فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا اقتسم الشركاء الدور وغيرها، فليس لهم رجوع ولا شفعة

( بابٌُ إِذا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الدُّورَ أوْ غَيْرَها فلَيْسَ لَهُمْ رجوَعٌ وَلَا شُفْعَةٌ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا اقتسم الشُّرَكَاء الدّور وَغَيرهَا، أَي: غير الدّور، نَحْو: الْبَسَاتِين وَسَائِر العقارات، وَفِي بعض النّسخ: إِذا اقتسموا، نَحْو: أكلوني البراغيث.
قَوْله: ( فَلَيْسَ لَهُم رُجُوع) جَوَاب: إِذا، لِأَن الْقِسْمَة عقد لَازم فَلَا رُجُوع فِيهَا.
قَوْله: ( وَلَا شُفْعَة) أَي: وَلَا شُفْعَة فِي الْقِسْمَة، لِأَن الشُّفْعَة فِي الشّركَة لَا فِي الْقِسْمَة لِأَن الشُّفْعَة لَا تكون فِي شَيْء مقسوم عِنْد الْعلمَاء كَافَّة، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْمشَاع لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة.



[ قــ :2391 ... غــ :2496 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا معْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيَّ عنْ أبِي سلَمَةَ ابنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَضَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالشُّفّعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فإذَا وقَعَتِ الحدُودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ..
قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن فِي التَّرْجَمَة لُزُوم الْقِسْمَة وَلَيْسَ فِي الحَدِيث إلاَّ نفي الشُّفْعَة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ يلْزم من نفي الشُّفْعَة نفي الرُّجُوع إِذْ لَو كَانَ للشَّرِيك الرُّجُوع لعاد مَا يشفع فِيهِ مشَاعا، فَحِينَئِذٍ تعود الشُّفْعَة.
والْحَدِيث مضى الْآن وَفِي: بابُُ شُفْعَة مَا لم يقسم، كم ذَكرْنَاهُ، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد الْبَصْرِيّ.



( بابُُ الاشْتِرَاكِ فِي الذَّهَبِ والْفِضَّةِ وَمَا يَكونُ فِيهِ منَ الصَّرْفِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الِاشْتِرَاك فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَهُوَ جَائِز إِذا كَانَ من كل وَاحِد من الْإِثْنَيْنِ دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَالشَّرْط أَن يخلطا المَال حَتَّى يتَمَيَّز ثمَّ يتصرفان جَمِيعًا، وَيُقِيم كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر مقَام نَفسه، وَهَذَا صَحِيح بِلَا خلاف.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ من أَحدهمَا دَنَانِير وَمن الآخر دَرَاهِم، فَقَالَ مَالك والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: لَا يجوز،.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: إِنَّمَا لم يجز ذَلِك لِأَنَّهُ صرف وَشركَة، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك، وَحكى ابْن أبي زيد خلاف مَالك فِيهِ، وَأَجَازَهُ سَحْنُون، وَأكْثر قَول مَالك: إِنَّه لَا يجوز،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: يجوز أَن يَجْعَل أَحدهمَا دَنَانِير وَالْآخر دَرَاهِم فيخلطانها، وَذَلِكَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا قد بَاعَ بِنصْف نصِيبه نصف نصيب صَاحبه.
قَوْله: ( وَمَا يكون فِيهِ من الصّرْف) وَفِي بعض النّسخ: وَمَا يكون فِي الصّرْف بِدُونِ كلمة: من، وَهَذَا مثل التبر وَالدَّرَاهِم المغشوشة، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَصح فِي كل مثلي، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة.
وَقيل: يخْتَص بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَمَا يكون فِيهِ الصّرْف هُوَ بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ، وَبِالْعَكْسِ، وَسمي بِهِ لصرفه عَن مُقْتَضى الْبياعَات من جَوَاز التَّفَاضُل فِيهِ، وَقيل: من صريفهما، وَهُوَ تصويتهما فِي الْمِيزَان.



[ قــ :391 ... غــ :498 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابنَ الأسْوَدِ قَالَ أخْبَرني سُلَيْمَانُ بنُ أبِي مُسْلِمٍ قَالَ سألْتُ أبَا الْمِنْهَالِ عنِ الصَّرْفِ يدَاً بِيَدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ أَنا وشَريكٌ لي شَيْئاً يدَاً بِيَدٍ ونَسِيئَةٍ فجاءَنا البُراءُ بنُ عازِبٍ فَسَألْناهُ فَقَالَ فَعلْتُ أَنا وشَرِيكي زَيْدُ بن أرْقَمَ فسألْنَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذالِكَ فَقَالَ مَا كانَ يَداً بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كانَ نَسيئَةً فَذَرُوهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( اشْتريت أَنا وَشريك لي شَيْئا) ، وَذَلِكَ لِأَن أَبَا الْمنْهَال وشريكه كَانَا يشتريان شَيْئا من الذَّهَب وَالْفِضَّة يدا بيد ونسيئة، وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فيهمَا، فسألا عَن حكم ذَلِك لِأَنَّهُ صرف، ثمَّ عملا بِمَا بلغهما من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن مَا كَانَ يدا بيد فَهُوَ جَائِز، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَلَا يجوز.

والْحَدِيث مر فِي أَوَائِل الْبيُوع فِي: بابُُ التِّجَارَة فِي الْبر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: الأول: عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن المنهار، وَالْآخر: عَن الْفضل بن يَعْقُوب عَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي عَن أبي عَاصِم النَّبِيل، واسْمه: الضَّحَّاك بن مخلد، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا، وروى عَنهُ هُنَا بِوَاسِطَة، وَكَذَلِكَ فِي عدَّة مَوَاضِع يروي عَنهُ بِوَاسِطَة، وَفِي مَوَاضِع يروي عَنهُ بِلَا وَاسِطَة، وَعُثْمَان هُوَ ابْن الْأسود ابْن مُوسَى بن باذان الْمَكِّيّ.
وَقَوله: ( يَعْنِي: ابْن الْأسود) إِشْعَار مِنْهُ بِأَن شَيْخه لم يقل إلاَّ عُثْمَان فَقَط، وَأما ذكر نسبه فَهُوَ مِنْهُ، وَهَذَا من جملَة الاحتياطات،.
وَسليمَان بن أبي مُسلم هُوَ الْأَحول، مر فِي التَّهَجُّد، وَأَبُو الْمنْهَال، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وباللام: عبد الرَّحْمَن.

قَوْله: ( شَيْئا يدا بيد ونسيئة) وَلَفظه فِي كتاب الْبيُوع: كنت أتجر فِي الصّرْف.
قَوْله: ( فَخُذُوهُ) ، بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ: فذروه، بِالْفَاءِ، ويروى: ذروه، بِدُونِ الْفَاء، وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم الْمَوْصُول بِالْفِعْلِ المتضمن للشّرط يجوز فِيهِ دُخُول الْفَاء فِي خَبره وَيجوز تَركه.
قَوْله: ( فذروه) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء، أَي: اتركوه، وَهُوَ من الْأَفْعَال الَّتِي أمات الْعَرَب ماضيها، وَهَذِه هِيَ رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: فَردُّوهُ، بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الدَّال من الرَّد.

وَفِيه: رد مَا لَا يجوز وَهُوَ النَّسِيئَة وَهُوَ التَّأْخِير، فَلَا يجوز شَيْء من الصّرْف نَسِيئَة، وَإِنَّمَا يجوز يدا بيد، وَقد مر.