فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا قال رجل لعبده: هو لله، ونوى العتق، والإشهاد في العتق

( بابٌُ إذَا قَالَ رجُلٌ لِعَبْدِهِ هُوَ لله ونَوَى الْعِتْقَ والإشْهَادُ فِي العِتْقِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا قَالَ رجل لعَبْدِهِ هُوَ لله، هَذَا هَكَذَا روى الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: بابُُ إِذا قَالَ لعَبْدِهِ، الْفَاعِل مُضْمر، وَهُوَ رجل أَو شخص.
قَوْله: ( وَنوى الْعتْق) ، أَي: وَالْحَال أَنه نوى عتق العَبْد بِهَذَا اللَّفْظ، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: صَحَّ أَو عتق العَبْد.
قَوْله: ( وَالْإِشْهَاد) بِالرَّفْع، وَفِيه حذف تَقْدِيره: وَبابُُ يذكر فِيهِ الْإِشْهَاد فِي الْعتْق، فَيكون ارتفاعه بِالْفِعْلِ الْمُقدر، وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة أَعنِي: قَوْلنَا: وَبابُُ يذكر فِيهِ الْإِشْهَاد على الْعتْق معطوفة على: بابُُ إِذا قَالَ أَي بابُُ يذكر فِيهِ، إِذا قَالَ، وَلَفظ: بابُُ، منون فِي الظَّاهِر، وَفِي الْمُقدر، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه، وَمن جر الْإِشْهَاد فقد جر مَا لَا يُطيق حمله.



[ قــ :2420 ... غــ :2530 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ نُمَيْرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ لَمَّا أقْبَلَ يُرِيدُ الأسْلامَ ومَعَهُ غُلامُهُ ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما مِنْ صاحِبِهِ فأقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وأبُو هُرَيْرَةَ جالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أتَاكَ فَقَالَ أما أنِّي أُشْهِدُكَ أنَّهُ حُرٌّ فَهْوَ حينَ يَقُولُ:
( يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وعَنائِها ... علَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ)

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أما أَنِّي أشهدك أَنه حر) ، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه عَوْف، قدم الْمَدِينَة بَعْدَمَا قبض النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون
قَوْله: ( يُرِيد الْإِسْلَام) جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( وَمَعَهُ غُلَامه) ، جملَة حَالية إسمية أَي: وَمَعَ أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( ضل) ، أَي: تاه كل وَاحِد مِنْهُمَا ذهب إِلَى نَاحيَة وَفَسرهُ الْكرْمَانِي بقوله: ضَاعَ، وَتَبعهُ بَعضهم على ذَلِك وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إلاَّ مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم وتستعمل هَذِه الْكَلِمَة على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن تكون حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلا.
وَالثَّانِي: أَن تكون بِمَعْنى حَقًا.
وَأما، هُنَا على هَذَا الْمَعْنى.
قَوْله: ( أَنِّي) ، بِفَتْح الْهمزَة كَمَا تفتح الْهمزَة بعد قَوْلهم: حَقًا، لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ.
قَوْله: ( فَهُوَ حِين يَقُول) ، أَي: الْوَقْت الَّذِي وصل فِيهِ إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: ( يَا لَيْلَة) ، هَذَا من بَحر الطَّوِيل، وَقد دخله الخرم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الرَّاء، وَهُوَ حذف الْحَرْف من أول الْجُزْء، وللطويل ثَمَانِيَة أَجزَاء وَقد حذف الْحَرْف من أول جزئه وَهُوَ: يَا لَيْلَة، لِأَن تَقْدِيره: فيا لَيْلَة، لِأَن وَزنه فيالي: فعولن، لَهُ من طو: مفاعيلن، لَهَا و: فعول، عنائها: مفاعلن.
وَفِيه الْقَبْض، وَقَول الْكرْمَانِي: وَلَا بُد من زِيَادَة وَلَو أوفاء فِي أول الْبَيْت ليَكُون مَوْزُونا، كَلَام من يقف على علم الْعرُوض، لِأَن مَا جَازَ حذفه كَيفَ يُقَال فِيهِ لَا بُد من إثْبَاته؟ قَوْله: ( عنائها) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبتخفيف النُّون وبالمد: أَي تعبها ومشقتها.
قَوْله: ( دارة الْكفْر) ، هِيَ دَار الْحَرْب، والدارة أخص من الدَّار، ويروى: ( دَاره) ، بِالْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير، وَحِينَئِذٍ يكون الْكفْر بَدَلا مِنْهُ بدل الْكل من الْكل، وَكَثِيرًا مَا تسْتَعْمل الدارة فِي أشعار الْعَرَب، كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
( وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل)

ودارات كَثِيرَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: الدارة جوفة تحف الْجبَال،.

     وَقَالَ  عَنهُ فِي مَوضِع آخر: الدارة رمل مستدير قدر ميلين تحفه الْجبَال.
.

     وَقَالَ  الهجري: الدارة النبكة السهلة حفتها جبال، وَمِقْدَار الدارة خَمْسَة أَمْيَال فِي مثلهَا.
قلت: النبكة، بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْكَاف: وَهِي أكمة محددة الرَّأْس، وَيجمع على: نبك، بِالتَّحْرِيكِ.
فَإِن قلت: الشّعْر لمن؟ قلت: ظَاهره أَنه لأبي هُرَيْرَة، وَلكنه غير مَشْهُور بالشعر.
وَحكى ابْن التِّين: أَنه لغلامه، وَحكى الفاكهي فِي ( كتاب مَكَّة) : عَن مقدم بن حجاج السوَائِي أَن الْبَيْت الْمَذْكُور لأبي مرْثَد الغنوي فِي قصَّة لَهُ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون أَبُو هُرَيْرَة قد تمثل بِهِ.
وَالله أعلم.

وَقَالَ الْمُهلب: لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِيمَا علمت إِذا قَالَ رجل لعَبْدِهِ: هُوَ حر، أَو: هُوَ لله، وَنوى الْعتْق أَنه يلْزمه الْعتْق.
وكل مَا يفهم بِهِ عَن الْمُتَكَلّم أَنه أَرَادَ بِهِ الْعتْق لزمَه وَنفذ عَلَيْهِ، وروى ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن مُغيرَة: أَن رجلا قَالَ لغلامه: أَنْت لله.
فَسئلَ الشّعبِيّ وَالْمُسَيب بن رَافع وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، فَقَالُوا: هُوَ حر.
وَعَن إِبْرَاهِيم كَذَلِك،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم: وَإِن قَالَ: إِنَّك لحر النَّفس، فَهُوَ حر، وَعَن الْحسن: إِذا قَالَ: مَا أَنْت إلاَّ حر، نِيَّته.
وَعَن الشّعبِيّ مثله.

وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: الْعتْق عِنْد بُلُوغ الأمل والنجاة مِمَّا يخَاف، كَمَا فعل أَبُو هُرَيْرَة حِين أَنْجَاهُ الله من دَار الْكفْر وَمن ضلاله فِي اللَّيْل عَن الطَّرِيق، وَكَانَ إِسْلَام أبي هُرَيْرَة فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة.



[ قــ :4 ... غــ :53 ]
- حدَّثنا شِهَابُ بنُ عَبَّادٍ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حُمَيْدٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ لَ مَّا أقْبَلَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ ومَعَهُ غُلاَمَهُ وهْوَ يَطْلُبُ الإسْلامَ فَضَلَّ أحَدُهُمَا صاحِبَهُ بِهاذَا.

     وَقَالَ  أما أنِّي أشْهِدُكَ أنَّهُ لله.

هَذَا طَرِيق آخر عَن شهَاب بن عباد، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء: الْعَبْدي الْكُوفِي أَبُو عَمْرو عَن إِبْرَاهِيم بن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرُّؤَاسِي من قيس غيلَان الْكُوفِي ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( وَهُوَ يطْلب الْإِسْلَام) جملَة حَالية، وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة، وَإِن لم يسلم وَأسلم بعد، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد يظْهر الْإِسْلَام.
قَوْله: ( فضل) ، أَصله التَّعْدِيَة بالحرف لِأَنَّهُ قَالَ فِي الطَّرِيق الأول.
فضل كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه، وَيكون نصب ( صاحبَه) هُنَا بِنَزْع الْخَافِض، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قومَه سبعين} ( الْأَعْرَاف: 551) .
أَي: من قومه، وَالتَّقْدِير هُنَا: فضل أَحدهمَا عَن صَاحبه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقد جَاءَ مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ فِي الْأَشْيَاء الثَّابِتَة، كَمَا يُقَال: ضللت الْمَسْجِد وَالدَّار، إِذا لم يعرف موضعهما قلت: هَذَا من بابُُ التَّوَسُّع، كَمَا يُقَال: دخلت الْمَسْجِد، حَتَّى قيل: إِن الصَّوَاب: فأضل أَحدهمَا صَاحبه.