فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه

( بابٌُ إذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: إِذا ضرب الرجل عَبده لأجل التَّأْدِيب، فليجتنب وَجهه إِكْرَاما لَهُ، قَالَ الْمُهلب: لِأَن الله خلقه بِيَدِهِ.
قلت: يَعْنِي: بقدرته الْبَالِغَة الْكَامِلَة، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِيهِ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :2447 ... غــ :2559 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثنا ابنُ وهْبٍ قَالَ حدَّثني مالكُ بنُ أنَسٍ قَالَ وأخبرَنِي ابنُ فُلانٍ عنْ سَعِيدٍ الْمقْبُريِّ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قاتَلَ أحَدُكُمْ فلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه إِذا وَجب احتناب الْوَجْه عِنْد الْقِتَال مَعَ الْكَافِر، فاجتناب وَجه العَبْد الْمُؤمن أوجب.

وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد بن عبيد الله أبي ثَابت الْمدنِي، مولى عُثْمَان بن عَفَّان، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب.
قَوْله: ( قَالَ وَأَخْبرنِي ابْن فلَان) ، أَي: قَالَ ابْن وهب: حَدثنِي مَالك وَابْن فلَان، كِلَاهُمَا عَن سعيد المَقْبُري، قيل: لم يُصَرح باسم ابْن وهب لضَعْفه، قَالَ الْمزي: يُقَال: هُوَ ابْن سمْعَان، يَعْنِي: عبد الله بن زِيَاد بن سُلَيْمَان بن سمْعَان الْمدنِي، وَكَذَا قَالَ أَبُو نصر الكلاباذي وَغَيره، وروى عَن أبي ذَر الْهَرَوِيّ فِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي، كَذَلِك، وَقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( غرائب مَالك) من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن خرَاش، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، عَن البُخَارِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي، فَذكر الحَدِيث، لَكِن قَالَ بدل قَوْله ابْن فلَان ابْن سمْعَان، فَكَأَنَّهُ لم يُصَرح باسمه فِي الصَّحِيح، بل كنى بِهِ لأجل ضعفه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيُقَال: إِن مَالِكًا كذبه، وَهُوَ أحد المتروكين.
قلت: كذبه أَحْمد وَغَيره أَيْضا وَمَاله فِي البُخَارِيّ شيىء إلاَّ هَذَا الْموضع.

الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْجعْفِيّ البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن همام بن مُنَبّه الْأَنْبَارِي، وَلم يسق الحَدِيث على لفظ هَذَا الطَّرِيق.
وَأخرجه مُسلم من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: فليتق، بدل: فليتجنب، وَله من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِذا ضرب، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عجلَان، وَلأبي دَاوُد من طَرِيق أبي سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا يُفِيد على أَن لفظ: قَاتل، بِمَعْنى: قتل، وَأَن المفاعلة لَيست على ظَاهرهَا.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل بابُُ المفاعلة على حَالهَا ليتناول مَا يَقع عِنْد أهل الْعدْل مَعَ الْبُغَاة، وَعند دفع الصَّائِل، فيجتنبون عِنْد ذَلِك عَن الضَّرْب على الْوَجْه، فَإِذا وَجب الاجتناب فِي مثل هَذَا الْموضع، فَفِي بابُُ التَّعْزِير والتأديب وَالْحُدُود بطرِيق الأولى فِي الْوُجُوب، وَقد روى أَبُو دَاوُد وَغَيره فِي حَدِيث أبي بكرَة فِي قصَّة الَّتِي زنت فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، برجمها،.

     وَقَالَ : إرموا وَاتَّقوا الْوَجْه، فَإِذا كَانَ ذَلِك فِي حق من تعين إهلاكه، فَمن دونه أولى.

وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء، إِنَّمَا نهى عَن ضرب الْوَجْه لِأَنَّهُ لطيف يجمع المحاسن، وَأكْثر مَا يَقع الْإِدْرَاك بأعضائه فيخشى من ضربه أَن يبطل أَو يتشوه كلهَا أَو بَعْضهَا، والشين فِيهِ فَاحش لبروزه وظهوره، بل لَا يسلم إِذا ضرب غَالِبا من شين.
انْتهى.
وَهَذَا تَعْلِيل حسن، وَلَكِن روى مُسلم، وَفِي رِوَايَته تَعْلِيل آخر، فَإِنَّهُ روى الحَدِيث من طَرِيق أبي أَيُّوب المراعي عَن أبي هُرَيْرَة، وَزَاد: فَإِن الله خلق آدم على صورته.
وَاخْتلف فِي مرجع هَذَا الضَّمِير، فَعِنْدَ الْأَكْثَرين: يرجع إِلَى الْمَضْرُوب، وَهَذَا حسن،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: أعَاد بَعضهم الضَّمِير على الله، متمسكاً بِمَا ورد من ذَلِك فِي بعض طرقه أَن الله تَعَالَى خلق آدم على صُورَة الرَّحْمَن، وَأنكر الْمَازرِيّ وَغَيره صِحَة هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: وعَلى تَقْدِير صِحَّتهَا يحمل على مَا يَلِيق بالباري سُبْحَانَهُ، عز وَجل.
قيل: كَيفَ يُنكر هَذِه الزِّيَادَة وَقد أخرجهَا ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة، وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات، وأخرجها أَيْضا ابْن أبي عَاصِم من طَرِيق أبي يُوسُف عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ يرد التَّأْوِيل الأول؟ قَالَ: من قَاتل فليجتنب الْوَجْه فَإِن صُورَة وَجه الْإِنْسَان على صُورَة وَجه الرَّحْمَن، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك تعين إجراؤه على مَا تقرر بَين أهل السّنة من إمراره، كَمَا جَاءَ من غير اعْتِقَاد تَشْبِيه أَو يؤول على مَا يَلِيق بالرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَإِن قلت: مَا حكم هَذَا النَّهْي؟ قلت: ظَاهره التَّحْرِيم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُوَيْد بن مقرن أَنه رأى رجلا لطم غُلَامه، فَقَالَ: أما علمت أَن الصُّورَة مُحرمَة؟ .

بسمِ الله الرحْمانِ الرَّحِيم