فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل

( بابُُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ)

أَي: هَذَا الْبابُُ فِي بَيَان من أفرغ المَاء بيمنه على شِمَاله، وَهَذَا الْبابُُ مقدم على الْبابُُ الَّذِي قبله عِنْد ابْن عَسَاكِر والأصيلي، وعَلى كل تَقْدِير الْمُنَاسبَة بَينهمَا ظَاهر من حَيْثُ إِن كلاًّ مِنْهُمَا يتَعَلَّق بِالْوضُوءِ، وإفراغ المَاء بيمنه على شِمَاله فِي الِاسْتِنْجَاء فِي الْغسْل، وَهَذَا وَجه وَاحِد، وَلَا يجوز غَيره وَأما فِي غسل الْأَطْرَاف فَإِن كَانَ الْإِنَاء الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ إِنَّا وَاسِعًا يَضَعهُ عَن يَمِينه وَيَأْخُذ مِنْهُ المَاء بيمنه، وَإِن كَانَ ضيقا كالقماقم يَضَعهُ عَن يسَاره وَيصب المَاء مِنْهُ على يَمِينه، قَالَه الْخطابِيّ.



[ قــ :262 ... غــ :266 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعَيلَ قالَ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ قالَ حدّثنا الأعْمَشُ عَنْ سَالِمَ بنِ أبي الجعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلِى ابنِ عَبَّاسٍ ابنِ عَبَّاسِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحارِثِ قالَتْ وَضَعْتُ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُسْلاً وَسَتَرْتَهُ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قالَ سُلَيْمَانُ لَا أدْرِي أذْكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لَا ثُمَّ أفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأرْضِ أوْ بِالحَائِطِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ فَنَاوَلْتَهُ خِرْقَةً فَقالَ بِيَدِهِ هَكَذًّ وَلَمْ يُرْدْها..
مطابقته لترجمة الْبابُُ ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث تقدم من رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور أَيْضا فِي بابُُ الْغسْل مرّة لَكِن شَيْخه هُنَاكَ عبد الْوَاحِد بن زِيَادَة، وَهَاهُنَا أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، واسْمه الوضَّاح البشكري، وَفِي ألفاظهما اخْتِلَاف.
وَهَاهُنَا قَوْلهَا: وضعت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُنَاكَ: وضعت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَاهُنَا غسلا، وَهُنَاكَ مَاء غسل، وَهَاهُنَا بعد ذَلِك وسترته فصب على يَدَيْهِ فغسلهما مرّة أَو مرَّتَيْنِ، وَهُنَاكَ فَغسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَهَاهُنَا، وَبعده قَالَ سُلَيْمَان لَا أَدْرِي أذكر الثَّالِثَة أم لَا ثمَّ أفرغ بيمنيه على شِمَاله فَغسل فرجه، وَهُنَاكَ فَغسل مذاكيره ثمَّ مسح يَده بِالْأَرْضِ أَو بِالْحَائِطِ.
وَهَاهُنَا: ثمَّ دلك يَده بِالْأَرْضِ أَو بِالْحَائِطِ وَهَاهُنَا هم تمضمض وَهُنَاكَ ثمَّ مضمض وَهَاهُنَا ثمَّ صب على جسده وَهُنَاكَ ثمَّ أَفَاضَ جسده ثمَّ تحول من مَكَانَهُ فَغسل قَدَمَيْهِ وَهَاهُنَا: ثمَّ تنحى إِلَى آخر مَا ذكر.
قَوْلهَا: ( غسلا) بِضَم الْغَيْن، وَهُوَ مَا يغْتَسل بِهِ، وبالفتح مصدرا، وبالكسر اسْم مَا يغسل بِهِ كالسدر وَنَحْوه.
قَوْلهَا: ( وسترته) زَاد ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش: يثوب، أَي: غطيت رَأسه.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْوَاو فِيهِ حَالية.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك: بل هُوَ مَعْطُوف على قَوْله: وضعت قَوْلهَا ( فصب) مَعْطُوف على مَحْذُوف أَي: فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغسْل فكشف رَأسه فَأَخذه فصب على يَده، وَالْمرَاد من الْيَد الْجِنْس فصح، إِرَادَة كلتيهما مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَا حَاصله: أَن فصب، عطف علفى وضعت، وَالْمعْنَى: وضعت لَهُ مَاء فشرع فِي الْغسْل.
قَوْله: ( هَذَا تصرف من لَيْسَ لَهُ ذوق من مَعَاني التراكيب، وَكَيف يكون الصب معقباً بِالْوَضْعِ وَبَينهمَا إغسال آخر؟ وَلَا يجوز تَفْسِير: صب بِمَعْنى: شرع قَوْلهَا: ( قَالَ سُلَيْمَان) ) هُوَ ابْن مهْرَان الْأَعْمَش وَهَذَا مقول أبي عوَانَة، وفاعل قَوْله: ( اذكر الثَّالِثَة) هُوَ سَالم بن أبي الْجَعْد، وَقد مر فِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش، فَغسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَلابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش: فصب على يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَلم يشك، أخرجه أَبُو عوَانَة فِي ( مستخرجه) فَكَأَن الْأَعْمَش كَانَ يشك فِيهِ تذكر فَجزم، لِأَن سَماع ابْن فُضَيْل مِنْهُ مُتَأَخّر عَنهُ.
قَوْلهَا: ( فَغسل قَدَمَيْهِ) بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بِالْوَاو، وَقَوْلها: ( فَقَالَ بِيَدِهِ) أَي: أَشَارَ بِيَدِهِ هَكَذَا أَي: لَا أتناولها.
وَقد ذكرنَا أَن القَوْل يُطلق على الْفِعْل قَوْلهَا: ( وَلم يردهَا) بِضَم الْيَاء، من الْإِرَادَة لَا من الرَّد، وَحكي فِي ( الْمطَالع) أَن لم يردهَا بِالتَّشْدِيدِ رِوَايَة ابْن السكن، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ وهم لِأَن الْمَعْنى يفْسد حِينَئِذٍ، وَقد رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن عَفَّان عَن أبي عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: فَقَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن لَا أريدها وَفِي روياة أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش: فناولته ثوبا فَلم يَأْخُذهُ.

وَالْأَحْكَام المستنبطة مِنْهُ قد ذَكرنَاهَا.