فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أفاض على رأسه ثلاثا

( بابُُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثاً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أَفَاضَ المَاء على رَأسه ثَلَاث مَرَّات.

والمناسبة بَين هَذِه الْأَبْوَاب ظَاهِرَة، لِأَن كلهَا فِي أَحْكَام الْغسْل وهيئته.



[ قــ :250 ... غــ :254 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدّثنا زُهَيْر عَنْ أبي إسْحَاقَ قَالَ حدّثني سُلَيْمانُ بنُ صُرْدِ قَالَ حَدثنِي يَبْرِ بنُ مُطْعِمٍ قَالَ رسولُ اللَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا أنَا فَافِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثاً وأشارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِما.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَمْرو بن عبد الله، وَسليمَان بن صرد، بِضَم الصَّاد وَفتح الرَّاء بعدهمَا الدَّال المهملات من أفاضل الصَّحَابَة روى لَهُ خَمْسَة عشر حَدِيثا وَأخرج البُخَارِيّ مِنْهَا اثْنَيْنِ سكن الْكُوفَة أول مَا نزل بهَا الْمُسلمُونَ، خرج أَمِيرا فِي أَرْبَعَة آلَاف يطْلبُونَ دم الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سموا بالتوابين، وَهُوَ أَمِيرهمْ، فَقتله عَسْكَر عبيد الله بن زِيَاد بالجزيرة سنة خَمْسَة وَسِتِّينَ، وَجبير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالرَّاء ابْن مطعم، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِطْعَام، الْقرشِي النَّوْفَلِي، رُوِيَ لَهُ سِتُّونَ حَدِيثا أخرج البُخَارِيّ مِنْهَا تِسْعَة كَانَ من سَادَات قُرَيْش مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَخمسين.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن إِسْنَاده عَن أبي نعيم أَعلَى من إِسْنَاد حَدِيث الْبابُُ الأول عَن.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة الأقران.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَيحيى بن يحيى، وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي الْأَحْوَص.
وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن شُعْبَة.
ثَلَاثَتهمْ عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن النَّوْفَلِي عَن زُهَيْر بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَعَن عبيد الله بن سعيد عَن يحيى بن سعيد وَعَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: ( أما أَنا فأفيض) بِضَم الْهمزَة من الْإِفَاضَة، وَهِي الإسالة.
قَالَ الْكرْمَانِي: أما للتفصيل فَإِنِّي قسيمه؟ قتل: اقْتِضَاء القسيم غير وَاجِب، وَلَئِن سلمنَا فَهُوَ مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق روى مُسلم فِي صَحِيحه ( أَن الصَّحَابَة تماروا فِي صفة الْغسْل عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أما أَنا فأفيض) أَي: وَأما غَيْرِي فَلَا يفِيض، أَو فَلَا أعلم حَاله كَيفَ يعلم، وَنَحْوه.
انْتهى قلت: التَّحْقِيق وَفِي هَذَا الْموضع أَن كلمة أما بِالْفَتْح والتشدي حرف شَرط وتفصيل وتوكيد، وَالدَّلِيل على الشَّرْط لُزُوم الْفَاء بعْدهَا، نَحْو { فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق} ( سُورَة الْبَقَرَة: 26) وَالتَّفْصِيل نَحْو قَوْله تَعَالَى: { وأمَّا السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين وَأما الْغُلَام وَأما الْجِدَار} ( سُورَة الْكَهْف: 79، 80) وَأما التوكيد فقد ذكره الزَّمَخْشَرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَائِدَة أمَّا فِي الْكَلَام أَن تعطيه فضل توكيد تَقول: زيد ذَاهِب قصدت ذَلِك، وَإنَّهُ لَا محَالة ذَاهِب وَإنَّهُ بصدد الذّهاب وَإنَّهُ مِنْهُ فَإِذا عَزِيمَة قلت: أمَّا زيد فذاهب وَهنا أَيْضا للتَّأْكِيد فَلَا حَاجَة إِلَى القسيم، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال: إِنَّه مَحْذُوف وأمَّا الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فَهُوَ من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن إِسْحَاق ( تماروا فِي الْغسْل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ بعض الْقَوْم: أمَّا أَنا فأغسل رَأْسِي بِكَذَا وَكَذَا) فَذكر الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا هُوَ القسيم الْمَحْذُوف.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا لِأَن الْوَاجِب أَن يُعْطي حق كل كَلَام بِمَا يَقْتَضِيهِ، الْحَال فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير شَيْء من حَدِيث رُوِيَ من طَرِيق، لأجل حَدِيث آخر فِي بابُُه من طَرِيق آخر.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث أكف، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَالْمعْنَى: ثَلَاث حفنات كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بملء الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا، وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا مَا رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده: ( فآخذ ملْء كفي ثَلَاثًا فأصب على رَأْسِي) وَمَا رَوَاهُ أَيْضا عَن أبي هرير: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب بِيَدِهِ على رَأسه ثَلَاثًا) وَفِي ( مُعْجم) الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( إِن وَفد ثَقِيف سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن أَرْضنَا بَارِدَة فَكيف نَفْعل فِي الْغسْل؟ فَقَالَ: فأفرغ على رَأْسِي ثَلَاثًا) وَفِي ( أَوسط) الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا: ( تفرغ بيمينك على شمالك، ثمَّ تدخل يدك فِي الْإِنَاء فتغسل فرجك وَمَا أَصَابَك ثمَّ تَوَضَّأ للصَّلَاة ثمَّ تفرغ على رَأسك ثَلَاث مَرَّات، تدلك رَأسك كل مرّة) .

     وَقَالَ  الدودي: الحفنة بِالْيَدِ الْوَاحِد.
.

     وَقَالَ  غَيره: باليدين جَمِيعًا والْحَدِيث الْمَذْكُور يدل عَلَيْهِ، والحثية بِالْيَدِ الْوَاحِدَة، وَبِمَا ذكرنَا سقط قَول بَعضهم: إِن لَفظه ثَلَاثًا، مُحْتَملَة للتكرار، ومحتملة لِأَن يكون للتوزيع على جَمِيع الْبدن، قَوْله: ( وَأَشَارَ بيدَيْهِ) من كَلَام جُبَير بن مطعم، أَي: أَشَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيدَيْهِ الثِّنْتَيْنِ، كَمَا قُلْنَا: إِن كل حفْنَة ملْء الْكَفَّيْنِ.
قَوْله: ( كلتيهما) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني كِلَاهُمَا.
وَحكى ابْن التِّين فِي بعض الرِّوَايَات ( كلتاهما) .
قلت: كَون كلا وكلتا عِنْد إِضَافَته إِلَى الضَّمِير فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة بِالْألف لُغَة من يراهما تَثْنِيَة وَإِن التَّثْنِيَة لَا تَتَغَيَّر كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
( إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غابتاها)

وَأما وَجه رِوَايَة الْكشميهني كِلَاهُمَا بِدُونِ التَّاء فبالنظر إِلَى اللَّفْظ دون الْمَعْنى.

ويستنبط مِنْهُ أَن الْمسنون فِي الْغسْل أَن يكون ثَلَاث مَرَّات، وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْعلمَاء.
وَأما الْفَرْض مِنْهُ فَغسل سَائِر الْبدن بِالْإِجْمَاع، وَفِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق خلاف مَشْهُور.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة إستحبابُ صب المَاء على الرَّأْس ثَلَاثًا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَألْحق بِهِ أَصْحَابنَا سَائِر الْجَسَد قِيَاسا على الرَّأْس، وعَلى أَعْضَاء الْوضُوء، وَهُوَ أولى بِالثلَاثِ من الْوضُوء فَإِن الْوضُوء مَبْنِيّ على التَّخْفِيف مَعَ تكراره، فَإِذا اسْتحبَّ فِيهِ الثَّلَاث فالغسل أولى.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا إلاَّ مَا تفرد بِهِ الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ: لَا يسْتَحبّ التّكْرَار فِي الْغسْل وَهُوَ شَاذ مَتْرُوك، ورد عَلَيْهِ بِأَن الشَّيْخ أباعلي السنجي قَالَه أَيْضا ذكره فِي ( شرح الْفُرُوع) فَلم ينْفَرد بِهِ، وَنقل ابْن التِّين عَن الْعلمَاء أَنه يحْتَمل أَن يكون هَذَا على مَا شرع فِي الطَّهَارَة من التّكْرَار وَأَن يكون التَّمام الطَّهَارَة، لِأَن الغسلة الْوَاحِدَة لَا تجزىء فِي اسْتِيعَاب غسل الرَّأْس.
قَالَ: وَقيل: ذَلِك مُسْتَحبّ، وَمَا أسغ أَجْزَأَ، وَكَذَا قَالَ ابْن بطال: الْعدَد فِي ذَلِك مُسْتَحبّ عِنْد الْعلمَاء، وَمَا هم وأسبغ أَجْزَأَ.



[ قــ :51 ... غــ :55 ]
- حدّثنا مُحَمَّدْ بنُ بَشِّارٍ قَالَ حدّثنا غُنْدَرُ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ مِحْوِلِ بِنِ رَاشِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلَيّ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ كانِ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفْرِغُ عَلى رَأْسِهِ ثَلاثاً.

مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا تخفى.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة والملقب ببندار.
الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّار الْمُهْملَة على الْأَصَح، واسْمه: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وَكَانَ إِمَامًا وَكَانَ شُعْبَة زوج أمه.
الثَّالِث: من الْحجَّاج.
الرَّابِع: مخول، بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التخويل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ويروي بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ عَن أبي ذَر، وَرِوَايَة الأكيرين، بِكَسْر الْمِيم، وَرِوَايَة ابْن عَسَاكِر بِضَم الْمِيم، ابْن رَاشد، بالشين الْمُعْجَمَة: النَّهْدِيّ، بالنُّون: الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو جَعْفَر المقلب بالباقر، تقدم ذكره.
السَّادِس: جَابر بن عبدا لله.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: حَدثنَا بِصِيغَة الْجمع.
وَفِيه: التحديث أَيْضا بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُحَمَّد بن بشار غَيره، وَلَيْسَ المخول بن رَاشد فِي البُخَارِيّ غَيره، وَهُوَ عَزِيز، انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة.
قَوْله: ( يفرغ) بِضَم الْيَاء من إلاّ فرَاغ.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث غرفات، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ: أَظُنهُ من غسل الْجَنَابَة.




[ قــ :5 ... غــ :56 ]
- ( حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا معمر بن يحيى بن سَام قَالَ حَدثنِي أَبُو جَعْفَر قَالَ قَالَ لي جَابر وأتاني ابْن عمك يعرض بالْحسنِ بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ كَيفَ الْغسْل من الْجَنَابَة فَقلت كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْخُذ ثَلَاثَة أكف ويفيضها على رَأسه ثمَّ يفِيض على سَائِر جسده فَقَالَ لي الْحسن إِنِّي رجل كثير الشّعْر فَقلت كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكثر مِنْك شعرًا) ظُهُور مُطَابقَة هَذَا أَيْضا للتَّرْجَمَة وَاضح.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي معمر بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة فِي أَكثر الرِّوَايَات وَبِه جزم الْحَافِظ الْمزي وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بِضَم الْمِيم الأولى وَتَشْديد الْمِيم الثَّانِيَة على وزن مُحَمَّد وَبِه جزم الْحَاكِم وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَقد ينْسب إِلَى جده سَام فَيُقَال معمر ابْن سَام وَهُوَ بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم الثَّالِث أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ الباقر.
الرَّابِع جَابر بن عبد الله الصَّحَابِيّ.
الْخَامِس الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل من اثْنَيْنِ فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.
( ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه) قَوْله " ابْن عمك " فِيهِ مُسَامَحَة إِذْ الْحسن هُوَ ابْن عَم أَبِيه لَا ابْن عَمه قَوْله " يعرض بالْحسنِ " جملَة وَقعت حَالا من جَابر والتعريض خلاف التَّصْرِيح من حَيْثُ اللُّغَة وَمن حَيْثُ الِاصْطِلَاح هُوَ عبارَة عَن كِنَايَة مسوقة لأجل مَوْصُوف غير مَذْكُور.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ التَّعْرِيض أَن تذكر شَيْئا تدل بِهِ على شَيْء لم تذكره وَهَهُنَا سُؤال الْحسن بن مُحَمَّد عَن جَابر بن عبد الله عَن كَيْفيَّة الْغسْل من الْجَنَابَة وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبابُُ السُّؤَال عَن الْغسْل وَقع عَن جمَاعَة بِغَيْر لَفْظَة كَيفَ وَوَقع جَوَابه هُنَاكَ بقوله " يَكْفِيك صَاع " وَهَهُنَا جَوَابه بقوله " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْخُذ ثَلَاثَة أكف " الخ وَالسُّؤَال فِي موضِعين عَن الْكَيْفِيَّة غير أَنه لم يذكر لفظ كَيفَ هُنَاكَ اختصارا وَالْجَوَاب فِي الْمَوْضِعَيْنِ بالكمية لِأَن هُنَاكَ قَالَ " يَكْفِيك صَاع " وَهَهُنَا قَالَ " ثَلَاثَة أكف " وكل مِنْهُمَا كم وَقَول بَعضهم السُّؤَال فِي الأول عَن الكمية أشعر بذلك قَوْله فِي الْجَواب يَكْفِيك صَاع لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ اغْترَّ بِظَاهِر قَوْله هَهُنَا كَيفَ الْغسْل وَقد ذكرنَا أَن لفظ كَيفَ هُنَاكَ مطوية لِأَن السُّؤَال فِي موضِعين عَن حَالَة الْغسْل وَصفته بِلَفْظ كَيفَ لِأَنَّهَا تدل على الْحَالة ( فَإِن قلت) كَيفَ تَقول السُّؤَال فِي موضِعين عَن حَالَة الْغسْل وَالْجَوَاب بالكمية ( قلت) الْحَالة هِيَ الْكَيْفِيَّة وللغسل حَقِيقَة وَحَالَة فحقيقته إسالة المَاء على سَائِر الْبدن وحالته اسْتِعْمَال مَاء نَحْو صَاع أَو ثَلَاث أكف مِنْهُ وَلم يكن السُّؤَال عَن حَقِيقَة الْغسْل وَإِنَّمَا كَانَ عَن حَاله فَوَقع الْجَواب بالكم فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن كَيفَ وَكم من الْعَوَارِض المنحصرة فِي المقولات التسع فطابق الْجَواب السُّؤَال وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا بعث لبَيَان الْحَقَائِق وَإِنَّمَا بعث لبَيَان الْأَحْكَام وَالْأَحْكَام من عوارض الْحَقَائِق قَوْله " ثَلَاثَة أكف " هِيَ رِوَايَة كَرِيمَة بِالتَّاءِ وَفِي رِوَايَة غَيرهَا " ثَلَاث أكف " بِغَيْر التَّاء قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت الْكَفّ مُؤَنّثَة فَلم دخل التَّاء فِي الثَّلَاثَة ( قلت) المُرَاد من الْكَفّ قدر الْكَفّ وَمَا فِيهَا فباعتباره دخلت أَو بِاعْتِبَار الْعُضْو ( قلت) فِي الْجَواب الأول نظر وَالثَّانِي لَا بَأْس بِهِ وَالْأَحْسَن أَن يَقُول الْكَفّ يذكر وَيُؤَنث فَيجوز دُخُول التَّاء وَتَركه على الاعتبارين وَالْمرَاد أَنه يَأْخُذ فِي كل مرّة كفين لِأَن الْكَفّ اسْم جنس فَيجوز حمله على الِاثْنَيْنِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة اسحق ابْن رَاهَوَيْه من طَرِيق حسن بن صَالح عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ فِي آخر الحَدِيث ( وَبسط يَدَيْهِ) وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث جُبَير بن مطعم الَّذِي فِي أول الْبابُُ قَوْله " فيفيضها على رَأسه " وَفِي بعض النّسخ بِدُونِ على قَوْله " ثمَّ يفِيض " أَي المَاء ( فَإِن قلت) لم لَا يكون مَفْعُوله الْمَحْذُوف ثَلَاثَة أكف بِقَرِينَة عطفه عَلَيْهِ ( قلت) لِأَن الثَّلَاثَة الأكف لَا يَكْفِي لسَائِر جسده عَادَة قَوْله " كثير الشّعْر " أَي لَا يَكْفِي هَذَا الْقدر من المَاء فَقَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكثر شعرًا مِنْك وَقد كَفاهُ.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز الِاكْتِفَاء بِثَلَاث غرف على الرَّأْس وَإِن كَانَ كثير الشّعْر وَفِيه تَقْدِيم ذَلِك على إفَاضَة المَاء على جسده وَفِيه الْحَث على السُّؤَال عَن أَمر الدّين من الْعلمَاء وَفِيه وجوب الْجَواب عِنْد الْعلم بِهِ وَفِيه دلَالَة على مُلَازمَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على ثَلَاثَة أكف فِي الْغسْل لِأَن لَفْظَة كَانَ تدل على الِاسْتِمْرَار