فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع الولاء وهبته

( بابُُ بَيْعِ الوَلاءِ وَهِبَتِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع الْوَلَاء وهبته: هَل يجوز أم لَا؟ وَحَدِيث الْبابُُ يدل على أَنه لَا يجوز، وَالْوَلَاء بِفَتْح الْوَاو، وبالمد هُوَ حق إِرْث الْمُعْتق من الْعَتِيق، وَهَذَا يُسمى: وَلَاء الْعتَاقَة، وَسَببه الْعتْق لَا الْإِعْتَاق، لِأَنَّهُ إِذا ورث قَرِيبه يعْتق عَلَيْهِ، وَيكون وَلَاؤُه لَهُ وَلَو كَانَ سَببه الْإِعْتَاق لما ثَبت لَهُ الْوَلَاء، لِأَنَّهُ لم يُوجد الْإِعْتَاق.



[ قــ :2425 ... غــ :2535 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخْبرني عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقول نَهى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الوَلاءِ وعنْ هِبَتِهِ.

( الحَدِيث 5352 طرفه فِي: 6576) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْعتْق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن حَفْص بن عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك قَوْله: ( نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، إِلَى آخِره يَعْنِي وَلَاء الْعتْق وَهُوَ مَا إِذا مَاتَ الْمُعْتق وَرثهُ مُعْتقه أَو وَرَثَة مُعْتقه.
وَكَانَت الْعَرَب تبيعه وتهبه، فَنهى عَنهُ الشَّارِع لِأَن الْوَلَاء كالنسب، فَلَا يَزُول بالإزالة.
وفقهاء الْحجاز وَالْعراق مجمعون على أَنه: لَا يجوز بيع الْوَلَاء وَلَا هِبته،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر.
وَفِيه قَول ثَان: روى أَن مَيْمُونَة بنت الْحَارِث وهبت وَلَاء مواليها من الْعَبَّاس، وَأَن عُرْوَة ابْتَاعَ وَلَاء طهْمَان لوَرَثَة مُصعب بن الزبير، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء أَنه: يجوز للسَّيِّد أَن يَأْذَن لعَبْدِهِ أَن يوالي من شَاءَ، وَهَذَا هُوَ هبة الْوَلَاء، وَصَحَّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُورث، صَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم،.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد، وَخَالفهُ الْبَيْهَقِيّ فأعله، وَذكره ابْن بطال من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: الْوَلَاء لحْمَة كالنسب، وَأوردهُ ابْن التِّين بِزِيَادَة، بِلَفْظ: لَا يحل بَيْعه وَلَا هِبته، ثمَّ قَالَ: وَعَلِيهِ جَمَاهِير أهل الْعلم، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَنه: لَا يجوز تَحْويل النّسَب، وَقد نسخ الله تَعَالَى الْمَوَارِيث بالتبني بقوله: { ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْله: { ومواليكم} ( الْأَحْزَاب: 5) .
وَلعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من انتسب إِلَى غير أَبِيه، فَكَانَ حكم الْوَلَاء كَحكم النّسَب فِي ذَلِك، فَكَمَا لَا يجوز بيع النّسَب وَلَا هِبته، كَذَلِك الْوَلَاء، وَلَا نَقله وَلَا تحويله، وَإنَّهُ للْمُعْتق كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :46 ... غــ :536 ]
- حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتِ اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فاشْتَرَطَ أهْلُهَا وَلاءَها فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أعْتِقِيها فإنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ فأعْتَقْتُها فَدَعاها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَيَّرَها منْ زَوْجِها فقالَتْ لَوْ أعْطَانِي كَذَا وكذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ فاخْتارَتْ نَفْسَها..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فَإِن الْوَلَاء لمن أعْطى الْوَرق) فَهَذَا يدل على أَن الْوَلَاء لَا ينْقل، فَإِذا لم يجز نَقله لَا يجوز بَيْعه وَلَا هِبته.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ البيع وَالشِّرَاء مَعَ النِّسَاء أخرجه من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَمن رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عَائِشَة ساومت، وَفِي: بابُُ، إِذا اشْترط شُرُوطًا فِي البيع لَا يحل، من رِوَايَة مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
وَأخرجه هُنَا عَن عُثْمَان عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الْأسود بن يزِيد عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَيْضا فِي الْفَرَائِض عَن مُحَمَّد بن جرير وَفِيه أَيْضا عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع وَفِي الْوَلَاء عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع وَفِي الطَّلَاق وَفِي الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة عَن جرير بِهِ، وَذكر قصَّة التَّخْيِير فِي الْبيُوع وَفِي الطَّلَاق دون الْفَرَائِض.

قَوْله: ( بَرِيرَة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الأولى، وَكَانَت وليدة لبني هِلَال، كَذَا فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن عُرْوَة، قَوْله: ( لم أعْطى الْوَرق) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء، وَهِي الدَّرَاهِم المضروبة، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعْطى الثّمن أَو لمن مَعَه النِّعْمَة.
قَوْله: ( فَخَيرهَا من زَوجهَا) لِأَن زَوجهَا كَانَ عبدا على الْأَصَح، وَإِذا كَانَ زوج الْأمة حرا خيرت عندنَا أَيْضا.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تخير، وروى مُسلم عَن عَائِشَة أَن زَوجهَا كَانَ عبدا فَخَيرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا عَنْهَا أَن زوج بَرِيرَة كَانَ حرا حِين أعتقت، وَالْعَمَل بِهَذَا أولى لثُبُوت الْحُرِّيَّة لاتفاقهم أَنه كَانَ قتل عبدا.
ونقول بِمُوجب الْحَدِيثين جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ، وَلَا فرق فِي هَذَا بَين القنة وَأم الْوَلَد والمدبرة وَالْمُكَاتبَة، وَزفر يخالفنا فِي الْكِتَابَة.