فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده

( بابُُ العَبْدِ إذَا أحْسنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل العَبْد أَو فِي بَيَان ثَوَابه إِذا أحسن عبَادَة ربه، بِأَن أَقَامَهَا بشروطها.
قَوْله: ( ونصح) ، من النَّصِيحَة، وَهِي كلمة جَامِعَة مَعْنَاهَا: حِيَازَة الْحَظ للمنصوح لَهُ، وَهُوَ إِرَادَة صَلَاح حَاله وتخليصه من الْخلَل وتصفيته من الْغِشّ.



[ قــ :2435 ... غــ :2546 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العَبْدُ إذَا نصَحَ سَيِّدَهُ وأحْسَنَ عِبادَةَ رَبِّهِ كانَ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.

( الحَدِيث 6452 طرفه فِي: 0552) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي وَهُوَ عبد الله بن مسلمة شيخ البُخَارِيّ.
وَفِيه: حض الْمَمْلُوك على نصح سَيّده، لِأَنَّهُ راعٍ فِي مَاله، وَهُوَ مسؤول عَمَّا استرعى.
قَوْله: ( كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ) ، مرّة لنصح سَيّده وَمرَّة لإحسان عبَادَة ربه.





[ قــ :436 ... غــ :547 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ قَالَ أخبرنَا سفْيانُ عنْ صالِحٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي موساى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قالَ قالَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّمَا رَجلٍ كانَتْ لَهُ جارِيَةٌ فَأدَّبَهَا فأحْسَنَ تَأدِيبَهَا وأعْتَقَهَا وتَزَوَّجَهَا فلَهُ أجْرَانِ وأيُّما عَبْدٍ أدَّى حَقَّ الله وحقَّ مَوالِيهِ فلَهُ أجْرَانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَأَيّمَا عبد) إِلَى آخِره لِأَن أَدَاء حق الله هُوَ معنى: أحسن عبَادَة ربه، وَأَدَاء حق موَالِيه هُوَ معنى نصح سَيّده.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَصَالح هُوَ ابْن صَالح أَبُو حَيّ الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَأَبُو بردة اسْمه الْحَارِث أَو عَامر، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
وَالنّصف الأول من الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْجَارِيَة قد مر عَن قريب فِي: بابُُ فضل من أدب جَارِيَته، وَالنّصف الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فِيهِ أَمر العَبْد قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ تَعْلِيم الرجل أمته وَأَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح بن حَيَّان عَن الشّعبِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَصَالح بن حَيَّان هَذَا هُوَ صَالح بن صَالح أَبُو حَيّ الْمَذْكُور، غير أَن البُخَارِيّ ذكره هُنَاكَ بنسبته إِلَى جده، فَإِنَّهُ صَالح بن صَالح بن مُسلم بن حَيَّان، وَلَيْسَ بِصَالح بن حَيَّان الْقرشِي الْكُوفِي الَّذِي يروي عَن أبي وَائِل، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.





[ قــ :437 ... غــ :548 ]
- حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يونسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ يَقولُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للعبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أجْرَانِ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله والحَجُّ وبِرُّ أُمِّي لأحْبَبْتُ أنْ أموتَ وأنَا مَمْلُوكٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَوَقع فِي كتاب ابْن بطال عزو حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ غلط، فَإِنَّهُ أسقط حَدِيث أبي مُوسَى وَركبهُ على حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد السجسْتانِي الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة بن يحيى وَفِي الْأَيْمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب.

قَوْله: ( للْعَبد الْمَمْلُوك) إِنَّمَا وصف العَبْد بالمملوك، لِأَن العَبْد أَعم من أَن يكون مَمْلُوكا وَغير مَمْلُوك، فَإِن النَّاس كلهم عبيد الله.
قَوْله: ( الصَّالح) ، أَي: فِي عبَادَة الرب ونصح السَّيِّد.
قَوْله: ( أَجْرَانِ) ، قَالَ ابْن بطال: لما كَانَ للْعَبد فِي عبَادَة ربه أجر، كَذَلِك لَهُ فِي نصح السَّيِّد أجر، وَلَا يُقَال: الأجران متساويان، لِأَن طَاعَة الله تَعَالَى أوجب من طَاعَته.
قَوْله: ( وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، قَالَ ابْن بطال: لفظ: ( وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ.
.
)
إِلَى آخِره هُوَ من قَول أبي هُرَيْرَة، وَكَذَا قَالَه الدَّاودِيّ وَغَيره، وَقَالُوا: يدل على أَنه مدرج يَعْنِي: الحَدِيث لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ( وبرُّ أُمِّي) ، وَلم يكن للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ أم يبرها، وجنح الْكرْمَانِي إِلَى أَنه من كَلَام الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: مَاتَ أم الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ طِفْل، فَمَا معمى بره أمه؟ قلت: لتعليم الْأمة، أَو على سَبِيل فرض الْحَيَاة، أَو المُرَاد بِهِ أمه الَّتِي أَرْضَعَتْه، وَهِي حليمة السعدية.
انْتهى.
قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على مَا اطلع عَلَيْهِ من يَدعِي الإدراج لما تكلّف هَذَا التَّأْوِيل المتعسف، وَقد صرح بالإدراج الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن الْمُبَارك بِلَفْظ: وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ ... إِلَى آخِره، وَكَذَلِكَ أخرجه الْحُسَيْن بن الْحسن الْمروزِي فِي كتاب ( الْبر والصلة) عَن ابْن الْمُبَارك، وَصرح مُسلم أَيْضا بذلك، فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر وحرملة بن يحيى، قَالَا: أخبرنَا ابْن وهب، قَالَ: أخبرنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب، سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( للْعَبد الْمَمْلُوك الصَّالح أَجْرَانِ، وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، وَالْحج وبر أُمِّي لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك) .
قَالَ: وبلغنا أَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن يحجّ حَتَّى مَاتَت أمه لصحبتها، قَالَ أَبُو الطَّاهِر: فِي حَدِيثه ( للْعَبد المصلح) وَلم يذكر الْمَمْلُوك.
انْتهى.
وَاسم أم أبي هُرَيْرَة: أُمَيْمَة، بِالتَّصْغِيرِ، وَقيل: مَيْمُونَة، وَهِي صحابية ثَبت ذكر إسْلَامهَا فِي ( صَحِيح مُسلم) وَبَين أَبُو مُوسَى اسْمهَا فِي ذيل ( الْمعرفَة) ، وإنمااستثنى أَبُو هُرَيْرَة هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لِأَن الْجِهَاد وَالْحج يشْتَرط فيهمَا إِذن السَّيِّد، وَكَذَلِكَ بر الْأُم، قد يحْتَاج إِلَى إِذن السَّيِّد فِي بعض وجوهه، بِخِلَاف بَقِيَّة الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة، وَلم يتَعَرَّض للعبادات الْمَالِيَّة إِمَّا لكَونه كَانَ إِذْ ذَاك لم يكن لَهُ مَال يزِيد على قدر حَاجته فيمكنه صرفه فِي القربات بِدُونِ إِذن السَّيِّد، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ يرى أَن للْعَبد أَن يتَصَرَّف فِي مَاله بِغَيْر إِذْنه.
فَإِن قيل: فِي قَوْله: أَجْرَانِ، يلْزم كَون أجر المماليك ضعف أجر السادات؟ قلت: أجَاب الْكرْمَانِي: بِأَن لَا مَحْذُور فِي ذَلِك، أَو يكون أجر المماليك مضاعفاً من هَذِه الْجِهَة، وَقد يكون للسادات جِهَات أُخْرَى يسْتَحق بهَا أجر العَبْد، أَو يكون المُرَاد تَرْجِيح العَبْد الْمُؤَدِّي للحقين على العَبْد الْمُؤَدِّي لأَحَدهمَا.
وَالله أعلم.
قَوْله: ( لأحببت أَن أَمُوت وَأَنا مَمْلُوك) ، الْوَاو، فِيهِ للْحَال.
قَالَ الْخطابِيّ: وَلِهَذَا الْمَعْنى امتحن الله، عز وَجل، أنبياءه، عَلَيْهِم السَّلَام، ابتلى يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، بِالرّقِّ ودانيال حِين سباه بخْتنصر، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَن خضر، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين سُئِلَ لوجه الله فَلم يكن عِنْده مَا يُعْطِيهِ، فَقَالَ لَا أملك إلاَّ نَفسِي، فبعني واستنفق ثمني، وَنَحْو ذَلِك.





[ قــ :438 ... غــ :549 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْر قَالَ حدَّثنا أَبُو أُسامَةَ عنِ الأعْمَشِ قَالَ حدَّثنا أبُو صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعِمَّا مَا لِأَحَدِكُمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ ويَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ لِأَن مَعْنَاهُ: نعمَّا للمملوك يحسن عبَادَة ربه، على مَا نبينه عَن قريب.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر فَذكره بنسبته إِلَى جده السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبابُُ بني سعد وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان.

قَوْله: ( نعمَّا مَا لأَحَدهم) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وإدغام الْمِيم فِي الْأُخْرَى، وَيجوز كسر النُّون وَفتحهَا أَيْضا مَعَ إسكان الْعين وتحريك الْمِيم، فالجملة أَربع لُغَات.
قَالَ الزّجاج: مَا، بِمَعْنى الشَّيْء، فالتقدير: نعم الشَّيْء،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَقع فِي نُسْخَة الشَّيْخ أبي الْحسن الْقَابِسِيّ: نعم مَا، بتَشْديد الْمِيم الأولى وَفتحهَا، وَلَا وَجه لَهُ، وَالصَّوَاب إدغامها فِي: مَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إنَّ الله نعمَّا يعظكم بِهِ} ( النِّسَاء: 85) .
والمخصوص بالمدح مَحْذُوف.
قَوْله: ( يحسن) مُبين لَهُ تَقْدِيره: نعمَّا لمملوك لأَحَدهم يحسن عبَادَة ربه وَينْصَح لسَيِّده.