فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب

( بابُُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من تطيب قبل الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة وَبَقِي أثر التَّطَيُّب فِي جسده، وَكَانُوا يتطيبون عِنْد الْجِمَاع لأجل النشاط.

     وَقَالَ  ابْن بطال: السّنة اتِّخَاذ الطّيب للرِّجَال وَالنِّسَاء عِنْد الْجِمَاع.

والمناسبة بَين الْحَدِيثين من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ السَّابِق يحصل الطّيب فِي الخاطر عِنْد غسل الْمَذْي، وَهَاهُنَا يحصل الطّيب فِي الْبدن والنشاط فِي الخاطر عَم التَّطَيُّب عِنْد الْجِمَاع.



[ قــ :266 ... غــ :270 ]
- حدّثنا أبُو النعْمانِ قالَ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ الثَّالِث: بْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدَ بنِ المُنْتَشِرَ عَنْ أبِيهِ قالَ سَأَلْتُ عائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابنِ عُمَرَ مَا أحِبُّ إِنْ أَصْبِحَ مُحْرِماً أَنْضَحُ طَيباً فقالَتْ عائِشَةَ أَنَّا طَيَّبْتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ طَافَ فِي نِسائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِماً.
( انْظُر الحَدِيث 267) .

فَإِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة؟ قلت: هُنَا ترجمتان الأولى: الِاغْتِسَال، والمطابقة فِيهِ من قَوْله: ( ثمَّ طَاف فِي نِسَائِهِ) وَهُوَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع وَمن لوازمه الِاغْتِسَال لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ لَا بُد مِنْهُ.
التَّرْجَمَة الثَّانِيَة: بَقَاء أثر الطّيب، والمطابقة فِيهِ من قَول عَائِشَة، فَإِنَّهَا ردَّتْ على ابْن عمر، فَلَا بُد من تَقْدِير: ينضخ طيبا، بعد لفظ أصبح محرما حَتَّى يتم الرَّد وَبَقِيَّة الْكَلَام مَضَت فِي بابُُ: إِذا جَامع ثمَّ عَاد وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل وَأَبُو عوَانَة الوضاح.
قَوْله: ( وَذكرت لَهَا) وَذكره هُوَ الَّذِي سَأَلَ عَن عَائِشَة.
قَوْله: ( أَن أصبح) بِضَم الْهمزَة، وَهُوَ إِخْبَار عَن نَفسه ( طيبا نصب على التَّمْيِيز) قَوْله: ( ثمَّ أصبح) على صِيغَة الْمَاضِي مُفردا أَي: ثمَّ أصبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محرما.

وَفِيه: أَن التَّطَيُّب قبل الْإِحْرَام سنة وَفِيه: جَوَاز رد بعض الصَّحَابَة على بعض.
وَفِيه: خدمَة الأزاج.





[ قــ :67 ... غــ :71 ]
- حدّثنا آدَمُ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ قالَ حدّثنا الحَكَمُ عَنْ إبْراهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ كأنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيص الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُحْرمُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة.
وَهُوَ قَوْله: ( وَبَقِي أثر الطّيب) .

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: آدم بن أبي إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة، الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر العتبة.
الرَّابِع: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
الْخَامِس: الْأسود، خَال إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، كلهم تقدمُوا.
السَّادِس: عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين خراساني وواسطي وكوفي.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين كلهم كوفيون، وهم الحكم وَإِبْرَاهِيم وَالْأسود.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَاهُنَا عَن آدم، وَأخرجه فِي اللبَاس عَن أبي الْوَلِيد، وَعبد الله بن رَجَاء وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن ابْن مثنى وَابْن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْفضل، خمستهم عَن شُعْبَة.

ذكر لغاته قَوْله: ( وبيص الطّيب) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة بعْدهَا صَاد مُهْملَة، وَهُوَ البريق واللمعان.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: وبيص الطّيب تلألؤه، وَذَلِكَ لعين قَائِمَة لَا للريح فَقَط.

     وَقَالَ  ابْن التِّين، وَهُوَ مصدر: وبص يبص.
قَوْله: ( فِي مفرق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء، وَهُوَ: مَكَان فرق الشّعْر من الجبين إِلَى دَائِرَة وسط الرَّأْس، وَجَاء فِيهِ، فتح الرَّاء.

وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ أَن بَقَاء أثر الطّيب على بدن الْمحرم إِذا كَانَ قد تطيب بِهِ قبل الْإِحْرَام غَيره مُؤثر فِي إِحْرَامه، وَلَا يُوجب عَلَيْهِ كَفَّارَة، قَالَه الْخطابِيّ:.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَنعه مَالك قَائِلا: إِن التَّطَيُّب كَانَ لمباشرة النِّسَاء، ومؤوِّلاً قَوْله: بِأَنَّهُ يتضخ طيبا بِأَنَّهُ قبل غسله، وَقَوْلها: كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيصه وَهُوَ محرم، بِأَن المُرَاد مِنْهُ أثر لَا جرمه.
قَالَ وَهَذَا غير مَقْبُول مِنْهُ قَالَ: ( كَيفَ أطيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحرمه وحله) وَهُوَ ظَاهر أَن التَّطَيُّب للْإِحْرَام لَا للنِّسَاء، وَكَذَلِكَ تَأْوِيله، لِأَنَّهُ مُخَالفَة للظَّاهِر بِغَيْر ضَرُورَة قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف مثل مَا قَالَه الْخطابِيّ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّد بِمَا يبْقى عينه بعد إِحْرَامه.