فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أم الولد

( بابُُ أُمِّ الوَلَدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم أم الْوَلَد، وَلم يذكر الحكم مَا هُوَ، فَكَأَنَّهُ تَركه للْخلاف فِيهِ.
قَالَ أَبُو عمر: اخْتلف السّلف وَالْخلف من الْعلمَاء فِي عتق أم الْوَلَد وَفِي جَوَاز بيعهَا، فالثابت عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عدم جَوَاز بيعهَا، وروى مثل ذَلِك عَن عُثْمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول أَكثر التَّابِعين مِنْهُم: الْحسن وَعَطَاء ومحاهد وَسَالم وَابْن شهَاب وَإِبْرَاهِيم، وَإِلَى ذَلِك ذهب مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، فِي أَكثر كتبه، وَقد أجَاز بيعهَا فِي بعض كتبه،.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ: قطع فِي أَرْبَعَة عشر موضعا من كتبه بِأَن لَا تبَاع، وَهُوَ الصَّحِيح من مذْهبه، وَعَلِيهِ جُمْهُور أَصْحَابه، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَالْحسن بن صَالح وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي عبيد وَأبي ثَوْر، وَكَانَ أَبُو بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَجَابِر وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يجيزون بيع أم الْوَلَد، وَبِه قَالَ دَاوُد،.

     وَقَالَ  جَابر وَأَبُو سعيد: ( كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَذكر عبد الرَّزَّاق: أَنبأَنَا ابْن جريج أَخْبرنِي أَبُو الزبير سمع جَابِرا، يَقُول: ( كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِينَا لَا يرى بذلك بَأْسا) .
وأنبأنا ابْن جريج أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْوَلِيد أَن أَبَا إِسْحَاق الْهَمدَانِي أخبرهُ أَن أَبَا بكر الصّديق ( كَانَ يَبِيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي آمارته وَعمر فِي نصف إمارته) .
.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود: ( تعْتق فِي نصيب وَلَدهَا) ، وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير.
قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَارِيَة سريته: لما ولدت إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: ( أعْتقهَا وَلَدهَا) ، من وَجه لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا يُثبتهُ أهل الحَدِيث، وَكَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: ( إيما أمة ولدت من سَيِّدهَا فَإِنَّهَا حرَّة إِذا مَاتَ سَيِّدهَا) ، فَقيل لَهُ: عَمَّن هَذَا؟ قَالَ: ( عَن الْقُرْآن هَذَا) ، قَالَ الله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} ( النِّسَاء: 95) .
وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من أولي الْأَمر، وَقد قَالَ: أعْتقهَا وَلَدهَا وَإِن كَانَ سِقطاً.

قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ تَلِدَ الأمَةِ رَبَّها
هَذَا التَّعْلِيق مر مَوْصُولا مطولا فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ سُؤال جِبْرِيل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْإِيمَان، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَجه إِيرَاد هَذَا هُنَا هُوَ أَن مِنْهُم من اسْتدلَّ على جَوَاز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَمِنْهُم من منع ذَلِك فَكَانَ البُخَارِيّ أَرَادَ بِذكرِهِ هَذَا الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يدل على الْجَوَاز وَلَا الْمَنْع.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) وَقد اسْتدلَّ إمامان من كبار الْعلمَاء على ذَلِك، اسْتدلَّ أَحدهمَا على الْإِبَاحَة، وَالْآخر على الْمَنْع، وَذَلِكَ عَجِيب مِنْهُمَا، وَقد أنكر عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ كل مَا أخبر، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِكَوْنِهِ من عَلَامَات السَّاعَة يكون محرما أَو مذموماً كتطاول الرعاء فِي الْبُنيان وفشو المَال وَكَون خمسين امْرَأَة لَهُنَّ قيم وَاحِد لَيْسَ بِحرَام بِلَا شكّ، وَإِنَّمَا هَذِه عَلَامَات، والعلامة لَا يشْتَرط فِيهَا شَيْء من ذَلِك، بل تكون بِالْخَيرِ وَالشَّر والمباح وَالْمحرم وَالْوَاجِب وَغَيره.
انْتهى.
قلت: وَجه اسْتِدْلَال الْمُجِيز أَن ظَاهر قَوْله: ( رَبهَا) ، أَن المُرَاد بِهِ سَيِّدهَا لِأَن وَلَدهَا من سَيِّدهَا يتنزل منزلَة سَيِّدهَا لمصير مآل الْإِنْسَان إِلَى وَلَده غَالِبا، وَوجه اسْتِدْلَال الْمَانِع أَن هَذَا إِخْبَار عَن غَلَبَة الْجَهْل فِي آخر الزَّمَان حَتَّى تبَاع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، فيكثر تردد الْأمة فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيهَا وَلَدهَا وَهُوَ لَا يدْرِي، فَيكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَحْرِيم بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَلَا يخفى تعسف الْوَجْهَيْنِ.



[ قــ :2423 ... غــ :2533 ]
- حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُرْوَةَ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنَّ عُتْبَةَ بنَ أبِي وقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ أنْ يَقْبِضَ إلَيْهِ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ إنَّهُ ابْني فلَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَمَنَ الْفَتْحِ أخَذَ سَعْدٌ ابنُ ولِيدَةِ زَمْعَةَ فَأقْبَلَ بِهِ إلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقْبَلَ معَهُ بِعَبْدِ بنِ زَمْعَةَ فقالَ سَعْدٌ يَا رسُولَ الله هَذَا ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ يَا رسولَ الله هَذَا أخِي ابنُ ولِيدَةِ زَمعَة وُلدَ عَلى فِراشِهِ فنَظَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابنُ وليدَةِ زَمْعَةَ فإذَا هُوَ أشْبَهُ النًّاسِ بهِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ مِنْ أجْلِ أنَّهُ وُلِدَ علَى فِرَاشِ أَبِيه.

     وَقَالَ  رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بنْتَ زَمْعَةَ مِمَّا رَأى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وكانتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( هَذَا أخي، ولد على فرَاش أبي) وَحكمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَنَّهُ أَخُوهُ، فَإِن فِيهِ ثُبُوت أميَّة الْوَلَد.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ تعرض لحريتها وَلَا لرقيتها.
قلت: التَّرْجَمَة فِي بابُُ أم الْوَلَد مُطلقًا من غير تعرض للْحكم، كَمَا ذكرنَا فَتحصل الْمُطَابقَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَقيل: فِيهِ: إِشَارَة إِلَى حريَّة أم الْوَلَد لِأَنَّهُ جعلهَا فراشا، فسوى بَينهَا وَبَين الزَّوْجَة فِي ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: زَاد فِي بعض النّسخ بعد تَمام الحَدِيث، قَالَ أَبُو عبد الله: سمى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمة زَمعَة أمة ووليدة، فَدلَّ على أَنَّهَا لم تكن عتيقة بِهَذَا الحَدِيث.
قلت: هَذَا يدل على أَن ميله إِلَى عدم عتق أم الْوَلَد بِمَوْت السَّيِّد، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يُقَال غَرَض البُخَارِيّ فِيهِ بَيَان أَن بعض الْحَنَفِيَّة لَا يَقُولُونَ بِأَن الْوَلَد للْفراش فِي الْأمة إِذْ لَا يلحقون الْوَلَد بالسيد إلاَّ بِإِقْرَارِهِ، بل يخصصونه بفراش الْحرَّة، فَإِذا أَرَادوا تَأْوِيل مَا فِي هَذَا الحَدِيث فِي بعض الرِّوَايَات من أَن الْوَلَد للْفراش يَقُولُونَ: إِن أم الْوَلَد الْمُتَنَازع فِيهَا كَانَت حرَّة لَا أمة، ثمَّ إِن هَذَا الحَدِيث مضى فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ تَفْسِير الشُّبُهَات، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلَكِن نذْكر هُنَا بعض شيى لزِيَادَة الْفَائِدَة.

وَقَالَ ابْن بطال: الْقَضِيَّة مشكلة من جِهَة أَن عبدا ادّعى على أمة ولدا بقوله: أخي، وَلم يَأْتِ بِبَيِّنَة تشهد على إِقْرَار أَبِيه، فَكيف قبل دَعْوَاهُ؟ فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى: أَن الْأمة إِذا وَطئهَا مَوْلَاهَا فقد لزمَه كل ولد تَجِيء بِهِ بعد ذَلِك، إدعاه أم لَا.
.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ: لَا يلْزم مَوْلَاهَا إلاَّ أَن يقرَّ بِهِ،.

     وَقَالَ : إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( هولك) ، وَلم يقل: هُوَ أَخُوك، فَيجوز أَن يُرِيد بِهِ: هُوَ مَمْلُوك لَك بِحَق مَا لَك عَلَيْهِ من الْيَد، وَلِهَذَا أَمر سَوْدَة بالاحتجاب مِنْهُ، فَلَو جعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْن زَمعَة لما حجب مِنْهُ أُخْته.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: مَعْنَاهُ: هُوَ أَخُوك كَمَا ادعيت، قَضَاء مِنْهُ فِي ذَلِك بِعَمَلِهِ، لِأَن زَمعَة كَانَ صهره فَألْحق وَلَده بِهِ لما علمه من فراسته، لَا أَنه قضى بذلك لاستلحاق عبد لَهُ.
.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: ( هُوَ لَك) ، أَي: بِيَدِك عَلَيْهِ لَا إِنَّك تملكه، وَلَكِن يمنه مِنْهُ كل من سواك، كَمَا قَالَ فِي اللّقطَة: هِيَ لَك تدفع غَيْرك عَنْهَا حَتَّى يَجِيء صَاحبهَا، وَلما كَانَ لعبد شريك وَهُوَ أُخْته سَوْدَة، وَلم يعلم مِنْهَا تَصْدِيق فِي ذَلِك، ألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عبدا مَا أقرَّ بِهِ على نَفسه، وَلم يَجْعَل ذَلِك حجَّة على أُخْته، فَأمرهَا بالاحتجاب.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: رُؤْيَة ابْن زَمعَة لسودة مُبَاحَة، لكنه كرهه للشُّبْهَة، وأمرها بالتنزه عَنهُ اخْتِيَارا.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: هُوَ لَك ملك، يَعْنِي عبدا لِأَنَّهُ بَان وليدة أَبِيك، وكل أمة تَلد من غير سَيِّدهَا فولدها عبد، وَلم ينْقل فِي الحَدِيث اعْتِرَاف سَيِّدهَا بِوَطْئِهَا، وَلَا شهد بذلك عَلَيْهِ، فَلم يبْق إلاَّ الْقَضَاء بِأَنَّهُ عبد تبيع لأمه، لَا أَنه قضى لَهُ بِبَيِّنَة.
وَأجَاب ابْن الْقصار بجوابين: أَحدهمَا: أَنه كَانَ يدعى: عبد بن زَمعَة، أَنه حر وَأَنه أَخُوهُ ولد على فرَاش أَبِيه، فَكيف يقْضِي لَهُ بِالْملكِ؟ وَلَو كَانَ مَمْلُوكا لعتق بِهَذَا القَوْل.
وَالْآخر: أَنه لَو قضى لَهُ بِالْملكِ لم يقل الْوَلَد للْفراش، لِأَن الْمَمْلُوك لَا يلْحق بالفراش، ولكان يَقُول: هُوَ ملك لَك.
.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ: يحْتَمل أَن يكون أجَاب فِيهِ على الْمَسْأَلَة.
فأعلمهم بالحكم أَن هَذَا يكون إِذا ادّعى صَاحب فرَاش وَصَاحب زنا، لَا أَنه قَبِلَ قَول سعد على أَخِيه عتبَة، وَلَا على زَمعَة قَول ابْنه عبد بن زَمعَة أَنه أَخُوهُ، لِأَن كل اُحْدُ مِنْهُمَا أخبر عَن غَيره، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَنه لَا يقبل إِقْرَار أحد على غَيره، فَحكم بذلك ليعرفهم الحكم فِي مثله إِذا نزل.
قَوْله: ( أَخذ سعد ابْن وليدة زَمعَة) أَي: أَخذ سعد بن أبي وَقاص، وَهُوَ مَرْفُوع منون.
وَقَوله: ( ابْن وليدة) ، مَنْصُوب على أَنه مفعول، وَيَنْبَغِي أَن يكْتب: ابْن، بِالْألف.
قَوْله: ( هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة) ، بِرَفْع عبد، وَيجوز نَصبه، وَكَذَا: ابْن، وَكَذَا قَوْله: يَا سَوْدَة بنت زَمعَة.
قلت: أما وَجه الرّفْع وَالنّصب فَهُوَ أَن تَوَابِع الْمَبْنِيّ المفردة من التَّأْكِيد وَالصّفة وَعطف الْبَيَان ترفع على لَفظه، وتنصب على مَحَله بَيَانه: أَن لفظ عبد فِي: يَا عبد، منادى مَبْنِيّ على الضَّم، فَإِذا أكذ أَو اتّصف أَو عطف عَلَيْهِ يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
قَوْله: ( احتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة) ، أشكل مَعْنَاهُ قَدِيما على الْعلمَاء.
فَذهب أَكثر الْقَائِلين بِأَن الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال، وَأَن الزِّنَا لَا تَأْثِير لَهُ فِي التَّحْرِيم، وَهُوَ قَول عبد الْملك بن الْمَاجشون، إلاَّ أَن قَوْله: كَانَ ذَلِك مِنْهُ على وَجه الِاحْتِيَاط والتنزه، وَأَن للرجل أَن يمْنَع امْرَأَته من رُؤْيَة أَخِيهَا، هَذَا قَول الشَّافِعِي.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: كَانَ ذَلِك مِنْهُ لقطع الذريعة بعد حكمه بِالظَّاهِرِ، فَكَأَنَّهُ حكم بحكمين: حكم ظَاهر وَهُوَ: الْوَلَد للْفراش، وَحكم بَاطِن، وَهُوَ: الاحتجاب من أجل الشّبَه.
كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِأَخ لَك يَا سَوْدَة إلاَّ فِي حكم الله تَعَالَى، فَأمرهَا بالاحتجاب مِنْهُ.
قلت: وَمن هَذَا أَخذ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد: أَن وَطْء الزِّنَا محرم، وَمُوجب للْحكم وَأَنه يجْرِي مجْرى الْوَطْء الْحَلَال فِي التَّحْرِيم مِنْهُ، وحملوا أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لسودة بالاحتجاب على الْوُجُوب، وَهُوَ أحد قولي مَالك.
وَفِي قَوْله الآخر: الْأَمر هَهُنَا للاستحبابُ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَذَلِكَ لأَنهم يَقُولُونَ: إِن وَطْء الزِّنَا لَا يحرم شَيْئا وَلَا يُوجب حكما، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم، وَذكر فِي حكم أم الْوَلَد سَبْعَة أَقْوَال: الأول: يجوز عتقهَا على مَال صرح بِهِ ابْن الْقصار فِي ( فَتَاوِيهِ) الثَّانِي: يجوز بيعهَا مُطلقًا، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ.
الثَّالِث: يجوز لسَيِّدهَا بيعهَا فِي حَيَاته، فَإِذا مَاتَ عتقت، وَحكي ذَلِك عَن الشَّافِعِي.
الرَّابِع: أَنَّهَا تبَاع فِي الدّين، وَفِيه حَدِيث سَلامَة بن معقل فِي ( سنَن أبي دَاوُد) .
الْخَامِس: أَنَّهَا تبَاع، وَلَكِن إِن كَانَ وَلَدهَا مَوْجُودا عِنْد موت أَبِيه سَيِّدهَا حسب من نصِيبه إِن كَانَ ثمَّ مشارك لَهُ فِي التَّرِكَة، وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
السَّادِس: أَنه يجوز بيعهَا بِشَرْط الْعتْق، وَلَا يجوز بِغَيْرِهِ.
السَّابِع: أَنَّهَا إِن عَقَّت وأبِقَتْ لم يجز بيعهَا، وَإِن فجرت أَو كفرت جَازَ بيعهَا.
حُكيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَحكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي التَّوَقُّف.