فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا احتلمت المرأة

(بابٌُ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)

أَي: هَذَا بابُُ مَا يكون فِيهِ من الحكم إِذا احْتَلَمت الْمَرْأَة، والاحتلام من الْحلم، وَهُوَ عبارَة عَمَّا يرَاهُ النَّائِم فِي نَومه من الْأَشْيَاء، يُقَال: حلم، بِالْفَتْح: إِذا رأى، وتحلم إِذا ادّعى الرُّؤْيَا كَاذِبًا.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي كل مِنْهُمَا بَيَان حكم الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة فَإِن قلت: حكم الرجل إِذا احْتَلَمَ مثل حكم الْمَرْأَة، فَمَا وَجه تقييدها هَذَا الْبابُُ بِالْمَرْأَةِ وتخصيصه بهَا؟ قلت: الْجَواب عَنهُ بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا: أَن صُورَة السُّؤَال كَانَت فِي الْمَرْأَة، فقيد الْبابُُ بهَا لموافقته صُورَة السُّؤَال، وَالثَّانِي: فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى الرَّد على من منع مِنْهُ فِي حق الْمَرْأَة دون الرجل، فنبه على أَن حكم الْمَرْأَة كَحكم الرجل فِي هَذَا الْبابُُ، أَلا ترى كَيفَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي جَوَاب أم سليم: (الْمَرْأَة ترى ذَلِك أعليها الْغسْل؟ نعم، إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال) ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْمعْنَى أَن النِّسَاء نَظَائِر الرجل وأمثالهم فِي الْأَخْلَاق والطباع كأنهن شققْنَ مِنْهُنَّ، وحواء خلقت من آدم، عَلَيْهِمَا السَّلَام.
والشقائق جمع شَقِيقَة، وَمِنْه: شَقِيق الرجل وَهُوَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأمه، وَيجمع على أشقاء أَيْضا، بتَشْديد الْقَاف، وَنسب منع هَذَا الحكم فِي الْمَرْأَة إِلَى إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ على مَا روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ ذَلِك بِإِسْنَاد جيد فَكَأَن النَّوَوِيّ لم يقف على هَذَا واستبعد صِحَّته عَنهُ.



[ قــ :278 ... غــ :282 ]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنِ يُوسُفَ قالَ أخبرْنا مالِكٌ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّها قَالَتْ أُمُّ سَلْيمٍ امْرَأَةُ أبي طَلْحَةَ إلَى رسولِ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رَسُول اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِيَّ مِنَ الحَقِ هَلُ عَلَى المَرْأَةَ مِنْ غُسْلِ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَمْ إذَا رَأَتْ المَاءِ.
[/ نه

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد اللهبن يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي: مَالك بن أنس.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة.
الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
الْخَامِس: زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، وَاسم أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي، وَفِي (تَهْذِيب التَّهْذِيب) أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي أحد السَّابِقين عبد الله أَخُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة، وَذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ الْحيَاء فِي الْعلم.
وَفِيه زَيْنَب بنت أم سَلمَة، فنسبت زَيْنَب هُنَاكَ إِلَى أمهَا، وهاهناإلى أَبِيهَا وَاسم أم سَلمَة: هِنْد بنت أبي أُميَّة، واسْمه حُذَيْفَة وَيُقَال: سهل بن المغير بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ، كَانَت قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أبي سَلمَة الْمَذْكُور، وَزَيْنَب هِيَ أُخْت سَلمَة، فكنى كل وَاحِد من أم زينتب وأبيها بسلمة، فَلذَلِك تنْسب زَيْنَب تَارَة إِلَى أَبِيهَا ببنت أبي سَلمَة، وَتارَة إِلَى أمهَا ببنت أم سَلمَة، وَالْمعْنَى وَاحِد.
السَّادِس: أم سَلمَة، أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأم سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام، وَاخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل رميثة وَقيل: مليكَة، وَقيل: الغميصاء، وَقيل: الرميصاء، وَأنْكرهُ أَبُو دَاوُد،.

     وَقَالَ  الرميصاء أُخْتهَا، وَعند ابْن سعد، أنيفة، وَأنْكرهُ ابْن حبَان، وَأم سليم بنت ملْحَان الخزرجية النجارية، وَالِدَة أنس بن مَالك زَوْجَة أبي طَلْحَة، كَانَت فاضلة دينة، وَاسم أبي طَلْحَة، زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام الْأنْصَارِيّ، النَّقِيب، كَبِير الْقدر، بَدْرِي مَشْهُور.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع وَهُوَ مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: ثَلَاث صحابيات.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون مَا خلا عبد الله بن يُوسُف.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي سِتَّة مَوَاضِع.
فِي الْغسْل هَاهُنَا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْأَدَب عَن إِسْمَاعِيل، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل، وَفِي خلق آدم عَن مُسَدّد، وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب، وَعَن ابْن أبي عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الطَّهَارَة عَن ابْن أبي عمر بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الْعلم عَن شُعَيْب بن يُوسُف وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن ابْن أبي شيبَة، وَعلي بن مُحَمَّد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا عنبة عَن يُونُس بن شهَاب، قَالَ: قَالَ عُرْوَة عَن عَائِشَة: [حم (إِن أم سليم الْأَنْصَارِيَّة، وَهِي أم أنس بن مَالك، قَالَت: يَا رَسُول الله إِن الله لَا تَسْتَحي من الْحق، أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ فِي النّوم مَا يرى الرجل اتغتسل أَو لَا؟ قَالَ عَائِشَة: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم، فلتغتسل إِذا وجدت المَاء.
قَالَت عَائِشَة: فَأَقْبَلت عَلَيْهَا فَقلت: أُفٍّ لَك، وَهل ترى ذَلِك الْمَرْأَة؟ فاقبل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: تربت يَمِينك يَا عَائِشَة، وَمن أَيْن يكون الشّبَه) .
[/ حم
ذكر الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الحَدِيث هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة كَمَا رَأَيْته، وَقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه من طرق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن زَيْنَب، وَرَوَاهُ أَيْضا مُسلم من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، لَكِن قَالَ: عَن عَائِشَة: قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عقيل والزبيدي وَيُونُس وَابْن أخي الزُّهْرِيّ وَابْن الْوَزير عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيّ مسافع الحَجبي، قَالَ: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَأما هِشَام بن عُرْوَة، فَقَالَ عَن عُرْوَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة: (أَن أم سليم جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم).

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض عَن أهل الحَدِيث إِن الصَّحِيح أَن الْقِصَّة وَقعت لأم سَلمَة لَا لعَائِشَة وَنقل ابْن عبد الْبر عَن الذهلي أَنه صحّح الرِّوَايَتَيْنِ.
قلت: قَول عِيَاض يرجح رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة، وَقَول أبي دَاوُد عَن مسافع يرجح رِوَايَة الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن تكون عَائِشَة وَأم سَلمَة جَمِيعًا أنكرتا على أم سليم.
والزبيدي هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَيُونُس بن يزِيد، وَابْن أخي الزُّهْرِيّ اسْمه، مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، وَابْن أبي الْوَزير اسْمه إِبْرَاهِيم بن عمر بن مطرف الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْمَكِّيّ، ومسافع، بِضَم الْمِيم وبالسين الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء ابْن عبد الله أَبُو سُلَيْمَان الْقرشِي الحَجبي الْمَكِّيّ.

ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث لفظ البُخَارِيّ فِي بابُُ الْحيَاء فِي الْعلم بعد.
قَوْله: (إِذا رَأَتْ المَاء، فغطت أم سَلمَة يَعْنِي وَجههَا،.

     وَقَالَ ت: يَا رَسُول الله: أَو تحتلم الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم تربت يَمِينك، فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا) وَفِي لفظ بعد قَوْله: (إِذا رَأَتْ المَاء، فَضَحكت أم سَلمَة.
فَقَالَت: أتحتلم الْمَرْأَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَبِمَ شبه الْوَلَد) وَفِي لفظ، قَالَت أم سَلمَة (فَقلت: فضحت النِّسَاء) .
وَعند مُسلم من حَدِيث أنس: (أَن أم سليم حدثت أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَائِشَة عِنْده يَا رَسُول الله: الْمَرْأَة ترى مَا يرى الرجل فِي الْمَنَام من نَفسهَا مَا يرى الرجل من نَفسه، فَقَالَت عَائِشَة يَا أم سليم فضحت النِّسَاء تربت يَمِينك.
فَقَالَ لَهَا إمه، بل أَنْت تربت يَمِينك، نعم فلتغتسل يَا أم سليم) وَفِي لفظ: (فَقَالَت أم سليم، وَاسْتَحْيَيْت من ذَلِك، وَهل يكون هَذَا؟ قَالَ: نعم مَاء الرجل غليظ أَبيض، وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر، أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه) ، وَفِي لفظ: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ مِنْهَا مَا يكون من الرجل فلتغتسل) وَفِي لفظ: (قَالَت عَائِشَة: فَقلت لَهَا، أُفٍّ لَك؛ أَتَرَى الْمَرْأَة ذَلِك) ؟ وَفِي لفظ: (تربت يداك وألت، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دعيها تربت بمينك وألت، وَهل يكون الشّبَه إلاَّ من قبل ذَلِك؟ إِذا علا مَاؤُهَا مَاء الرجل أشبه الرجل أَخْوَاله، وَإِذا علا مَاء الرجل ماءها أشبه أَعْمَامه) وَفِي لفظ أبي دَاوُد: (تَغْتَسِل أم لَا , فَقَالَ: فلتغتسل إِذا وجدت المَاء) وَفِي لفظ: (وَالْمَرْأَة عَلَيْهَا غسل؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال) .
وَفِي لفظ النَّسَائِيّ: (فَضَحكت أم سَلمَة) ، وَعند ابْن أبي شيبَة: (وَقَالَ: هَل تَجِد شَهْوَة؟ قَالَت: لَعَلَّه قَالَ: تَجِد بللاً قَالَت لَعَلَّه.
فَقَالَ: فلتغتسل.
فلقيها النسْوَة فَقُلْنَ: فضحتنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَقَالَت: وَالله مَا كنت لَا أَنْتَهِي حَتَّى أعلم فِي حِلِّ أَنا أم فِي حرَام) وَعند الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) قلت: يَا رَسُول الله: أَمر يقربنِي إِلَى الله أَحْبَبْت أَن أَسأَلك عَنهُ: قَالَ: اصبت يَا أم سليم.
فَقلت) الحَدِيث وَعند الْبَزَّار: (فَقَالَت أم سَلمَة: وَهل للنِّسَاء من مَاء؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا هن شقائق الرِّجَال) .
وَعند ابْن عمر: (إِذا رَأَتْ ذَلِك فأنزلت فعلَيْهَا الْغسْل، فَقَالَت أم سليم: أَيكُون هَذَا) ؟ وَعند الإِمَام أَحْمد: (أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِذا رَأَتْ الْمَرْأَة أَن زَوجهَا يُجَامِعهَا فِي الْمَنَام، أتغتسل؟) وَعند عبد الرَّزَّاق فِي هَذِه الْقِصَّة: (إِذا رَأَتْ أحداكن المَاء كَمَا يرى الرجل) .
وَقد جَاءَ عَن جمَاعَة من الصحابيات أَنَّهُنَّ سألن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن، كسؤال أم سليم، مِنْهُنَّ، خَوْلَة بنت حَكِيم، روى حَدِيثهَا ابْن مَاجَه من طَرِيق عَليّ بن جدعَان: (لَيْسَ عَلَيْهَا غسل حَتَّى تنزل كَمَا ينزل الرجل) ، وبسرة ذكره ابْن أبي شيبَة بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ، وسهلة بنت سُهَيْل، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ابْن طيعة.
أَكثر الْكَلَام مضى فِي بابُُ: الْحيَاء فِي الْعلم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم أَن الرجل إِذا رأى فِي مَنَامه أَنه احْتَلَمَ أَو جَامع وَلم يجد بللاً أَن لَا غسل عَلَيْهِ، وَاخْتلفُوا فِيمَن رأى بللاً، وَلم يتَذَكَّر احتلاماً فَقَالَت طَائِفَة يغْتَسل روينَا ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ،.

     وَقَالَ  [قعأحمد [/ قع: أحب إِلَيّ أَن يغْتَسل إلاَّ رجل بِهِ أبردة،.

     وَقَالَ  [قعأبو إِسْحَاق [/ قع: يغْتَسل إِذا كَانَت بل نُطْفَة، وروينا عَن الْحسن أَنه قَالَ: إِذا كَانَ انْتَشَر إِلَى أَهله من اللَّيْل فَوجدَ من ذَلِك بلة فَلَا غسل عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن كَذَلِك اغْتسل، وَفِيه قَول ثَالِث: وَهُوَ أَن لَا يغْتَسل حَتَّى يُوقن بِالْمَاءِ الدافق هَكَذَا، وَهُوَ قَول قَتَادَة.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف: يغْتَسل إِذا علم بِالْمَاءِ الدافق،.

     وَقَالَ  الخاطبي: ظَاهر وَيُوجب الِاغْتِسَال إِذا رأى البلة، وَإِن لم يتَيَقَّن أَنه المَاء الدافق، وَرُوِيَ هَذَا القَوْل عَن جمَاعَة من التَّابِعين.
.

     وَقَالَ  أَكثر أهل الْعلم: لَا يجب عَلَيْهِ الِاغْتِسَال حَتَّى يعلم أَنه بَلل المَاء الدافق.

وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِيهِ دَلِيل على أَن النِّسَاء لَيْسَ كُلهنَّ يحتلمن، وَلِهَذَا أنْكرت عَائِشَة على أم سَلمَة، وَقد يعْدم الِاحْتِلَام فِي بعض الرِّجَال فالنساء أَجْدَر أَن يعْدم ذَلِك فِيهِنَّ، وَقد قيل: أَن إِنْكَار عَائِشَة لذَلِك إِنَّمَا كَانَ لصِغَر سنّهَا وَكَونهَا مَعَ زَوجهَا لِأَنَّهَا لم تَحض إلاَّ عِنْده، وَلم تفقده فقداً طَويلا إلأ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلذَلِك لم تعرف فِي حَيَاته الِاحْتِلَام، لأنَّ الِاحْتِلَام لَا يعرفهُ النِّسَاء، وَلَا أَكثر الرِّجَال إلاَّ عِنْد عدم الرِّجَال بِعَدَمِ الْمعرفَة بِهِ، فَإِذا فقد النِّسَاء أَزوَاجهنَّ احتلمن.
وَالْوَجْه الأول عِنْدِي أصح، وَأولى، لِأَن أم سَلمَة فقدت زَوجهَا وَكَانَت كَبِيرَة عَالِمَة بذلك، وَأنْكرت مِنْهُ مَا أنْكرت عَائِشَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن من النِّسَاء من لَا تنزل المَاء فِي غير الْجِمَاع الَّذِي يكون فِي اليقطة وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن أم سَلمَة أَيْضا تزوجت أَبَا سَلمَة شَابة وَلما توفّي عَنْهَا زَوجهَا تزَوجهَا سيد الْمُرْسلين، لَا سِيمَا مَعَ شغلها بِالْعبَادَة وَشبههَا الَّتِى هِيَ وَجَاء لغَيْرهَا أَو تكون قالته إنكاراً على أم سليم لكَونهَا واجهت بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوضحهُ، فَقَالَت أم سَلمَة وغطت وَجههَا.

وَقَالَ [قعابن بطال [/ قع فِيهِ دَلِيل على أَن كل النِّسَاء يحتملن.
وَفِيه: دَلِيل على وجوب الْغسْل على الْمَرْأَة بالإنزال، وَنفى ابْن بطال الْخلاف فِيهِ، وَقد ذكرنَا فِي أول الْبابُُ خلاف النَّخعِيّ.
وَفِيه: رد على من زعم أَن مَاء الْمَرْأَة لَا يبرز، وَإِنَّمَا تعرف إنزالها بشهوتها وَحمل قَوْله: إِذا رَأَتْ المَاء أَي: إِذا علمت بِهِ لِأَن وجود الْعلم هُنَا مُتَعَذر، لِأَن الرجل لَو رأى أَنه جَامع وَعلم أَنه أنزل فِي النّوم ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَلم ير بللاً لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل فَكَذَلِك الْمَرْأَة، وَإِن أَرَادَ علمهَا بذلك بعد أَن استيقظت فَلَا يَصح، لِأَنَّهُ لَا يسْتَمر فِي الْيَقَظَة مَا كَانَ فِي النّوم إلاَّ إِن كَانَ مشاهداً، فَحمل الْكَلَام على ظَاهره هُوَ الصَّوَاب.
فَإِن قلت: قد جَاءَ عَن أم سَلمَة، فَضَحكت، وَجَاء، فغطت وَجههَا، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا.
قلت: معنى ضحِكت تبسمت تَعَجبا، وغطت وَجههَا، حَيَاء وَمعنى: تربت يَمِينك، فِي الأَصْل، لَا أَصَابَت خيرا، غير أَن فِي (لِسَان الْعَرَب) يُطلق ذَلِك وأمثالها، وَيُرَاد بِهِ الْمَدْح وَفِي كتاب (أدب الْخَواص) للوزير أبي الْقَاسِم المغربي، وَفِي كتاب (الأيك والغصون) لأبي الْعَلَاء المعري معنى قَوْله: ترَتّب يَمِينك أَي: افْتَقَرت من الْعلم مِمَّا سَأَلت عَنهُ أم سليم وَفِي (الْمُحكم) ترب الرجل صَار فِي يَده التُّرَاب، وترب ترباً لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر وترب ترباً ومتربة خسر وافتقر، وَحكى قطرب: ترب وأترب.
قَوْله: (وألت) بعد قَوْله اتربت يَمِينك مَعْنَاهُ: صاحت لما أَصَابَهَا من شدَّة، هَذَا الْكَلَام، وَرُوِيَ ألت، بِضَم الْهمزَة مَعَ التَّشْدِيد أَي: طعنت بالآلة، وَهِي الحربة العريضة النصل.