فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التستر في الغسل عند الناس

( بابُُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التستر إِلَى آخِره، ويروى، من النَّاس.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِنَّه لما بَين حكم التعري فِي الْخلْوَة شرع هَاهُنَا يبين التستر عِنْد النَّاس.



[ قــ :276 ... غــ :280 ]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بِنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ عَنْ أبي النَّصْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدَ اللَّهِ أنّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أَمَّ هانِىءِ بِنْتِ أبي طالِبٍ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَمُ هَانِىءِ بِنْتَ أبي طالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْح فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلْ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِىءِ.


[/ ح.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مسلمة، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، تقدم فِي بابُُ من الدّين الْفِرَار من الْفِتَن.
الثَّانِي: مَالك بن أنس الإِمَام، تقدم هُنَاكَ أَيْضا.
الثَّالِث: أَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم بن أبي أُميَّة، مولى عمر، بِدُونِ الْوَاو، ابْن عبيد الله، بِالتَّصْغِيرِ، التَّابِعِيّ تقدم فِي بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
الرَّابِع: أَبُو مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، تقدم فِي بابُُ من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس فَإِن قلت: ذكر فِيهِ أَنه مولى عقيل بن أبي طَالب ( قلت) هُوَ مولى أم هَانِيء وَلَكِن لشدَّة ملازمته وَكَثْرَة مصاحبته لعقيل نسب إِلَيْهِ وَقيل كَانَ مولى لَهما.
الْخَامِس: أم هانىء، بالنُّون وبهمزة فِي آخِره، وكنيت باسم ابْنهَا، وَاسْمهَا: فَاخِتَة، وَقيل: عَاتِكَة بِالْعينِ الْمُهْملَة، وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل فَاطِمَة، وَقيل: هِنْد، وَهِي أُخْت عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَرُوِيَ لَهَا سِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والعنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: السماع وَالْقَوْل.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية، وَأَن رُوَاته مدنيون.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَدَب أَيْضا عَن عبد الله بن مسلمة، وَأخرجه فِي الصَّلَاة عَن إِسْمَاعِيل بن أويس، وَأخرجه فِي الْجِزْيَة عَن عبد الله بن يُوسُف، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة، وَفِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح عَن لَيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب، وَعَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير عَن سعيد بن أبي هِنْد عَن أبي مرّة عَن أم هانىء بِهِ مُخْتَصرا وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن حجاج ابْن الشَّاعِر عَن مُعلى بن أَسد عَن وهب بن خَالِد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن أبي مرّة عَن أم هانىء بِهِ مُخْتَصرا وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك بِهِ مُخْتَصرا،.

     وَقَالَ : صَحِيح وَفِي السّير عَن أبي الْوَلِيد الدِّمَشْقِي وَهُوَ أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن بكار عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي مرّة عَن أم هانىء.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن مهْدي عَن مَالك نَحْو حَدِيث معن، وَفِي السّير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن ابْن أبي ذِئْب نَحْو حَدِيث الْوَلِيد: وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن رمح.

ذكر بَقِيَّة الْكَلَام قَوْله: ( عَام الْفَتْح) أَي: فتح مَكَّة.
وَكَانَ فِي رَمَضَان سنة ثَمَان.
قَوْله: ( يغْتَسل) جملَة فِي مَحل نصب على أَنَّهَا مفعول ثَان لوجدت.
قَوْله: ( وَفَاطِمَة تستره) .
جملَة إسمية ومحلها النصب على الْحَال، وَفَاطِمَة هِيَ بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقدم ذكرهَا فِي بابُُ غسل الْمَرْأَة أَبَاهَا الدَّم.
قَوْله: ( فَقَالَ من هَذِه) ، يدل على أَن السّتْر كَانَ كثيفاً، وَعرف أَيْضا أَنَّهَا امْرَأَة لكَون ذَلِك الْموضع لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهِ الرِّجَال.

وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ.
وجوب الاستتار فِي الْغسْل عَن أعين النَّاس، فَكَمَا لَا يجوز لأحد أَن يُبْدِي عَوْرَته لأحد من غير ضَرُورَة، فَكَذَلِك لَا يجوز لَهُ أَن ينظر إِلَى فرج أحد من غير ضَرُورَة، وَاتفقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى، كَمَا نَقله ابْن بطال، على أَن من دخل الْحمام بِغَيْر مئزر أَنه تسْقط شَهَادَته بذلك، وَهَذَا قَول مَالك وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَالشَّافِعِيّ وَاخْتلفُوا إِذا انْزعْ مِئْزَره وَدخل الْحَوْض وبدت عَوْرَته عِنْد دُخُوله.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تسْقط شَهَادَته بذلك أَيْضا،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا تسْقط شَهَادَته بذلك، وَهَذَا يعْذر بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ.
قَالَ: وَأجْمع الْعلمَاء على أَن للرجل أَن يرى عَورَة أَهله وَترى عَوْرَته.
وَفِيه: مَا قَالَ الثَّوْريّ: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز اغتسال الْإِنْسَان بِحَضْرَة امْرَأَة من مَحَارمه إِذا كَانَ يحول بَينهَا وَبَينه سَاتِر من ثوب أَو غَيره.





[ قــ :77 ... غــ :81 ]
-
حدّثنا عَبْدَانُ قالَ أخْبَرنا عَبْدُ اللَّهِ أخبرنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بنِ أبي الجَعْدُ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قالتُ سَتَرْتُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلى الحَائِطِ أوْ الأَرْضِ ثُمَّ تَوَضَأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رَجْلَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلى جَسَدِهِ المَاءَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( سترت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَقد قُلْنَا إِن البُخَارِيّ ذكر حَدِيث مَيْمُونَة هَذَا فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع، وَهَذَا هُوَ الثَّامِن، وَقد تقدم هَذَا فِي أول الْغسْل غير أَن بَينه وَبَين سُفْيَان الثَّوْريّ هُنَاكَ وَاحِدًا وَهُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن يُوسُف، وَهَاهُنَا بَينه وَبَين سُفْيَان الثَّوْريّ اثْنَان: إحدهما هُوَ شَيْخه عَبْدَانِ، وَالْآخر: عبد الله بن الْمُبَارك.

وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ من أَنْوَاع مَا يتَعَلَّق بِهِ مستقصى.

تابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وابنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ
أَي: تَابع سُفْيَان أَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي فِي الرِّوَايَة عَن الْأَعْمَش، وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي بابُُ من أفرغ بِيَمِينِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة الحَدِيث.
قَوْله: ( وَابْن فُضَيْل) أَي: وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن فُضَيْل بن غَزوَان فِي الرِّوَايَة عَن الْأَعْمَش، وَرِوَايَته مَوْصُولَة فِي ( صَحِيح) أبي عوَانَة الأسفرائني نَحْو رِوَايَة أبي عوَانَة الْبَصْرِيّ.
قَوْله: ( فِي السّتْر) وَفِي بعض النّسخ فِي التستر أَرَادَ تَابعا سُفْيَان فِي لفظ ( سترت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .