعْلَب: كفأت الْقدر إِذا كببته، وَكَذَلِكَ قَالَه الْكسَائي وَأَبُو عَليّ القالي وَابْن الْقُوطِيَّة فِي آخَرين، فعلى هَذَا إِنَّمَا يُقَال: فكفئت وأكفئت إِنَّمَا قَالَ على قَول ابْن السّكيت فِي ( الْإِصْلَاح) : لِأَنَّهُ نقل عَن ابْن الْأَعرَابِي وَأبي عبيد وَآخَرين، يُقَال: أكفئت.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: صَوَابه كفئت بِغَيْر ألف من كفأت الْإِنَاء مهموزاً، وَاخْتلف فِي إمالة الْإِنَاء، فَيُقَال فِيهَا: كفأت وَأَكْفَأت، وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي أكفأت الشَّيْء لوجهه.

وَقد اخْتلف فِي سَبَب أمره بإكفاء الْقُدُور، فَقيل: إِنَّهُم انتهبوها مالكين لَهَا من غير غنيمَة، وَلَا على وَجه الْحَاجة إِلَى أكلهَا، يشْهد لَهُ قَوْله فِي رِوَايَة: فانتهبناها.
قلت: وَلَا على وَجه الْحَاجة إِلَى أكلهَا، فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ ذكر فِي بابُُ النهبة: فأصابتنا مجاعَة، فَهُوَ بَيَان لوجه الْحَاجة.
وَقيل: إِنَّمَا كَانَ لتركهم الشَّارِع فِي أخريات الْقَوْم واستعجالهم وَلم يخَافُوا من مكيدة الْغدر فحرمهم الشَّارِع مَا استعجلوه عُقُوبَة لَهُم بنقيضي قصدهم، كَمَا منع الْقَاتِل من الْمِيرَاث.
قَالَه الْقُرْطُبِيّ: وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد: وَتقدم سرعَان النَّاس فتعجلوا فَأَصَابُوا الْغَنَائِم وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي آخر النَّاس.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِنَّمَا أَمرهم بذلك لأَنهم كَانُوا قد انْتَهوا إِلَى دَار الْإِسْلَام، وَالْمحل الَّذِي لَا يجوز الْأكل فِيهِ من مَال الْغَنِيمَة الْمُشْتَركَة، فَإِن الْأكل مِنْهَا قبل الْقسم إِنَّمَا يُبَاح فِي دَار الْحَرْب، والمأمور بِهِ من الإراقة إِنَّمَا هُوَ إِتْلَاف المرق عُقُوبَة لَهُم، وَأما اللَّحْم فَلم يتلفوه، بل يحمل على أَنه جُمع ورُد إِلَى الْمغنم، وَلَا يظنّ أَنه أَمر بإتلافه لِأَنَّهُ مَال الْغَانِمين، وَلِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن إِضَاعَة المَال.
فَإِن قلت: لم ينْقل أَنهم حملوه إِلَى الْغَنِيمَة؟ قلت: وَلَا نقل أَيْضا أَنهم أحرقوه وَلَا أتلفوه، فَوَجَبَ تَأْوِيله على وفْق الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، بِخِلَاف لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر لِأَنَّهَا صَارَت نَجِسَة.

قَوْله: ( فَعدل) هَذَا مَحْمُول على أَنه كَانَ يحْسب قيمتهَا يَوْمئِذٍ، وَلَا يُخَالف قَاعِدَة الْأُضْحِية من إِقَامَة بعير مقَام سبع شِيَاه، لِأَن هَذَا هُوَ الْغَالِب فِي قيمَة الشَّاة وَالْإِبِل المعتدلة.
قَوْله: ( فندَّ) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة، أَي: نفر، وَذهب على وَجهه شارداً، يُقَال: ندَّ يندُّ ندا وندوداً.
قَوْله: ( فأعياهم) ، أَي: أعجزهم، يُقَال: أعيى إِذا أعجز، وعيى بأَمْره إِذا لم يهتد لوجهه، وأعياني هُوَ، قَوْله: ( يسيرَة) ، أَي: قَليلَة.
قَوْله: ( فَأَهوى) ، أَي: قصد، قَالَ الْأَصْمَعِي: أهويت بالشَّيْء إِذا أَوْمَأت إِلَيْهِ.
قَوْله: ( أوابد) ، جمع آبدة، بِالْمدِّ وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة، يُقَال مِنْهُ: أبدت تأبُد، بِضَم الْبَاء وتأبِد بِكَسْرِهَا، وَهِي الَّتِي نفرت من الْإِنْس وتوحشت.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: مَأْخُوذَة من الْأَبَد، وَهِي الدَّهْر لطول مقَامهَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: أخذت من تأبدت الدَّار تأبداً، وأبدت تأبد أبوداً: إِذا خلا مِنْهَا أَهلهَا.
قَوْله: ( مِنْهَا) ، أَي: من الأوابد.
قَوْله: ( فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) أَي: إرموه بِالسَّهْمِ.
قَوْله: ( قَالَ جدي إِنَّا نرجو أَو نَخَاف) ، قَالَ الْكرْمَانِي: نرجو بِمَعْنى نَخَاف، وَلَفظ: أَو نَخَاف، شكّ من الرَّاوِي.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هما سَوَاء.
قَالَ تَعَالَى: { فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} ( الْكَهْف: 11) .
أَي: يخافه.
وَقَوله: ( جدي) هُوَ جد عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع بن خديج، وعباية الَّذِي هُوَ أحد الروَاة يَحْكِي عَن جده رَافع بن خديج أَنه قَالَ: نرجو، أَو قَالَ: إِنَّا نَخَاف، والرجاء هُنَا بِمَعْنى الْخَوْف.
قَوْله: ( مدي) ، بِضَم الْمِيم، جمع مدية وَهِي السكين.
قَوْله: ( أفنذبح بالقصب؟) وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فنذكي بالليط، بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالطاء الْمُهْملَة: هِيَ قطع الْقصب، قَالَه الْقُرْطُبِيّ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قشوره، الْوَاحِد ليطة.
وَفِي ( سنَن أبي دَاوُد) : أنذكي بالمروة.
فَإِن قلت: مَا معنى هَذَا السُّؤَال عِنْد لِقَاء الْعَدو؟ قلت: لأَنهم كَانُوا عازمين على قتال الْعَدو وصانوا سيوفهم وأسنتهم وَغَيرهَا عَن اسْتِعْمَالهَا، لِأَن ذَلِك يفْسد الْآلَة، وَلم يكن لَهُم سكاكين صغَار معدة للذبح.
قَوْله: ( مَا أنهر الدَّم) ، أَي: مَا أسَال وأجرى الدَّم، وَكلمَة: مَا، شَرْطِيَّة وموصولة، وَالْحكمَة فِي اشْتِرَاط الإنهار التَّنْبِيه على أَن تَحْرِيم الْميتَة لبَقَاء دَمهَا، وَيُقَال: معنى أنهر الدَّم أساله وصبه بِكَثْرَة، وَهُوَ مشبه بجري المَاء فِي النَّهر، وَعند الْخُشَنِي: مَا انهز، بالزاي، من النهز، وَهُوَ الدّفع وَهُوَ غَرِيب.
قَوْله: ( فكلوه) الْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَو لتَضَمّنه مَعْنَاهُ.
قَوْله: ( لَيْسَ السن وَالظفر) ، كلمة: لَيْسَ، بِمَعْنى إلاَّ، وإعراب مَا بعده النصب.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : هما منصوبان على الِاسْتِثْنَاء: بليس، وَفِيه مَا فِيهِ.
قَوْله: ( فسأحدثكم) ، أَي: سأبين لكم الْعلَّة فِي ذَلِك، وَلَيْسَت السِّين هُنَا للاستقبال بل للاستمرار، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { سَتَجِدُونَ آخَرين} ( النِّسَاء: 19) .
وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن السِّين إِذا دخلت على فعل مَحْبُوب أَو مَكْرُوه أفادت أَنه وَاقع لَا محَالة.
قَوْله: ( أما السن فَعظم) ، قَالَ التَّيْمِيّ: الْعظم غَالِبا لَا يقطع إِنَّمَا يجرح ويدمي فتزهق النَّفس من غير أَن يتَيَقَّن وُقُوع الذَّكَاة، فَلهَذَا نهى عَنهُ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَا يجوز بالعظم لِأَنَّهُ يَتَنَجَّس بِالدَّمِ، وَهُوَ زَاد إِخْوَاننَا من الْجِنّ، وَلِهَذَا نهى عَن الِاسْتِنْجَاء بِهِ.
.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ: هُوَ قِيَاس حذف عَنهُ فقدمه الثَّانِيَة لظهورها عِنْدهم وَهِي أَن كل عظم لَا يحل الذّبْح بِهِ قَوْله ( وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة) الْمَعْنى فِيهِ أَن لَا يتشبه بهم لأَنهم كفار، وَهُوَ شعار لَهُم.
وَفِي الحَدِيث: من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: ظَاهره يُوهم أَن مدى الْحَبَشَة لَا تقع بهَا الذَّكَاة، وَلَا خلاف أَن مُسلما لَو ذكى بمدية حبشِي كَافِر جَازَ، فَمَعْنَى الْكَلَام: أَن أهل الْحَبَشَة يدمون مذابح الشَّاة بأظفارهم حَتَّى تزهق النَّفس خنقاً وتعذيباً ويحلونها مَحل الذَّكَاة، فَلذَلِك ضرب الْمثل بِهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على أَنْوَاع:
الأول: عدم جَوَاز الْأكل من الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة عِنْد الِانْتِهَاء إِلَى دَار الْإِسْلَام.

الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز قسم الْغنم وَالْبَقر وَالْإِبِل بِغَيْر تَقْوِيم، وَبِه قَالَ مَالك والكوفيون، وَأَبُو ثَوْر إِذا كَانَ ذَلِك على التَّرَاضِي.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يجوز قسم شَيْء من الْحَيَوَان بِغَيْر تَقْوِيم، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك على طَرِيق الْقيمَة، أَلاَ ترى أَنه عدل عشرَة من الْغنم بِبَعِير، وَهَذَا معنى التَّقْوِيم.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَهَذِه الْغَنِيمَة لم يكن فِيهَا غير الْإِبِل وَالْغنم، وَلَو كَانَ فِيهَا غير ذَلِك لقوم جَمِيعًا وقسمه على الْقيمَة.

الثَّالِث: فِيهِ أَن مَا ند من الْحَيَوَان الْإِنْسِي لم يقدر عَلَيْهِ جَازَ أَن يذكي بِمَا يذكى بِهِ الصَّيْد، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وطاووس وَعَطَاء وَالشعْبِيّ وَالْأسود بن يزِيد وَالنَّخَعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد وَالثَّوْري وَأحمد والمزني وَدَاوُد،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْجُمْهُور ذَهَبُوا إِلَى حَدِيث أبي العشراء عَن أَبِيه قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! أما تكون الذَّكَاة إلاَّ فِي اللبة وَالْحلق؟ قَالَ: لَو طعنت فِي فَخذهَا لأجزأ عَنْك.
قلت: حَدِيث أبي العشراء رَوَاهُ الْأَرْبَعَة، فَأَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن يُونُس عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن أبي العشراء، وَالتِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع عَن يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة، وَالنَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ بعد أَن رَوَاهُ: قَالَ أَحْمد بن منيع: قَالَ يزِيد هَذَا فِي الضَّرُورَة،.

     وَقَالَ  أَيْضا: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، وَلَا نَعْرِف لأبي العشراء عَن أَبِيه غير هَذَا الحَدِيث، وَاخْتلفُوا فِي اسْم أبي العشراء، فَقَالَ بَعضهم: اسْمه أُسَامَة بن قهطم، وَيُقَال: يسَار بن برز، وَيُقَال: ابْن بلز، وَيُقَال: اسْمه عُطَارِد،.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الْمَدِينِيّ: الْمَشْهُور أَن اسْمه أُسَامَة بن مَالك بن قطهم، فنسب إِلَى جده، وقهطم بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْهَاء والطاء الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  ابْن الصّلاح فِيمَا نَقله من خطّ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره بِكَسْر الْقَاف، وَقيل: قحطم بِالْحَاء الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  مَالك وَرَبِيعَة وَاللَّيْث: لَا يُؤْكَل إلاَّ بِذَكَاة الْإِنْسِي بالنحر أَو الذّبْح، استصحاباً لمشروعية أصل ذَكَاته، لِأَنَّهُ، وَإِن كَانَ قد لحق بالوحش فِي الِامْتِنَاع فَلم يلْتَحق بهَا لَا فِي النَّوْع وَلَا فِي الحكم، أَلا يرى أَن مملك مَالِكه باقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب أَيْضا،.

     وَقَالَ  مَالك: لَيْسَ فِي الحَدِيث أَن السهْم قَتله، وَإِنَّمَا قَالَ: حَبسه، ثمَّ بعد أَن حَبسه صَار مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْكَل إلاَّ بِالذبْحِ، وَلَا فرق بَين أَن يكون وحشياً أَو إنسياً.
وَقَوله: ( فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) ، قَالَ مَالك: نقُول بِمُوجبِه، أَي: نرميه ونحبسه فَإِن أدركناه حَيا ذكيناه، وَإِن تلف بِالرَّمْي فَهَل نأكله أَو لَا؟ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تعْيين أَحدهمَا، فلحق بالمجملات، فَلَا ينْهض حجَّة.
وَقَالُوا: فِي حَدِيث أبي العشراء لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن التِّرْمِذِيّ قَالَ فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: لَا يصلح هَذَا إلاَّ فِي المتردية والمستوحشة، قَالُوا: وَلَئِن سلمنَا صِحَّته لما كَانَ فِيهِ حجَّة، إِذْ مقتضاة جَوَاز الذَّكَاة فِي أَي عُضْو كَانَ مُطلقًا فِي الْمَقْدُور على تذكيته وَغَيره، وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمَقْدُور عَلَيْهِ، فَظَاهره لَيْسَ بِمُرَاد قطعا،.

     وَقَالَ  شَيخنَا، رَحمَه الله: لَيْسَ الْعَمَل على عُمُوم هَذَا الحَدِيث.
وَلَعَلَّه خرج جَوَابا بالسؤال عَن المتوحش والمتردي الَّذِي لَا يقدر على ذبحه، وَقد روى أَبُو الْحسن الْمَيْمُونِيّ أَنه سَأَلَ أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي غلط.
قلت: فَمَا تَقول؟ قَالَ: أما أَنا فَلَا يُعجبنِي وَلَا أذهب إِلَيْهِ إلاَّ فِي مَوضِع ضَرُورَة، كَيفَ مَا أمكنتك الذَّكَاة لَا يكون إلاَّ فِي الْحلق أَو اللبة، قَالَ: فَيَنْبَغِي للَّذي يذبح أَن يقطع الْحلق أَو اللبة.
قلت: روى مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي حنيفَة عَن سعيد بن مَسْرُوق عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع عَن ابْن عمر: أَن بَعِيرًا تردى فِي بِئْر بِالْمَدِينَةِ، فَلم يقدر على منحره، فوجىء بسكين من قبل خاصرته، فَأخذ مِنْهُ ابْن عمر عشيراً بِدِرْهَمَيْنِ.
العشير: لُغَة فِي الْعشْر: كالنصيف وَالنّصف.
وَقيل: العشير الإمعاء، وَمَعَ هَذَا قَول الْجَمَاعَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِيهِ الْكِفَايَة فِي الِاحْتِجَاج بِهِ.

الرَّابِع: فِيهِ: من شَرط الذَّكَاة إنهار الدَّم، وَلم يخص بِشَيْء من الْعُرُوق فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة إلاَّ فِي رِوَايَة رَوَاهَا ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) من رِوَايَة من لم يسم عَن رَافع بن خديج، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الذَّبِيحَة بالليطة، فَقَالَ: كل مَا فرى الْأَوْدَاج إلاَّ السن أَو الظفر، وَلَا شكّ أَن ذَلِك مَخْصُوص بمَكَان الذّبْح والنحر لغَلَبَة الدَّم فِيهِ، ولكونه أسْرع إِلَى إزهاق نفس الْحَيَوَان وإراحته من التعذيب.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَا يجب قطعه فِي الذّبْح، وَهُوَ أَرْبَعَة: الْحُلْقُوم والمرىء والودجان فَاشْترط قطع الْأَرْبَعَة: اللَّيْث وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة، وَلَو اكْتفى الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ بِقطع الْحُلْقُوم والمريء فَقَط، وَاكْتفى مَالك بالحلقوم والودجين، وَاكْتفى أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة بِقطع ثَلَاثَة من الْأَرْبَعَة، وَعَن أبي يُوسُف: اشْتِرَاط الْحُلْقُوم واثنين من الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة، وَعنهُ أَيْضا اشْتِرَاط الْحُلْقُوم والمري وَأحد الودجين، وَاشْترط مُحَمَّد بن الْحسن أَكثر كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة.

الْخَامِس: فِيهِ اشْتِرَاط التَّسْمِيَة لِأَنَّهُ قرنها بالذكاة وعلق الْإِبَاحَة عَلَيْهَا، فقد صَار كل وَاحِد مِنْهُمَا شرطا وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي عدم اشْتِرَاط التَّسْمِيَة، فَقَالَ: لَو ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا أَو نَاسِيا، تُؤْكَل ذَبِيحَته، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : قَالَ مَالك: لَا يُؤْكَل فِي الْوَجْهَيْنِ.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك مذْهبه، بل مذْهبه مَا ذكره ابْن قدامَة فِي ( الْمُغنِي) : أَن عِنْد مَالك يحل إِذا تَركهَا نَاسِيا، وَلَا يحل إِذا تَركهَا عَامِدًا.
قلت: هَذَا هُوَ مثل مَذْهَبنَا، فَإِن عندنَا إِذا تَركهَا عَامِدًا فالذبيحة ميتَة لَا تُؤْكَل، وَإِن تَركهَا نَاسِيا أكل مَا ذبحه، وَالْمَشْهُور عَن أَحْمد مثل قَوْلنَا، ومذهبنا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وطاووس وَابْن الْمسيب وَالْحسن وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَفِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْأَنْعَام وَدَاوُد بن عَليّ يحرم مَتْرُوك التَّسْمِيَة نَاسِيا،.

     وَقَالَ  فِي ( النَّوَازِل) : وَفِي قَول بشر لَا يُؤْكَل إِذا ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا أَو نَاسِيا.
.

     وَقَالَ  الْقَدُورِيّ فِي ( شَرحه لمختصر الْكَرْخِي) : وَقد اخْتلف الصَّحَابَة فِي النسْيَان، فَقَالَ عَليّ وَابْن عَبَّاس: إِذا ترك التَّسْمِيَة أكل،.

     وَقَالَ  ابْن عمر: لَا يُؤْكَل، وَالْخلاف فِي النسْيَان يدل على اتِّفَاقهم فِي الْعمد.
فَإِن قلت: كَيفَ صُورَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا؟ قلت: أَن يعلم أَن التَّسْمِيَة شَرط وَتركهَا مَعَ ذكرهَا، أما لَو تَركهَا من لم يعلم باشتراطها فَهُوَ فِي حكم النَّاسِي، ذكره فِي ( الْحَقَائِق) وَكَذَلِكَ الحكم على الْخلاف إِذا تَركهَا عمدا عِنْد إرْسَال الْبَازِي وَالْكَلب وَالرَّمْي، قَالَ صَاحب ( الْهِدَايَة) : وَهَذَا القَوْل من الشَّافِعِي مُخَالف للْإِجْمَاع، لِأَنَّهُ لَا خلاف فِيمَن كَانَ قبله فِي حُرْمَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي مَتْرُوك التَّسْمِيَة نَاسِيا.
والْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( الْمُسلم يَكْفِيهِ اسْمه، فَإِن نسي أَن يُسَمِّي حِين يذبح فليسم وليذكر اسْم الله ثمَّ ليَأْكُل) .
حَدِيث ضَعِيف لِأَن فِي سَنَده مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان، قَالُوا: كَانَ صَدُوقًا، وَلَكِن كَانَ شَدِيد الْغَفْلَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان: وَفِي سَنَده معقل بن عبد الله وَهُوَ وَإِن كَانَ من رجال مُسلم لكنه أَخطَأ فِي رفع هَذَا الحَدِيث، وَقد رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور وَعبد الله بن الزبير الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن أبي الشعْثَاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرجل منا يذبح وينسى أَن يُسَمِّي الله؟ قَالَ: ( اسْم الله على كل مُسلم) ، وَفِي لفظ: ( على فَم كل مُسلم) ، ضَعِيف لِأَن فِي سَنَده مَرْوَان بن سَالم، ضعفه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد عَن ثَوْر بن يزِيد عَن الصَّلْت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال، ذكر اسْم الله أَو لم يذكر) قلت: هَذَا مُرْسل، وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة عِنْده،.

     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان: وَفِيه مَعَ الْإِرْسَال أَن الصَّلْت السدُوسِي لَا يعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا روى عَنهُ غير ثَوْر بن يزِيد.

السَّادِس: فِيهِ: عدم جَوَاز الذّبْح بِالسِّنِّ وَالظفر، وَيدخل فِيهِ ظفر الْآدَمِيّ وَغَيره من كل الْحَيَوَانَات، وَسَوَاء الْمُتَّصِل والمنفصل بِحَسب ظَاهر الحَدِيث، وَسَوَاء الطَّاهِر وَالنَّجس.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: ويلتحق بِهِ سَائِر الْعِظَام من كل حَيَوَان الْمُتَّصِل والمنفصل.
وَقيل: كل مَا صدق عَلَيْهِ اسْم الْعظم فَلَا تجوز الذَّكَاة بِشَيْء مِنْهُ، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالْحسن بن صَالح وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وصاحباه: لَا يجوز بِالسِّنِّ والعظم المتصلين، وَيجوز بالمنفصلين، وَعَن مَالك رِوَايَات أشهرها: جَوَازه بالعظم دون السن كَيفَ كَانَا، وَالثَّانيَِة كمذهب الشَّافِعِي، وَالثَّالِثَة كمذهب أبي حنيفَة، وَالرَّابِعَة: يجوز بِكُل شَيْء بِالسِّنِّ وَالظفر.
وَعَن ابْن جريج جَوَاز التذكية بِعظم الْحمار دون القرد،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : وَيجوز الذّبْح بالظفر والقرن وَالسّن إِذا كَانَ منزوعاً وينهر الدَّم ويفري الْأَوْدَاج، وَذكر فِي ( الْجَامِع الصَّغِير) : مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: أكره هَذَا الذّبْح وَإِن فعل فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ، وَاحْتج أَصْحَابنَا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن سماك بن حَرْب عَن مري ابْن قطري عَن عدي بن حَاتِم، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! أَرَأَيْت أَحَدنَا أصَاب صيدا وَلَيْسَ مَعَه سكين، أيذبح بالمروة وشقة الْعَصَا؟ فَقَالَ: ( أمرر الدَّم بِمَا شِئْت وَاذْكُر اسْم الله) .
وَفِي لفظ النَّسَائِيّ: أنهر الدَّم.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) قَالَ الْخطابِيّ: ويروى: أمره، قَالَ: وَالصَّوَاب: أمرر، بِسُكُون الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء.
قلت: وَبِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) .

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي فِي ( الرَّوْض الْأنف) : أَمر الدَّم، بِكَسْر الْمِيم، أَي: أسله، يُقَال: دم مائر أَي: سَائل، قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ النقاش وَفَسرهُ، وَرَوَاهُ أَبُو عبيد بِسُكُون الْمِيم، وَجعله من: مريت الضَّرع وَالْأول أشبه بالمعني، وَجمع الطَّبَرَانِيّ بَين الرِّوَايَات الثَّلَاث، وَفِيه رِوَايَة رَابِعَة عِنْد النَّسَائِيّ فِي ( سنَنه الْكُبْرَى) : أهرق، فَيكون الْجَمِيع بِرِوَايَة أبي عبيد خمس رِوَايَات.
بَيَان ذَلِك: أَن الأولى: أمرر من الإمرار، وَالثَّانيَِة: أَمر من المير، أجوف يائي، وَالثَّالِثَة: أنهر، من الإنهار، وَالرَّابِعَة: أهرق، من الإهراق.
وَأَصله: أرق من الإراقة، وَالْهَاء زَائِدَة.
وَالْخَامِسَة: من المري، نَاقص يائي، وَالْجَوَاب عَن قَوْله: لَيْسَ السن وَالظفر، أَنه مَحْمُول على غير المنزوع، فَإِن الْحَبَشَة كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِك إِظْهَارًا للجلادة، فَإِنَّهُم لَا يقلمون ظفراً ويحدون الْأَسْنَان بالمبرد ويقاتلون بالخدش والعض، وَلِأَنَّهُمَا إِذا ذكرا مطلقين يُرَاد فيهمَا غير المنزوع، أما المنزوع فيذكر مُقَيّدا، يُقَال: سنّ منزوع وظفر منزوع،.

     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: شكّ فِي موضِعين: فِي اتِّصَاله، وَفِي قَوْله: أما السن فَعظم، هَل هُوَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو لَا؟ ثمَّ روى عَن أبي دَاوُد هَذَا الحَدِيث، وَفِيه: قَالَ رَافع: وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك، أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة، وَلم يكن أَيْضا فِي حَدِيث مُسلم.
أما السن من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصا.

السَّابِع: أَن حكم الصيال حكم الندود، وَفِي ( الْمُنْتَقى) : فِي الْبَعِير إِذا صال على إِنْسَان فَقتله وَهُوَ يُرِيد الذَّكَاة حل أكله.

الثَّامِن: أَن الذَّكَاة لَا بُد فِيهَا من آلَة حادة تجْرِي الدَّم، وَأَنه لَا يَكْفِي فِي ذَلِك الرض وَالدَّفْع بالشَّيْء الثقيل الَّذِي لَا حد لَهُ، وَإِن أَزَال الْحَيَاة، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ، وَسَوَاء فِي ذَلِك الْحَدِيد والنحاس والزجاج والقصب وَالْحجر، وكل مَا لَهُ حد إلاَّ مَا يسْتَثْنى مِنْهُ فِي الحَدِيث وَالله أعلم.
التَّاسِع: اسْتدلَّ بقوله مَا أنهر الدَّم على أَنه يجزىء فِيمَا شرع ذبحه النَّحْر، وَفِيمَا شرع نَحره الذّبْح، وَهُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء إلاَّ دَاوُد ومالكاً فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ، وَعَن مَالك: الْكَرَاهَة فِي رِوَايَة، وَعنهُ فِي رِوَايَة: التَّفْرِقَة، فيجزىء ذبح المنحور وَلَا يجزىء نحر الْمَذْبُوح.

الْعَاشِر: أَجمعُوا على أَفضَلِيَّة نحر الْإِبِل وَذبح الْغنم، وَاخْتلفُوا فِي الْبَقر، وَالصَّحِيح إلحاقها بالغنم وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقيل: يتَخَيَّر فِيهَا بَين الْأَمريْنِ.
<